بقلم : أمل عيتاني – كاتبة لبنانية.
معلومات النشر:
– العنوان: التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2005 |
أطلق مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات مشروعه الجديد في مجال البحث الأكاديمي بإصداره التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2005، وهو تقرير شامل وتخصصي في الوقت نفسه، يغطي مختلف الشؤون الفلسطينية، من السياسة إلى العلاقات الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى معالجة وتحليل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية/ السكانية والتعليمية تحليلاً علمياً موثقاً بالمعلومات والإحصاءات، ومدعماً بما يزيد عن ستين جدولاً ورسماً بيانياً. ويقع التقرير في 282 صفحة من القطع الكبير، وهو مقسم إلى ثمانية فصول شارك في كتابتها ثمانية أساتذة متخصصين، هم: د. بشير نافع، ود. محسن محمد صالح، ود. أحمد سعيد نوفل، ود. عمرو سعداوي، ود. رائد نعيرات، ود. سلمان أبو ستة، ود. محمد مقداد، ود. ابراهيم أبو جابر، وشارك في مراجعته عدد من الأساتذة الكبار أمثال: الأستاذ الدكتور أنيس الصايغ، والأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري، والأستاذ منير شفيق؛ وذيّل التقرير بملحق يشتمل على مجموعة من الوثائق السياسية. وينبئ الجهد المبذول في هذا المشروع، مع ما يتمتع به من دقة ومراعاة للمنهجية العلمية الأكاديمية الحيادية، بإمكانية أن يصبح التقرير في المستقبل، مرجعاً علمياً، ومشروعاً موازياً للتقرير الاستراتيجي العربي الذي يصدره مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، مع فارق تخصصه بالساحة الفلسطينية.
التغيير والبحث عن الإجماع
جاء الفصل الأول من التقرير بعنوان: “الوضع الفلسطيني الداخلي: التغيير والبحث عن الإجماع”، ويذكر أن “السمة الرئيسية للوضع الفلسطيني الداخلي خلال هذا العام الطويل كانت التوجه نحو استكشاف خيارات جديدة للعمل الوطني، والبحث المطرد عن الوحدة والإجماع” ويتطرق فيه إلى أبرز التطورات التي طبعت المشهد الفلسطيني الداخلي، مثل التشقق الذي حدث داخل حركة فتح، وانهيار الإجماع الوطني عليها، والذي رأى أنه يعود إلى “حالة انهيار الإجماع الوطني الناجمة عن اتفاقات أوسلو، وإلى الآثار الفادحة التي تركتها مؤسسة السلطة على بنية التنظيم الفلسطيني الحاكم؛ إلى جانب أسباب أخرى تتعلق بخطها السياسي، وعدم تحقيق أية إنجازات على الأرض، حتى أن العام 2005 لم يشهد إطلاق مسيرة المفاوضات”. وكان انتقال الرئاسة الفلسطينية من أبي عمار إلى أبي مازن أي من زعيم تاريخي كبير إلى رئيس عادي أقل وزناً وكاريزما، وهو ما يسهّل نقده ومحاسبته. ثم يتطرق الفصل إلى فشل الرئيس الفلسطيني في توحيد الساحة السياسية الفلسطينية، وتوحيد فتح نفسها.
ويناقش الفصل الانسحاب من غزة، وتأثيره على المشهد الفلسطيني الداخلي،كما يتطرق أيضاً إلى الانتخابات التشريعية والبلدية وما حملته من دلالات هامة على الساحة الفلسطينية، معتبراً أنه “بإعطاء حماس أغلبية ملموسة في المجلس التشريعي أظهر الفلسطينيون رغبة واضحة في البحث عن خيارات جديدة للعمل الوطني غير خيار أوسلو ومتعلقاته، كما أظهروا الارتباط الوثيق بين تحولات الساحة الفلسطينية والتوجه المتزايد للشعوب العربية والإسلامية نحو موضعة السياسة ضمن مرجعية إسلامية ذات برنامج ممانعة ومقاومة”.
المشهد الفلسطيني- الإسرائيلي: بدء الرحلة باتجاه الخطّ الأخضر
في هذا الفصل من التقرير، تمّ تقديم صورة عامة مدعمة بالأرقام والبيانات عن المشهد الاسرائيلي الداخلي وانعكاساته على الوضع الفلسطيني؛ فتطرق إلى الوضع السكاني والوضع الاقتصادي، والوضع العسكري ثم انتقل إلى المشهد السياسي، والعلاقات الفلسطينية والاسرائيلية فاعتبر أن الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة وإنشاء حزب كاديما (إلى الأمام) بقيادة شارون كانا أبرز حدثين في المشهد السياسي الاسرائيلي سنة 2005. وتحدثّ بالتفصيل والأرقام عن الاجراءات القمعية للاحتلال الاسرائيلي، بما في ذلك الاغتيالات والانتهاكات ومصادرات الأراضي والاعتقالات والجدار العازل. ورأى أنه ” لم تُظهر سنة 2005 أية استعدادات اسرائيلية رسمية للدخول في تسوية سلمية مع الفلسطينيين والعرب، وفق المبادرات العربية، ولا وفق قرارات الشرعية الدولية. وفضّلت “اسرائيل” استخدام نغمة “غياب الشريك الفلسطيني” حتى تتمكن من فرض تصوراتها وشروطها، وتنشئ حقائق جديدة على الأرض”.
وأضاف أن التغيرات الحزبية الاسرائيلية، وتبنّي أغلبية كبيرة للفصل أحادي الجانب، والانسحاب من قطاع غزة قد عبّرت عن أزمة المشروع الصهيوني، وفشل استراتيجية الإخضاع التي يمارسها في مواجهة الشعب الفلسطيني وانتفاضته وتطلعاته، ومحاولة التعامل معها بأقل قدر من الخسائر. وهي أزمة مرشّحة للتصاعد إذا ما استمر الطرف الفلسطيني في الإصرار على حقوقه المشروعة، مع تفعيل الأدوار العربية والإسلامية والإنسانية.
القضية الفلسطينية والعالم العربي
تحدث هذا الفصل عن المواقف العربية من القضية الفلسطينية، وخاصة موقف القمة العربية، والمبادرة السعودية، ثم تطرق إلى مواقف دول الطوق من القضية الفلسطينية، ومن الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة، ومن التطورات في مجال التطبيع بين الدول العربية و”اسرائيل”، وقارن بين الموقف العربية الرسمي، والموقف العربي الشعبي وتوجهاته. فرأى أن سنة 2005 لم تختلف بالنسبة للموقف العربي من القضية الفلسطينية كثيراً عن السنوات السابقة، حيث ظلّت حالة العجز والتشتت، والانغلاق نحو الخصوصية المحلية هي الحالة الغالبة عربياً. واستمرت الدول العربية في تبني السياسات المعتادة بشأن تحقيق تسوية سلمية مع “اسرائيل” وفق المبادرة السعودية. وتمكن الاسرائيليون من تطوير علاقاتهم السياسية والاقتصادية مع مصر والأردن، كما حققوا بعض الاختراقات التطبيعية. في حين أكد “أن المواقف الشعبية العربية لا تزال تشكل داعماً قوياً للصمود الفلسطيني، وليس ثمة آمال كبيرة في إحداث تحولات سريعة في المواقف العربية في المستقبل القريب، غير أن حالة الحراك الشعبي، والاندفاع تجاه إقامة أوضاع سياسية أكثر شفافية وديمقراطية، قد يوفّران بارقة أملٍ في دفع الأنظمة العربية لتحمّل مسؤولياتها تجاه فلسطين بشكلٍ أكثر فاعلية”.
القضية الفلسطينية والعالم الإسلامي
تحدث هذا الفصل عن الاعتبارات التاريخية التي تحكم العلاقات الفلسطينية مع العالم الإسلامي، ثم تطرق إلى عملية التطبيع الهادئ الذي تقوم به “اسرائيل” مع الدول الإسلامية، وركّز على كون الدولة العبرية لم تعد تمثل خطراً وتهديداً لدول الجوار وحسب، أو للمحيط العربية الأوسع فقط، بل ولعدد كبير من الدول الإسلامية. ورأى أنه بينما ظن البعض خلال عقد التسعينيات أن اتفاق أوسلو سيكون بداية الطريق نحو تطبيع حثيث وعلاقات سلمية بين الدولة العبرية وكثير من الدول الإسلامية، التي لا تقع في دائرة الصراع المباشر على فلسطين أصلاً، فإن أحداث العام الماضي جاءت لتشير إلى عكس هذه التوقعات. فالشعوب، وحتى الدول، الإسلامية باتت أكثر وعياً وشعوراً بالارتباط الوثيق بين علاقاتها بالعالم الغربي وموقفها من المسألة الفلسطينية.
القضية الفلسطينية والوضع الدولي
عرض هذا الفصل لموقف الولايات المتحدة من خطة خريطة الطريق، ومفهوم الولايات المتحدة للأمن، وموقفها من الوضع السياسي الفلسطيني، وقدّم صورة عن تعاطي الاتحاد الأوروبي والصين والهند واليابان والبرازيل والأمم المتحدة مع الشأن الفلسطيني، سواء من الناحية السياسية أو من الناحية الاقتصادية وتطور العلاقات التاريخية. وخلص إلى القول بأن الهيمنة الأمريكية العالمية لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة على الوضع الفلسطيني، فقد فقدت الولايات المتحدة دور “الوسيط النـزيه” منذ سنوات طويلة، وليس من المؤمل في الوقت القريب أن تتغير السياسة الأمريكية على نحوٍ جادّ، لتتعامل بشكلٍ أكثر عدلاً مع الحالة الفلسطينية. وأضاف أن الدعم الأمريكي المتزايد لـ”اسرائيل” سنة 2005، وخصوصاً فيما يتعلق بالكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، وبالانفصال أحادي الجانب من قطاع غزة، خطوة إلى الوراء، مقارنة بخريطة الطريق التي تبنتها أمريكا وباقي أطراف الرباعية.
وختم قائلاً إن الخطّ العام للسياسات الدولية يظلّ مرتبطاً بالمصالح والحسابات الخاصة لكل دولة. غير أن إحداث اختراقات حقيقية في الموقف الدولية، ليس من السهل تحصيلها في المدى القريب، وتحتاج إلى موقف فلسطيني فعّال وموحّد، وإلى تغيير جذري في طريقة تناول العالم العربي والإسلامي لقضية فلسطين.
الأوضاع السكانية والاقتصادية والتعليمية
الفصل السادس من التقرير تحدّث عن الأوضاع السكانية، وأشار إلى أن سنة 2005 انتهت وما يزال أكثر من نصف شعب فلسطين يُعاني مرارة اللجوء والعيش القهريّ في الخارج، كما أنه ما يزال أكثر من مليونٍ و600 ألف فلسطيني آخرين مشردين، لكنهم يعيشون في الإطار الجغرافي لفلسطين. ويقدّر عـدد الفلسطينيين في العالم مع نهاية عام 2005 بنحو عشرة ملايين و100 ألف فلسطيني، بواقع 4.9 مليون فـي فلسطين التاريخية موزعين على: 2.4 مليون في الضفة الغربية، و1.4 مليون في قطاع غزة، وحوالي 1.1 مليون فلسطيني يقيمون في الكيان الاسرائيلي. وفي الخارج 5.2 مليون ، يقيم منهم نحو 3 ملايين في الأردن.
ويلاحظ التقرير مصاعب إحصاء الفلسطينيين خصوصاً في دول الشتات، ويقدم بالجداول والرسوم البيانية توزيعاً للسكان الفلسطينيين في الداخل والخارج، مؤكداً على فشل كل الجهود الاسرائيلية في اقتلاع الفلسطينيين مهما كانت السياسة المتبعة، كما يعرض دراسة مقارنة بين الديموغرافيا الفلسطينية والاسرائيلية، ودراسة أخرى مقارنة حول نسبة الخصوبة بين المجتمعين الفلسطيني والصهيوني، ويؤكد أنه من الناحية العملية “لا يعوق عودة اللاجئين إلى ديارهم أي عائق عمراني، ما عدا اتساع مدينة تل أبيب والقدس الغربية. وعلى الأخص، فإن عودة أهالي الجليل اللاجئين في سوريا ولبنان، واللواء الجنوبي من فلسطين اللاجئين في غزة، لا تمثل أي عائق، فعدد هؤلاء مجتمعين هو نفس عدد المهاجرين الروس الذين استوعبتهم “اسرائيل” في التسعينيات دون أي ازدحام غير عادي”.
أما الفصل السابع فيستعرض الوضع الاقتصادي الفلسطيني، ويتطرق فيه بالبيانات والأرقام إلى مجمل الصورة الاقتصادية الفلسطينية، ويتحدث عن أبرز المؤشرات الاقتصادية، وعن ميزانية السلطة الفلسطينية وانعكاسات الاحتلال الاسرائيلي على الاقتصاد الفلسطيني، كما يعرض خسائر القطاعات الاقتصادية مثل الصناعة والزراعة، ويتطرق إلى موضوع البطالة والفقر، والخطط التنموية الفلسطينية، وما تقدمه الدول المناحة من مساعدات، وآلية تقديم هذه المساعدات، ثم يقدم صورة عن الفساد المالي الذي يسود السلطة الفلسطينية، ويخلص إلى القول إن السياسات الاسرائيلية لعبت دوراً كبير الأثر في تدمير الاقتصاد الفلسطيني، وإلحاقه بالاقتصاد الاسرائيلي وعدم إعطائه الفرصة المستقبلية للنهوض باستقلالية، في حين لم تتمكن القيادة الفلسطينية من فكّ التبعية بسبب عوامل عديدة منها عوامل موضوعية خارجة عن إرادتها، وأخرى عوامل ذاتية ترجع إلى نمط الأداء في السلطة الفلسطينية.
أما الفصل الأخير من التقرير، فيتطرق إلى الوضع التعليمي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويتحدث فيه بلغة الأرقام والجداول والإحصاءات عن قطاع التعليم الرسمي ومؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، والتسرب بين الطلاب في مدارس السلطة الفلسطينية، وأثر الاحتلال الاسرائيلي والجدار العازل على التعليم الفلسطيني، كما تطرق إلى مناهج التعليم في عهد السلطة الفلسطينية، وأكد في نهاية بحثه على ضرورة اتخاذ خطوات عملية تنهض بالتعليم الفلسطيني مما يعانيه من مشاكل.
وختاماً، فإن مركز الزيتونة الذي أصدر هذا التقرير الاستراتيجي، يرى أنه يسهم بذلك في سدِّ ثغرة مهمة في الدراسات الاستراتيجية المتعلقة بالشأن الفلسطيني. غير أن محررَي التقرير يعترفان بأنه على الرغم من استخدام أفضل المعايير العلمية والموضوعية، فإن صدوره للمرة الأولى يفتح المجال واسعاً للاستماع للاقتراحات والملاحظات لسدّ الثغرات المحتملة.
أضف ردا