تقدير استراتيجي رقم (17) – تشرين الثاني/ نوفمبر 2009.
ملخص التقدير: جرى طرح مبدأ حلّ الدولتين منذ سنة 1937 وتكرس من خلال قرار الأمم المتحدة رقم 181 سنة 1947، وبموجبه قامت “دولة إسرائيل”، لكن التآمر الدولي والموقف العربي منع قيام “دولة فلسطين”. وبالرغم من تبني بوش هذه الرؤية لم ترَ الدولة الفلسطينية النور، وعندما دعت إدارة أوباما إلى قيام “دولة فلسطين”، لم تتعهد بتنفيذ مستلزمات هذا الإعلان، بل أعلنت نيتها عدم ممارسة الضغط على “إسرائيل” كي تقبل بهذا الحلّ، في الوقت الذي تتسارع الخطوات الإسرائيلية لفرض الحقائق على الأرض، من خلال: الجدار والاستيطان. كما تصر على أن يكون “السلام الشامل”، بما فيه التطبيع، ونزع سلاح حزب الله وحماس، وزوال التهديد الإيراني؛ مقدماً على قيام الدولة الفلسطينية.
لذلك، من المتوقع أن يتحدد مستقبل “الدولة الفلسطينية” ضمن أحد ثلاثة سيناريوهات؛ الأول: قيام الدولة المستقلة ذات السيادة، وهو أمر مستبعد ضمن المعطيات الحالية. الثاني: قيام دولة فلسطينية مؤقتة، على خلفية إطالة أمد واستمرار عملية المفاوضات قبل الوصول لـ”السلام الشامل”. الثالث: يرجح استمرار سيناريو “سلطة الحكم الذاتي” على حاله، وذلك بسبب توقف المفاوضات، وعدم توفر إمكانية اقتراب الحدّ الأعلى الإسرائيلي من الحدّ الأدنى الفلسطيني.
أملٌ فلسطينيٌ يتجدد:
كان الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن قد دعا في 10/11/2001، إلى قيام دولة فلسطينية، ضمن إطار “حلّ الدولتين”، الأمر الذي أحيا الأمل لدى رئاسة السلطة الفلسطينية بأن الحلم الفلسطيني بات قريب التحقق. مقابل ذلك، أعلنت رئاسة السلطة موافقتها المبدئية على خطة خريطة الطريق، وبدأت بتنفيذ الالتزامات الأمنية المترتبة عليها بموجب هذه الخريطة. وبالرغم من تكرار بوش لوعوده باقتراب تاريخ قيام الدولة الفلسطينية، إلاّ أن ذلك لم يتحقق حتى أفل نجم بوش وانتهت فترة ولايته الثانية.
ولكن، سرعان ما عاد أمل الفلسطينيين بالشروق من جديد، بعد أن تولى باراك أوباما مقاليد الحكم في البيت الأبيض؛ وجدد، منذ بداية ولايته، تبني إدارته رؤية “حلّ الدولتين” و”مواصلة السعي” من أجل قيام دولة فلسطين! أسهمت دعوة أوباما هذه، في رسم أفق جديد أمام عملية السلام، الفلسطينية الإسرائيلية، والعربية الإسرائيلية، حتى إنه جرى ربط إمكانية انطلاق عملية “السلام الشامل” بـ”حلّ الدولتين” وقيام الدولة الفلسطينية.
قبول “إسرائيل” ورفض فلسطين:
بعد أن تخلت بريطانيا عن انتدابها على فلسطين، رفعت الأمر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أقرَّت وبدعم من أمريكا في 29/11/1947، مبدأ حلّ الدولتين، الذي يدعو إلى قيام دولة عربية ودولة يهودية، على أرض فلسطين.
استغلت الحركة الصهيونية صدور القرار، وأعلنت قيام “دولة إسرائيل”. ثم قبلت الأمم المتحدة بهذا الإعلان، ووافقت على انضمام “إسرائيل” إلى الجمعية العامة بصفة “عضوٍ دائمٍ”. ومن جهة ثانية، لم يتقبل الفلسطينيون الواقع الجديد، ورفضوا التعامل مع مقتضيات “قرار التقسيم”. ثم أعلنت حكومة عموم فلسطين، بأن فلسطين بحدود الانتداب “دولة مستقلة”. ولكن لم تعترف هيئة الأمم المتحدة بالحكومة الفلسطينية ولا بإعلانها، ثم قامت الأردن بضم الضفة الغربية إليها، بينما وضعت مصر قطاع غزة تحت إدارتها المدنية.
وفي خطوة تعدُّ استجابة فلسطينية لمبدأ حلّ الدولتين، أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية في 15/11/1988 “استقلال فلسطين” على أساس القرار 181. وقد اعترف بالإعلان نحو 120 دولة؛ الأمر الذي أدى إلى تمتع المنظمة نظرياً بوضعية الدولة، ومع ذلك لم يتمكن الفلسطينيون من ممارسة استقلالهم على أرضهم.
أمريكا… وعود بلا ضمانات:
في 10/11/2001، جدد بوش الابن إطلاق مبدأ “حلّ الدولتين” وإعلان رؤيته الداعية إلى قيام “دولة فلسطينية”. وبالرغم من أنه حدد نحو ثلاث مرات، موعداً لقيام الدولة الفلسطينية، إلاّ أنه فشل في تحقيق وعدِه الذي قطعه للفلسطينيين؛ وذلك نتيجة تقييد دعوته بشروط خريطة الطريق (30/4/2003)، التي طالبت الجانب الفلسطيني باختيار قيادة جديدة، تكون ملتزمة في محاربة المقاومة وضرب بنيتها التحتية، والانخراط في عملية تنسيق أمني، فعّال، مع قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وفي المقابل، أعلن بوش دعمه لـ”إسرائيل” كـ”دولة يهودية”، ووعد بمراعاة التحفظات الـ 14 التي جعلتها حكومة شارون شرطاً للموافقة على خريطة الطريق؛ التي من ضمنها، عدم العودة إلى حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وبقاء الكتل الاستيطانية تحت السيطرة الإسرائيلية، وأن يتم تحديد طبيعة الدولة الفلسطينية من خلال “المفاوضات الثنائية”، بين السلطة و”إسرائيل”، حصراً؛ بحيث تكون “مؤقتة، ذات حدود غير دائمة، ذات سيادة محددة” ومنزوعة السلاح.
وجدد أوباما، وعد سلفه، بوش، في تبني “حلّ الدولتين” ودعم قيام دولة فلسطين إلى جانب “إسرائيل”. وحدد نهاية سنة 2012، تاريخ انتهاء ولايته الأولى، موعداً لقيام الدولة الفلسطينية. ثم أعاد مراجعة الموعد وقدمه لغاية نهاية سنة 2011.
ومع اختلاف بالنبرة والأسلوب، سار أوباما وفق سياسة سلفه، لجهة ازدواجية المعايير، حيث اقتصر وعد إدارته للفلسطينيين فقط بـ”مواصلة السعي” وعدم نية إدارته “ممارسة الضغط” على أي من الأطراف؛ يقصد بذلك “إسرائيل”. كما لم تُبدِ إدارته أي التزام بترقية المؤسسات الفلسطينية بما يتناسب مع قيام دولة؛ من المفترض أن يجري الإعلان عنها في المستقبل القريب؟.
وأما فيما يتعلق بالإسرائيليين، فقد جدد لهم أوباما التزام إدارته بالضمانات التي قدمتها لهم “بلاده”، خلال عهد سلفه بوش؛ بما فيها التعامل مع التهديد الإيراني، وإطلاق عملية “السلام الشامل”.
هذا، وتراجعت إدارة أوباما عن الضغط على “إسرائيل” فيما يتعلق بوقف الاستيطان، بينما أخذت تراعي بشكل واضح أولويات الحكومة الإسرائيلية؛ وذلك من خلال البدء بالتركيز على عملية “التطبيع” مع الدول العربية والإسلامية، عبر بوابة “تجميد” الاستيطان، ومحاولة تحريك المسارين: السوري واللبناني.
“إسرائيل”… شروط وعقبات
يقوم الموقف الإسرائيلي من الدولة الفلسطينية على أساس الاعتبارات الدينية والتاريخية والاستراتيجية والاقتصادية والأمنية والسياسية؛ فمختلف التيارات السياسية هناك ترى بأن فلسطين جزءٌ من أرض “إسرائيل”. وعلى هذه الخلفية، يتبلور في “إسرائيل” الإجماع الذي يدعو إلى: عدم العودة لحدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، والقدس عاصمة موحدة لـ”دولة إسرائيل”، وبقاء الكتل الاستيطانية في الضفة تحت السيطرة الإسرائيلية، وعدم السماح بقيام دولة فلسطينية “ذات سيادة”.
لذلك، كان تحقيق “السلام الشامل” مع الدول العربية؛ هو هدف “إسرائيل” منذ قبلت دعوة بوش الأب للمشاركة في مؤتمر مدريد. ولذلك، لم توافق حكومة رابين في اتفاقية أوسلو سوى على “سلطة حكم ذاتي” للفلسطينيين، ليس غير. وعلى هذه الخلفية، رفضت حكومة شارون، في البداية، حلّ الدولتين، ولم توافق على المسودات الأولى والثانية لخريطة الطريق. وأعلنت موافقتها على المسودة الثالثة للخريطة فقط، في 25/5/2003، بعد أن َضمِنَت مراعاة بوش للتحفظات الإسرائيلية الـ 14.
ومع ذلك، بدأت العمل في ثلاثة مسارات متوازية؛ من المفترض أن تحدد عند اكتمالها مستقبل “الدولة” الفلسطينية؛ هي: إطلاق عملية بناء الجدار العازل، وتسريع وتيرة الاستيطان تحت شعار “تسمين المستوطنات” القائمة، وإعلان نيتها تنفيذ خطة “فكّ الارتباط” بشكل أحادي الجانب.
وتابعت حكومة أولمرت سياسة سابقتها، فاستمرت في عملية بناء الجدار، وسرَّعت وتيرة الاستيطان، وفعّلت مشروع تهويد القدس. وأما على المستوى الفلسطيني، فقد أصرت على ضرورة التزام السلطة بشروط خريطة الطريق، التي تمثلت في إسقاط حكومة حماس؛ ما أدى إلى حصول الانقسام السياسي، ومن ثم الانفصال الجغرافي بين الضفة والقطاع.
وخلال مؤتمر أنابوليس، خريف 2007، أصر أولمرت على ضرورة اعتراف الجانب الفلسطيني بـ”يهودية إسرائيل”، مقابل الخوض في مفاوضات الحلّ دائم. لم تعترف السلطة بـ”يهودية إسرائيل” وبالتالي جرى تأجيل إنجاز الاتفاق حول قضايا الوضع الدائم؛ بما فيها تحديد طبيعة الدولة الفلسطينية ومستقبلها.
وبعد أخذ ورد، أعلن نتنياهو موافقة حكومته على “قيام دولة فلسطينية”. هو قال بأنه قد أعلن موافقته هذه، لأنه متأكد بأن الفلسطينيين لا يقبلون شروطه، وهي: الاعتراف بـ”إسرائيل دولة يهودية”، وإقرار بقاء القدس عاصمة موحدة لـ”دولة إسرائيل”، وإعلان التنازل عن حق اللاجئين بالعودة. هذا بالإضافة إلى شرط إطلاق مساري التسوية: السوري واللبناني والبدء بعملية التطبيع. في حين استمرت حكومته في بناء الجدار؛ مع العلم بأنه قد تمّ إنجاز نحو 75% من عملية البناء؛ من المتوقع أن يقتطع نحو 9% من إجمالي مساحة الضفة. وسرَّعت وتيرة الاستيطان؛ حيث أقامت 160 مستوطنة،فضلاً عن توفير الغطاء لنحو 200 بؤرة استيطانية أخرى، وارتفع عدد المستوطنين إلى نحو 500 ألف؛ أي نحو 20% من عدد الفلسطينيين في الضفة. هذا، وتعلن الحكومة الإسرائيلية بأن هدف زوال التهديد الإيراني يحتل المرتبة الأول على أجندتها، وهو مقدم على ما سواه من أهداف وأولويات؛ بما فيها قيام الدولة الفلسطينية!.
المشهد الفلسطيني… انقسام وانفصال
يشكل السعي لقيام دولة فلسطينية، مبرر انخراط فتح وفصائل م.ت.ف. في عملية التسوية السلمية، ولعل ذلك هو دافع التوقيع على اتفاقيتي أوسلو وطابا، مع الجانب الإسرائيلي. حيث حصلت المنظمة بموجبهما على قيام “سلطة حكم ذاتي” انتقالية، غطت تدريجياً، في منتصف سنة 2000، معظم القطاع ونحو 42% من الضفة، مع العلم بأن مهامها قد انحصرت بإدارة السكان الفلسطينيين، دون السيادة على الأرض، والمياه، والمعابر، والعلاقات الخارجية. وأخيراً، وافقت على خطة خريطة الطريق؛ بما فيها من التزامات أمنية.
من جهة أخرى، تنطلق حركة حماس وفصائل المقاومة، من قناعتها بأن أرض فلسطين للفلسطينيين، ومن حقهم إقامةَ دولةٍ مستقلةٍ على أرضهم. ومع ذلك، وسعياً منها للوصول إلى برنامج وطني جامع، أقرت هذه الفصائل، وثيقة الوفاق الوطني (26/6/2006)؛ التي دعت إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة بحدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967 وعاصمتها القدس. وعلى هذا الأساس، ما تزال تتمسك بالمقاومة، وترفض الاعتراف بـ”إسرائيل”، وتطالب بضرورة تفكيك المستوطنات، وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى حدود خط الهدنة 1949.
ومع التزام محمود عباس، من موقعه في رئاسة السلطة، بشروط اللجنة الرباعية، وبمقتضيات خريطة الطريق؛ حيث جرت الدعوة إلى إسقاط الحكومة التي تشكلها حماس ومن ثم حكومة الوحدة التي كانت تقودها هذه الحركة؛ أدى هذا الأمر إلى تعريض الساحة الفلسطينية إلى مشكلتين كبيرتين. الأولى: الانقسام السياسي، الذي أفقد الدولة الفلسطينية، وفق وثيقة الوفاق، دعامة الإجماع الوطني. الثانية: الانفصال الجغرافي بين الضفة والقطاع، الأمر الذي يشكل مانعاً طبيعياً يحول دون تحقق حلم قيام الدولة الفلسطينية على أساس مرجعية القرار 242.
على هذه الخلفية، بات المشهد الفلسطيني منقسماً إلى موقفين هما:
1. موقف رئاسة السلطة وحركة فتح، الذي يقول بأنه متمسك بقيام دولة فلسطينية بحدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967 وعاصمتها القدس. وفي الوقت نفسه، يعلن التزامه بخطة خريطة الطريق، التي تدعو في المرحلة الثانية إلى “قيام دولة فلسطينية” بحدود مؤقتة، وتؤجل البتّ في مستقبل القدس إلى المرحلة الثالثة، حيث من المفترض الاتفاق حول قضايا الحلّ الدائم في سياق “السلام الشامل” والتطبيع!.
2. موقف حركة حماس وبعض فصائل المقاومة، التي توافق على قيام الدولة الفلسطينية، بحدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وما تزالُ مصرّةً على عدم الاعتراف بـ”إسرائيل”.
الكيان الفلسطيني… بين السلطة والدولة
بناءً على ما تقدم، من المتوقع أن يتبلور مستقبل “الدولة” الفلسطينية؛ على أساس حلّ الدولتين، خلال الفترة القريبة القادمة، وفق أحد السيناريوهات التالية:
1. دولة:
يقوم هذا السيناريو على أساس ما يسعى إليه الطرف الفلسطيني الذي يقود م.ت.ف والسلطة الفلسطينية، من خلال مشاركته في عملية التسوية السلمية ودعوة إدارة أوباما إلى قيام “دولة فلسطينية”، وموافقة الجانب الإسرائيلي على مبدأ قيام الدولة. وعملت السلطة في رام الله على الالتزام الدقيق بشروط خريطة الطريق، بما في ذلك الالتزامات الأمنية، لإتاحة المجال لإنجاح المسار باتجاه الدولة الموعودة، وأعلن سلام فياض رئيس الحكومة في رام الله في 25/8/2009 عن خطة لإقامة مؤسسات الدولة خلال سنتين، مع ملاحظة الدعم الأمريكي والأوروبي المعلن وشبه المعلن لفياض. لكن هذه الأسس تفتقر إلى الصلابة الكافية لضمان تحقق هذه الإمكانية، خصوصاً بعد إعلان الإدارة الأمريكية عن نيتها عدم “ممارسة الضغط” على أيٍّ من الأطراف، ورفض الطرف الإسرائيلي قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، كما يرفض العودة إلى حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، ويصر على رفض حق العودة، وعلى بقاء الكتل الاستيطانية.
ويفقد هذا الحلّ حظوظه، بسبب إصرار حكومة نتنياهو على: عدم تجميد الاستيطان، فضلاً عن وقفه أو إزالته، في حين تستمر زيادة عدد المستوطنين في الضفة بشكل مضطرد، ووصول عملية بناء الجدار إلى نهاياتها، واستكمال مشروع ضم القدس وتهويدها واعتبارها خارج التفاوض. إضافة لذلك، جعلت “إسرائيل” إمكانية قيام الدولة الفلسطينية أمراً مرتبطاً بـ”السلام الشامل” ونزع سلاح المقاومة الفلسطينية و”زوال” التهديد الإيراني!!!. مع العلم، بأنه لا يوجد في الأفق ما يمكن أن يصل بالحد الأعلى الإسرائيلي إلى الحد الأدنى الفلسطيني، فضلاً عن تزايد قوة تيار المقاومة وتراجع شعبية تيار التسوية، بالإضافة إلى أن الحقائق التي تنشئها “إسرائيل” على الأرض تمنع عملياً نشوء دولة فلسطينية حقيقية.
2. دولة مؤقتة:
يقوم هذا السيناريو على أساس أن خريطة الطريق دعت في المرحلة الثانية إلى قيام دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، في حين تشير التحفظات الإسرائيلية على الخريطة، إلى ضرورة أن تكون هذه الدولة أيضاً “مؤقتة”. ولو أخذنا بعين الاعتبار مراعاة الإدارة الأمريكية للتحفظات الإسرائيلية، فإن السيناريو الراجح في هذه الحالة سوف يتمثل في قيام “دولة فلسطينية مؤقتة، ذات حدود غير دائمة”.
هذا مع العلم، بأن الإدارة الأمريكية تريد أن ترى زوال التهديد المتمثل في (إيران، حزب الله وحماس)، إضافة إلى تحرك مسارات التسوية؛ السورية واللبنانية، وانطلاق عملية التطبيع مع “إسرائيل”.
في ضوء هذا التصور، تأمل “إسرائيل” أن تساعدها الموافقة في اصطياد عدّة عصافير بحجر واحد؛ إطلاق عملية التطبيع، وإضعاف موقف حزب الله وحماس، وتوفر موقف عربي متضامن حيال البرنامج النووي الإيراني، وتحرك المسارين اللبناني والسوري.
ويعد رفض فريق التسوية الفلسطيني لهذا الحل، عائقاً يحول دون تنفيذه، حيث يجري تكرار الإعلان عن رفض حلّ “الدولة الفلسطينية بحدود مؤقتة”. ولكن التجربة تشير إلى أن هذا الفريق الفلسطيني يستجيب في اللحظة الأخيرة للضغط الإسرائيلي، ويتعامل إيجابياً مع المطلب الأمريكي؛ وما لقاء واشنطن بين عباس ونتنياهو مع أوباما ببعيد، حيث تنازل الأول عن شرط تجميد الاستيطان قبل أي لقاء من رئيس حكومة “إسرائيل”.
ومع ذلك، تبقى الشروط الإسرائيلية هي المانع الحقيقي الذي يؤجل إمكانية التوصل إلى أي من السيناريوهين الأول والثاني (الدولة والدولة المؤقتة). حيث تدعو الشروط الإسرائيلية إلى استعادة غزة لسيطرة عباس، وإخراج حماس من تحت مظلة الشرعية الفلسطينية، وحصر القرار الفلسطيني بيد عباس.
3. استمرار سلطة حكم ذاتي:
يشكل هذا السيناريو استمراراً للوضع الراهن، ولا يبدو أنه قابل للتغير في المدى المنظور، خصوصاً أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ما تزال متعطلة، وهي تقف أمام حائط مسدود منذ استلام حكومة نتنياهو سدّة الحكم في “إسرائيل”.
ويعتمد هذا السيناريو على إصرار الجانب الفلسطيني الرسمي، مدعوماً بالتوجه الرسمي العربي، على الاستمرار في عملية التسوية دون توفر أدوات ضغط حقيقية على الجانب الإسرائيلي، بينما يرتاح الإسرائيليون إلى هذا الخيار ما دام في مقدورهم الاستمرار في تهويد الأرض والإنسان، في الوقت الذي تقوم فيه سلطة فلسطينية “صديقة” بإدارة الفلسطينيين وقمع تيارات المقاومة.
وفي هذا التقدير لم نجنح إلى مناقشة احتمال رابع مرتبط بسقوط مشروع التسوية بشكله الحالي، وسقوط سلطة الحكم الذاتي، وعودة المقاومة المسلحة والمدنية لشكلها الأول، وهو ما قد نناقشه في تقدير آخر.
المقترحات
1. إعادة الاعتبار إلى “الإجماع الوطني” الفلسطيني حول وثيقة الوفاق، التي تؤكد على قيام دولة فلسطينية بحدود 1967 وعاصمتها القدس.
2. التمسك بحق العودة، والتخلي عن سياسة “مقايضة العودة بالدولة”، خصوصاً أن أمريكا و”إسرائيل” لا تريدان إعطاء الفلسطينيين أكثر من حكم ذاتي؛ بغض النظر عن المسميات.
3. التنبيه، من أن التوصل إلى حلّ “قيام دولة فلسطينية مؤقتة”، سوف يسهم في تطبيع وجود “إسرائيل” على مستوى العالمين العربي والإسلامي، ويسقط حق الشعب الفلسطيني في القدس والعودة.
4. العودة إلى خيار المقاومة، واعتماده خياراً استراتيجياً، والعمل على إعداد البنى التحتية الحقيقية الفاعلة لانطلاقة جديدة قوية له، خصوصاً مع عدم وجود أية تسوية كريمة حقيقية في الأفق.
5. منع “إسرائيل” من الاستفادة من غطاء مشروع التسوية في تمرير مخططاتها في تهويد القدس والضفة الغربية، وإفراغ الدولة الفلسطينية المحتلة من محتواها.
* كتب مسودة هذا التقدير مشكوراً الأستاذ معين مناع، الباحث في مركز الزيتونة.
أضف ردا