الكاتب: الدكتور رولف فيرليجر*
المترجم: مصطفى مساد، ترجم المقال من اللغة الألمانية ببعض التصرف والتحفظ.
أستاذة التاريخ الإسرائيلية فنيا أوز ـ زالتس بيرغر كتبت في جريدة فرانكفورتر ألجماينه الصادرة بتاريخ 31/12/2008 مقالاً تبرر فيه الحرب على غزة تقول فيه: “إذا ما كان جارك يرشق منزلك بالحجارة ويلقي عليه الزجاجات الحارقة بصورة مستمرة، ألا ستلجأ يوماً ما إلى البندقية لتضع حداً لهذه الأعمال؟ وإذا ما أحاط جارك نفسه بأطفاله ليحمي نفسه منك وليُصَعِّب عليك إصابته، ألا ستقوم حينها بتناول بندقية مزودة بمنظار لتتمكن بها من أن تقنصه؟ أجل، إنني على يقين بأنك ستفعل ذلك! فحماس في غزة، التي تطلق الصواريخ على المدن الإسرائيلية، يمكن تشبيه تصرفاتها ببساطة بتصرفات هذا الجار، لذا فأنا أعتبر حرب إسرائيل على غزة مبررة.”
أنا أشكر الأستاذة فانيا جزيل الشكر على هذا التشبيه فبهذا التشبيه نستطيع تبسيط الأمور للقارئ الكريم. ولنفترض أنك أنت مالك البيت وأن الجار الشرير، الذي دوماً يتحرش بك وبعائلتك وأطفالك هو غزة. فدعنا نسلط الضوء على جميع االملابسات العجيبة الغريبة التي تحدث في مجمَّع السكن وفي منزل جارك هذا، أي غزة وهي كالتالي:
1) أنت الذي كنت قبل ثلاثة سنوات قد انتزعت مفتاح المنزل من هذا الجار. وبدون موافقة منك لا يستطيع الجار ولا عائلته مغادرة المنزل، أنت تحرمه الخروج الى عمله، وتحرم أولاده الذهاب للمدرسة، وتمنعه من السفر للخارج، وحتى تمنعه من الخروج للتسوق. وبدون موافقتك لا يستطيع تسلم البريد ولا يستطيع الحصول على قوته اليومي، لا كهرباء، لا غاز ولا استقبال لزوار. المنزل مقفل وأنت مالك البيت تحتجز المفتاح وجارك الشرير مسجون بداخله. الوضع هكذا منذ سنة 2006، أي منذ ثلاث سنوات.
وعلى إثر هذا انفجر جارك غاضباً…
الجناية الكبرى التي ارتكبها جارك الشرير هو وجميع من يسكن في المباني المجاورة هي أنه كان قد انتخب الحزب الخطأ. أما أنت فقد كنت قد تكرمت على جارك قبل أربع سنوات، أي عام 2005، بأن أعدت له بلكونة منزله المشرفة على البحر، وهذه الشرفة التي هي ملكه كنت أصلاً قد اغتصبتها منه سابقاً. وأثناء انسحابك من الشرفة حرصت على نفسك بالتزام الصمت ولم تتفوه مع جارك بأي كلمة، وحتى لم تعره أي نظرة منك. وفوق كل ذلك فقد قمت حينها بتكسير جميع محتويات الشرفة من أثاث وأمتعة. إنه من الخزي والعار علينا أن نتكلم مع هذا الجار الشرير!!
وعلى إثر هذا انفجر جارك غاضباً…
2) قبل عامين قمت أنت وأصدقاءك في أمريكا الشمالية ومن نقابة ملاكي العقار بإرسال عصابات لتأديب الجار الشرير. وأدخلتم مجموعات البلطجة سنة 2007 إلى منزل الجار، هؤلاء كانوا شباب السيد محمد دحلان، وأمرتهم باغتصاب المنزل وانتزاعه من يد هذا الجار الشرير! لكن الجار دافع عن نفسه بضراوة ضد هذا الانقلاب. وبعد كل ما حصل حاولت إقناع العالم بأن هذا الجار الشرير قام بالاستيلاء على المنزل بالقوة وليس له الحق القيام بذلك. وكم كانت فاجعتك عندما انكشفت كذبتك ونشرها العديد من الصحفيين.
وعلى إثر هذا انفجر جارك غاضباً…
3) أنت الذي غبنت جارك في حسابات فواتير الخدمات الشهرية. أنت الذي لم تدفع للسلطة الوطنية رسوم الجمارك وعائدات الضرائب في موعدها على مدى سنوات طويلة. وعندما كنت يوماً ما تلين وتتكرم عليها بدفع جزء ضئيل من حقوقها كنت تخترع جميع وسائل النصب والاحتيال لتحتفظ بجزء لصالحك
4) أنت الذي قتلت العديد من سكان البيت المجاور، هذا ما حصل سنة 2006 فكان القتلى بالمئات، وهذا ما كان السبب في اندلاع حرب لبنان، لأن حزب الله أراد الانتقام من إسرائيل لذلك القتلى
5) أنت الذي احتجزت سيارة هذا الجار منذ زمن طويل. وكان للجار في يوم ما مطار شيد بأموال الدول الأوربية، فقمت أنت بتدميره، لأنك تقول بأن الجار الشرير لا يستحق أن يكون له مطار.
وعلى إثر هذا انفجر جارك غاضباً…
6) أنت الذي انتزعت من الجار مكان عمله ومكسب رزقه. ذهب الجار ليصطاد السمك، فقمت أنت بمنعه من ذلك. كان عنده مصانع. سنة 2006 أنت الذي قمت بقصفها وتدميرها. كانت له أراضي زراعية. أنت الذي قمت بتخريبها وتعطيل زراعتها، حيث منعته من تصدير منتجاتها. لأنك تخاف من أن يحاول الجار الشرير يوماً ما أن يطلق النار عليك، تمنعه من صيد السمك، وتمنعه من العمل ومن زراعة الأرض. وأنت بهذه التصرفات تجبر الجار الشرير أن يلجأ لإطلاق النار عليك، حتى يصبح لديك حينها ذريعة لرد النار عليه بالمثل. وهذا ما قام الجار به فعلاً.
7) جميع المحاكم أقرت بأن هذا الجار الشرير هو صاحب حق. والعديد من رجال القانون المتخصصين بقوانين حقوق الجوار مثل أمنستي انترناشونال وخبراء الأمم المتحدة والعديد من حملة جائزة نوبل للسلام أكدوا بصراحة، أن ممارساتك على مدى السنوات تجاه هذا الجار الشرير هي المدانة وهي التي تتنافى مع جميع القوانين والشرائع. لكن ولحسن حظك فإن هذه المنظمات لا توجد لديها قوة شرطة رادعة تقوم بفرض القانون وإرجاع الحقوق لأصحابها. فكما قال لينين ذات يوم بسخرية. ” كم كتيبة جيش لدى البابا؟”
وعلى إثر هذا انفجر جارك غاضباً…
8) أنت الذي تطرد وتشرد منذ سنوات أصدقاء هذا الجار الشرير من منازلهم. ومما يزيد من معاناة الجار أنه ما زال يملك خط تلفون أرضي وهاتف خلوي وهو على اتصال دائم بأصدقائه وعلى إطلاع مستمر بما تقوم أنت به من طرد وتشريد لأصدقائه وأقاربه في الضفة الغربية. ومما زاد من عذابهم وتشريدهم ذلك الجدار الكبير الذي قمت أنت ببنائه وسط بيوتهم. أنت تدعي أنك أقمت الجدار لحمايتك، ولكنك لم تحيط به بمنزلك لوحده، بل جعلته يُقَطِّع منازل هؤلاء الجيران. أنت تقول: هم ليسوا بحاجة لغرفتي معيشة اثنتين! ألا تكفيهم غرفة معيشة واحدة فقط؟ وليخلوا الغرفة الأخرى لأصدقائهم ليسكن هؤلاء فيها! وحتى في داخل منزلهم المُضَيَّق، إذا أرادوا التحرك من غرفة المعيشة الى غرفة الحمام فأنت تفرض عليهم المرور عبر حواجز أمنية. هذا طبعاً بالنسبة لك ليس بالأمر الغريب، فما هذه الدنيا بأكملها سوى غرفة انتظار!! أليس الحال كذلك؟
كل من يقوم بالمظاهرات ضد هذه التصرفات الوحشية في ألمانيا تقدم له جائزة أوسيتسكي للسلام، ولكن لو قام أحد بالمظاهرات في أرض الوطن فسيستقبل في أضعف الأحوال بالغاز المسيل للدموع، وفي أسوئها يقع عليه وابل الرصاص، ومن البديهي أن يبرر ذلك بذرائع أمنيَّة. أصدقاء الجار الشرير كانوا قد رفعوا أصواتهم عالياً أمام القضاء احتجاجاً على إقامة السور وسط منازلهم. أما وزير خارجية ألمانيا آنذاك، ذلك الكائن الغبي المدعو فيشر فلم ينتقد بناء السور سوى بكلمة “غير مساعد” لعملية السلام. أما المحاكم فقد أقرت أن أصدقاء الجار على حق. وكالمعتاد فلا توجد قوة شرطة رادعة تقوم بفرض القانون
وعلى إثر هذا انفجر جارك غاضباً…
9) أنت الذي كنت قد نزعت من جارك ملكية المنزل منذ 60 سنة. على مدى السنوات الطويلة كان جد جارك هذا يملك المنزل بأكمله. ويوم كان أجدادك ملاحقين ومغلوبين على أمرهم في مكان آخر من أرض المعمورة قدموا إلى هنا ليحتموا من هول العاصفة التي داهمتهم. بداية أقاموا منزلاً لهم في حديقة الجار. حيث اعتبروا الحديقة أرض مشاع وليست ملك أحد. ومنذ ذلك منع الجيران من التنقل من منزلهم للمنازل الأخرى المجاورة. طبعاً أنت لا يضيمك كل هذا وترمي به عرض الحائط. بالنسبة لك هؤلاء هم مجرد عرب! بين حين وأخر ظهر حفنة من الفلاسفة السذَّج وتكلموا عن حقوق الإنسان ونذكر منهم بعض الأسماء مثل آخاد هاعام ومارتين بوبر وهنا آرند وغيرهم الكثير ووضعوا نظريات التعايش بين سكان المنازل وملاكي العقار. أما العرب فقد أهملهم العالم كونهم غير قابلين لتلبية رغبة ماركس، فقيل انهم على درجة كبيرة من التخلف وغير مؤهلين لتطبيق الاشتراكية، وهم رعاع سذَّج ويصعب علينا أخذهم أولياء.
وبعدما انقضى عهد ماركس، أخذ الناس يرددون. ” يا للمصيبة! إن هؤلاء العرب يؤمنون بعقيدة خاطئة، ولا مكان لهم هنا في البيت المقدس. ففي أمكنة أخرى يوجد العديد من المنازل. دعهم يذهبون الى هناك!”
وبعد سنة 1947 قام آباؤك بالاستيلاء على منزل جارك بأكمله وكذلك على معظم المنازل المجاورة. وهرب جميع الجيران ولمَّ بهم الخوف والذعر من بطش آبائك بهم. والآن يعيش أحفادهم بعددهم الكبير مكتظين داخل منزل صغير وفي أكبر منطقة كثافة للسكان على أرض المعمورة، أي في غزة. فيا ترى مَنْ هو سبب اكتظاظ السكان الآن في هذا المكان؟
وعلى إثر هذا انفجر جارك غاضباً…
فخرجت المستشارة الألمانية وكذلك معها فنيا أوز ـ زالتس بيرغر لتقول كلاهما:
إن السبب في هذه الحرب هو الجار الشرير وهو الذي يجب أن يتحمل عواقبها
10) تعقيب:
عندما قدم أوائل اليهود الصهاينة في حوالي سنة 1890 إلى ما يسمى اليوم بإسرائيل، كانوا هاربين من الاضطهاد الذي حل بهم آنذاك تحت حكم قياصرة الروس، كانوا هاربين من الاعتداءات عليهم كحرق محلاتهم التجارية وملاحقاتهم الإبادية، كانوا يبحثون فقط عن مكان آمن يعيشون فيه بحرية وبحياة كريمة، وهو ما كانوا قد حرموا منه في وطنهم السابق. حينها لم يكن هناك الصراع بين الصالح والشرير، بل كان فقط صراع على بقعة من الأرض، هي كانت يومها وطناً للفلسطينيين. ولكن المهاجرين اليهود كانوا يتخيلون على أنها هي الوطن الوحيد الذي يمكنهم التوافق على اختياره.
ونجح اليهود بحسم ذلك الصراع لصالحهم وهم الذين كانوا منذ ذلك الحين السبب في الصراع المسلح القائم هناك. إنه يوجد هنالك مبادرة سلام مطروحة على الطاولة منذ سنوات ترتكز على مبدأ حل الدولتين بحدود سنة 1967، مع البحث عن حل توافقي لقضية اللاجئين ولقضية القدس. هذا ما عرضه عليهم أعضاء جامعة الدول العربية منذ عام 2002، وما قامت الجامعة العربية بالتأكيد علية مجدداً في الماضي القريب.
لغاية الآن لم توافق إسرائيل على ذلك، لأنها تريد الاحتفاظ بالضفة الغربية، التي كانت قد استولت عليها بصورة غير شرعية بل زيادة على فإسرائيل ترغب في توسع أكبر في المنطقة. فطالما أن إسرائيل لم تصرح بأنها مستعدة للسلام ولإنهاء عهد الاحتلال، فلطالما بقي الوضع هكذا معقداً على حاله
موقف الألمان في هذه القضية منقسم. فهل من المعقول أن يكون اضطهاد الألمان لنا نحن اليهود الأوروبيين مبرراً لإسرائيل بأن تقوم هي بالاعتداء على الآخرين؟ وهل يعتقد رجال السياسة الألمان حقاً بأنهم إذا ما تغاضوا عن أعمال إسرائيل وبأن يتركوها تفعل كل ما خطر ببالها من أعمال إجرامية بدون تحفظ، يكونوا قد عوضوني بذلك عن أقربائي اليهود الذين قتلوا على أيديهم سابقاً؟ أنا أقول لا وبل بالعكس فإنه حسب رأيي من الأفضل للإسرائيليين أن يمسحوا من ذاكرتهم كل توهماتهم بأنهم هم الضحية، ولتكن تصرفاتهم قانونية مثلهم مثل باقي دول العالم، وليلتزموا بالقانون الدولي. وهذا يعني أن احتلالهم للضفة الغربية اللاشرعي يجب أن يزول فوراً وحصار غزة المخالف للقانون الدولي.يجب أن يُرْفَعْ. وعلى الاتحاد الأوروبي أن يضغط على إسرائيل ويلزمها باحترام القانون الدولي واحترام حقوق الإنسان شأنها شان تركيا وصربيا. ويجب ملاحقة أولمرت قانونياً في لاهاي كما يلاحق ميلوزوفيتش.
الكاتب: الدكتور رولف فيرليجر، الأستاذ الجامعي لعلم النفس في جامعة لوبك، وهو مؤسس الجالية اليهودية في مدينة لوبك ورئيس الجالية اليهودية في ولاية شليزفيج-هولشتاين، وكذلك ممثل الجالية اليهودية في منظمة مجلس اليهود المركزي الألماني.
أضف ردا