عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت حلقة نقاش بعنوان “الحوار بين فتح وحماس وآفاق المصالحة الوطنية” في فندق الكراون بلازا يوم الأربعاء 2/7/2008، بحضور عدد من الأكاديميين والمهتمين بالشأن الفلسطيني. وروعي في اختيار الحضور تمثيلهم لأبرز التوجهات الفصائلية والفكرية على الساحة الفلسطينية، وكان من أبرزهم ممثل حركة حماس في لبنان الأستاذ أسامة حمدان، ونائب ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان الدكتور كمال ناجي.
امتدت حلقة النقاش على جلستين، افتتحت أولاهما مداخلتان مطولتان لكل من ناجي وحمدان، فتحت الباب لنقاش ومداخلات الحضور. وتركزت معظم المداخلات في الجلسة الأولى حول قراءة المعطيات الحالية على الساحة الفلسطينية وتحديد أسباب الأزمة الداخلية وإمكانية تحقيق أي حوار أو مصالحة جدية في الوقت الراهن. |
وأدار الجلسة الأولى الدكتور طلال عتريسي الذي أشار إلى أن قضية المصالحة أصبحت على ما يبدو هاجساً مشتركاً بين أكثر من بلد من البلدان العربية حيث هناك حركات مقاومة وسلطة تختلف معها في الاتجاه، متسائلاً عن الدور الذي تلعبه خصوصيات كل بلد، وإلى أي مدى يؤثر الخارج الإقليمي أو الدولي، مقابل الإرداة الداخلية، في المصالحة والاختلاف.
أما الجلسة الثانية فأدارها الدكتور حسين أبو النمل، وبنت على ما تقدم من نقاشات في الجلسة الأولى من قراءات في الواقع وفي إمكانية الحوار، للوصول إلى خلاصات تمثلت إما بمقترحات عن كيفية التعامل مع الأزمة الحالية أو بسيناريوهات محتملة للمستقبل المنظور بخصوص موضوع المصالحة والحوار على الساحة الفلسطينية. واختتمت الجلسة الثانية أيضاً بمداخلتين مطولتين لكل من ناجي وحمدان، ليختتم من ثم حلقة النقاش الدكتور محسن صالح مدير عام مركز الزيتونة، شاكراً الحضور ومشدداً على أهمية مثل هذه اللقاءات وفائدتها، وملخصاً أبرز النقاط التي تضمنتها الحلقة.
أولاً: في الواقع الفلسطيني وأسباب الأزمة
لخّص الأستاذ أسامة حمدان في مداخلته الأولى أسباب الانقسام بأربعة أسباب رئيسية: الأول هو التغيير الذي يحصل على الساحة الفلسطينية بين قوة صاعدة وقوة مهيمنة، والثاني هو عدم وجود إطار مؤسسي وطني فلسطيني جامع، والثالث هو أزمة ثقة بين الفصيلين الرئيسين، والرابع هو التدخل الخارجي بعنوانيه السياسي والامني. وأشار إلى أن أزمة الثقة بين فتح وحماس هي ليست وليدة لحظة بل وليدة حوار وعلاقات ممتدة كانت في كل لحظة تكرس مشكلة جديدة، وأن الانقسام لم يكن منذ عام بل منذ حوالي عقد من الزمان، لكن الانقسام الحاسم هو ما كان منذ عام. وتوقف حمدان عند مسألتين رئيسيتين، الأولى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي وتنظيم مكوناته المختلفة من مثل منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل، ومأسسة عملية صنع القرار الوطني الفلسطيني، أما الثانية فهي الإقرار بأن الشعب الفلسطيني هو الذي يجب أن يحدد من الذي يمثله مؤكداً أن المخرج هو في حوار جدي غير مشروط، بآليات محددة، تشارك فيه جميع الفصائل ويتناول جوهر المشكلات وأسبابها الحقيقية، متهماً الطرف الآخر بافتراض النتائج ووضع الشروط المسبقة.
أما الدكتور كمال ناجي فدعا إلى عدم الاستغراق في التهم وطالب بالشجاعة “في مواجهة أخطاء أنفسنا وأخطاء الآخرين”، رداً على مداخلة حمدان، وذلك للوصول الى خلاصات ايجابية. وأشار ناجي إلى أنه لا اختلاف حقيقي على الساحة الفلسطيني، هناك مشاكل، لكن الصورة ليست بالحدة التي يصورها حمدان، ومساحة الاتفاق موجودة، إذ هناك اتفاقيات سابقة تمت على الصعيد الفلسطيني الداخلي، ومنها اتفاق القاهرة واتفاق مكة. وأشار ناجي إلى أن ثنائية فتح وحماس هي ثنائية ضارة وأن على اليسار الفلسطيني أن يلعب دوراً أكبر، وأن أي حوار أو اتفاق وطني يجب أن يشمل الجميع. كما رفض مقولة إن هناك برنامجين على الساحة الفلسطينية، واحد للمقاومة وآخر للاستسلام أو المفاوضات، مؤكداً أن حركة فتح تعتمد إستراتيجية ثنائية المقاومة والمفاوضات، وأن المفاوضات هي عمل سياسي مطلوب، وحتى حماس تمارسه بحسب ناجي، مستشهداً باتفاقية التهدئة الأخيرة مع “إسرائيل”.
وفي حين تمسك حمدان بموقفه من أن منظمة التحرير الفلسطينية فعلياً غير موجودة اليوم، رأى ناجي أن المنظمة هي “خيارنا الوحيد وإنجازنا التاريخي، ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ووطن معنوي في ظل غياب أي إنجاز على الأرض”، وأن سبب الازمة هو ليس غياب الإطار بل غياب تقاليد العمل المؤسسي الجامع.
ورأى بعض المشاركين عدم جدوى مناقشة الأسباب لأن الصورة الحقيقية لا تزال خلافية ولا توجد قراءة واحدة للواقع، وترك المحاسبة والحكم للتاريخ، مقابل مشاركين آخرين رأو أن لا امكانية لإيجاد حل سليم من دون العودة إلى الأسباب. وناقش البعض في المصطلحات المستخدمة، مثل “تدحرج” الوضع مما يدل أن خطأً تم يجب التراجع عنه، أو الفارق بين الحسم والانقسام، وفي آثار الانقسام على المشروع الوطني الفلسطيني، مؤكدين أن كافة الأطراف تضررت منه، بما فيها الشعب وفتح وحماس، وكذلك استراتيجية المقاومة التي خسرت شرعيتها الدولية وأفقها السياسي إلى حد ما، وأيضاً استراتجية المفاوضات التي خسرت شرعيتها الشعبية ووجد المفاوض السياسي نفسه مضطراً لتقديم المزيد من التنازلات و”الارتماء بأحضان الأمريكيين والإسرائيليين، والمجتمع الدولي”.
واتفق الحضور على عدة نقاط ضمن الواقع الفلسطيني، منها ضعف اليسار الفلسطيني، والفساد ضمن حركة فتح، وانتهاء عملية التسوية بالفشل; كما اتفقوا على أهمية العامل الخارجي في الساحة الفلسطينية، -فالخارج هو الطرف الممول وهو الذي يرعى التفاوض وهو الذي يقدم الشرعية-، وعلى أهمية واقع الاحتلال وتأثيره الكبير، وإن كانوا اختلفوا على مدى تأثير العامل الخارجي، من متشائم يراه اللاعب الرئيسي الذي يشل تقريباً القدرة الفلسطينية الداخلية على حل الأزمة، ومن متفائل يجد أن الإرادة الفلسطينية الداخلية هي الأساس في حل الازمة، وواقعي يجد أن العوامل الخارجية مهما كانت قوية لن تجعل الحل مستحيلاً. كما أشار معظم الحضور إلى أن التجربة التي قدمتها حماس للحكم في غزة كانت مخيبة للآمال نوعاً ما بخصوص الحريات، خاصة الحريات الإعلامية، وهي بهذا تضاف إلى تجربة فتح السابقة في الحكم والتي فشلت أيضاً بشكل أساسي بسبب الفساد. ورأى الكاتب حلمي موسى أن السلطة هي الاشكالية الأساسية في التاريخ الفلسطيني الحديث، وأن الفلسطينيين خسروا فتح بعد وصولها للسلطة وخسرت هي (فتح) نفسها، وتكرر الأمر مع حماس. كما أضاف البعض إلى أسباب الأزمة إشكالية مجتمعية، في ظل غياب فعلي للقانون والاحتكام الدائم إلى منطق القوة والسلاح. وتم تصنيف الانقسام الحالي على أنه أكثر حرجاً من الخلافات التي كانت تحصل سابقاً على الساحة الفلسطينية لأنه انقسام جغرافي وبنيوي، مما يجعل المرحلة القادمة مرحلة حاسمة في تحديد المسار المستقبلي على الساحة الفلسطينية، في ظل استحقاقات رئيسية مقبلة، سواء استحقاقات محلية كالانتخابات الرئاسية، أو إقليمية كالانتخابات الإسرائيلية وصفقة الأسرى والوضع في العراق وإيران، أو دولية كالانتخابات الرئاسية الأمريكية.
ثانياً: في المقترحات للخروج من الأزمة
تم تخصيص الجلسة الثانية للمناقشة في المقترحات للخروج من الازمة، وكان الحوار في مقدمة المقترحات، وخاصة من حمدان وناجي. وقال حمدان أن المصالحة خطوة متقدمة عن الحوار، وأنه لا بد من حوار ينشيء مصالحة أو يكرّس أزمة. كما تمّت مناقشة العديد من النقاط المتعلقة بالحوار ليكون أكثر ايجابية وجدية، في حين امتلك البعض رؤيةً مظلمة لا ترى آفاقاً حالية جدية للخروج من الأزمة (سيتم مناقشة النقاط والمداخلات المتعلقة بالحوار في القسم التالي).
وإلى جانب الحوار، كانت الحاجة إلى تأكيد بعض المفاهيم على الساحة الفلسطينية بالممارسة الفعلية، مثل الديموقراطية وسيادة القوانين، وهو ما دفع البعض للمطالبة بعقد سياسي مجتمعي جديد، بناءً على مجموعة من النصوص التي يمكن ان تشتق منها الثوابت الفلسطينية. كما تم التأكيد على ضرورة الاتفاق على قراءة واقعية من جهة محايدة الى حد ما لها مكانتها، يفضل أن تكون من النخبة الثقافية لكن ممن لم تفسد في المتاهات السياسية، وتفسح المجال لتشكيل حالة ضغط سواء عبر الفصائل أو حركة شعبية. وفي هذا المجال أشار البعض إلى أهمية المجتمع المدني والأهلي وإلى دور اليسار الفلسطيني المعتدل الذي هو ضعيف و غائب حالياَ، والأخيران هما عاملان رئيسيان في إنهاء ثنائية فتح وحماس وتفعيل العملية الديموقراطية، وإنهاء احتكار الحراك الحزبي للعملية السياسية على الساحة الفلسطينية. وأضاف الدكتور محسن صالح، مدير عام مركز الزيتونة، نقطة تطوير الإمكانيات الداخلية للفلسطينيين حتى تكون عندهم الإرادة الحرة الحقيقية التي تحررهم من انتظار المحدد الخارجي، وبالتالي تحقق إلى حد ما استقلالية الإرادة السياسية الفلسطينية المستقبلية.
وأشار أكثر من مشارك في النقاش إلى افتقار الساحة الفلسطينية لمشروع وطني واضح أو رؤية مستقبلية موحدة ومحددة. ودعا ناجي إلى تحديد الأهداف المرحلية وتوحيد الأدوات السياسية وإعادة صياغتها، بدءاً بحكومة الوحدة والوطنية والأجهزة الأمنية ومأسسة عملية صنع القرار الفلسطيني، داعياً أيضاً إلى توحيد المقاومة في مظلة وطنية جامعة، تجعل تنسيق الحسابات بين عمل المقاومة الميداني واستراتيجيات الحراك السياسية حسابات وطنية مشتركة لا حسابات فصائلية مستقلة. أما حمدان فشدد على أهمية اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية و إعطاء الشعب الفلسطيني حق القرار، ورأى أن توحيد المقاومة مقترح يحتاج لكثير من التفصيل فهل هو توحيد عملاني أو توحيد شكلي أو توحيد ميداني. ولفت حمدان إلى أهمية الغطاء العربي، وهو ما أشار إليه ناجي أيضاً وعدد من المشاركين الآخرين.
وفي الجانب العملي تم طرح بعض المقترحات، من مثل التهدئة الإعلامية وإطلاق الحريات، وإطلاق المعتقلين عند كل من فتح وحماس، وهي كلها مبادرات تصلح لكي تكون مؤشرات على مدى جدية وإيجابية الطرفين في الحوار والمصالحة الحقيقية، أيضاً في انتظار ما ستنتهي إليه طبيعة المشهد السياسي كي تتبلور أكثر الأفكار والمقترحات.
ومما كان ملفتا في هذا المجال التجربة التي قدمها كمال ناجي في مداخلته الاولى، لآلية عمل مشتركة تم اعتمادها وممارستها في لبنان من قبل الفصائل الفلسطينية، وهي تجربة القيادة المشتركة للطوارئ في الساحة الفلسطينية. وقد أعطت تأثيرات ايجابية في الساحات الاخرى بما فيها الداخل بحسب ناجي. وتم الاستشهاد بهذه التجربة كمثال على الدور الفاعل الذي يمكن للشتات الفلسطيني أن يلعبه في سبيل إيجاد مساحات جديدة للاتفاق وآليات جديدة للحوار، وكذلك امكانية أن تلعب مثل هذه المبادرات دوراً في صياغة رؤية وطنية فلسطينية مستقبلية موحدة، وهو المقترح الذي لاقى تجاوباً واستحسانا من الجميع.
في حيثيات الحوار والمصالحة … مجدداً؟
كان الحوار خياراً أساسياً أشار إلى أهميته جميع الحاضرين، وان كانوا لم يجمعوا على مدى فاعليته في ظل الظروف والمعطيات الراهنة. وكان الحوار الخيار الوحيد بحسب ناجي، والحل الوحيد بحسب حمدان، لكن الأول اتهم حماس بعدم إبداء إيجابية في المبادرات، واتهم الثاني أبو مازن بعدم الجدية وبالقراءة الخاطئة لدعوات الحوار أو بالدعوة لحوار لأهداف مرحلية خاصة لا عن نية حقيقية لحل الأزمة ومسببات الخلاف.
وأشار معظم المشاركين إلى ضرورة البناء على الإتفاقات الموجودة مثل اتفاق القاهرة واتفاق مكة، وإلى ضرورة إيجاد آليات محددة وواضحة للحوار، وإلى إشراك جميع الأطراف فيه وعدم قصره على الثنائي فتح وحماس، بل وإلى اشراك بعض منظمات المجتمع الأهلي النشطة. وتم التأكيد على ضرورة الاتفاق على المبادئ التي سيتم على أساسها الحوار، خاصة فيما يتعلق ببرنامجي المقاومة والتسوية، وتساءل عدد من الحضور عما إذا كان الحوار سيتم على أساس “التسوية انتهت” مثلاً، وعلى أهمية أن تعطي جميع أطراف الحوار الأولوية للاتفاق على رؤية وطنية واحدة، ولا يقتصر على “اتفاقيات تجميلية شكلية” لمظاهر من مظاهر الأزمة لا عمقها، كالمعابر مثلاً أو إدارة بعض الأجهزة.
ومما تم الإشارة إليه أيضاً بخصوص تفاصيل الحوار، أن يكون الحوار بغير شروط وافتراضات مسبقة، وأن يتم بتحييد التدخلات خارجية قدر الإمكان، وأن تكون هناك ترجمات فعلية على الأرض لما يتفق عليه، وأن يتم تحويل الحوار إلى مؤسسة وطنية، وهو ما أشار بخصوصه الكاتب محمود حيدر، رئيس تحرير مجلة مدارات، إلى الواقع اللبناني حيث هناك مؤسسة للحوار الوطني، لا تفلح في إنهاء الأزمة والاحتقان، لكنها توجد خطوطاً حمراً تمنع وصول الحالة إلى الحرب الأهلية.
وكان مما تضمنته كلمة الدكتور محسن صالح الختامية، أن الحوار يجب ألا يكون تكتيكاً مرحلياً أو حاجة ميدانية لتقطيع ازمة معينة، بل عملية مستمرة طبيعية وسلوكاً حضارياً يومياً معتاداً، وجزءاً أصيلاً من النظام السياسي الفلسطيني، مؤكداً أنه مهما كانت هناك عوامل ومعيقات خارجية أو داخلية للحوار، فانه يبقى خيار الأكثرية الذي لا يجب تعطيله.
كما لفت صالح إلى أهمية اللقاءات الهادئة، مثل اللقاءات الأكاديمية أو الفردية غير المعلنة بين القيادات المختلفة، وإلى ضرورة تحديد أولويات المرحلة والخيارات، مشيراً إلى أن إصلاح النظام السياسي الفلسطيني هو جزء من المشكلة الأكبر، حيث هناك قضايا أعمق وأوسع ترتبط بالشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وهي كلها قضايا لا يمكن معالجتها إلا اذا وضع موضوع منظمة التحرير الفلسطينية والتمثيل بحقيقته وبحجمه الصحيح.
* ينشر مركز الزيتونة نصوص المداخلات في وقت لاحق
مركز الزيتونة للدراسات والإستشارات 3/7/2008
أضف ردا