( حول التداعيات القانونية والسياسية لانتهاء ولاية الرئيس محمود عباس ).
بقلم: أ. د. وليد عبد الحي.
مع مساء يوم الخميس 8/1/2009 تنتهي ولاية محمود عباس كثاني رئيس للسلطة الفلسطينية في ظل عدد من الظروف المعقدة تتمثل فيما يلي:
1. تغير سياسي أو اقتراب من التغير في ثلاثة أطراف هامة هي الولايات المتحدة (رئيس جديد) وإسرائيل (رئيس وزراء) والسلطة الفلسطينية (رئيس أو فراغ رئاسي او صراع على السلطة).
2. ركود سياسي في جهود التسوية السياسية في الشرق الأوسط، نظراً لحالة التحول في مراكز صنع القرار في الأطراف الثلاثة السابقة الذكر، ومن الطبيعي أن تؤدي هذه التغيرات إلى تلكؤ في العملية السياسية أكثر ولفترة لا تقل عن ثلاثة شهور قادمة بعدها.
3. مزاحمة ثلاثة قضايا دولية أخرى للقضية الفلسطينية على الصعيد الدولي:
أ- القضية العراقية: فقد يزداد التوتر في حالة نجاح جون ماكين بالرئاسة (وسيمتد ذلك إلى الساحة الفلسطينية نظراً لرأيه المتشدد تجاه الحقوق الفلسطينية وموقفه المنحاز تماماً لإسرائيل) وقد يراود البعض أملاً في مخرج ما إذا نجح أوباما، وهو ما يعني الدخول في دورة انتظار جديد كتلك التي حدثت خلال فترة رئاسة كلينتون 1992-2000.
ب- أي أن أياً من الخيارين، سواء نجح أوباما أو ماكين لا بد من فترة انتظار بعد شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2008 (حيث ستكون نتائج الانتخابات الأمريكية قد عرفت قبل حلول نهاية فترة عباس).
ت- القضية الإيرانية: فإذا حدثت ضربة عسكرية من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل أو كليهما فإن التداعيات ستهمش القضية الفلسطينية، وإذا لم تتم الضربة، سيبدأ الانتظار لمعرفة كيف سيتم التعامل من قبل الرئيس الجديد مع هذا الموضوع.
ث- تداعيات أزمة القوقاز، فأياً كان المخرج من هذه الأزمة فإنها جعلت الإدارة الأمريكية وأوروبا أكثر أنشغالاً بها من غيرها من المشاكل، وسواء نجحت روسيا في تسويق استقلال أبخازيا وأوسيتيا، أو انضما إليها، أو فشلت، فإن خريطة المنطقة وامتدادات الحلف الأطلسي في الجوار الروسي ستأخذ قدراً كبيراً من الجهد الدولي على حساب القضية الفلسطينية.
ذلك يعني أن المرحلة القادمة (حتى بداية العام القادم) لن تكون لصالح زخم كبير للتفاوض مع إسرائيل، وهو ما قد يوفر فرصة للتفرغ لمعالجة الأوضاع الداخلية الفلسطينية لكي يكون ذلك أساساً للتعامل مع المجتمع الدولي بقدر أكبر من التماسك الداخلي.
غير أن الوصول إلى هذه المرحلة دونه الكثير من العقبات أبرزها تحديد الأولويات للقوى الفلسطينية: فهل الأولوية لحل مشكلة نهاية ولاية الرئيس أم إنهاء الشقاق الداخلي ليكون ذلك مدخلاً لحل طبيعي لموضوع نهاية الولاية؟
إن تحليل الوضع الفلسطيني استناداً “لواقعة معينة” كموضوع نهاية ولاية الرئيس عباس لا يساعد على الفهم إذا اقتطعت هذه الواقعة من السياق التاريخي وتغافلت عن إرث سياسي وتقاليد تكرست في بنية السلطة الفلسطينية.
فالالتزام الدستوري والقانوني في التراث الفلسطيني يكاد أن يكون معدوماً من الناحية التاريخية، ولسنا بعيدين عن الكيفية التي تم فيها تغيير الميثاق الفلسطيني أمام الرئيس كلينتون في قطاع غزة، كما أن الطريقة التي تنفق فيها الأموال وعلاقات الشخصنة في أوصال هيئات اتخاذ القرار الفلسطيني تنبئ عن بيئة تعتبر خرق النصوص القانونية أمراً عادياً بل هو في نظر الكثيرين ينم عن قدر من “الدهاء” أحياناً.
فمن الواضح – وجرياً مع الإرث الذي أشرنا له – أن التيار المهيمن في حركة فتح قد أعطى الأولوية لموضوع حسم مسألة التجديد أو التمديد للرئيس على حساب حل الشقاق الداخلي في المجتمع السياسي الفلسطيني، ومؤشرات ذلك هي الاتكاء على المواد من الدستور الفلسطيني بجعل الانتخابات الرئاسية والتشريعية معاً، أي التمديد للرئيس حتى 25/1/2010، والإعلان عن ذلك رسمياً من خلال الموقف الذي أعلنه عباس يوم 14/9/2008 بهذا الخصوص، وسبق أن أعلنته لجنة فلسطينية في رام الله.
وفي حالة الأخذ بهذا التصور، فإن الأزمة الداخلية ستزداد تعقيداً نظراً للإعلانات المتكررة من قادة حركة حماس بالرفض القاطع لهذا الحل.
ومن الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأمريكي أدركا أن عباس في أشد لحظاته ضعفاً في الفترة الحالية، الأمر الذي يوفر فرصة لمزيد من استغلال هذا الضعف للحصول منه على مواقف أو مبادرات أو أوراق مبادئ تؤسس للمرحلة القادمة وتعطي إسرائيل أكبر قدر من المكاسب، ورغم صعوبة التوصل إلى حل خلال الفترة المتبقية من عام 2008، إلا أن أسوأ ما يمكن حدوثه أن يكون هناك تفاوضاً سرياً في مكان ما، وأن يتم الإعلان عن اتفاق مبادئ في اللحظات الأخيرة من ولاية بوش، وتكون صياغة هذا الإعلان عامة إلى الحد الذي يسمح لكل طرف أن يفسره لجمهوره بالشكل الذي يناسبه، وفي هذه الحالة تهيمن هذه المسألة على المناخ السياسي الفلسطيني وتصبح ضرورة تجاوز مسألة ولاية الرئيس للتعامل مع الاتفاق الجديد هي الموضوع الأكثر إلحاحاً.
ويصبح مثل هذا السيناريو “المحتمل” ولكنه غير المؤكد مفيداً للرئيس إذا ربطناه مع الهواجس لدى التيار المهيمن في فتح الذي يخشى على موقعه من عدة جهات:
أ- أية تغيرات في منصب الرئاسة قد تضعف مركز هذا التيار المهيمن.
ب- استمرار التماسك النسبي في حركة حماس وبشكل أقوى من التماسك داخل حركة فتح قد يفقد هذا التيار الكثير من مكاسبه.
لذا فإن هذا التيار سيعمل بكل قوة على ترجيح التمديد للرئيس مع القبول الضمني باستمرار الانشقاق الداخلي.
فإذا أضفنا إلى ذلك ثقافة “الثأر والشخصنة” التي تنطوي عليها بنية التنظيمات الفلسطينية والتي تقدم “المهابة الشخصية والمركز الاجتماعي” على الاعتبارات السياسية، تزداد الأمور قتامة.
على أن هناك عوامل أخرى ستزيد الأمر تعقيداً، وأكثر هذه العوامل أهمية هو الضغط الأمريكي والإسرائيلي بخاصة على مختلف الأطراف في فريق التفاوض الفلسطيني بأن المخرج الوحيد للانشقاق الداخلي هو قبول حماس “بكافة الاتفاقيات” بين إسرائيل والسلطة وأولها الاعلان الصريح بالاعتراف بإسرائيل، وهو الذي قد يفجر حركة حماس من داخلها في حالة قبول أطراف فيها بذلك.
والأرجح أن الأطراف العربية ستساند هذه التوجهات الأمريكية بقدر من الغموض والاتصالات غير المعلنة، بل قد تصل إلى حد ممارسة الضغط العلني والذي يمثل إغلاق معابر رفح مع الخارج أحد أبرز أشكاله.
أما البدائل الأخرى فهي عديدة وسنحاول التوقف عند احتمالاتها وتحليلها:
أولاً: أن يصر عباس على انتهاء مدته في حالة عدم التوصل إلى حل، ويتولى رئيس المجلس التشريعي (أو نائبه نظراً لاعتقال الأول) الرئاسة لمدة ستين يوماً ليتم بعدها انتخابات لرئيس جديد طبقاً للمواد الدستور، ويبدو أن هناك عوامل قد تؤيد هذا البديل وعوامل أخرى تضعفه.
ويبدو لنا أن أهم مؤشرات تأييد هذا البديل هو الإشارات المتعددة التي أطلقها عباس غير مرة في الماضي بأنه لا يعتزم التجديد، ناهيك عن الإحباط الذي يشعر به من عدم تحقيقه أية إنجازات والذي يعززه تقدمه في العمر حيث سيبلغ في بداية العام القادم حوالي 74 سنة، وكان صائب عريقات قد ذكر أمام مؤتمر صحفي في 9/9/2008 تعليقاً على أنباء بأن عباس يمهد للتمديد “بأنها أخبار غير صحيحة ولا دقيقة”[1]، كما أن عباس قال في 14/9/2008 أنه “لم يحن الوقت لترشيح نفسه مرة أخرى”[2].
لكن عوامل أخرى تعزز استمراره في السلطة أبرزها أن اللجنة التي أقرت فكرة التفسير الدستوري والقاضية بربط الانتخابات التشريعية بالرئاسية لم تكن لتقدم على هذه الخطوة دون التشاور معه، وهو ما يعني التهيئة للتمديد، وهو ما أعلن عنه الرئيس نفسه لاحقاً.
من ناحية أخرى، تبدو القراءة المتمعنة لشخصية عباس بأنه يدرك افتقاده لمقومات الشخصية الكارزمية التي يمكنها جذب الجماهير نحوها، لذا فإنه يعتمد على تعزيز مواقعه عبر تحالفات شخصية هادئة ومن وراء الحجب مع القوى الدولية والإقليمية، وما الطريقة التي أصبح فيها رئيسا لوزراء عرفات عام 2003 إلا مؤشر على الكيفية التي يدير بها العمل السياسي، فقد كان يدرك أن مواجهته المباشرة مع عرفات لن تكون لصالحه بكل المعايير، لذا استثمر الضغط الدولي خارجياً وشبكة التحالفات “المشخصنة” داخلياً ليصل إلى أهدافه، وعندما استقال بعد شهور، كان واضحاً أنه لم يعتزل العمل السياسي بل ليؤسس لمرحلة هجوم جديدة بعيداً عن الأضواء لينتهي أخيراً في مقعد الرئاسة.
ومن غير الممكن استبعاد النمط السائد في السلوك السياسي العربي في هذا الجانب، فالرئيس عباس هو جزء من هذا النسيج العربي ونتاج للثقافة السياسية السائدة في العالم العربي، فإذا استثنينا الرئيس السوداني سوار الذهب عام 1986 لا نكاد نعثر على حالة تخلٍّ طوعي واحدة عن السلطة، ناهيك عن “الدهاء” في التكييف القانوني للنصوص.
غير أن جهود بعض التيارات في حركة فتح لعقد مؤتمرها العام السادس قبل نهاية ولاية عباس يزيد الأمور تعقيداً في ظل الخلافات الناشبة بين أجنحة فتح، فالبعض يسعى لعقده في الخارج بعيداً عن سلطة الاحتلال وسلطة التيار المتنفذ في الحركة، وتغيير المادة 14 من الميثاق، والبعض يريد عقده في الداخل.
وهناك مؤشرات على خلاف آخر داخل الحركة، إذ تتحدث بعض التقارير عن خلافات بين قريع وعباس حول المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي.
ثانياً: التمديد عبر تحايل دستوري، وهو البديل الذي أشرنا له، وقد يأخذ شكلاً آخر وهو إعتبار حالة الطوارئ مخرجاً والتمديد استناداً إلى ذلك، أو أن يعلن عباس عن حل المجلس التشريعي (بغض النظر عن مدى قانونية هذا الإجراء حيث لا يوجد نص في الدستور على ذلك بل المجلس يحل نفسه بنفسه) وبالتالي فتح المجال لانتخابات تشريعية ورئاسية، ولكن هذا الإجراء سيصطدم بمشكلة الانشقاق الداخلي (رام الله – غزة) الأمر الذي سيحول دون إجراء الانتخابات.
ثالثاً: الاتفاق على انتخابات جديدة بين حركتي حماس وفتح: ومن غير الممكن تصور ذلك دون لقاء مباشر بين الطرفين وجعل الانتخابات جزءاً من برنامج عمل يعيد للساحة الفلسطينية وحدتها.
ومن الواضح أن تصاعد الاعتقالات المتبادلة خلال شهري تموز/ يوليو وآب/ أغسطس من عام 2008 وعودة الحملات الإعلامية والتردد العربي في الإقدام على ترتيب لقاء بين قادة حماس وفتح خوفاً من الفشل، تشير إلى أن الصراع سيتواصل بين الطرفين، وحتى في حالة حدوث لقاء والتوصل إلى قرارات فإن احتمالات تقدمها نحو مزيد من تكريس الوحدة الوطنية لا تزيد عن 20% في أحسن الأحوال.
إن ذلك يعزز احتمال التمديد من جانب فتح في رام الله وإتباع ذلك بحملة إعلامية – بالتعاون مع بعض وسائل الإعلام العربية – بتحميل حركة حماس مسؤولية المأزق.
وفي حالة الاتفاق على انتخابات في الضفة الغربية وغزة لانتخاب الرئيس فإن احتمالات إجرائها بطريقة شفافة وخاضعة للرقابة السليمة ستكون في غاية الصعوبة إن لم تكن مستحيلة.
رابعاً: اعتبار منطقة غزة منطقة متمردة، الأمر الذي يوفر فرصة للإعلان عن حل المجلس التشريعي وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.
إن اعتبار غزة منطقة متمردة سيؤدي إلى مجموعة من التداعيات الخطرة:
1- يمكن أن تطلب رئاسة السلطة الفلسطينية عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي لطلب مساعدة المجتمع الدولي للتخلص من حالة “التمرد” على السلطة، وهو ما قد يوفر الفرصة لعدد من الاحتمالات:
أ- تدخل عسكري من جهات إسرائيلية أو عربية أو حتى دولية.
ب- إصدار قرارات دولية بالحصار لمنع قادة حماس من مغادرة غزة إلى أي مكان، ومنع قادتها في الخارج من الانتقال من أي مكان، بل وربما تصل إلى حد المطالبة من الدول الأعضاء بالمساعدة على تسليمهم.
2- قد يؤدي إعلان قطاع غزة منطقة متمردة إلى أن ترد حركة حماس باعتبار حركة فتح في القطاع حركة غير شرعية وتشرع في العمل على إقفال مكاتبها في القطاع واعتقال قادتها، وهو الأمر الذي قد ترد حركة فتح عليه بالمثل في الضفة الغربية، وقد يترافق ذلك مع موجة عنف متبادلة بين الطرفين.
خامساً: تشكيل حكومة تصريف أعمال سواء أكانت من التكنوقراط أو من ممثلين لكافة القوى السياسية والشعبية.
وقد تردد هذا الاقتراح بأشكال مختلفة على لسان عدد من قادة الفصائل الفلسطينية، غير أن هذا البديل – رغم ما يبدو فيه من واقعية – غير قابل للتطبيق من عدة نواح:
أ- قوى الدفع التي تقف وراءه ليس لها وجود مؤثر على الساحة الفلسطينية، ودليل ذلك أن الذين يتبنون هذا البديل هم أنفسهم الذين يعملون منذ نشوب صراع “الصلاحيات” بين غزة ورام الله لجمع طرفي الخلاف دون جدوى.
ب- تشكيل هذه الحكومة لن يكون ممكناً دون التشاور مع طرفي الصراع، ولن تكون قادرة على ممارسة أعمالها في ظل احتكار السلطة في جانبي الوطن.
ت- الفترة المتبقية للرئيس بوش قد تعرف بعض محاولات التفاوض التي ستجد هذه الحكومة نفسها ليست طرفاً فيها، ومن هنا سيكون هناك تعدد في الجهات الرسمية الفلسطينية ممثلة في فريق تفاوضي ليس طرفاً في الحكومة، وحكومة تصريف أعمال ليس لها حق الاعتراض على أية نتائج أو مقترحات قد تظهر بخصوص التسوية السياسية، ورئيس غير معروف مستقبله، وحكومة تصر على شرعيتها في غزة.
سادساً: أن ترشح حماس رئيساً عنها للانتخابات الرئاسية القادمة في بداية العام، وتعمل على انتخابه كرئيس شرعي للسلطة الفلسطينية، وهو الأمر الذي سيعزز الانشقاق بشكل أعمق.
إن المعطيات السابقة لكافة البدائل تشير وبكل وضوح إلى أن الساحة الفلسطينية مقبلة على حالة “صوملة”، حيث توجد سلطات متعددة ولا أحد يعرف حدود الكيانات الخاضعة لهذه السلطات.
ومن الواضح أن مثل هذه الظروف ستجعل حركة حماس تواجه مأزقاً حرجاً خلال الفترة القادمة تبدو ملامحه في المظاهر التالية:
أ- عدم القدرة على تغيير الواقع السلطوي إذا اعترفت الدول العربية بالتمديد لعباس وهو أمر مرجح إلى حد بعيد، وسيستمر الجدال بين الطرفين (فتح وحماس) حول الشرعية، وستنطوي قضية التمديد للرئيس لتجد حماس نفسها أمام أمر واقع، فإما أن تقبله وتتراجع أو أن تصرّ على رفضه مما سيزيد الشقاق عمقاً.
ب- وعدم قدرة حماس على رفع الحصار عن القطاع، رغم أنها روجت خلال الفترة السابقة بأن اتفاق الهدنة يتضمن الرفع التدريجي للحصار، وهو الأمر الذي لم ينفذ رغم استمرار حماس في التهدئة.
ت- قد يتصاعد الخلاف بين حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وبقية التنظيمات في قطاع غزة أمام عدد من الاحتمالات:
1. أن تقوم القوات الإسرائيلية أو أجهزة الأمن بعملية ضد أفراد أو قيادات للجهاد الإسلامي، الأمر الذي سيدفع الحركة للرد مما قد يضع حماس في موقف حرج، فإما أن تسمح للجهاد الإسلامي أو أية حركة أخرى بالرد وتنهار الهدنة في ظروف غير مواتية، أو أن تحول دون الرد وتصطدم بهذه التنظيمات، وهو الوضع الذي تنتظره رام الله.
2. أن يتفاقم الوضع الاقتصادي أكثر مما هو عليه الحال مما يؤدي إلى تزايد وتيرة الاضرابات، مما يدفع حماس إلى مواجهة هذه الإضرابات بالقوة، وقد وقع بعض نماذج من ذلك في التصادم مع المعلمين المضربين المنتمين لحركة الجهاد الإسلامي في غزة في 7/9/2008 [3]، ورغم أن الجهاد الإسلامي أعلنت عن عدم انعكاس ذلك على علاقاتها مع حماس إلا أن الأمر قد يترك بصماته على هذه العلاقة إذا تكرر.
3. أن تظهر خلافات داخل الحركة عند طرح بعض الخيارات السياسية، سواء في العملية السياسية أو بخصوص موضوع الجندي الإسرائيلي شاليط.
إلى جانب ذلك كله، لا بد من أخذ التطورات في البيئة العربية في الحسبان، إذ قد يكون موضوع السلاح الفلسطيني في لبنان وكيفية التعامل معه وضرورة تحديد موقف فلسطيني موحد منه أمر مطروح لا سيما في جولات الحوار اللبناني الداخلي، وقد تتباين – على الأرجح – مواقف القوى الفلسطينية من الموضوع، مما سيزيد الأمور تعقيداً.
من ناحية أخرى، ورغم تعقيدات الوضع بين إسرائيل وسوريا، فقد تتطور هذه المفاوضات باتجاه التفاوض المباشر وهو ما لم يستبعده الرئيس السوري بشار الأسد، مما سيضع حركة حماس أمام موقف صعب، ورغم أن مثل هذا التطور مستبعد على المدى القصير إلا أن أخذه في الحسبان أمر ضروري.
فمن ناحية ثالثة، فإن احتمالات وصول أوباما للرئاسة في الولايات المتحدة، ستجعل إمكانيات التفاوض بين إيران والولايات المتحدة أمراً محتملاً للغاية، وقد يكون الموقف الإيراني من القضية الفلسطينية أحد نقاط المقايضة بين الطرفين، وهو أمر إذا ترافق مع التحول في المفاوضات السورية الإسرائيلية يجعل الصورة أكثر قتامة.
ومن جانب آخر، من الواضح أن العلاقات المصرية مع حركة حماس “تختنق” بشكل تدريجي، فإلى جانب تعثر محاولات إقناع مصر بفتح معبر رفح، لم تتمكن مصر من التوصل إلى حل لقضية شاليط، وتعثرت في ترتيب تسوية للشقاق الفلسطيني الداخلي، مع استمرارها في تتبع الانفاق بين غزة وأراضيها.
ذلك يعني أن العلاقات بين حماس ومصر تنتظر حدثاً عابراً أو مدبراً من جهة ما لتنفجر الأزمة بشكل علني، وتجد حماس نفسها أمام المزيد من الضغوط الإقتصادية والإعلامية والسياسية.
إن كافة هذه التطورات ستصب في صالح تيار التسوية “بأي ثمن”، وهو ما سيزيد الأمور تعقيداً.
ذلك يعني أن على حماس أن تستعد لمرحلة في غاية التعقيد، وعليها أن تتجنب ردات الفعل غير المدروسة كتلك التي جرت في الشهرين الماضيين في قطاع غزة لا سيما الاعتقالات “الثأرية” رداً على اعتقالات شملت عدداً من عناصرها في الضفة الغربية.
أخيراً يقول الاستراتيجي الألماني مولتكة: “في كل مرة، كنت أعتقد أن العدو سيأتيني من إحدى الجهات الأربعة، لكنه كان يأتي في الغالب من الجهة الخامسة”.
إعداد: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات 15 أيلول/ سبتمبر 2008
الهوامش:
1- Xinhua, 9 Sep. 2008
2- رويترز، 14/9/2008.
3- الشرق الأوسط، 7/9/2008.
أضف ردا