عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات حلقة نقاش تحت عنوان “تجربة حماس، وأفاق الخروج من المأزق الوطني الفلسطنيي” يوم الخميس 25/7/2007 في فندق كراون بلازا، بيروت. حضر الحلقة نخبة من المفكرين والمثقفين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، وقُدّمت فيها ثماني أوراق عمل توزعت على ثلاث جلسات.
وفي كلمته الافتتاحية قال المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، إن الحالة الفلسطينية تمرّ بمنعطف خطير، وبالتالي على المفكرين والمهتمين بالشأن الفلسطيني أن يلتقوا ويتحاوروا ويستمعوا الى بعضهم البعض، وأن يقوموا بدور قيادي ومسؤول للتوصل إلى أفكار حقيقية وجادة؛ من أجل الوصول إلى مشروع وطني مشترك.
ثم كانت كلمة عضو اللجنة التنفيذية وممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان سابقاً الأستاذ شفيق الحوت، الذي رأى أنه لابدّ من العمل المشترك، وأشار إلى أنه لا منفذ عملياً لإنقاذ السفينة الفلسطينية من الغرق، غير العودة إلى منظمة التحرير الفلسطينية المصادرة والرهينة حالياً في يد حركة فتح، ودعا حركتي حماس والجهاد إلى الإدراك أنه لا مفرّ لهم من العمل الجادّ والصادق والصحيح؛ لإعادة الروح والمشاركة في منظمة التحرير الفلسطينية.
ساعتئذ يتحول المجلس الوطني الفلسطيني إلى ساحة للصراع، وحلّ المشاكل والتناقضات بدلاً من أن تكون ساحات الوغى في غزة وغير غزة هي الأماكن التي تحلّ فيها الخلافات.
الجلسة الأولى في الحلقة كانت تحت عنوان المسار السياسي لحركة حماس (2006-2007)، وترأسها الدكتور عدنان السيد حسين.
الورقة الأولى في هذه الجلسة كانت للأستاذ سامي خاطر، عضو المكتب السياسي في حركة حماس، قال فيها إن حماس انتقلت من المعارضة والمقاومة إلى الحكم، نقلة من غير مرحلة انتقالية، وأكّد أن الحركة سعت إلى المشاركة مع كل القوى، لكن هذا المسعى مع الأسف فشل ليس بسبب موقف حماس، بل لعدة أسباب منها موقف التيار السلطوي الأوسلوي في فتح، والتدخلات الخارجية، وبعض المواقف العربية إضافة إلى العدو الصهيوني، لذلك كان على حماس أن تتعامل مع الأمر الواقع، فكان الحسم العسكري الذي استهدف بعض الأجهزة الأمنية لإحباط المخطط الرهيب، الذي كان يخطط له التيار الأوسلوي ضدّ المقاومة.
وأضاف أن انسحاب حماس من الحكومة له سلبياته أكثر من إيجابياته، وأولها أن هذا التيار سيسعد وينطلق في إدخال الشعب الفلسطيني في متاهات التسوية، ومحاربة المقاومة والتنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، وأيّد في ختام ورقته العودة إلى الحوار الوطني الشامل، وليس بين فتح وحماس فقط.
الدكتور حسين أبو النمل قدّم ورقة تحت عنوان “حماس من المعارضة إلى السلطة أو من الأيديولوجية إلى السياسة” وعرض فيها لجملة من التحولات التي تعرّضت لها حماس، خلال الفترة التي مضت، مسجلاً العديد من الملاحظات حول تجربة الحركة عموماً، ورأى أن حماس تواجه معضلة ثنائية بين برنامجي السلطة والمقاومة، واستحالة عملية الجمع بينهما.
وتساءل: هل كان دخول السلطة هو سبب أزمة العمل المقاوم، أم أنها بدأت قبل ذلك، بل، قبل ولادة حماس سنة 1987؟ وهل يمكن تطوير برنامج المقاومة في ظلّ المشاركة في السلطة، أم أنه يستوجب الخروج منها؟ ورأى أن الأزمة لا تمسّ المقاومة فقط بل التسوية أيضاً.
ولا يجازف من يقول إن السؤال الواجب ليس حول ما إذا كانت التسوية جائزة أو عادلة أم لا، بل حول هل كان في يوم من الأيام من تسوية مطروحة على الجبهة الفلسطينية؟ دون تناقض مع النقطة السابقة، يجب ملاحظة أن المناورة الجارية تحت عنوان التسوية لم تعد تدور حول تسوية في فلسطين، بل حول تسوية في الضفة الغربية.
الجلسة الثانية كانت تحت عنوان إدارة حماس لعلاقاتها الداخلية والدولية، أدارها الدكتور جابر سليمان.
الورقة الأولى في هذه الجلسة كانت للأستاذ أسامة حمدان ممثل حركة حماس في لبنان، حيث رأى أن الانتخابات التشريعية الفلسطينية في عام 2006 لم تأت في مناخات طبيعية، وإنما جاءت في سياق محاولة النظام العالمي الانقضاض على المقاومة الفلسطينية و”منح شرعية ما لمن يراد له أن ينقض على المقاومة”.
وقسّم حمدان إدارة حماس للعلاقات الداخلية الفلسطينية إلى ثلاثة مراحل، الأولى: بين نتائج الانتخابات وإعلان تشكل حكومة حماس.
الثانية: ما بين حكومة حماس وحكومة الوحدة الوطنية، والثالثة: ما بعد تشكيل حكومة الوحدة وصولًا إلى الظرف الراهن. ورأى حمدان أنه لم يعد هناك مكان لمشروع التسوية وإنما المشروع الآن هو كيفية إدارة الصراع مع الاحتلال.
الورقة الثانية كانت للأستاذ صقر أبو فخر، الباحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وقال فيها: لا أجازف كثيراً في الاستنتاج إذا قلت إن حماس لم تفز في الانتخابات التشريعية الأخيرة بناء على الأيديولوجية الإسلامية وحدها، بل استناداً إلى برنامج انتخابي معتدل أيضاً، قوامه مكافحة الفساد وتقديم خدمات اجتماعية أفضل.
وقد انحسر الناخبون عن فتح لا بسبب برنامجها السياسي بل بسبب سوء الإدارة، وفشل اتفاق أوسلو في الوصول إلى إنجاز وطني يمكن الركون إليه.
والبرنامج السياسي لحركة حماس ينصّ على أن حركة حماس حركة مقاومة.
بينما برنامجها الانتخابي آثر الابتعاد عن السياسة؛ فلم يتطرق إلى منظمة التحرير الفلسطينية، أو إلى حلّ الدولتين، أو إلى قرارات الشرعية الدولية، واكتفى بالكلام على الشؤون الاجتماعية والصحية والتعليمية والاقتصادية والمرأة… الخ، وهو ما لم تتمكن حكومة حماس من تحقيق أي جانب منه.
لكن، ما هو جدير بالتنبيه عليه هو الخلط بين البرنامج الانتخابي وميثاق الحركة. فقد اعتبرت حماس أن فوزها في الانتخابات يمنحها الشرعية لتطبيق ميثاقها. وهذا أمر شديد الخطر على علاقاتها بالقوى السياسية الأخرى.
صحيح أن الفوز في الانتخابات يمنحها الحقّ في تطبيق برنامجها الانتخابي، لكنه لا يمنحها أي شرعية في تغيير “العقد الاجتماعي”، الذي هو أعلى من الدستور في حال وجود الدستور.
وأضاف أن خطّ التفاوض بحسب اتفاق أوسلو قد فشل منذ زمن طويل، وأن خطّ طرد الاحتلال بالعمليات الخاصة وحدها، فشل أيضاً، و كما أن المجتمع الفلسطيني قد بات اليوم بلا قيادة تاريخية مقتدرة بعد غياب ياسر عرفات، وبلا مؤسسات جدية لخدمة هذا المجتمع، وبلا نظام سياسي واضح المعالم يحوز ثقة المواطنين. وفي خضم هذه الأحوال باتت حماس سلطة.
وعليها مسؤولية إدارة المجتمع في جميع الأحوال ومهما تكن العوائق.
وأعتقد أن من المحال أن تتمكن حماس من تولي شؤون المجتمع الفلسطيني وحدها حتى لو فازت لاحقاً بالرئاسة. ولا بدّ من المشاركة السياسية للجميع عاجلاً أم آجلاً.
وفي هذا الميدان يكمن الاختبار الأخير لحركة حماس: إما أن تتجه إلى الوحدة الوطنية والانضواء في منظمة التحرير الفلسطينية، أو أن تنفرد بالمجتمع وحدها، وهذا هو الاستبداد بعينه. وأكثر ما يُخشى اليوم هو أن يتمّ تنفيذ شعار “إنما العاجز مَن لا يستبد”.
أما الورقة الثالثة، فقدمها الأستاذ محمد جمعة، الخبير في الشؤون الفلسطينية في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، تحت عنوان “حماس والدائرة العربية”، وتحدث فيها عن علاقات حماس مع الدول العربية بعد فوزها في الانتخابات، وأشار إلى أن ثمة إشكاليات تحكّمت في درجة انفتاح حماس على الأنظمة العربية أهمها:
أن حركة هذه الأنظمة تخضع لمحددات وعوامل داخلية وخارجية من بينها: التوافق الرسمي العربي على المضي في عملية التسوية كخيار استراتيجي، والحملة الأمريكية على “الإسلام السياسي” وقوى المقاومة عموماً، تحت ذريعة “محاربة الإرهاب”، ناهيك عن أن بعض النظم العربية، وهي تقارب حماس، تأثرت بخصومتها السياسية المزمنة مع جماعة الإخوان المسلمين، التي تمثل المرجعية التنظيمية الأولى لهذه الحركة.
ورأى أن دول “الاعتدال العربي” ستدفع أبو مازن للعودة إلى الحوار واستثمار ما جرى من أجل بناء فتح جديدة تستطيع مواجهة نفوذ حماس، لكن بشرط أن يتمّ ذلك بهدوء ودون الدخول في فوضى جديدة.
الجلسة الأخيرة، كانت تحت عنوان آفاق الخروج من المأزق الوطني الفلسطنيي، وشارك فيها كل من الأستاذ جواد الحمد مدير مركز دراسات الشرق الأوسط، والأستاذ وليد محمد علي مدير مركز باحث للدارسات الفلسطينية.
الدكتور جواد الحمد قدّم بعض الملامح للخروج من المأزق الوطني الفلسطيني، وأهمها: الشروع بالحوار بين فتح وحماس، برعاية سعودية وبالتعاون مع مصر وسوريا.
واعتماد مرجعيات أساسية في الحوار والحالة القادمة، وأهمها القانون الأساسي للسلطة، ووثيقة الوفاق الوطني عام 2006، واتفاق القاهرة عام 2005، واتفاق مكة عام 2007، ووقف أعمال التخريب والانتقام والفلتان الأمني.
وإلغاء حالة الطوارئ واستئناف الحياة المدنية، والعمل على تفعيل دور المجلس التشريعي بطريقة مبتكرة، والسعي لتشكيل حكومة توافقية جديد، وإعادة بناء الأجزة الأمنية.
أما الأستاذ وليد محمد علي فرأى أن أفق الحلّ يكمن في تأسيس شراكة سياسية تنتمي إلى تيارات متعددة فكرية متعددة، يجب أن ينطلق أولاً من تغليب عوامل الوحدة المتمثلة في مرحلة التحرر الوطني بقبول التعددية الفكرية والسياسية، وتذليل كافة التعارضات والخلافات الثانوية بمواجهة التناقض الأساسي مع العدو المحتل.
وفي ختام الحلقة سجل أسامة حمدان موقفاً بارزاً في مداخلة له، حيث قال في سياق تأكيده على أهمية الحوار الوطني، أنه ما لم يحصل حوار فلسطيني جدّي يجمع فتح وحماس للخروج من المأزق الوطني الحالي، فإن أبو مازن سيكون “آخر رئيس للسلطة الفلسطينية على الإطلاق”، وستكون آخر مرة يكون فيها رئيس منظمة التحرير من حركة فتح، “وهذا إن بقيت المنظمة”.
أضف ردا