تقدير استراتيجي (8) – كانون الثاني/ يناير 2009.
ملخص:
سعى الرئيس الأمريكي أوباما منذ اليوم الأول لتنصيبه لإبداء الاهتمام بإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وكان تعيينه المبكر لجورج ميتشل مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط إشارة مهمة على ذلك. غير أن أوباما لم يصل إلى الرئاسة إلا بعد أن صوت إلى جانب “إسرائيل” طوال وجوده في مجلس الشيوخ، وبعد أن أعطى كافة التعهدات والضمانات التي تحتاجها “إسرائيل”، ثم إنه أحاط نفسه بمجموعة من المستشارين المعروفين بميولهم الصهيونية. كما أنه قد يكون أكثر حذراً وأكثر استرضاء لـ”إسرائيل” لتأكيد ابتعاده عن أصوله المسلمة والإفريقية. وهو ما يعني أن أوباما يريد الانخراط المباشر والعاجل في ملف الصراع العربي – الإسرائيلي، ولكن من منطق الانحياز لـ”إسرائيل”، وبمستشارين وأدوات استخدمها أسلافه من قبل وفشلوا.
ويدرك أوباما أن أي حل قد يصل إلى الحد الأدنى الذي يوافق عليه الفلسطينيون والعرب يقتضي قيامه بضغط هائل على “إسرائيل”، وهو ما سيؤدي إلى وقوف اللوبي الصهيوني الإسرائيلي القوي في وجهه بما له من نفوذ في الكونغرس والاقتصاد والإعلام. وعلى هذا فليس هناك في الظروف الراهنة الكثير أمام أوباما ليفعله.
نحو مشاركة فعالة:
في صباح اليوم الأول بعد تنصيبه رسمياً رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، أجرى الرئيس باراك أوباما (الأربعاء 21/1) جملة من الاتصالات مع عدد من قادة دول الشرق الأوسط ليؤكد لهم سعي إدارته لتعزيز قرار وقف إطلاق النار بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والعمل على وضع نظام مراقبة للحد من “تهريب” السلاح لحركة حماس، وإعادة بناء ما دمرته الحرب في القطاع بالتعاون مع السلطة الفلسطينية في رام الله. كما أكد لهم التزام إدارته بالانخراط مباشرة في العملية السلمية بين الفلسطينيين و”إسرائيل”.
كانت اتصالات أوباما هذه الخطوة الأولى من طرفه لكسر سياسة الصمت التي انتهجها حيال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لمدة 77 يوماً، هي عمر المرحلة الانتقالية. كما أنها مثلت كذلك أول تحرك رسمي له نحو الصراع بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
فأوباما لم يدل بتعليق رسمي واحد -اللهم باستثناء ذلك الذي عبر فيه عن شعوره بالقلق العميق لسقوط مدنيين أبرياء من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي خلال العدوان على غزة- خلال فترة 22 يوماً هي مدة العدوان على القطاع، بذريعة أن الصمت تحتمه ضرورات أن تتحدث الولايات المتحدة بصوت واحد. وحينها كان أوباما والمتحدثون باسمه يؤكدون بأن لديه الكثير ليقوله بعد توليه الرئاسة رسميا.
أشارت مسارعة أوباما، ومنذ اليوم الأول له في الرئاسة، إلى التعاطي المباشر مع الصراع العربي الإسرائيلي، إلى الأهمية التي ستوليها الإدارة الأمريكية الجديدة لذلك الصراع وأولويته على قائمة أجندتها المزدحمة.
ويبرز تعيين السناتور السابق، جورج ميتشيل، كمبعوث خاص إلى الشرق الأوسط، الأهمية التي توليها إدارة أوباما لملف العملية السلمية في المنطقة. ويعرف عن ميتشيل أنه شخصية تمتاز بالواقعية وبالبراغماتية والعمل الجاد، والبعد عن الأحكام الأيديولوجية. ويسجل له في هذا السياق نجاحه في التوصل إلى اتفاق بين بريطانيا وحكومة إيرلندا الشمالية في شهر نيسان/ أبريل 1998، وهو الاتفاق الذي وضع حداً لعقود طويلة من الصراع بين الطرفين.
وبعد تفجر انتفاضة الأقصى أواخر عام 2000، عينه الرئيس الأسبق بيل كلينتون ليرأس لجنة تحقيق في أسباب الانتفاضة وخلفياتها، ولتقديم مقترحات عن كيفية الخروج من دائرة “العنف”. وفي عام 2001، قدم ميتشيل تقريره إلى الرئيس الجديد في ذلك الحين، جورج بوش. وطالب تقريره السلطة الفلسطينية بوقف التحريض على العنف ووضع حد له. في حين طالب “إسرائيل” بتجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية.
عقدة اللوبي الإسرائيلي:
الحديث عن نية أوباما تعيين ميتشيل كمبعوث خاص له إلى منطقة الشرق الأوسط أثار قلقاً في أوساط بعض قيادات اللوبي الإسرائيلي في أمريكا. فرغم أن اللوبي الصهيوني يقر بأن ميتشيل كان واحداً من أكبر المؤيدين لـ”إسرائيل” طوال 15 عاماً قضاها كعضو في مجلس الشيوخ عن ولاية مين، إلا أن ثمة من يرى أن برغماتية الرجل وواقعيته تشكل تحدياً حقيقياً لـ”إسرائيل” في الولايات المتحدة. فمثلاً يغمز إبراهام فوكسمان، رئيس منظمة مكافحة التشويه الصهيونية الأمريكية من طرف ميتشيل، حسب تصريح للصحيفة اليهودية الأمريكية “ذا جويش ويك” (21/1/2009) قائلا بأن هذا الأخير “يتعامل كوسيط نزيه بطريقة نزقة”. إذن مأخذ المنظمات الصهيونية الأمريكية عليه، أنه قد يكون “متوازناً”، في عمله كمبعوث خاص إلى الشرق الأوسط، وليس منحازاً بالكلية لـ”إسرائيل”!.
إن تعهدات أوباما السابقة لانتخابه كرئيس، بالتحرك السريع والمباشر لكسر الجمود على مسار العملية السلمية بعد انتخابه، ثمَّ مباشرته التحرك بعيد انتخابه فعلياً، تشير إلى أن الرجل يبحث عن مجد أعجز رؤساء سابقين من قبله.
فثلاثة رؤساء، بدءاً من جورج بوش الأب، مروراً ببيل كلينتون، وانتهاء بجورج بوش الابن، سعوا بطريقة أو بأخرى لتحقيق اتفاق فلسطيني إسرائيلي، ينشئ من ناحية دولة فلسطينية، بغض النظر عن شكلها وتعريفها ومضمونها، ويدمج من ناحية أخرى “إسرائيل” في فضاء المنطقة، لتعيش بأمن وسلام.
إلا أن الحظ لم يكن حليف أي منهم، وذلك عائد بالدرجة الأولى إلى السياسات والمواقف الإسرائيلية المجهضة لأي جهد أمريكي في هذا السياق، دون أن تملك الإدارات الأمريكية المتعاقبة، إرادة سياسية حقيقة للضغط على “إسرائيل”، اللهم إلا إذا استثنينا، ضغوطات إدارة بوش الأب على حكومة إسحاق شامير لحضور مؤتمر مدريد أواخر عام 1991، تحت طائلة تجميد المساعدات الأمريكية.
وهي الضغوط التي يرى بعض المراقبين أنها ساهمت بدرجة أو بأخرى، في خسارته للانتخابات الرئاسية أواخر عام 1992، لصالح كلينتون. ويرى المراقبون أنفسهم، أنها وظفت كآلية ردع.
وإذا كان الحال كذلك، فكيف سيمكن لأوباما التعامل مع هذا الملف الشائك، خصوصاً وأن كثيرين داخل مؤسسات صنع القرار الأمريكي يقرون أن أي حل يستلزم تنازلات إسرائيلية “مؤلمة”!؟ أضف إلى ذلك أن أوباما أشار في خطاب التنصيب (20/1/2009)، بأنه يريد أن يسلك منهجاً جديداً في التعامل مع العالم الإسلامي “يقوم على الاحترام المشترك”. ولكن، كيف يمكن لأوباما أن يعيد صياغة العلاقات الأمريكية-الإسلامية، دون إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، خصوصاً وأن ثمة شبه اتفاق، أن القضية الفلسطينية هي المدخل الأساس لأي استقرار في المنطقة، أو لتدشين علاقات أمريكية إسلامية جديدة تقوم على “الاحترام المشترك”؟
للإجابة على هذين التساؤلين لابد من استعراض خلفية سريعة للتحولات في رؤية أوباما ومقاربته للمسألة.
أوباما … والانحياز إلى “إسرائيل”:
بعد تأمينه لموقع المرشح عن الحزب الديمقراطي للرئاسة الأمريكية، سارع أوباما لمحاولة تبديد كل الشكوك التي أثيرت حوله خلال الحملة الانتخابية التمهيدية للحزب الديمقراطي، خصوصاً من قبل منافسته هيلاري كلينتون، بأنه شخص لا يمكن الوثوق به كصديق لـ”إسرائيل”.
حملتا كلينتون ومكين، استغلتا جملة من التصريحات والمواقف السابقة لدخول أوباما إلى مجلس الشيوخ الأمريكي أوائل عام 2005، والتي يمكن أن يستشف منها تعاطفه مع قضايا الشعب الفلسطيني. كما ربطته علاقات بناشطين فلسطينيين مثل إدوارد سعيد ورشيد الخالدي.
ومع دخول أوباما مجلس الشيوخ الأمريكي، بدأت لغته ومواقفه حيال الصراع العربي الإسرائيلي بالانتقال السريع من دائرة التعاطف مع قضايا الفلسطينيين، إلى دائرة الانحياز التام لـ”إسرائيل”، ويشهد على ذلك سجله التصويتي في مجلس الشيوخ لصالح أي قرار يصب بطريقة أو بأخرى في مصلحة “إسرائيل”. وبرز هذا التحول في خطاب أوباما ومواقفه بأجلى صوره في خطابه أمام مؤتمر لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية (إيباك) في شهر حزيران 2008، والذي بالغ فيه أوباما بالتغني بـ”إسرائيل” والحلم الذي تمثله.
وبلغ الأمر بأوباما في ذات الخطاب إلى حد إعلان تأييده أن تكون “القدس الموحدة” عاصمة لـ”إسرائيل”، وهو ما يخالف مواقف الإدارات الأمريكية منذ نشأة دولة “إسرائيل” وإلى اليوم. غير أن حملته عادت وتراجعت عن هذا التصريح، بذريعة أنه فهم على غير مقصده، وبأن الأمر متروك للمفاوضات النهائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
كما يشير برنامج السياسات الخارجية لأوباما ونائبه جو بايدن إلى التزامهما المطلق نحو “إسرائيل”، واستمرار دعمهما تطوير منظومة دفاع خاصة بها ضد الصواريخ، وتأييدهما لاستمرار تدفق الدعم الاقتصادي والعسكري الأمريكي على “إسرائيل”. ويشير البرنامج إلى أن أولى أولوليات إدارتهما في الشرق الأوسط سيكون أمن “إسرائيل”. كما يدعو البرنامج إلى تصدير السلاح الأمريكي إلى “إسرائيل” تحت ذات القواعد التي تحكم العلاقة بين أعضاء تحالف الناتو.
وعلى الرغم من أن أوباما قد جعل من مسألة الوصول إلى “سلام دائم” هدفاً رئيساً لإدارته، إلا أن تحقيق مثل ذلك السلام يتطلب تنازلات إسرائيلية، وهو الأمر الذي يدركه أوباما، مثلما يدرك تماماً أن مثل هذه التنازلات وقيام ضغط أمريكي على “إسرائيل” سوف يغضبها، وبالتالي سيغضب حلفاءها في واشنطن. فكيف يوفق أوباما إذن ما بين الأمرين، التزامه بتحقيق “سلام دائم” والانحياز المطلق لـ”إسرائيل”!؟
في خطابه السابق الإشارة إليه أمام (إيباك)، حاول أوباما “المرشح” للرئاسة، أن يفلسف الأمر على أساس أنه مصلحة إسرائيلية عليا. “كل الأطياف السياسية في “إسرائيل” تدرك بأن الأمن الحقيقي يتأتى من خلال سلام دائم.
ولذلك ينبغي علينا – كأصدقاء لـ”إسرائيل” – أن نعمل كل ما في جهدنا لمساعدة “إسرائيل” وجيرانها لتحقيق هذا الهدف”.
ولكن لتحقيق هذا الهدف ثمة اشتراطات على الجانب الفلسطيني والعربي تحقيقها أولاً كما حددها أوباما في ذات الخطاب، فعلى الفلسطينيين محاربة الإرهاب، وعلى العرب التطبيع مع “إسرائيل” ودعم حكومة عباس – فياض، ومطلوب من مصر العمل على وقف تهريب السلاح إلى غزة. وفي مقابل ذلك، ستقوم “إسرائيل” باتخاذ “خطوات مناسبة” ومتوافقة مع أمنها لتسهيل حركة الفلسطينيين، وتحسين الظروف الاقتصادية في الضفة الغربية والامتناع عن بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، وذلك حسب تعهدها لإدارة بوش في مؤتمر أنابوليس في شهر نوفمبر 2007.
صحيح أن أوباما يشير في الخطاب ذاته إلى “حاجة” الفلسطينيين إلى دولة متصلة ومتماسكة وتسمح لهم بالازدهار، إلا أن أي اتفاق مع الفلسطينيين ينبغي أن يحافظ على يهودية دولة “إسرائيل”، ضمن حدود آمنة ومعترف بها وقابلة للدفاع. والقدس ستبقى عاصمة “إسرائيل” وينبغي أن تبقى غير مقسمة.
بل حتى تأكيده في فترة التنافس في الانتخابات الرئاسية على نيته الانخراط المباشر في إيجاد حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، يفلسفها أوباما بمصلحة “إسرائيل”. منتقداً بذلك سياسات بوش في المنطقة، والتي ضاعفت من عزلة الولايات المتحدة هناك وزادت من المخاطر على أمن “إسرائيل”، بسبب بروز أعدائها مثل إيران وحزب الله وحماس.
اتضح انحياز أوباما إلى “إسرائيل” أكثر فأكثر في إسناده وزارة الخارجية إلى هيلاري كلينتون، وهي المعروفة بتأييدها الشديد لـ”إسرائيل”. كما يجري الحديث عن تعيين دينس روس، مستشاراً لها في الخارجية فيما يتعلق بملف الشرق الأوسط. وروس هذا، يهودي ومعروف بانحيازه التام إلى “إسرائيل”. كما أن المستشارين الذين أحاط بهم أوباما نفسه فيما يتعلق بالشرق الأوسط، معروف عنهم الانحياز التام لـ”إسرائيل” كذلك، ويأتي على رأسهم دينيس مكدونغه، وكان مستشار الشؤون الخارجية لزعيم الأغلبية الديمقراطية السابق في مجلس الشيوخ، توم داشيل، ودان شبيرو، وهو أحد الذين خدموا في مجلس الأمن القومي تحت إدارة كلينتون، وهو يهودي أمريكي.
السياسات المحتملة لأوباما:
وكخلاصة مما سبق، من الواضح جداً أن أوباما يميل أكثر إلى أسلوب الانخراط المباشر والعاجل في ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بشكل خاص، والعربي الإسرائيلي بشكل عام، ولكن من منطق الانحياز لـ”إسرائيل” أولاً. وهو بذلك يسلك منهجاً أقرب إلى منهج الرئيس الأسبق كلينتون. إلا أن ثماني سنوات من فشل إدارة كلينتون في تحقيق نتائج جوهرية على هذا المسار، وخصوصاً بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الماراثونية في صيف عام 2000، قد تدفع أوباما إلى حذر أكبر، وذلك حتى لا تتلطخ سمعة مؤسسة الرئاسة الأمريكية، بفشل كذلك الذي تلطخت به إدارة بيل كلينتون بعد فشل كامب ديفيد الثانية.
أيضا، فإن أوباما القادم إلى الرئاسة بوعود لتغيير ديناميكيات الدبلوماسية الأمريكية في العالم، وجزء منه منطقة الشرق الأوسط، قد يسعى إلى حل في إطار أوسع. فأوباما أعلن غير مرة بأنه سيسعى إلى الحديث مع إيران وسوريا (منطق الجزرة)، فضلاً عن سحب القوات الأمريكية المقاتلة من العراق في غضون 16 شهراً. وهو بذلك يخالف نهج إدارة سلفه بوش، والتي كانت تصر على التعامل مع “قوى الممانعة” في المنطقة بمنطق العصا بالدرجة الأولى. ولعل إدارة أوباما، ترى بأن انفراجاً على تلك الجبهات كفيل بحلحلة بعض طلاسم التسوية الفلسطينية الإسرائيلية.
أيضاً، ومما قد يسهم في انخراط أوباما أكثر في العملية السلمية ومحاولة تحقيق نتائج ملموسة على صعيدها، حقيقة كونه يستمع إلى مستشارين آخرين غير رسميين، والذين لهم آراء أكثر اعتدالاً حول الصراع في الشرق الأوسط، ويطالبون بسياسية أمريكية أكثر توازناً، ولا يتورعون عن نقد “إسرائيل” إذا اقتضت الحاجة، وذلك على عكس مستشاريه المباشرين المنحازين كلياً لـ”إسرائيل”. من هؤلاء المستشارين غير الرسميين والذين يستمع إليهم أوباما، الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، ومستشار الأمن القومي السابق في عهد كارتر، زبنغيو بريجينسكي، وروبرت أومالي، المساعد للرئيس الأسبق بيل كلينتون. وهؤلاء الثلاثة مثلاً، يرون بأنه لابد من إدماج حركة حماس بطريقة أو بأخرى في العملية السلمية، وواحد من الاقتراحات التي يقدمونها في هذا الصدد، هو أن يتم ذلك عبر حكومة وحدة وطنية فلسطينية، تحت سلطة محمود عباس.
الاستجابة الإسرائيلية المحتملة:
غير أنه من الواضح أن أوباما، سيواجه تحدياً رئيسياً في مسعاه لتنشيط عجلة التسوية الفلسطينية الإسرائيلية. هذا التحدي يكمن في التساؤل حول قدرته عملياً على الضغط على “إسرائيل” للتجاوب مع جهوده ورؤيته. فهو وإن كان ينطلق من زاوية الانحياز المطلق لـ”إسرائيل”، إلا أن ذلك لا يعني تجاوب هذه الأخيرة مع جهوده. فمثلاً، دائماً ما ماطلت الحكومات الإسرائيلية بالوفاء بالتزاماتهما لإدارتي بيل كلينتون وجورج بوش، كما في عدم التزام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو ببنود اتفاقية واي ريفير التي وقعها مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1998، وكذلك تملص حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي إيهود أولمرت من التزاماتها التي تعهدت بها في مؤتمر أنابوليس أواخر عام 2007.
وفي كل مرة، فإن أنصار “إسرائيل” في الولايات المتحدة، وخصوصاً في الكونغرس الأمريكي، جاهزون لإحباط أية ضغوط حقيقية قد تمارس على “إسرائيل” لإرغامها على قبول شيء ترفضه. كما أن استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي ترجح فوز حزب الليكود اليميني في الانتخابات التشريعية شهر شباط/ فبراير القادم، تجعل من الصعب التكهن بإمكانية نجاح أوباما بالضغط على حكومة بقيادة الليكود، وبرئاسة بنيامين نتنياهو، والذي سبق له أن أفشل ضغوطات الرئيس كلينتون بضغط مقابل مارسه الكونغرس، اضطر كلينتون إلى التراجع في كثير من القضايا أمام نتنياهو.
خلاصة:
وبجملة واحدة، فإن مستقبل التسوية السلمية الفلسطينية الإسرائيلية، لن يعتمد على صدق نوايا أوباما وإصراره على الخروج بحل في سنوات حكمه، بقدر ما أنه سيعتمد بالدرجة الأولى على قدرته في الضغط على “إسرائيل”، وكسب الكونغرس الأمريكي إلى جانبه، وهو أمر مشكوك به، اللهم إلا إذا كان ذلك الحل يأتي ضمن توافق أمريكي- أمريكي أولاً، وإسرائيلي- أمريكي ثانياً. بغير هذا أو ذاك، فليس بوسع أوباما وحده فعل الكثير.
* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ أسامة أبو ارشيد، رئيس تحرير جريدة الميزان التي تصدر في الولايات المتحدة، بخالص الشكر على كتابته النص الأساسي الذي اعتمد عليه هذا التقدير.
أضف ردا