تقدير استراتيجي (3) – تموز/ يوليو 2008.
ملخص:
هذا التقدير هو خلاصة حلقة نقاش عقدها مركز الزيتونة، وشارك فيها 20 متخصصاً وباحثاً في الشأن الفلسطيني.
تفتقر فتح وحماس إلى وجود مرجعية أيديولوجية أو مؤسسية مشتركة، وفضلاً عن أزمة الثقة بينهما، فإن الضغوط الخارجية (الإسرائيلية والأمريكية) ما تزال تمثل عنصراً مؤثراً في صناعة القرار الفلسطيني.
ومن الواضح أن استمرار حالة الانقسام الذي تشهده الساحة الفلسطينية بين الفصيلين الأكبر فيها، يلحق ضرراً بالغاً بالقضية الفلسطينية، كما يُعطّل سير كلا الطرفين قدماً في أيٍّ من مشروعي المقاومة والتسوية. وعليه فإن هناك ضرورة ملحة لمعالجة أسباب الانقسام الداخلية والخارجية، خصوصاً وأن مجمل العوامل الدافعة باتجاه الحوار، تتفوق على العوامل المعيقة له.
إلا أنه لا يبدو أننا سنشهد قريباً مصالحة وطنية شاملة؛ ويظهر أن أي مصالحة محتملة في الأشهر القادمة، ستكون مصالحة “تكتيكية” لتمرير المرحلة، استجابة لعدد من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية.
مقدمة:
منذ أكثر من عام، تشهد الساحة الفلسطينية حالة انقسام حادّة بين الفصيلين الأكبر فيها: فتح وحماس. وهو الأمر الذي أدى إلى حدوث انفصال واقعي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ووجود حكومتين تتنازعان الشرعية، لكل واحدة منهما برنامج سياسي مختلف. وفي ظلّ حالة الانقسام هذه، يعاني المشروع الوطني الفلسطيني من حالة تراجع تصيب الجميع بالضرر، وتستدعي تحركاً عاجلاً لتحقيق المصالحة الوطنية.
أولاً: قراءة تاريخية:
الحوار المنشود بين فتح وحماس سبقه 18 عاماً من الحوار بين الطرفين، إلا أن الإشكالات الأساسية العالقة بينهما لم تُحلّ. وكانت الملاحظة الرئيسية في تلك الحوارات أن قيادة فتح لم تكن تلجأ إليها إلا عندما تكون مضطرة لذلك، إما للظهور أمام إسرائيل والمجتمع الدولي بأنها تمثل كل الفلسطينيين، أو لتوفير الغطاء لتمرير صفقات سياسية، أو لتهدئة الأوضاع بانتظار اجتياز مرحلة أو استحقاق معين.
أول حوار رسمي بين فتح وحماس كان في صنعاء في 10-12/8/1990، وفي أغسطس/ آب 1991 عُقد لقاء بينهما في الخرطوم، وكان عرفات يرغب في انضمام حماس إلى المنظمة والمجلس الوطني المرتقب في الشهر التالي والذي كان بصدد اتخاذ قرار المشاركة في مؤتمر التسوية في مدريد. ثم عُقد لقاءان متتاليان، أولهما في تونس في أواخر سنة 1992، وثانيهما في الخرطوم في مطلع سنة 1993.
وفي الفترة 18-21/12/1995 عُقد حوار بين السلطة الفلسطينية وحماس، حاولت خلاله فتح الموجودة في السلطة إقناع حماس بالمشاركة في انتخابات الحكم الذاتي، أو على الأقل الحصول على ضمانات بعدم سعي حماس لإفشال الانتخابات. وبالفعل فقد قاطعت حماس الانتخابات، لكنها التزمت بعدم إفشالها.
ومنذ 1996 وحتى انتفاضة الأقصى عام 2000، لم تعد السلطة التي ترأسها فتح تشعر بضرورة الحوار مع حماس وقوى المعارضة، بعدما تمكنت من بسط سيطرتها على مناطقها، وبعدما تمكنت من توجيه ضربة قاسية لحماس في ربيع 1996.
وفي الفترة 10-13/11/2002 عُقدت مفاوضات القاهرة بين فتح وحماس، ثم في يناير/ كانون الثاني 2003، و4-7/12/2003 بمشاركة كافة الفصائل. وفي 15-17/3/2005، انعقدت جولة الحوار في القاهرة بمشاركة فتح وحماس وباقي الفصائل، حيث تم تبني برنامج فلسطيني ينصّ على الحق في مقاومة الاحتلال، وعلى الإعلان عن تهدئة تستمر حتى نهاية العام، كما تم الاتفاق على إجراء انتخابات تشريعية، وعلى القيام بإعادة تنظيم منظمة التحرير وإصلاحها وفق أسس تُمكِّن جميع القوى الفلسطينية من الانضمام إليها.
أما الحوارات التي تلت فوز حماس في الانتخابات التشريعية، فرغم تعددها ونقاشاتها الطويلة المتسفيضة، ورغم توصلها إلى وثيقة الوفاق الوطني في 27/6/2006، وإلى اتفاق مكة في 8/2/2007، فإن نتائجها ما لبثت أن ذرتها رياح الممارسات على الأرض والانفلات الأمني والاغتيالات.
ثانياً: أسباب الانقسام:
على الرغم من أن حدوث حالة الانفصال بين الضفة والقطاع جاء مع الأحداث التي انتهت بسيطرة حركة حماس عسكرياً على قطاع غزة في منتصف حزيران/ يونيو 2007، والإجراءات التي اتخذتها قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله رداً عليها، إلا أن أسباب الانقسام الحقيقي أعمق من ذلك، ويمكن أن نلخصها فيما يلي:
1. غياب المرجعية الأيديولوجية المشتركة التي تجمع بين الطرفين، وبالتالي عدم وجود ما يحدد ما هو ثابت لا يقبل المساومة، وما يمكن أن يخضع للتكتيك وتقدير المصالح. وهو الأمر الذي ينعكس بطبيعة الحال على البرنامج السياسي لكلا الطرفين، وعلى تحديد الأولويات، وعلى مقدار التنازلات التي يمكن تقديمها، وعلى رؤيتهما التكتيكية والاستراتيجية لمشروعي المقاومة والتسوية.
2. غياب المرجعية المؤسسية التي يفترض أن يحتكم إليها الطرفان، وأن تضبط آليات اتخاذ القرار الوطني، وآليات التداول السلمي للسلطة، وشرعية تمثيل الشعب الفلسطيني. حيث إن منظمة التحرير الفلسطينية التي تشكل مظلة مقبولة من كلا الطرفين تعاني من تراجع دورها، وضعف تأثيرها في الواقع الشعبي الفلسطيني، وشيخوخة مؤسساتها القيادية، وتهميشها لصالح مؤسسات السلطة الفلسطينية. إضافة إلى عدم تمثيلها لكافة الاتجاهات السياسية على الساحة الفلسطينية؛ نظراً لعدم وجود تمثيل للقوى الصاعدة التي أصبحت تشكل قوة أساسية على تلك الساحة فيها، وخصوصاً حركة حماس.
3. غياب الثقة بين الطرفين، خصوصاً وأن تجارب الحوارات والاتفاقات السابقة لا تشكّل دافعاً للثقة. فالكثير من عناصر حماس يرى أن فتح لا زالت محكومة بعقلية الهيمنة واحتكار السلطة، وعدم توفير فرصة حقيقية لإعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، كما أنهم لا يثقون بقيادة حركة فتح للمسار السياسي الفلسطيني، خصوصاً بعد مسلسل التنازلات والاعتراف بـ”إسرائيل”، والتنسيق الأمني معها، وتوقيع اتفاق أوسلو وتبعاته. إلى جانب اتهام العديد من العناصر القيادية لفتح بالفساد، وتشرذم حركة فتح وترهلها، مما يُصعّب على فتح ضبط عناصرها في حال أي اتفاق مع حماس.
وفي المقابل لا يثق الكثير من عناصر فتح بقيادة حركة حماس للمسار السياسي الفلسطيني، ويتهمونها بعدم الواقعية والتسبب في تشديد الحصار على الشعب الفلسطيني، وعدم امتلاك حلول عملية للتعامل مع مشكلات الشعب وهمومه، وبتعطيل مسار التسوية وحلم الدولة الفلسطينية.
4. العامل الخارجي، وهو يتجسّد في صورة تدخلات وضغوط سياسية وأمنية واقتصادية. التدخلات السياسية تأتي من خلال الشروط الإسرائيلية والأمريكية على الحوار، والضغط على الرئيس محمود عباس لمنعه من التحاور مع حماس إلا في حال استجابت لما تسميانه شروط المجتمع الدولي، وعلى رأسها الاعتراف بـ”إسرائيل”، والتخلي عن سلاح المقاومة. أما التدخلات الأمنية فتأتي من خلال الخطط والبرامج والتمويل لتقوية أجهزة الأمن الفلسطينية ودفعها لمواجهة المقاومة وقمعها. كما يتم استخدام الحوافز الاقتصادية والدعم المادي أحياناً، وأساليب الحصار والتدمير والمصادرة أحياناً أخرى، من أجل تركيع الشعب الفلسطيني، أو تغليب طرف على آخر.
ثالثاً: العوامل الدافعة باتجاه الحوار:
1. الشرخ الفلسطيني الحاصل يلحق ضرراً كبيراً بالقضية الفلسطينية ككل، كما أنه يمنع أياً من الطرفين من المضي قدماً في مشروعه دون الطرف الآخر، وهو ما يشكّل دافعاً لكليهما للخروج من حالة الانقسام إن أراد إنقاذ مشروعه.
2. انسداد أفق مشروع التسوية وخطة خارطة الطريق في المرحلة الراهنة، خصوصاً مع عدم تحقيق أي تقدم حقيقي في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين فيما يتعلق بقضايا الوضع النهائي، إلى جانب رفض “إسرائيل” الالتزام بتعهداتها، واستمرارها في التوسع الاستيطاني، على الرغم من التزام السلطة في رام الله بجانب كبير من تعهداتها.
3. ضعف إمكانية استمرار سيطرة حماس على قطاع غزة وإدارته في ظل الحصار الخانق، دون تفاقم الأزمة الإنسانية لسكان قطاع غزة، وهو ما قد يشكّل دافعاً لها للحوار مع السلطة في رام الله، لإيجاد صيغة تخفف من وطأة الحصار.
4. اقتراب موعد نهاية ولاية الرئيس محمود عباس، واستحالة إمكانية إجراء أي انتخابات رئاسية أو تشريعية جديدة في ظل استمرار حالة الانقسام.
5. احتمال توقيع صفقة للأسرى بين حماس و”إسرائيل” يخرج بموجبها نواب حركة حماس المختطفين، هو أمر قد يشكل عامل ضغط باتجاه الحوار، خصوصاً وأن خروج النواب المختطفين سيعيد لحماس إمكانية استخدام ورقة الشرعية في المجلس التشريعي بما يمكّنها من إلغاء معظم الإجراءات والمراسيم التي اتخذها محمود عباس في رام الله، وحجب الثقة عن حكومة سلام فياض وإسقاطها.
6. وجود رغبة شعبية فلسطينية عارمة في اتفاق فتح وحماس، وعودة التلاحم إلى الصف الوطني الفلسطيني.
7. فشل الطرفين في كسر الآخر وإسقاطه؛ فحركة حماس لا زالت تدير قطاع غزة على الرغم من كل إجراءات السلطة في رام الله ضدها، ولا زالت تملك شعبية واسعة في صفوف الفلسطينيين على الرغم من الحصار الخانق الذي تتعرض له. كما أن فتح لا زالت تمثل شريحة واسعة من الفلسطينيين، على الرغم من عدم وجود تقدم في مسار التسوية، وهي تملك اعترافاً وقبولاً عربياً ودولياً.
8. الأزمة السياسية الحالية التي يمر بها رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، والتي تضعف حكومته وتزيد من احتمالات سقوطها وإجراء انتخابات مبكرة، وهو ما يضعف قدرة هذه الحكومة على إحراز أي تقدم فعلي في مسار التسوية.
9. تعرّض المشروع الأمريكي في المنطقة لأزمة في الوقت الراهن، وفشل الرهانات عليه وهو غير راغب في فرض ضغوط على “إسرائيل”، وغير قادر على فرض خياراته على المنطقة. وهو ما قد يسهم في إضعاف دور العامل الخارجي المعارض للحوار، خصوصاً مع اقتراب نهاية ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش دون تحقيق أي تقدم فعلي في وعده حول إقامة الدولة الفلسطينية.
رابعاً: العوامل المعيقة للحوار:
1. العوامل الخارجية:
• تمثل الشروط الإسرائيلية والأمريكية على الحوار العامل الأبرز بين هذه العوامل، وهو يستمد قوته من ارتباط تمويل مؤسسات السلطة واستمرار عملها بتلبية هذه الشروط، وهذا الأمر يوجد تخوفاً لدى الكثيرين من أن عدم تلبية الشروط سيؤدي إلى توسيع الحصار ليشمل الضفة الغربية إلى جانب قطاع غزة، وإلى وضع الفلسطينيين وقضيتهم في عُزلة، خصوصاً وأن الاحتلال الإسرائيلي لا زال يملك أدوات القتل والاعتقال والتدمير والحصار في الضفة والقطاع، والتي تمكّنه من التأثير في المشهد السياسي الفلسطيني، وهو بالتالي قادر على تعطيل الكثير من النتائج التي قد تصدر عن الحوار.
• عدم قبول البيئة العربية والدولية لوجود التيارات الإسلامية في الحكم، والتخوف من تأثير نجاح هذه التجربة أو امتدادها إلى أماكن أخرى، وخصوصاً في دول الجوار.
• عدم استجابة حماس للشروط الدولية على الرغم من وجود الحصار، وعلى الرغم من كل الإجراءات الإسرائيلية والدولية لإسقاطها، مما يعني أن الأطراف الرافضة لبقاء حماس في الحكم ستواصل الضغط عليها، بغض النظر عن أي نتائج من الممكن أن تصدر عن الحوار، وهو ما قد يُضعف من تأثيراته العملية، وبالتالي من جدواه.
2. العوامل الداخلية:
• وجود أشخاص لدى أحد الطرفين أو كليهما، يتعمدون تعطيل الحوار. وعلى الرغم من أنهم قد يمثلون أقلية، إلا أنهم في أحيان عديدة يكونون في مواقع مؤثرة تمكّنهم من سوء استغلالها. وتدخل في هذا الإطار خشية من يراهن على خيار التسوية من تعطل هذا المسار نتيجة الحوار، وخشية البعض من خسارة مواقعهم ومكاسبهم.
• أزمة القرار لدى حركة فتح نفسها، وتعدد الاتجاهات داخلها، إضافة إلى الفساد والترهل الذي تعاني منه، تجعل من الصعب توحيد القرار الحركي بشأن الحوار، وتضعف من قدرة قيادة الحركة على ضبط كافة عناصرها، وعلى تطبيق الاتفاقات التي قد يتمّ التوصل إليها.
• ضعف فاعلية الفصائل الأخرى المؤثرة في الساحة الفلسطينية، في الدفع باتجاه الحوار، وخصوصاً حركة الجهاد الإسلامي وفصائل اليسار الفلسطيني المتمثلة في الجبهتين الشعبية والديموقراطية لتحرير فلسطين، وحزب الشعب.
خامساً: السيناريوهات المتوقعة:
1. استمرار حالة الانقسام:
يقوم هذا السيناريو على أساس أن رئاسة السلطة ما زالت تعتمد على الدعم الأمريكي لمسار التفاوض، وستواصل بالتالي الاستجابة للضغوط الخارجية والشروط الدولية الموضوعة أمام أي حوار مع حماس؛ وعلى تخوف السلطة في رام الله من التعرض لعقوبات إسرائيلية وأمريكية ودولية في حالة الوصول إلى أي اتفاق مع حماس، أو تشكيل حكومة وحدة وطنية. كما يقوم على أن أي إنجاز تحققه حماس في القطاع، كالتهدئة، أو فتح المعابر وتخفيف الحصار، أو إبرام صفقة الأسرى، سيدفع السلطة في رام الله لتحقيق تقدم مقابل في الضفة، في مسار التفاوض مثلاً أو على المستوى الاقتصادي، مما يعزز حالة الانقسام.
كما يدعم هذا السيناريو وجود أشخاص منتفعين من استمرار الانقسام، وقادرين على التأثير في قرار الذهاب إلى الحوار وإنجاحه من عدمه.
2. المصالحة الوطنية الشاملة:
يقوم هذا السيناريو على أساس أن الوحدة الوطنية هي الحاجة الطبيعية لكلا الطرفين: من يرى أنه في مرحلة التحرر، ومن يقول إنه دخل مرحلة بناء الدولة؛ فالأول بحاجة للتسلح بالوحدة لكونها درعاً للمقاومة، والثاني بحاجة إليها لكونها رمز سيادة الدولة وشرعيتها. واستمرار الانقسام يُلحق ضرراً بكلا المشروعين، وبالتالي هناك حاجة إلى عقد حوار جدّي ومعمّق، يشمل إلى جانب حركتي فتح وحماس مختلف القوى السياسية الفلسطينية، يبني على الاتفاقات التي تم التوصل إليها سابقاً، ويبحث في الأسباب الحقيقية للانقسام ويسعى لمعالجتها، وصولاً للاتفاق على برنامج وطني مشترك ومرجعية سياسية موحدة. ويعدّ هذا السيناريو مستبعداً في الوقت الراهن، وهو مرتبط بوجود إرادة حقيقية للمصالحة لدى الطرفين، كما لدى مختلف القوى السياسية المؤثرة والفاعلة في الساحة الفلسطينية.
3. المصالحة التكتيكية (المؤقتة):
ينبني هذا السيناريو على عقد حوار “تكتيكي” بين فتح وحماس، مع تقديم كلا الطرفين بعض التنازلات عن الإجراءات التي أقدم عليها منذ حزيران/ يونيو 2007، دون معالجة الأسباب الحقيقية للانقسام، وهو ما سيجعل من أي حوار من هذا النوع مجرد تكتيك لتمرير المرحلة، إلا أنه سيؤدي إلى عودة الأمور إلى نقطة الصفر عند بروز أية مسألة خلافية رئيسية. وهو اختيار لا يخلو من المخاطرة، لأنه قد يزيد من تفاقم الأزمة، ويزيد من حالة الانقسام في حال فشله.
ومما قد يعزز احتمالات هذا السيناريو تعارض أو غياب المنظومة الأيديولوجية والمؤسسية المشتركة لدى الطرفين، مع الشعور بضرورة التوجه للحوار بسبب ظروف سياسية معينة، كاقتراب الاستحقاق الرئاسي، أو احتمال فشل التهدئة وشن “إسرائيل” عملية عسكرية في قطاع غزة وتشديد الحصار عليه، أو احتمال عقد صفقة للأسرى بين حماس و”إسرائيل”، أو انسداد أفق التسوية في الوقت الراهن، أو اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية مع ما قد تحمله من تأثيرات على الموقف الأمريكي تجاه عملية السلام.
سادساً: المقترحات:
1. إجراء مراجعات داخلية لدى كل من فتح وحماس، وإقرار كل طرف بالأخطاء التي أقدم عليها، كخطوة تسهم في إعادة الثقة بينهما.
2. إعادة توحيد مؤسسات السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس وطنية ومهنية.
3. تشكيل حكومة وحدة انتقالية تمهّد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية. وفي هذا السياق من الممكن مناقشة فكرة عدم مشاركة وزراء ينتمون لحركة حماس بصورة مباشرة في هذه الحكومة، والاكتفاء بوزراء من التكنوقراط أو من الشخصيات المستقلة التي يمكن أن تمثلها، إلى جانب مجموعة ضمانات تحصل عليها بالمقابل من حركة فتح فيما يتعلق بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وبالبرنامج السياسي للحكومة، وبرفع الحصار وفتح المعابر. وبهذا يمكن ولو مؤقتاً تجنب أي حصار إسرائيلي أو أمريكي أو دولي قد يُفرض على حكومة تشارك فيها حماس دون الاستجابة لمجموعة الشروط الدولية.
4. تثبيت التهدئة في قطاع غزة، والعمل على نقلها إلى الضفة الغربية.
5. اتخاذ الفصائل الفلسطينية الأخرى، كحركة الجهاد الإسلامي وفصائل اليسار لزمام المبادرة، والعمل على دفع الطرفين للعودة إلى الحوار.
6. مساهمة مؤسسات المجتمع المدني في دفع الطرفين باتجاه الحوار.
7. الدخول في حوار هادئ ومعمّق يبحث الأسباب الأساسية للانقسام، ويعمل على معالجتها، ويكون مبنياً على ما تم التوصل إليه سابقاً من اتفاقات (اتفاق القاهرة 2005، وثيقة الوفاق الوطني، اتفاق مكة)، ويشمل إلى جانب حركتي فتح وحماس مختلف القوى السياسية في الساحة الفلسطينية، وإلى جانبها منظمات المجتمع المدني.
8. تشكيل هيئة مصالحة وطنية تضم مختلف القوى السياسية وعدداً من الشخصيات الاعتبارية، للعمل بشكل مخلص وجاد على ترتيب البيت الفلسطيني وفق “عقد” وطني ملزم مبني على استقلالية القرار الفلسطيني، وعلى تحييد عنصر التأثير الخارجي فيه، وعلى إنهاء احتكار فصيل فلسطيني للسلطة والهيمنة والوصاية على مؤسسات صناعة القرار وخصوصاً منظمة التحرير، وعلى تكريس التداول السلمي للسلطة، وعلى أن يعكس القرار الفلسطيني ومن يقوده الإرادة الحقيقية للشعب الفلسطيني.
9. يمكن للفلسطينيين في الشتات لعب دور في إعادة اللُّحمة بين فتح وحماس، وإلى الصف الفلسطيني كله، باتخاذ زمام المبادرة وتقديم صيغة للحل، يمكن أن تبدأ برأب الصدع بين الحركتين في الشتات، وتسعى من خلال ذلك إلى التأثير على الطرفين في الضفة الغربية وقطاع غزة لاتخاذ خطوات مماثلة. ويشكّل الوضع الذي توصّلت إليه الفصائل والقوى السياسية الفلسطينية في لبنان حالة يمكن البناء عليها.
أضف ردا