بقلم: خالد وليد محمود.
ظاهرة تحت المجهر الاسرائيلي:
لا يغفل الفكر الإستراتيجي الإسرائيلي المخاطر المتنامية لما يصفه الإسرائيليون بـ (الأصولية الإسلامية) أو ما تسميه إسرائيل بـ (الإرهاب الديني).
وتنشغل مراكز الأبحاث والدراسات الاسرائيلية بالبحث في مواقف تنظيمات المقاومة في العالم العربي والاسلامي فهذا “إيهود يعاري” محلل الشئون العربية بالقناة الثانية بالتلفزيون الاسرائيلي، أعد ورقة بحثية هامة صدرت ضمن دراسة خاصة حملت عنوان استعداد الجيش الاسرائيلي للتحديات المستقبلية، ونشرها مركز بيجين – السادات للدراسات الإستراتيجية التابع لجامعة بار إيلان الاسرائيلية مطلع الشهر الحالي، في ذكرى مرور خمسة وثلاثين عامًا على حرب أكتوبر.
وقد تناول “يعاري” في ورقته البحثية التي حملت عنوان “العالم العربي والعقيدة القتالية الجديدة” وجهة نظره بشأن التغيرات التي طرأت على العقيدة القتالية لدى الدول العربية، مشيراً إلى أن العقيدة القتالية عند العرب والمتمثلة في عقيدة المقاومة، يتبناها في الوقت الحاضر ثلاثة معسكرات متنافسة في العالمين العربي والإسلامي.
وتلك المعسكرات الثلاثة تتنافس الآن على تحقيق آمالهم في جني ثمار فشل الولايات المتحدة من خلال رؤية تقوم على أن نجم الولايات المتحدة آخذ في الأفول، كقطب أوحد في العالم، على الأقل في قارة آسيا، وهم في ذلك مثل آخرين حول العالم، مشيرًا إلى أن أول تلك المعسكرات الثلاثة هو المعسكر الذي يضم أتباع تنظيم القاعدة وخلاياه المنتشرة في العالم.
ويمكن أن ندخل في إطاره أيضًا حزب التحرير الإسلامي، وهو حزب ليس له أي نشاطات عسكرية داخل “إسرائيل”، لكنه تنظيم موجود ونشط، ولكني أخشى من أن نشاهد له أنشطة عسكرية مثل التي ينفذها تنظيم القاعدة، ثم يليه المعسكر الثاني المتمثل في أتباع المعسكر الشيعي الراديكالي، والذي يمثله الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني بقيادة أمينه العام حسن نصر الله، وأخيرًا هناك المعسكر الثالث والذي يمثله جماعة الإخوان المسلمين، والحركات التابعة ومنها حركة حماس الفلسطينية.
وأشار “إيهود يعاري” في ورقته البحثية إلى أنه وعلى الرغم من وجود معسكرات ثلاثة يوجد بينها حالة من التنافر وعدم التناغم، بل يمكن أن يصل الأمر بينها إلى أن كل معسكر يستبيح دماء أتباع المعسكرات الأخرى، إلا أن هناك تلاقيًا فيما بينها، حيث يشتركون جميعًا في توجه واحد، وعلى الرغم من عدم وجود أي شراكة أو تعاون بينهم، أو حتى يجمعهم مصير مشترك، إلا أن الشيء الوحيد الذي يشتركون فيه هو العقيدة القتالية المتمثلة في عقيدة المقاومة، وهي عقيدة بدأت تنتشر خلال الأعوام الماضية بشكل لافت للنظر.
وصول جماعات إسلامية إلى أنظمة الحكم!
فكما هو معروف شكلت مسألة “ازدياد قوة ونفوذ الإسلام السياسي في دول الشرق الوسط” إحدى التحديات الرئيسية للدولة العبرية و كانت على قائمة المواضيع التي بحثت في مؤتمرات هرتسليا في الاعوام السابقة هذه المؤتمرات احتلت فيها مسألة :الأصولية الإسلامية” أهمية بالغة، حيث جاء في مؤتمر 2007 ” إن الخطر المتحرك الكبير الذي تواجهه إسرائيل اليوم هو تصاعد مد التيار الإسلامي عالمياً و بالأخص إقليمياً”.
لا شك أن صعود الحركات الإسلامية في المنطقة والتي ينظر إليها من جانب إسرائيل باعتبارها مصدر تهديد للأمن الإسرائيلي، كونها لم تخف معارضتها ورفضها لشرعية وجود إسرائيل في المنطقة – والتي تمثل بالنسبة لهؤلاء دولة غير شرعية تم تأسيسها من قبل الغرب الاستعماري على أراض إسلامية وعلى حساب الفلسطينيين المسلمين، ثم جاءت الثورة الإسلامية وتولي حكومة إسلامية السلطة في إيران لتمثل تطورا سلبيا إضافيا من وجهة النظر الإسرائيلية، الأمر الذي أثار مخاوف شديدة من صعود الأصولية الإسلامية ووصولها إلى السلطة في دول عربية أخرى، خاصة في حالة امتلاكها أسلحة دمار شامل.
ما يقلق إسرائيل حقيقة، هو وصول جماعات إسلامية إلى الحكم في البلاد العربية خاصة تلك التي تصنفها إسرائيل بالدول المهددة لأمنها. ففي الآونة الأخيرة أبدت الأوساط السياسية والأمنية في إسرائيل خشيتها من أن تطيح الولايات المتحدة بنظام البعث الحاكم في سوريا، هذا ما كشفته صحيفة “معاريف” التي جاء فيها:” أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرئيل شارون ومعظم وزرائه وقادة جيشه ورؤساء الأجهزة الإستخبارية يبدون خلال المداولات السرية تحفظات كبيرة إزاء السياسة الأميركية تجاه سوريا.وأن هناك ما يشبه الإجماع داخل المستويات السياسية والعسكرية على أنه من مصلحة إسرائيل بقاء نظام الحكم الحالي في سوريا، وأن كل البدائل التي تطرح لخلافة هذا النظام تعتبر “كارثية ” بالنسبة لإسرائيل ومصالحها الإستراتيجية، وذلك في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين.
ويبدو انه لا خلاف داخل إسرائيل على أن البنية التعددية المتوقعة لأي نظام يخلف النظام الحالي في دمشق وفي مصر، سيشكل تحدياً كبيراً لدولة إسرائيل. وحسب التقييمات الرسمية الإسرائيلية فإن المعارضة السورية والمصرية المتمثلة بجماعة الإخوان المسلمين، تتميز بأنها أكثر تطرفا من نظام الحكم في كل ما يتعلق بحل الصراع مع إسرائيل. وتشير التقييمات إلى الدور الكبير والبارز الذي تلعبه الجماعة ضمن صفوف هذه المعارضة، ومواقفها التقليدية ضد إسرائيل، والتي تخشى الأخيرة من أن وصولها إلى السلطة في تلك الدول سيعطي فرصة بالاندفاع نحو الصدام المسلح معها إذ لا يوجد خلاف داخل دوائر صنع القرار الإسرائيلي على أن وصول الإسلاميين إلى الحكم في العالم العربي ومن ضمنه سوريا ومصر والأردن يعني أن الصراع .
عباءة تنظيم القاعدة!
فوجود تنظيم “القاعدة” في العمق الإسرائيلي أمر يصعب التنبؤ بمدى خطورته، حيث أن إسرائيل لم تستطع حتى ألان، ورغم إقامتها للجدار الفاصل منع العمليات المستمرة ضدها من قبل الفصائل الفلسطينية المسلحة رغم ضآلة إمكانية هذه الفصائل بالمقارنة مع (القاعدة) التي تملك المال والإمكانيات الكافية لدعم عمليات كبرى داخل الأراضي الإسرائيلية في حال انطلقت شرارة العمل.
هذا الخوف بدأ يترجم داخل إسرائيل عن طريق تقارير تظهر بين الحين والآخر، تنبئ ببدء إنشاء خلايا للقاعدة في قطاع غزة على وجه الخصوص.
وقد ازدادت كثافة هذه التقارير الانسحاب الإسرائيلي من غزة في صيف 2005، وكانت معظم هذه التقارير تصدر عن جهات يمينية متطرفة داخل إسرائيل تسعى من خلالها إلى ربط الفصائل الفلسطينية المسلحة خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بحركة الإرهاب العالمية، ومن أشهر تلك التقارير، التقرير الذي نشر على موقع الكتروني إسرائيلي يسمى” ملف ديبكا” -وهو موقع مختص بنشر تقارير وإخبار مختلفة عن المنطقة بأسرها- وقد جاء في التقرير “أن تنظيم القاعدة أنشأ فرعاً له في غزة، وقام ببدء حملة إعلانية تبشر بقرب بدء عمليات التنظيم في القطاع وتوجيهها ضد أهداف داخل إسرائيل.
كما نشر الموقع شريطاً يتحدث فيه شباب زعم أنهم ينتمون لتنظيم القاعدة في غزة عن قيام التنظيم بقصف المستوطنات الإسرائيلية في منطقتي ‘نافية دكاليم’ و’جاني طال”، وقد ذكر التقرير المفصل عدة أسماء وتفاصيل أثارت الكثير من التساؤلات والتخوفات حول حقيقتها؛ لكن ما لبثت السلطات الإسرائيلية الرسمية أن قامت بتفنيدها والتأكيد على ضعف مصداقيتها وعدم وجود أدلة عليها .
خلاصة القول
منذ أحداث 11 سبتمبر 2001؛ تحاول إسرائيل ربط تنظيم القاعدة بالمقاومة الفلسطينية بمختلف الطرق، كإثارة مزاعم بتلقي هذه التنظيمات دعم مالي من القاعدة ، أو وجود علاقة تنظيمية بينها وبين قيادات القاعدة في الخارج أو حتى محاولة إنشاء شبكات وهمية تعمل باسم القاعدة، ورغم غياب أدلة قوية لإمكانية سحب مفهوم الإرهاب على الأنشطة والعمليات الفلسطينية، خاصة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، إلا أنها تركت آثاراً مهمة على طريقة تفكير الإسرائيليين الذين شككوا في مدى إيمان الفلسطينيين والتزامهم بالسلام!
* خالد وليد محمود: كاتب وباحث – الأردن
25/10/2008
أضف ردا