ترجمة خاصة بالزيتونة (عن تقرير للواشنطن بوست) – الموقّر/الأردن – يعاني البرنامج الأمريكي لتدريب وتجهيز القوات الأمنية الفلسطينية من التأخير، ونقص في الموارد، واختلاف بين الأمريكيين والإسرائيليين حول ماهية القدرات العسكرية التي يجب لهذه القوات امتلاكها عندما يتم نشرها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبعد مرور عدة أسابيع على البرنامج، الذي بدأ أواخر كانون الثاني، ما زال المدربين الأمريكيين والأردنيين في انتظار بعض وسائل التدريب الأساسية، كالآليات، وأجهزة الاتصال، والمسدسات الوهمية، والبنادق والهراوات، وكذلك منهاج أمريكي مصمم خصيصاً، بحسب تصريحات أمريكيين ذوو معرفة قريبة بالبرنامج. وبسبب المخاوف الإسرائيلية، فإن المجموعة التي يفوق عددها الألف متدرب فلسطيني، لم تتلقَّ حتى الآن ما وعدت به من الدروع الجسدية الواقية وناقلات الجند المدرعة الخفيفة.
كل ما سبق، دفع بالمدربين الأمريكيين والأردنيين لإيجاد طريقتهم الخاصة من اجل المضي قدماً في البرنامج، فقاموا بشراء قدّاحات سجائر على شكل مسدسات لاستخدامها في تمارين التوقيف والاعتقال، واستخدموا سياراتهم الخاصة لتمارين القيادة، وقد عبّر أحد الأمريكيين عن ذلك بقوله: “باختصار، اننا نختلقه اختلاقاً”.
وكان الرئيس الأمريكي جورج بوش صرّح سابقاً في الـ2003 أن بناء قوات أمن فلسطينية هو خطوة ضرورية في سبيل بناء الدولة الفلسطينية التي تستطيع العيش إلى جانب إسرائيل بسلام.
أما كوندوليزا رايس فقد أكّدت الأسبوع الماضي خلال جولتها في المنطقة، أن الهدف هو بناء “قوات أمن فلسطينية محترفة وقادرة” تحديداً على مواجهة حماس، التي تسيطر حالياً على قطاع غزة ولا تعترف بإسرائيل.
وتتبع القوات الفلسطينية التي يتم تدريبها حاليا في معسكر صحراوي يبعد حوالي الساعة عن العاصمة الأردنية عمّان، للسلطة الفلسطينية بقيادة فتح، خصم حماس والتي تعتبر معتدلة تقريباً، حيث تفضّل المفاوضات مع إسرائيل. ورغم إصرار إسرائيل على ضرورة وجود قوات أمن فلسطينية قادرة وفعّالة في الضفة الغربية وقطاع غزة كي تنهي احتلالها لهما، فان الحكومة الإسرائيلية وضعت العديد من العراقيل في طريق الجهود الأمريكية المبذولة حالياً للتدريب.
“لا ينكر أحد أننا في البدايات عانينا من الصعوبات التي كانت تتفاقم،” قال دوف شوارتز Dov Schwartz، مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية والناطق باسم البرنامج التدريبي. “كانت المرة الأولى التي نقوم بشيء مماثل”.
وذكر ديفيد وولش، مساعد وزيرة الشؤون الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، خلال جلسة استماع بمجلس النواب الأميركي، أن الولايات المتحدة الأميركية قد حققت “تقدماً ملموساً” في تدريب القوات الأمنية الفلسطينية. لكن مصدري معلومات آخرين مقربين من البرنامج نفسه – كلاهما من ذوي الخبرة في تدريب القوى الأمنية- ذكرا أن البرنامج يعاني من نقاط خلل، كما أكدت ذلك أيضاً مذكرة داخلية من متعهد أمريكي.
ويتولى التدريب حالياً متعاقدون أمريكيون وقوت الأمن الأردنية. وتبلغ مدة البرنامج 16 أسبوعاً، يتدرب فيه حالياً حوالي 600 من أفراد قوى الأمن الوطني الفلسطيني ذات الأغلبية الفتحاوية. كما يتلقى حوالي الـ425 فرداً من الحرس الرئاسي الفلسطيني التابع للرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، برنامجاً تدريبياً تبلغ مدته ثمانية أسابيع.
وخلال جولة منظمة لنا الأسبوع الماضي في معسكر التدريب، شاهدنا الحرس الرئاسي الفلسطيني بلباسه الأسود يضرب مقاراً لتجمعات عصيان محمية على أراض تدريب إسفلتية ويطلق النار على أهداف ورقية في تدريب حيّ مباشر على إطلاق النار.
وتوزعت المجموعات على الفرق؛ البعض يرتدي ثياب تدريب رياضية غير موحّدة ضمن مجموعات التمارين الجسدية، والبعض يرتدي زياً أخضر في قاعات دراسية زودت بأجهزة عرض وشاشات ويتجاوبون باهتمام وحماس مع أسئلة مدربيهم الأردنيين.
وهذا البرنامج التدريبي هو الأول منذ حزيران/يونيو الماضي، ويتميّز بكونه أشمل وأطول، حيث أن مئات المتدربين السابقين من فتح تلقوا في العام الماضي برنامج تدريب مكثف لمدة 45 يوماً بدعم أمريكي في مصر، ثم أرسلوا إلى قطاع غزة لمواجهة مقاتلي حماس، لكن مواجهتهم انتهت لصالح حماس في غضون خمسة أيام، وأدت إلى سيطرة حماس الكاملة على القطاع والفصل بينه وبين الضفة الغربية الخاضعة لحكم الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
لكن الشكوك الإسرائيلية وبعض الشكوك الأميركية في الكونغرس حول ولاء القوات التابعة لعباس، أخّرت وصول التمويل اللازم للبرنامج. وفي الصيف الماضي، وافق الكونغرس على 28 مليون دولار أمريكي كدفعة أولية لبرنامج التدريب من أصل 86 مليون دولار مخصصة للأمن الفلسطيني. ولم تكن هناك أية دفعات أخرى لاحقة، على الرغم مما طرح عن دعم بقيمة 50 مليون دولار أخرى خلال السنوات القادمة.
“نقص في التمويل؛ نقص في التجهيز؛ نقص في كل شيء،” قال أحد المصدرين الأمريكيين المطّلعين على البرنامج والمذكورين أعلاه. “إهمال وتقصير كبيرين في تأمين المتطلبات.”
ويكمل المصدر نفسه، أنه وبعد سبع أسابيع على بداية البرنامج، “يبدو أنه يسير نحو الأفضل”. “قوات الأمن الوطني الفلسطيني أفضل بكثير. هناك نتائج ملموسة وفارقة، لكنها ببساطة ليست النتائج التي باستطاعتنا فعلاً تحقيقها.”
وتحدث الأمريكيان من دون كشف أسمائهما أو وظيفتهما، إذ أنه من غير المسموح به لهما الحديث إلى وسائل الإعلام. لكن الدافع الرئيسي وراء حديثهما كان اعتقادهما بأن المسؤولين الأمريكيين لا يعالجون هذه المشكلة في متطلبات البرنامج بالشكل المطلوب.
وأضافا أن الآليات الثمانية الأولى للتدريب وصلت بعد أسابيع على بداية البرنامج؛ كان على المدربين القيام بتدريبات التفتيش على الحواجز عبر جعل المتدربين يسيرون بالأقدام إلى حواجز وهمية بسبب النقص في التجهيزات. كما أظهر أحدهما برنامجاً لبعض الحصص التدريبية تبدو فيه كافة حصص التمرين على القيادة ملغاة. “لم تجر تمرينات القيادة،” أكّد صديقه الآخر، “لم تجر”.
ومن ضمن النواقص الأخرى، بحسب المصدرين أعلاه أيضاً، فشل الحكومة الأمريكية في تأمين المنهاج والتجهيزات اللازمة للتدريبات الخاصة بالدفاع عن النفس من دون إصابات مميتة قبل موعد بدء الدورة، وكذلك النقص الفادح في هراوات التدريب والذي دفع كل 20-30 متدرب إلى تبادل أدوار التدريب على هراوة واحدة. ولتجاوز هذا، قام المدربون الأردنيون بعد أسابيع على بدء التمارين بتغليف بعض الأنابيب بالأشرطة الكهربائية اللاصقة واستعمالها بدلاً عن الهراوات.
وذكر المصدرين الأمريكيين أنه وبعد حوالي الشهر من بدء التدريب، قام المدربون الأردنيون بشراء ولاعات سجائر تشبه المسدسات من السوق المحلية، تكلفة الواحدة منها 6 دولارات أمريكية. وحتى ذلك الحين، لم يكن لدى المتدربين الفلسطينيين أية وسائل محسوسة وفعلية للتدرب على التوقيف والاعتقالات وغيرها من المناورات، مما لم يترك لهم خياراً أحياناً سوى التلويح بأصابعهم على شكل فوهات البندقيات أحيانا، بحسب الأمريكيين.
وقال أحدهما أنه لم يرَ سوى جهازي راديو شغالين لكافة المتدربين، مما قصر حصص التدريب على وسائل وآليات الاتصال على النظريات. وأضاف الآخر، “في حال أن مثل هذه الأجهزة موجودة، فإنني لم أر أي منها”.
ولم تصل مناهج التدريب والمعدة من قبل مكتب شؤون مكافحة المخدرات والأمن الدولي بوزارة الخارجية الأميركية، إلا بعد بداية البرنامج، أضاف الأمريكيين. وعلى الرغم من أن أغلبية المتدربين لا يتحدثون إلا العربية، فإن المقررات وصلت كلها باللغة الانكليزية.
وأكدت مذكرة الكترونية أرسلتها شركة دينكورب DynCorp المتعهد الحالي لمراقبي التدريب الأمريكيين، أن المدربين الأمريكيين المتعاقدين اضطروا لارتجال المادة التدريبية. ومما جاء في المذكرة المرسلة بتاريخ 28/2/2008 والتي وصلت أيضاً لصحيفة الواشنطن بوست: “كان على مكتب شؤون مكافحة المخدرات والأمن الدولي تأمين المادة التدريبية ومخطط المنهج، والإعداد لهذه الصفوف التي من غير المفترض أن يتجاوز عدد أفراد كل منها حجم الكتيبة القتالية. للأسف، فإن المكتب تأخر كثيراً في تأمين ذلك، بينما كان كل من المدربين والمتدربين قد وصلوا فعلاً للدورة.”
وعندما سئل ناطق باسم الشركة عن المذكرة، أجاب أنه يجب النظر إليها في إطار الإيجابيات التي تم تحقيقها. ” بالطبع كان هناك صعوبات في البداية.” وأكمل الناطق الذي رفض الكشف عن اسمه، أنه حتى عندما وصلت مناهج ومقررات التدريب، فان معظمها كان مجرد مقتطفات من كراسات الجيش الأمريكي، وهو ما أكده المسؤولون الأمريكيون أنفسهم. كما أضاف أحد المصدرين الأمريكيين المذكورين أعلاه أن المدربين وجدوا أنفسهم أمام ضرورة تعديل بعض الفقرات الخاصة بكيفية استعمال الدبابات والقاذفات لإحداث فجوات في الأبنية، ضمن عدة تقنيات عسكرية هجومية أخرى.
واستنكر ويليام ج. دورش William J. Durch، الباحث في مركز هنري ستمسون للدراسات Henry L. Stimson Center في واشنطن، والخبير في تدريب قوى الأمن عالمياً: “هل هذا معقول في برنامج تدريبي؟ لا … هل هذا معقول في برنامج استحدثه أحدهم خصيصاً وأراد تسييره لأجل أهداف سياسية؟ بالطبع.”
أما توماس موزيل Thomas Moselle، المستشار الأمني في وزارة الشؤون الخارجية الأمريكية وأحد مديري البرنامج، فأقر بأنه كانت هناك صعوبات مبكرة في البرنامج، لكنه نفى أن يكون النقص في التجهيزات أو التأخير في المناهج سبباً في إعاقة أو تأخير التدريب.
وأصرت الحكومة الإسرائيلية على أن يتم تدريب القوات الأمنية الفلسطينية وتجهيزها كقوات شرطة لا كجيش قد يهدد الكيان الإسرائيلي. هذه المطالب زادت من تعقيدات البرنامج بحسب المصادر الأمريكية. وقد ذكر بيان صادر عن بعثة التدريب الأمريكية في منتصف شهر كانون الثاني/يناير، أن القوات الفلسطينية ستتلقى أسلحة فردية وناقلات خفيفة مدرعة سعودية الصنع، مصممة خصيصاً لحالات العصيان المدني والتظاهرات، لكن اعتراضات إسرائيلية منعت وصول هذه المعدات.
وبحسب مسؤولين أمريكيين، فقد منع مسؤولون إسرائيليون وصول شحنات من الأسلحة الفردية للقوات الفلسطينية، قادرة على وقف طلقات الـM-16 إذ أن الأخيرة يستعملها الجيش الإسرائيلي، مع أن هذه الأسلحة ضرورية للقوات الفلسطينية لمواجهة الـAK-47 التي يستعملها المقاتلون الفلسطينيون.
وبهذا الخصوص، صرّح شلومو درور الناطق باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية: “لا تستطيع التكهن متى يتم استعمال مثل هذه الأشياء ضدك.” وأكمل درور انه بجميع الأحوال فإن القوات الفلسطينية لا تحتاج مثل هذه الأسلحة. “من وجهة نظرنا، فإننا نحن المعنيون بمكافحة الإرهاب. إن التعامل مع حماس هو من شأننا نحن وضمن مهامنا.”
وفي حديث سريع مع ثلاثة متدربين فلسطينيين صادفناهم مع مدربيهم الأمريكيين والأردنيين، تحدثوا معنا بحماس حول البرنامج. قال أحدهم أنهم لا يشكون من أية مشاكل مع التدريب؛ وقال آخر يدعى ماهر صادق أنهم يفتقدون لممارسة تمارين الاتصال بسبب نقص الأجهزة؛ أما ثالثهم، سعيد نجار، ويحمل رتبة عقيد في جهاز الأمن الوطني الفلسطيني، فقال “إننا في حاجة لكل شيء … دعم سياسي، تجهيزات … نقوم بالتدريب لكن أعطونا الفرصة لكي نقوم بمهمتنا.”
أضف ردا