بقلم خالد وليد محمود(كاتب وباحث):
الوضع الذي تمخض عن الطريق المسدود الذي وصلت إليه عملية السلام على المسار الفلسطيني الإسرائيلي؛ وفي ظل الصعوبات التي تواجه إستئناف المفاوضات بين الطرفين؛ ولأن الخيارات المطروحة أمام الفلسطينيين تبدو غير واقعية وصعبة التطبيق من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة؛ بزغ في الآونة الأخيرة نقاشاً لدى النخب السياسية الأردنية والفلسطينية والمثقفين حول إعادة الإرتباط الأمني والسياسي بين السلطة الوطنية الفلسطينية والمملكة الاردنية الهاشمية كخيار أخير لانهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وباتت (الصيغة الإتحادية) تمثل الشغل الشاغل أيضاً للعديد من المهتمين ومراكز الدراسات والأبحاث المعنية بمستقبل التسوية في المنطقة، فآراء عديدة وسيناريوهات مختلفة ترسم للوضع أو التصور الفلسطيني القادم الذي يبدو أنه لا يحمل في طياته إقامة دولة فلسطينية مستقلة؛ الأمر الذي أجبر هؤلاء لإعادة التفكير في إمكانية وحدة الضفتين من جديد تحت نظام سياسي واحد.
ووفق هذه الصيغة يجري معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى المقرب من منظمة1 (الإيباك) والمهتم بمسألة الصراع العربي الإسرائيلي والقضايا المتعلقة بها؛ دراسة يعتقد أنها مدعومة من بعض رموز الإدارة الأمريكية، تحاول الإجابة على تساؤل (ماذا لو لم تقم الدولة الفلسطينية) ،كما أنها تنطلق من فرضية مفادها (أن صعوبة إقامة دولة فلسطينية يفتح الباب أم سيناريو الخيار الأردني).
وعلى ما يبدو أن المعهد أخذ بعين الإعتبار في دراسته أن الخيارات المطروحة أمام الفلسطينيين والإسرائيلييين من حيث واقعيتها على انها غير ممكنة التطبيق وصعبة التحقيق، وأن الخيار المتمثل بدمج الضفة الغربية مع الأردن، وإيجاد صيغة إتحادية بينهما هو الخيار الذي يمكن أن يشكل حلاً ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ثمة معطيات عديدة، يعتقد معهد واشنطن لسياسيات الشرق الأدنى أنها تشكل مؤشرات على الذهاب لتطبيق هذا السيناريو خلال الأعوام القادمة،وأن خيار وحدة الضفتين مرة أخرى، مطروحة الآن على صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية والتي من الممكن أن تدفع باتجاهها وفق أجندات سياسية دولية، ومحلية وفي سياق التطورات الجارية، وحالة عدم الإستقرار السياسي الذي يسود المنطقة وعلى وجه الخصوص المسار الفلسطيني الإسرائيلي المتأزم؛ و يمكن تلخيص هذه المعطيات بالآتي:
– بات قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة على أراضي الضفة والقطاع مسألة لاتحظى بفرصة للتحقق على أرض الواقع؛ بسبب الرفض الإسرائيلي المستمر لذلك. فموقف الأحزاب الإسرائيلية بمختلف تلاوينها لا تقبل بدولة فلسطينية مستقلة على المدى البعيد،ولأن الدولة التي يطالب بها الفلسطينيون تختلف تماماً عن تلك التي يمكن أن توافق عليها إسرائيل أو تلك المفصلة على المقاسات الإسرائيلية ،بنزع سلاحها، وحصر إطارها بما لا يتجاوز 50 -60% من مساحة الضفة.
– يفترض معهد واشنطن أن الأوضاع الإقتصادية والأمنية المتأزمة في الأراضي الفلسطينية،ألقت بظلالها على المواطنين بشكل سلبي فنتيجة هذه الأوضاع زاد الفلتان الأمني وزادت البطالة وارتفعت معدلات الفقر والجريمة ،والأخطر من ذلك أيضاً أن ثمة زيادة ملحوظة لهجرة الشباب الفلسطيني والتي بدأت إرهاصاتها بالفعل، سواء على صعيد الرغبة أم على صعيد المقدمات العملية، في ظل حالة الإحباط واليأس التي تسود بين الفلسطينيين والشعور بانغلاق الآفاق بوجود مخارج للوضع الراهن؛ وبالتالي وجود حل يخرج الفلسطينيين من مأزقهم سيكون مرحباً به شعبياً،سيما أن ثمة تجربة للشعب الفلسطيني قد عاشها تحت الحكم الأردني.
– للأردن علاقة خاصة ومتميزة تربطها بالقضية الفلسطينية هذه العلاقة التي أدت الجغرافيا والديموغرافيا دوراً أساسياً في صياغتها،ولأن الأردن يدرك مخاطر استحقاقات المرحلة التي يمر بها الفلسطينيون وهاجس الوطن البديل الذي ما زال يشغل حيزاً في ذهن الأحزاب اليمينية الإسرائيلية المتطرفة وهذا ما يخشاه صانع القرار الأردني،الذي بدأ يدرس بجدية مصير القضية الفلسطينية في حال لم تقم دولة فلسطينية مستقة ، لتقترب الأمور أكثر فأكثر نحو امكانية تبلور مفهوم جديد ثالث بالنسبة للأردن وهو قيام صيغة إتحادية بين الأردن وفلسطين،سيما أن هناك تجربة سابقة لوحدة الضفتين عندما صوت مجلس النواب الأردني المكون من عدد متاسو من نواب عن الضفتين عام 1950 على توحيد الضفة الغربية بالمملكة الأردنية الهاشمية،وبالتالي فإن الداعين للعودة لهذا الخيار يرون بأنه وعلى الرغم من أن التاريخ لا يعود إلى الخلف،إلا أن مراجعة التاريخ يعد استحقاقاً في هذه المرحلة الحساسة من عمر القضية الفلسطينية.
– يعتقد معهد واشنطن أن مشروع دمج الضفة الغربية وقطاع غزة بالأردن يحقق بدرجة كبيرة المطالب الإسرائيلية التي تتركز بإنهاء المشكلة الفلسطينية الأساسية من خلال إستيعاب اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم أو تعويضهم.
– وبالتالي فإن إيجاد ترتيب لمدينة القدس على أن تصبح مدينة مفتوحة لكل الأديان السماوية الثلاث وأن طرحاً من هذا القبيل سيحظى بموافقة الأطراف المعنية.
– وحسب تصورات معهد واشنطن فإن ملف المستوطنات الموجودة في الضفة الغربية سيتم ضمها إلى إسرائيل سواء بالإنسحاب من خلال تطبيق خطة الإنطواء (التجميع) أو من خلال تبادل أراضي فلسطينية مع أراضي تابعة لإسرائيل وذلك في إطار ترتيبات مقبلة دائمة تنقل بموجبها بلدات عربية إسرائيلية إلى السيادة الفلسطينية في حين تعود مستوطنات يهودية (في الضفة الغربية) إلى إسرائيل، ويتم التلميح غالباً إلى “منطقة المثلث” المحاذية للخط الأخضر وللمناطق الفلسطينية في الضفة الغربية.
– ويجري التصور على أن تكون عمّان هي العاصمة السياسية للكيان الفيدرالي الجديد الذي سيضم الضفة الغربية وقطاع غزة مع الأردن،وبالتالي فإن مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة من المساحة تشكل 6000 كم2،وإذا ما أضيفت إلى مساحة المملكة الأردنية الهاشمية 89 ألف كم2، فإن المجموع سيكون 95 ألف كم2.وبالتالي فإن ثمة مساحات شاسعة ستكون مهيئة لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين الموزعين ما بين سوريا ولبنان ومصر والعراق،والأردن كما هو معروف يوجد به أكبر نسبة من هؤلاء اللاجئين؛ وبالتالي تعد هذه مسألة إيجابية تدعم تطبيق هذا الخيار.وبالتالي فإن الدولة المتوقعة يمكن أن تضم على الأقل سبعة ملايين فلسطيني.
– يفترض وجود صيغة وحدوية بين الأردن وفلسطين أن تحل مشكلة الولاء والإنتماء لفلسطينيي الأردن ،هذه الفئة التي سئمت من إزدواجية الإنتماء ،كونهم يعتبرون أنفسهم نصف أردنيين ونصف فلسطينيين،فالأردني من أصل فلسطيني يعيش معاناة لا تتفق ووضعه كمواطن ، وهذا وضع غير مريح وغير قابل للإستمرار.
أردنياً
تصدرت أسباب عودة فكرة الخيار الأردني كحل بديل للدولة الفلسطينية إلى الجدل العلني في أروقة الصالونات السياسية ما بين مؤيد ومعارض؛ سيما بعد الحديث الامريكي مؤخراً عن دولة فلسطينية مؤقتة رأى فيها مراقبون مؤشراً على دور أردني في الضفة الغربية أو وجود علاقة إندماجية من طراز ما مع الفلسطينيين في حال لم تقم دولة فلسطينية دائمة.
الأراء الأردنية (الرسمية) بشأن مقترح الخيار الأردني بديل لدولة فلسطينية لا زالت تتصف بالتخبط وعدم الوضوح لغاية الان، هذه الأراء محاطة بالتخوفات والتحفاظات على المشروع لكونه يشكل تهديد ديمغرافي في الأردن، و بالتعاطي معه تارة أخرى باعتباره حقيقة وأمر واقع لا مفر منه.ورغم أن الموقف الرسمي الأردني لا يعلن صراحة وبشكل مباشر عن نيته للقبول بهذا الدور منطلقاً من مخاوف سياسية قد تضعه في موقف التشكيك والعودة لاسطوانة التوطين أو الوطن البديل…إلا أنه يفهم من رد الحكومة الأردنية حول خيار الكونفدرالية التي إعتبرتها (سابقة لأوانها) بأن الأردن لا يعارض مثل هذه المشاريع ، وإنما يحاول أن يضع ضوابط له بحيث لا يتحمل وزر التنازلات الكبيرة التي ستقدم في مفاوضات الحل النهائي. وهو يدرك أن هذا الخيار مقبول إسرائيلياً ويحظى بدعم أمريكي كحل أمثل للقضايا المستعصية في مفاوضات الحل النهائي.
فمنذ إندلاع إنتفاضة الأقصى عام 2000 والتي كان لها تداعيات سلبية على عملية السلام برمتها وكذلك على المشهد الأردني؛ بدا الخيار الأردني في الضفة الغربية والاستغناء عن السلطة الوطنية الفلسطينية أو تهميشها،يدور في صلب أحاديث النخب الأردنية من أصول فلسطينية وكان تساؤل (ماذا إن لم تقم دولة فلسطينية) يطغى على تلك الأحاديث،ولربما هذا التساؤل هو نفسه الذي صرح به العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في أكثر من مناسبة عام 2006 حول ما ستكون عليه الأمور في الأرض الفلسطينية عام 2007 خصوصاً إذا جاء هذا العام بدون وجود أي تصورات توافقية أو متفق عليها مسبقاً بين القوى الفاعلة؟
بعض المصادر الرسمية الأردنية لم تخف تشاؤمها حول المستقبل الذي ينتظر الفلسطينيين إن بقيت الأمور على ما هي عليه، والتي تزداد احتداماً بسبب تواصل الإعتداءات الإسرائيلية، وارتفاع منسوب الأزمة الاقتصادية وزدياد معدلات الفقر والبطالة والهجرة ، ووصول الإحتقان في الشارع إلى مستوى إندلاع الاشتباكات بين بعض المجموعات المسلحة وعناصر الأمن الفلسطيني مما ينذر بحرب أهلية ،في ظل هذه المؤشرات التي يرقبها الأردن بحذر و ملامح الوطن البديل ” الأردن ” تلوح في الافق؛ تظهر رغبة أردنية –وإن كانت همساً لغاية الآن- في إعادة إحياء الروابط ما بين الضفتين.
ولا شك أن ثمة قناعة بدأت تترسخ لا بل تفرض نفسها على المستوى السياسي الأردني وتنطلق تلك القناعة من فرضيتين هما أن المملكة الأردنية الهاشمية لا تستطيع بإمكاناتها الإقتصادية والسياسية الضعيفة أن تتجاوز حاجة المجتمع الدولي خاصة الولايات المتحدة الأمريكية الملحة لاقامة مشروع أو كيان فلسطيني تحت المظلة الاردنية، أما الفرضية الثانية فهي: أن المجتمع الدولي إقترب من تلك اللحظة التي سيجبر فيها الأردن على القبول بمشروع تفاهم أو توحد مع الفلسطينيين.
الرغبة الأردنية بقبول هذا المشروع لا يمكن رؤيته إلا بعد الوقوف عند بعض المعطيات التي تؤشر إلى أن الأردن بات يستعد سياسياً وعملياً ويواصل القيام بدور ما يعتقد أنه يدخل في باب الإستحقاق للتساؤل أعلاه وهو (ماذا إن لم تقم الدولة الفلسطينية في غضون عام 2007؟ وثمة قناعة مؤكدة لدى صانع القرار الأردني مفادها أن العقبات والمصاعب الجدية التي تعترض قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة بسبب الإجراءات الإسرائيلية الجارية على الأرض، واتفاق الأحزاب الإسرائيلية، وفي مقدمها “كاديما” الحاكم على هذه العناوين، ستدفع نحو العودة إلى “الخيار الأردني”،وبالتالي فإن المعطيات أدناه تمثل تحضير الأردن العملي – من وجهة نظر العديد من المراقبين- لسيناريو الخيار الأردني:
1. تمليح الحكومة الأردنية بإلغاء فك الإرتباط مع الضفة الغربية فتح الإحتمال لمسار آخر غير (الدولة الفلسطينية)، وهو إحتمال الخيار الأردني.فعندما أعلن وزير الداخلية (عيد الفايز) في سبتمبر2006 وعلي نحو مفاجيء عن تشكيل لجنة ستحاول اعادة النظر بملفات أفراد وعائلات عانت من تطبيقات قانون فك الإرتباط بهدف إعادة تصويب الأخطاء وتنقيح الإجراءات إن وجدت،وقد تم قراءة هذا القرار من وجهة نظر العديد من المراقبين من منظار سياسي وأن الهدف منه يتجاوز البعد الإنساني والأخلاقي، ويساعد أصحاب القرار في عملية جس النبض وإنتاج مؤشرات تحدد ردود الفعل أنصار ومؤيدين قرار فك الإرتباط في الشارع والنخبة وفي الضفتين الشرقية والغربية وليس ردود فعل خصوم هذا القرار من دعاة الوحدة بين الشعبين ومن دعاة فكر الضفتين.
2. صحيفة الرأي الأردنية المملوكة من الدولة والمعروفة بتأثيرها الضخم على الرأي العام تقوم حالياً بنشر طبعة مشتركة مع صحيفة القدس التي تصدر في الأراضي الفلسطينية ،حيث توزع كلتا الصحيفتين معا في كل صباح في كافة أنحاء الاردن والضفة الغربية.
3. في أواخر سبتمبر 2006 أمر العاهل الأردني ببناء مئذنة خامسة للمسجد الأقصى وبعدها أمر بفرش جديد لكل المسجد الأقصى ثم الإعلان عن إنتهاء إعداد منبر صلاح الدين الجديد.
4. وفي نفس الشهر من عام 2006 زود الأردن وبشكل كامل مدينة أريحا بالطاقة الكهربائية وكشف النقاب عن خطط أردنية لتمويل مشروع جديد في وادي الأردن سيضعه الأردن في خدمة الفلسطينيين حيث يجري التحدث عن مطار مخصص للشحن وعن منطقة حرة موازية لأغراض تنشيط المنتج الفلسطيني وإيجاد مصادر إستقطاب لدى المورد الفلسطيني بمعنى تنشيط الدورة الإقتصادية الفلسطينية على ضعفها.
5. البنك العربي الذي يأخذ من الأردن مقراً له والذي يعتبر أكبر مؤسسة مصرفية يمكلكها فلسطيني، لديه علاقات قوية مع السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة الأردنية، ويعتبر أحد المعاقل الإقتصادية والمالية للفلسطينيين في الأردن “وأماكن أخرى”، وقد عرض المصرف مؤخراً 3.52 مليون سهم وبأسعار تفضيلية لأفراد القوات المسلحة الاردنية.وهذه البادرة موجهة لعشائر الضفة الشرقية الذين يتمتعون بوضع مميز ويهيمنون على مؤسستي الأمن والجيش، والذين يخشون الوحدة أو الدمج أو حتى زيادة عدد الضباط الأردنيين الذين يعودون لأصول فلسطينية.
بعض النخب الأردنية سيما تلك المقربة من القصر الملكي تتعامل مع طرح (صيغة وحدوية بين الأراضي الفلسطينية والأردن)، و الدكتور عبد السلام المجالي رئيس الوزراء الأردني السابق واحد من هؤلاء ،إذ ذكر الأخير في محاضرة له بالأردن كانت بعنوان ” تصورات مستقبل العلاقات الأردنية الفلسطينية “استشرف فيها المجالي (ذوي الأصول الفلسطينية) بها إمكانية إتفاق الدولة الفلسطينية مع الأردن لإقامة دولة تسمى ( الدولة العربية المتحدة / الإتحادية ) ويبني المجالي تصوراً حول هذه الصيغة تتمثل بالآتي:
* أنه سيتم في الدولة العربية المتحدة التي ستجمع فلسطين و المملكة الهاشمية إنتخاب الحكومة بطريقة ديمقراطية.
* سيتم انتخاب ( النواب والأعيان ) مناصفة بين البلدين، أي بمعنى إذا كان رئيس الوزراء من الأردن يكون رئيس مجلس النواب من فلسطين وهكذا .
* سيتبادل البلدان رئاسة كل سلطة، أي إذا كان رئيس الوزراء من الأردن يكون رئيس مجلس النواب من فلسطين، ويكون الملك عبد الله رئيساً للدولة العربية المتحدة ( ليس بصفته ملكا للأردن بل بصفته وريثا للسلالة الهاشمية ومظلة لجميع المواطنيين).
* وحسب تصور المجالي فإنه بالنسبة لموضوع الجنسية، فستصدر جوازات سفر باسم الدولة العربية المتحدة ( الأردن ) للأردنيين و ( فلسطين ) للفلسطينيين، كما هو معمول به “بالإتحاد الأوروبي” وأوضح المجالي أن مثل هذا الإقتراح يلبي 59% من تطلعات المواطنيين الأردنيين / الفلسطينين في الأردن.
– يشكل الأردنيون من أصل فلسطيني النسبة الأكبر من مواطني الاردن. و مع إضافة سكان الضفة الغربية اليها يزداد وزنها بشكل كبير. احصائيات ألانوروا تظهر بأن حوالي 60% من سكان الأردن البالغ عددهم 5.7 مليون وهم من اللاجئين الفلسطينيين، وإذا أخذنا بعين الإعتبار أن الضفة الغربية بقيت تحت الرعاية الهاشمية من عام 1948- 1967 حينئذ ليس من المفاجئ أن غالبية الأردنيين ينحدرون من المناطق التي إحتلتها إسرائيل في عام 1967.ناهيك على أن عدداً لا بأس به من سكان الضفة الغربية لا زال يحمل وثائق أردنية.
– العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني متزوج من فلسطينية وأطفاله ذوو هوية مختلطة،و التوتر الذي ساد بين البدو والفلسطينيين في المملكة الهاشمية يكاد لا يكون قائماً، وهناك زيجات مختلطة كثيراً، من السهل التخيل لوضع تتبني فيه الاسرة المالكة نموذجاً أوروبياً والسلطة العملية تعطي للفلسطينيين (الذين يسيطرون منذ الان على الاقتصاد الاردني).
إسرائيلياً
في إسرائيل، لهذا الخيار نكهة أخرى، فهو مازال الحل المنطقي الوحيد المقبول لدى الموقف الإسرائيلي الذي يرفض قيام دولة فلسطينية مستقلة على المدى البعيد، فكافة الأحزاب الإسرائيلية لا تقبل بإعلان هذه الدولة إلا كمقدمة لاتحادها فيدرالياً مع الأردن.إذ أن أوساط النخب السياسية والأمنية في إسرائيل تنظر إلى الخيار الأردني المتمثل بصيغة وحودية على شكل “فيدرالية” بما يحقق لها وبدرجة كبيرة مطالباها التي ترفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
بعض الاوساط الأمنية والسياسية في إسرائيل تدفع باتجاه هذا الحل وتبدي تجاوباً معه كحل دائم للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي ،فهذا الخيار سيخدم إسرائيل من خلال تخلصها من مشكلة استيعاب اللاجئين الفلسطينيين و إغلاق ملفي القدس والمستوطنات، ولأنه لا يوجد في إسرائيل قيادة تاريخية قادرة على صنع السلام مع العرب.
وبالتالي فإن القناعة المتلورة لدى اوساط النخب الإسرائيلية بأن التسوية الحالية يفترض أن تفضي إلى حل للقضية الفلسطينية وولادة دولة فلسطينية، وهذا ما ترفضه تل أبيب رفضا قاطعاً،لذا فإن ما يجري على الأرض اليوم من تشديد إسرائيلي على القول بانه لا يوجد شريك للسلام،وأن الحلول الأحادية وقطع الطريق على أية فرصة لاستئناف عملية السلام هي السياسة الأمثل من أجل تمهيد الطريق إلى الخيار الأردني الذي يحظى بدعم أمريكي كحل أمثل للقضايا المستعصية في مفاوضات الحل النهائي، وتنطلق الرؤية الإسرائيلية من أن إلحاق الأراضي الفلسطينية التي سيتخلى الإسرائيليون عنها بالدولة الأردنية سيمكن الأردن من التحكم بالفلسطينيين من خلال سلطة مركزية قوية وقادرة على الحفاظ على الأمن
من خلال التعاون مع الدولة العبرية، وحل مشكلة اللاجئين هناك بحيث يصبحون مواطنين بحكم الواقع.
ولتدعيم هذا الخيار أجريت العديد من الدراسات في إسرائيل، تناولت حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال إلحاق الضفة الغربية بالأردن أي عودة الخيار الأردني،ففي دراسة إسرائيلية أعدت في مارس 2005 على ضوء خطة الإنفصال الأحادي الجانب عن قطاع غزة، طرحت الخيار الأردني مرة أخرى كبديل لدولة فلسطينية.
وأوضحت ” أن الخيار الأردني يعني توحد الكيان الفلسطيني فدرالياً مع الأردن “، وبتقدير الدراسة، فإن مثل هذا الخيار سينقل الهاجس الديمغرافي من إسرائيل إلى الأردن، أي بتغيير في الميزان الديمغرافي الأردني الداخلي بين الفلسطينيين والشرق الأردنيين، إذ يشكل اللاجئون الفلسطينيون المقيميون في الأردن أغلبية، ورغم ذلك فإن مشاركتهم في الحياة النيابية وتمثيلهم في السلطات المختلفة متدنية، ويمكن الضغط على الأردن للأخذ بحكم الأغلبية الديمقراطية
وبذلك يصبح وطناً لكيانيين فلسطيني – أردني في دولة محددة في بقايا الضفة الغربية والأردن ” وتستفيض الدراسة في الحديث عن كيفية الضغط على الفلسطينيين للقبول بذلك حيث ” أن إنقطاع الفلسطينيين عن إسرائيل بواسطة حاجز الفصل( جدار الفصل العنصري ) و إقامة كانتونات في الضفة الغربية بسبب توسيع المستوطنات وضمها لإسرائيل مما يجعل لامناص للفلسطينيين من التطلع إلى الأردن .
ومما يجعل من الخيار الأردني واقعياً،ينطلق المحللون في إسرائيل في الإشارة إلى العوامل التالية:
* الأردن يرتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل (إتفاق وادي عربة) وأعلن بموجبها إنهاء حالة العداء والحرب التي كانت قائمة بين الطرفين، وجاءت هذه المعاهدة لتنظم العديد من المجالات فيما بينهم.ولا شك أن إسرائيل ترى أن للاردن أهمية إستراتيجية بالنسبة لها ولأمنها.
* ثمة علاقة متميزة بين الأردن والولايات المتحدة الأمريكية الراعي الرئيسي لعملية السلام في المنطقة،ولا شك أن هذه العلاقة تمتد إلى جوانب سياسية وعسكرية والأهم من ذلك (الإقتصادية).
* تنظر إسرائيل إلى الأردن على أنه لم يعد يشكل خطراً عليها، و لا يدخل ضمن المهددات الخارجية لأمنها ،فمحدودية القدرة العسكرية للأردن تبقى إسرائيل مطمئنة لجارتها،خاصة بعد زوال التهديد الإستراتيجي القادم من الشرق والمقصود به إنهيار نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي كان يشكل خطراً إستراتيجياً لإسرائيل، إضافة إلى أن الأردن يعاني أوضاعاً إقتصادية صعبة تعتمد كلياً على المساعدات الخارجية وخاصة من الولايات المتحدة الحليف الإستراتيجي لإسرائيل.
* ويرى الكاتب الإسرائيلي (غي ياخور) في صحفية يديعوت أن نتيجة هذا الطرح سيكسب الفلسطينيون دولة موحدة كبيرة يمكنها أن تقدم لهم عيشاً بكرامة وفقا لرؤية بوش، مع مخرج للبحر في العقبة، وعندها ستتقزم الخلافات البرية بينهم وبين إسرائيل. فزيادتهم ستتوجه شرقاً وليس غرباً،.وكثافتهم (الديمغرافية) في المناطق لن تعود ذات صلة، وهي على أي حال ستحل مشكلة أكثر من مليوني لاجيء ونازح فلسطيني يعيشون في الاردن. وبدل الانتقال إلى الدولة الفلسطينية، فانها ستنتقل اليهم. وللمملكة المتحدة (والفلسطينيون في داخلها) ستكون مصلحة للتصرف كدولة مرتبة ومسؤولة في حدودها الطويلة مع اسرائيل. ولا يجب الإستبعاد المسبق لمثل هذه التحالفات او غيرها مع اسرائيل. الولايات المتحدة ستكسب تواصلاً من الدول شبه الديمقراطية، العراق والمملكة المتحدة، كسابقة تتسع لباقي الدول العربية.
فلسطينياً
1. السلطة الفلسطينية ممثلة بحركة فتح تقاوم أي خيار لاندماج سلطتها مع الدولة الاردنية في إطار أي مشروع دولي وإقليمي قبل إقامة الدولة الفلسطينية الدائمة، ومنحها الحق بإعلان الإندماج أو صيغة ما للإتحاد مع الأردن في المستقبل.
2. أما حركة حماس الإمتداد التاريخي للإخوان المسلمين فيبدو أن لها قراءة مختلفة يفهم من بين سطورها أنها لا تعارض هذه الفكرة، وأن ثمة رغبة في إعادة إحياء الروابط ما بين الضفتين.ويبني المراقب حكمه هذا على قرار جماعة “الاخوان المسلمين” في الأردن الذي رفض قرار “فك الإرتباط” مع الضفة الغربية؛ إنطلاقاً من تمسكها بـ”الوحدة الوطنية/ الإسلامية” بين ضفتي النهر. ويعتقد، على نطاق واسع، أن هذا الرفض ينسحب بالقدر نفسه على حركة “حماس” -وفق هذا التقدير- خصوصاً وأن الحركة بنسختها البراغماتية الجديدة بدأت تتفاعل مع فكرة دولة فلسطينية على حدود عام 67.
إشكاليات الطرح
1. لا يبدو أن سيناريو دمج الضفة الغربية وقطاع غزة مع الأردن يحظى بقبول تام لدى الشعبين الأردني والفلسطيني، الأمر الذي يجعل عملية تمريره ليست سهلة خصوصاً في ظل معارضة القوى الرئيسية له في الجانبين (قوى الشد العكسي وتلك التي ستتضرر مصالحها جراء ذلك )؛ فضلاً عن تخوف دول عربية رئيسية من نتائجه مثل مصر وسوريا والسعودية.
2. يحتاج مثل هذا الخيار القيام بترتيبات وأجواء سياسية معينة مؤهلة ومهيأة لاستيعابه وتكييفه خاصة على الصعيد الشعبي أولاً، إذ لا توجد لغاية الآن مقدمات ومؤشرات دالّة عليها،على الأقل في إعداد الرأي العام الأردني والفلسطيني.هذا وإن كان مثل هذا الطرح سيجعل الفلسطينيون يتخلصون من مسألة الولاء والإنتماء كقضية إشكالية إلا أنه هناك ضرورة قصوى في حال الرغبة لنجاح هذا السيناريو أن يتم إعادة النظر في آلية دمج الفلسطنيين في هياكل الدولة الأردنية خاصة (السياسية والأمنبة) التي غيب عنها العنصر الفلسطيني لأكثر من ثلاثة عقود.ولكن هل ستقبل الحركة السياسية الأردنية والقوى الشرق أردنية المعارضة بهذا الشكل من الطرح؟
3. مسألة أخرى وهي أنه إذا ما تم تجاوز إشكالية إنسحاب إسرائيل من الضفة الغربية إلى حدود 1967 ،من خلال الإفتراض أن إسرائيل يمكن أن تتجاوب مع الأردن في هذا المطلب، وتنسحب من أراضي الضفة الغربية ويتم عملية تبادل أراضي مع مستوطنات إسرائيلية سيما أن حكومة “أولمرت” تستعد مرة أخرى لانطواء أحادي في مناطق الضفة الغربية، يشتمل على إجلاء عشرات الاف المستوطنين واقامة دولة فلسطينية مؤقتة –كما ذكرت صحيفة معاريف 21/1/2006.
إلا أن إشكالية ضم قطاع غزة إلى هذا المشروع قد تعمل على تعقيد المسألة ،وذلك لاعتبارات عديدة أهمها : غياب الدور التاريخي للأردن في قطاع غزة كما كان الحال في الضفة الغربية التي كانت جزء من مشروع المملكة المتحدة،بينما قطاع غزة كان يتبع إدارياً إلى مصر،باستثناء منح الأردن بعض الإمتيازات لبعض الشخصيات (الغزية) وهو ما برز واضحاً من خلال علاقة الأردن بـ (رشاد الشوا)،ناهيك عن عدم وجود تواصل جغرافي بين القطاع والضفة الغربية سوى ما يتم الإتفاق عليه لاحقاً كما هو الحال بالنسبة للمر الآمن.
خلاصة
على الرغم من أن أحداً من الأطراف المعنية بشكل مباشر بهذا السيناريو لم يعلن عن وفاة عملية السلام إلى الأبد رغم أن المؤشرات توحي بذلك؛ إلا أن ثمة ترتيبات ونقاشات تجري على أرض الواقع من أجل صياغة برامج وبدائل واجتراح حلول تدور في فلك التساؤل المطروح (ماذا لو لم تقم دولة فلسطينية)؟ لتبدو الإجابة: سيناريو مثل (صيغة وحدوية تضم الأردن مع الضفة الغربية وقطاع غزة) سيكون بمثابة حل نهائي للقضية الفلسطينية؛ باعتبار هذا الطرح مخرجاً محتملاً وواقعياً من المأزق الذي يواجه الجميع.
إلا أن هذا المشروع أو الحل المطروح للخروج من المأزق الذي تعيشه عملية السلام،ما زال قيد الغرف المغلقة،و أن تنفيذه يحتاج إلى رؤية تحتكم للعمق التاريخي لصراع الإرادات أولاً وإيجاد آليات تتجاوز إشكاليات الطرح ثانياً.فالمتفق عليه بين المراقبين –لغاية الآن- هو أن هذا الطرح وإن يبدو تناجياً، وهمساً عند صناع القرار سواء في الأردن وفلسطين وإن كانت الأسئلة التي تدور حوله أكثر من الإجابات التي يمكن أن يخرج بها؛ إلا أن مثل هذا الطرح يوشك أن يسمع ،سيما إذا أصبح ذلك مطلباً شعبياً بالدرجة الأولى قبل أن يكون ذلك أحد الضرورات السياسية والأمنية لواشنطن والأطراف المعنية.
بقلم: خالد وليد محمود(كاتب وباحث)
المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات 29/12/2007
1 أسس المعهد عام 1985 ويقال إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث. وكما يقال فإن لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة.
أضف ردا