حلقة نقاش في مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات حول:
الانتخابات التشريعية: التطورات الفلسطينية والتداعيات الخارجية
تحت عنوان: “الانتخابات التشريعية: التطورات الفلسطينية والتداعيات الخارجية” نظّم مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات صباح يوم الأربعاء 8/2/2006-في مقرّه- حلقة نقاش حول نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية، شارك فيها نخبة من المفكرين والمراقبين والمهتمين بالشأن الفلسطيني.
وفي بداية الجلسة رحّب مدير المركز الدكتور محسن صالح بالحضور، وأكد أن الجلسة هي جلسة حوار أكاديمي فكري لمن يحملون الهم الفلسطيني، ويسعون إلى خدمة المسيرة الفلسطينية إلى الأمام. وكان هناك مشاركات عديدة أبرزها مشاركة الدكتور حسين أبو النمل خبير الدراسات الفلسطينية، الذي قال إن مما يلفت النظر التفاوت في أصوات المسيحيين وكيفية دعم القوائم لهم. وذكر أن الأرقام قد تقود إلى نتائج خادعة، حيث أن هناك كتلة اجتماعية ممن يحق لها الانتخاب تقدر بثمانمائة ألف نسمة ظلت خارج الحق الانتخابي،أي أنها لم تسجل نفسها، كما أن هناك كتلتين، واحدة لم تذهب للاقتراع، وهناك أيضاً كتلة الأوراق البيضاء، وأكد أنه ليس هناك فجوة رقمية بين فتح وحماس، وأن المنفردين من التيار اليساري حصدوا أصواتاً أكثر مما حصدت القوائم.
الأستاذ صقر أبو فخر الباحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية قال إن التوقعات كانت مخالفة للنتائج، ورأى أنه ليس لأحد أن يطلب من حماس ماذا تفعل فهي مكلفة من الشعب، والشعب الفلسطيني هو الذي يطالبها بتحديد المحطة المقبلة.
أما الأستاذ هشام دبسي، مدير مركز ميزوف فقال: إن هزيمة فتح كانت ثقيلة, وفوز حماس ثقيل عليها أيضاً، ورأى أن الشرط الأساسي للديمقراطية هو التخلي عن الخطاب المزدوج، وأضاف أنه لم يعد بإمكان حماس التراجع إلى الوراء، كما لا يمكنها الاحتفاظ بخطابها السابق، وأن أحد النتائج أن حماس أوقفت الحملات الإعلامية على السلطة، كما أنه بعد الانتخابات اكتمل عقد العلاقات مع كل المحاور العربية والدولية والإسلامية، ورأى أن هناك ثمة إمكانية لتوظيف ذلك في خدمة الحركة الوطنية وليس العكس.
أما الأستاذ وليد محمد علي، رئيس مركز باحث للدراسات فدعا إلى ضرورة قراءة بعض النتائج والدلالات، مثل الأرقام العالية التي حصل عليها دحلان في خان يونس، رغم ما يُشاع عنه من الفساد، ونموذج الخليل حيث السيطرة الإسرائيلية والاستيطان، ونيل حماس كل المقاعد في القدس، وعزا النتائج إلى فساد السلطة الذي بلغ درجة لا يتخيلها عقل، ورأى أن فصائل المنظمة ورؤاها التنظيمية قد شاخت تماماً، وكرّر دعوته إلى المرحلية الميدانية من منطلق حاجة الفلسطينيين في الوقت الحالي إلى مرحلة تحرر وطني، وأضاف أن الشعب الفلسطيني قد فوّض حماس وبالتالي فإن من حقها الطبيعي أن تمارس السلطة على أرضية البرنامج الذي حصلت على تفويض الشعب على أساسه.
رئيس تحرير جريدة السفير الأستاذ جوزيف سماحة رأى أن هناك سؤالاً جوهرياً وهو كيف يمكن وضع الانتخابات الفلسطينية والتحول الذي حصل في الموضوع الفلسطيني في سياق ما يجري في المنطقة والعالم؟ ورأى أن ما حصل لا يمكن عزله عن السياقات الدولية والإقليمية، ورأى أن فلسطين كانت جزءاً من قضية قومية عربية، ولكنها انتهت إلى تحولها إلى قضية ذاتية فلسطينية، وفي كل مرحلة من مراحل هذا التغير كانت هناك مكونات عديدة للمشهد الفلسطيني كثيراً ما كانت معادية للأنظمة العربية، واليوم تعود فلسطين لتصبح متصلة بما حولها، بالقومية والإسلامية بفضل الانتخابات. ورأى أنه حتى لو صُبّت طاقات الفلسطينيين جميعها في اتجاه واحد فلن يكون هناك حل، إذ لا حل أصلاً للصراع الفلسطيني مع إسرائيل، وإذا وجد حل/ هدنة فإنه سوف يكون مرحلياً، بشروط تستوجب توافقاً قومياً وإسلامياً ودولياً لإرغام إسرائيل على قبول هذه التسوية، ودعا إلى مزيد من وصل ما انقطع بين فلسطين ومحيطها.
ورأى الأستاذ قاسم قصير المحرر في جريدة المستقبل أن القانون الانتخابي الفلسطيني قانون متقدم، وأن الانتصار كان انتصاراً استراتيجياً في الصراع، والأرقام كانت مفاجئة، ورأى أنه إذا شاركت فتح في السلطة فإنه يجب عليها أن توافق على برنامج حماس، وقال إن حماس أمام تحدي الدمج بين الشعارات والواقع، خاصة وأن التجارب الإسلامية السابقة أكدت أن الشعار المطلق لا ينفع، وأعطى مثالاً على ذلك بأن الإمام الخميني صاحب مشروع إفشال اتفاقية سايكس بيكو وصل إلى حائط مسدود حيث أنه دخل العراق ولكنه اضطر فيما بعد بأن يقبل بقرارات الأمم المتحدة.
بدوره الأستاذ الباحث الفلسطيني وخبير شئون اللاجئين سهيل الناطور رأى أنه يجب أن هناك قيادة عامة حقيقية للشعب الفلسطيني، إذ إن الديمقراطية في العملية الانتخابية هي جزء من العملية الديمقراطية.. وما يزال أمامنا شوط كبير. واعتبر أن قانون الانتخابات كان العامل الأكثر تأثيراً في النتائج، واصفاً إياه بأنه أكبر خطأ وقعت فيه حركة فتح أو الذين كانوا في المجلس التشريعي، إذ اعتقدوا أن لديهم الأكثرية وأن باستطاعتهم أن “يكسروا رأس الآخرين”. ودعا إلى برنامج سياسي تتوافق عليه القوى السياسية الأساس، بالإضافة إلى البحث عن آليات الحكم المشترك، وتوقّع حدوث تغيرات كبيرة، ورأى أن الفلسطينيين أمام احتمالين لا ثالث لهما، فإما الجمود وعدم إيجاد حل بين قوتين قد يزيد الصراع بينهما إلى شلل فلسطيني، وإما أن يحدث تعايش وفقاً للبرنامج الذي يتم التوافق عليه.
الباحث زياد بحيص قال إن استطلاعات الرأي قامت على أساس القوائم وليس الدوائر. وهو ما سبّب المفاجأة. فتح أضرّت نفسها. البرنامج السياسي وحجم الاستقطاب، أداء الخدمات السابق، النفع المناطقي، القبائلية، الإعلام، كلها كان لها دور. دحلان كان يفيد الناس، لذلك نال أعلى الأصوات. النتائج كانت متقاربة على مستوى القوائم، وكان الفرق بين حماس وفتح على مستوى الدوائر. الدوائر تشير إلى تفوق في الأداء الشعبي والدعوي والخدمات.
الأستاذ قاسم العينا أحد أبرز الناشطين الفلسطينيين في الرعاية الاجتماعية للاجئين في لبنان رأى أن حماس كانت موفقة في اختيار مرشحيها، فمثلاً النساء اللواتي رُشّحن هنّ زوجات شهداء، كما أن تركيبة المجتمع أثرت، فمع أن جماهير حماس هي ذاتها جماهير فتح، إلا أن مصالح الناس هي الأهم بالنسبة لهم. ورأى أن أهم استحقاق هو أن تنجح حماس في إعادة تشكيل منظمة التحرير، ولكنه تساءل على أي أساس يعاد تشكيل المنظمة “وأصغر عضو فيها يبلغ السبعين من عمره” !! وبعض الأعضاء الآخرين يمثلون فصائل لم يعودوا ينتمون إليها.
أما الأستاذ أسامة حمدان ممثل حركة حماس في لبنان فرأى أن النتيجة التي حصلت عليها حماس عبرت عن حقيقة التوازن الاجتماعي. وكشف أنه فجر يوم إعلان نتائج الانتخابات كان هناك اتجاه لدى بعض قيادات فتح لإلغاء النتائج… ولكن أبا مازن رفض ذلك معتبراً أنه سيكون مدخلاً إلى حرب أهلية، وهذا يعني أن أبا مازن كان يدرك أن الشعب قادر على حماية مسار الانتخابات. ورأى أنه ليس هناك عقوبة ومكافأة، وإنما حاصل مسار ومسيرة يقرؤها الناخب فيتبلور قراره. كان المتوقع أن لا تتجاوز نسبة حماس 30% من الأصوات. في الواقع كانت النسبة مخالفة ووصلت إلى نحو 45%. وهذا دليل على جهد متراكم داخل المجتمع الفلسطيني. لكن هذا لا يمنع حدوث تغييرات في الشعبية صعوداً أو هبوطاً في المراحل القادمة.
وأشار إلى أن هناك لغة جديدة تتشكّل في الواقع السياسي الفلسطيني تقول إن حماس تستفيد من الأخطاء التي وقعت بها فتح، ودعا إلى تصحيح هذه الأخطاء من أجل تحقيق المصلحة الوطنية العليا. وقال إن أولويات حماس هي باتجاه إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتكون هي العنوان، ولتعطي شراكة لكل الفلسطينيين في الانتخاب والمشاركة في بناء المشروع الوطني الفلسطيني.
الأستاذ تيسير الخطيب رئيس مركز الإسراء للدراسات رأى أن أزمة النتيجة المفاجئة هي أزمة الجميع وليست أزمة حماس فقط، ورأى أنه مع وضع معقد مثل هذا، يجب التفكير بحلول مبتكرة، ودعا حماس إلى أن لا تظهر زهدها في الحكومة وأن لا تشعر أنها مضطرة لتقديم تنازلات، بل دعاها إلى عدم تقديم أي تنازل مبدئي، كما رأى أن أفضل حلّ هو بتشكيل حكومة من خارج حماس تمارس الحركة الرقابة عليها.
في حين تساءل أستاذ العلاقات الدولية الدكتور كمال ناجي كيف قبل الفلسطينيون بإجراء الانتخابات في ظل مجتمع تحت الاحتلال الإسرائيلي. ومن الناحية القانونية فهذه الانتخابات فاسدة في ظلّ احتلال. ولكن في المقابل قبل الفلسطينيون ذلك لأنها بالنسبة لهم واجب وطني، وهو أحد أساليبهم ليقولوا للعالم أنهم يريدون دولة مستقلة.وليست البرامج الاقتصادية والاجتماعية هي النقاط الوحيدة التي نظر إليها الناخب. فقد ذهب وفي عقله أنه يمرّ بمرحلة تحرر وطني. فهم مناضلون يتصدون لتبؤ المشروع الوطني.إذن فالمعايير كانت متميزة عن أي مجتمع آخر. ودعا حماس إلى وضع إستراتيجية جديدة قائمة على الإجابة على ثلاثة أسئلة تتمحور حول كيفية تعاطي حماس مع التعارض الذي سينشأ بينها وبين فتح بسبب اتفاقات فتح السابقة مع إسرائيل والتي تعترف بوجودها، وكيفية تعامل الحركة مع الموقف الدولي، وما إذا كانت حماس ستنتهج استراتيجية إدارة الصراع أم لا.
د. محسن محمد صالح قال إن حماس غير مضطرة للاعتراف بإسرائيل ففي الكيان الإسرائيلي هناك أحزاب دينية رسمية غير معترفة بإسرائيل وهي تشارك في الحكومة والانتخابات. ومن الناحية الفلسطينية فإن منظمة التحرير هي التي اعترفت وليس حركة فتح. ومن جانب ثالث فإن إسرائيل تصرّ على الاعتراف بحقها القانوني في الوجود ( دي جوري De Jure) بينما تقوم كل الاعترافات بين الدول على (الدي فاكتو De Facto) أي الاعتراف بالأمر الواقع. وقال د. محسن إننا لسنا مضطرين لأن تكون عملية التسوية هي أولوية مشروعنا الفلسطيني. إذ من الممكن أن نعيد ترتيب أولوياتنا. الإسرائيليون قالوا لا يوجد شريك فلسطيني. وبدؤوا يفرضون الأمور من طرف واحد. فإذا كان هذا هو الحال سواء فازت فتح أم حماس، فإنه في الحقيقة لا يوجد شريك إسرائيلي، ولا ينبغي الحديث عن عدم وجود شريك فلسطيني. وعلى ذلك فيجب إعادة ترتيب الأولويات فنبدأ بترتيب بيتنا الفلسطيني ومنظمة التحرير. ولنحيي بعدنا العربي والإسلامي والإنساني.
الدكتور أنور أبو طه – المسؤول في حركة الجهاد الإسلامي – اعتبر أن الأزمة أزمة انتقالية وليست دائمة، ورأى أنه من الناحية الإستراتيجية فإن حماس هي في سياق وراثة قيادة المشروع الفلسطيني، وأن هروب الآخرين إلى منظمة التحرير لن يحل المشكلة، وأضاف أنه حتى لو أعادت فتح تنظيم صفوفها، فإنها لن تستطيع إن تعود للقيادة إذا ما أحسنت حماس إدارة المشروع، ورأى أنه في المحصّلة فإن المشروع الإسلامي هو الذي سيقود.
ورأى الباحث ومقدّم البرامج التلفزيوني الأستاذ نافذ أبو حسنة أن حماس كانت تفضل أن تكون كتلة اعتراضية، فكان يمكنها الأداء الاعتراضي الجدي، ورأى أنه إذا فشل الائتلاف بين حماس وفتح، فعلى حماس تشكيل حكومة تكنوقراط تتفرغ للوضع الداخلي بشكل جدّي. بينما تتفرغ الكتلة السياسية لفتح وحماس لإعادة بناء منظمة التحرير على أساس مرجعية جديدة تنتج تصوراً جديداً. ورأى أن حديث الأستاذ خالد مشعل عن بناء جيش كان بالأصل مشروعاً لمنظمة التحرير الفلسطينية في محاولة منها لدمج كل فصائل منظمة التحرير ولكنه تحوّل فيما بعد إلى مشروع توزيع مغانم، وأضاف أنه إذا كانت هناك نية حقيقية لمثل هذا المشروع فإنه يحتاج إلى إجماع وطني يحدد وظيفته.
بدوره قال الباحث الأستاذ ماجد عزام مدير مركز شرق المتوسط للخدمات الإعلامية: إن إعادة تشكيل منظمة التحرير لن يكون مشكلة، بل هو مخرج وطني، ورأى في إعادة بنائها مصلحة حقيقية، مبدياً تفاؤله أن يتم إعادة بناء منظمة التحرير على أسس سليمة. ورأى أنه كلما نجحت فتح في إعادة ترتيب صفوفها، فإن ذلك سيسرّع إجراء انتخابات مبكرة وربما انتخابات رئاسية مبكرة، وسينعكس ذلك على البيت الفلسطيني. وأضاف أن أكثر ما يشغل الإسرائيليين الآن هو مصير أوسلو، وجدار الفصل. وختم قائلاً بأن الفلسطينيين نجحوا في الاختبار الميداني ونجاحهم هذا سينعكس بشكل كبير على مشروع الشرق الأوسط الكبير.
أما الأستاذ معين مناع الباحث في مركز الزيتونة فرأى أنه سيكون بانتظار حماس استحقاقات يجب أن تحسن التعامل معها، سواء على الصعيد المحلي أو على الصعيدين العربي والدولي، ودعا الحركة إلى إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية التي تراجعت إلى حالة حزبية فلسطينية.
وفي نهاية الجلسة شكر الدكتور محسن الحضور ودعا إلى إعادة ترتيب أولويات البيت الفلسطيني بشكل آخر، بحيث يعاد تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، وإذا لم يرض العالم بالتغيير الذي سنقدمه، فلنحيي بعدنا العربي والإسلامي والإنساني.
أضف ردا