عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت حلقة نقاش تناولت انعكاسات الأزمة اللبنانية على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهو موضوع يعدّ من بين المواضيع الأكثر إثارة للتساؤلات في أوساط الفلسطينيين واللبنانيين في الوقت الحاضر، والتي تستدعي الحاجة للبحث والتحليل من قبل الخبراء.
وشارك في حلقة النقاش عدد من الباحثين والخبراء من مختلف الخلفيات والاختصاصات، من بينهم الأستاذ شفيق الحوت، ممثل م.ت.ف في لبنان سابقاً، ود. كمال ناجي مساعد ممثل م.ت.ف في لبنان، ورأفت مرة المسؤول الإعلامي لحركة حماس قي لبنان، ود. حسين أبو النمل، ود. طلال عتريسي، والعميد وليد سكرية، وجابر سليمان، وسهيل الناطور، وصلاح صلاح، ووليد محمد علي، ومحمود حنفي، وغيرهم.
وقد انقسمت حلقة النقاش إلى جلستين، تناولت الأولى توصيف الوضع الحالي للاجئين الفلسطينيين في لبنان في ظل الأزمة الحالية، فيما بحثت الثانية السيناريوهات المستقبلية لهذه الأزمة وما قد ينتج عنها من انعكاسات على الفلسطينيين، وحاول المشاركون خلالها الخروج بتوصيات أو مقترحات للتعامل مع هذه السيناريوهات.
وأشار د. محسن محمد صالح مدير عام المركز في تقديمه لحلقة النقاش إلى حالة القلق من الوضع اللبناني، التي تزايدت منذ أكثر من 3 سنوات مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما سبقه من تمديد لولاية الرئيس إميل لحود وصدور القرار 1559، وصولاً إلى الوضع الحالي وعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهي أمور أثرت جميعها في الحالة الفلسطينية في لبنان، إلا أن التأثير الأبرز نتج عن أحداث مخيم نهر البارد التي انتهت بتدميره.
وأوضح د. صالح أن هناك عوامل أخرى تؤثر أيضاً في الحالة الفلسطينية في لبنان، ومنها إشكالية السلاح الفلسطيني، والفرز السياسي والطائفي في لبنان، إلى جانب عدد من العوامل الإقليمية والدولية، والوضع الفلسطيني الداخلي نفسه. منبهاً إلى أن ذلك كله يطرح عدداً من التحديات والمخاوف من استخدام الوضع الفلسطيني بشكل سلبي في الأزمة الحالية، مما قد يزيده تعقيداً.
وخلال الجلسة الأولى ناقش المشاركون الوضع الفلسطيني في لبنان بمختلف أبعاده المتعلقة بالأزمة الراهنة، وشكلت ضرورة عدم إقحام الفلسطينيين في هذه الأزمة أو انجرارهم إليها نقطة اتفاق. في الوقت الذي حذّر عدد من المساركين من ميل بعض الأطراف داخل لبنان وخارجه إلى استخدام فلسطينيي لبنان كوسيلة تساعدهم في تحقيق مصالحهم الخاصة، دون أي اعتبار لمصلحة الفلسطينيين أنفسهم. ونبّه بعض المشاركين من أن هناك من يقوم بتسليح أعداد من الفلسطينيين، مما يزيد عملياً من مخاطر الانزلاق الفلسطيني إلى أجواء الفتنة الداخلية. وأشار مشاركون إلى محاولة استثمار البعض الحالة الفلسطينية بشكل طائفي باعتبارها حالة سنية، بينما يحاول آخرون استثمارها باعتبارها حالة تتبنى في مجموعها خط المقاومة، وهو ما يضعها في اصطفافات أخرى.
كما توقف المشاركون عند أحداث نهر البارد، ولفت عدد منهم الانتباه إلى ضرورة التوقف عندها وعدم ترك الموضوع دون معالجة، في حين نبه آخرون إلى وجود مؤشرات حالية توحي باحتمال تكرار التجربة نفسها في مخيم عين الحلوة.
وتطرق المشاركون إلى الأوضاع المعيشية الصعبة للاجئين، ورأى فيها عدد كبير منهم سبباً أساسياً في هجرة اللاجئين إلى الخارج، وهو ما وضعه البعض في سياق سياسة متعمدة تستهدف تهجير الفلسطينيين من خلال وضعهم في ظروف معيشية خانقة، كحل لمشكلة اللجوء الفلسطيني في لبنان، وهو ما يهدد بتسرب أعداد كبيرة من اللاجئين وتسرب النخب بوجه خاص، مستشهدين بتقديرات أشارت إلى أن عدد اللاجئين الفعلي في لبنان لا يتجاوز 290 ألفاً، في الوقت التي تشير فيه سجلات وكالة الأونروا الرسمية إلى أن عددهم يبلغ 411 ألفاً.
أما في الجلسة الثانية، فقد طُرحت عدة سيناريوهات مستقبلية للأزمة: أولها استمرار الوضع القائم على ما هو عليه، دون تحقيق إنجازات عملية في تحسين أوضاع الفلسطينيين، وبالتالي استمرار هجرتهم إلى الخارج، سواء نتيجة للظروف المعيشية الصعبة أو وفق خطة معدّة. وثانيها قيام حل قائم على التوافق بين اللبنانيين، ويليه توافق بين اللبنانيين والفلسطينيين. والسيناريو الثالث، وهو الأكثر قتامة، يتضمن استخدام أطراف معينة لبعض الجماعات المسلحة داخل المخيمات لأخذها في واحد من اتجاهين: تغذية الخلافات الداخلية، وتفجير خلافات بين سكان المخيمات الفلسطينية ومحيطها اللبناني، خاصة في ظل حالة من الاحتقان ولدتها أحداث البارد في الشارعين اللبناني والفلسطيني؛ أو جرّ الفلسطينيين لصالح أحد أطراف الأزمة اللبنانية في حال انفجار الوضع الأمني.
وفيما يتعلق بالحلول التي طُرحت خلال الجلسة، فقد ركزت على ضرورة توحيد المرجعية السياسية للاجئين الفلسطينيين في لبنان بعيداً عن الخلافات الفلسطينية الداخلية، أو على الأقل توحيد الرؤيا الفلسطينية فيما يتعلق بالقضايا المستجدة قبل بحثها مع الحكومة اللبنانية، وتشكيل مرجعيات أمنية موحدة في المخيمات لضبط الأوضاع الأمنية والحؤول دون انفلاتها. ومن الحلول المطروحة أيضاً اتخاذ موقف فلسطيني موحد بعدم الانخراط في الأزمة اللبنانية الداخلية والبقاء على الحياد. إضافة إلى اقتراح عملي قابل للتطبيق في المرحلة الحالية، يدعو للتقدم في موضوع إعادة إعمار مخيم نهر البارد واتخاذه مدخلاً للحوار مع الحكومة اللبنانية بشأن بقية القضايا المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين في لبنان عموماً. وكان من بين المقترحات استصدار قرار عربي برفض توطين اللاجئين الفلسطينيين وحماية حق العودة، يؤسس للحديث عن الحقوق المدنية والإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويضمن حمايتهم.
أضف ردا