تقدير استراتيجي رقم (22) – أيار/ مايو 2010.
ملخص التقدير: دخلت تركيا، مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، مرحلة جديدة في سياستها الخارجية، قوامها الاستقلالية، والانفتاح، وتحسين العلاقات الإقليمية مع الجميع، وتعدد الأبعاد.
ولم تعد تركيا جزءاً من سياسات المنظومة الغربية، أو مجرد تابعٍ للمسارات والمحددات الأمريكية والإسرائيلية.
إن انفتاح تركيا على محيطها الإقليمي والعربي والإسلامي منحها فرصة أفضل للتعبير عن هويتها الحضارية، وهموم وتطلعات الشعب التركي، كما أتاح لها مجالات واسعة للتبادل التجاري وتحقيق مكاسب اقتصادية، فضلاً عن أنه سهّل عليها احتمالات لعب أدوار سياسية أفضل.
كان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة علامة فارقة في تزايد الدعم التركي الشعبي والرسمي للقضية الفلسطينية، وفي توجيه انتقادات حادة للسلوك الإسرائيلي، وفي المطالبة بفك الحصار عن قطاع غزة، واحترام إرادة الشعب الفلسطيني الذي انتخب حماس. غير أن الموقف التركي ظل محكوماً باستمرار تبنيه للمسار العربي الرسمي وموقفه من التسوية، وفي مراعاة تحالفه مع أمريكا، وعلاقاته بـ”إسرائيل”، ورغبته في الدخول في الاتحاد الأوروبي.
العوامل المتحكمة في المواقف التركية من القضية الفلسطينية:
تتأثر صناعة القرار في تركيا فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني بثلاثة محددات رئيسية، أولها الخلفية الإسلامية والحضارية والتاريخية التي تربطها بفلسطين، وثانيها الخلفيات السياسية والجيوستراتيجية، وثالثها الخلفيات الاقتصادية؛ حيث يشكل المحددان الثاني والثالث عناصر مهمة في إدارة مصالحها وتحديد أولوياتها في المنطقة. وبشكل عام هناك عدد من العوامل التي تحدد الموقف التركي:
1- إن القضية الفلسطينية موجودة في الأساس في وجدان الشعب التركي وقياداته منذ ظهور المشروع الصهيوني في عهد السلطان عبد الحميد الثاني؛ ورفضه إعطاء أرض في فلسطين لإقامة دولة لليهود عليها، وصولاً إلى عهود الحكومات العلمانية المتعاقبة حتى في أشد الفترات التي كانت تركيا تقف فيها ضد العالم العربي. بل إن العديد من المواقف التاريخية اتخذت في عهد قيادات علمانية، مثل تخفيض العلاقات الديبلوماسية مع “إسرائيل” في نهاية 1981 في عهد نظام الانقلاب العسكري. كما أن رئيس الحكومة بولنت أجاويد، المعروف بتشدده العلماني وعدائه للتيارات الإسلامية، كان الحاضن لمنظمة التحرير الفلسطينية في السبعينيات وأول من وصف ممارسات “إسرائيل” بالإبادة في العام 2002.
2- إن الجذور الإسلامية لقادة حزب العدالة والتنمية كانت من العوامل التي دفعت تركيا إلى اتخاذ مواقف تضامنية قوية إلى جانب الشعب الفلسطيني. ووصلت إلى حدود قصوى عرّضت وضع الحكومة التركية إلى ضغوط شديدة من الخارج من دون أن تنحني أمامها. وكانت تعتمد في ذلك على التأييد القوي والحضور الواسع للقضية الفلسطينية في ضمير الشعب التركي. وهو ما دفع رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان للقول مرَّة أنه عندما يتخذ قراراً في السياسة الخارجية، فإنما يصغي لصوت الشعب المؤيد كلية للقضية الفلسطينية.
3- إن سعي تركيا لتكون دولة مؤثرة وذات حضور في الساحة الإقليمية والعالمية اتخذ آليات لا تتصل فقط بالبعد الإسلامي والعمق الحضاري في سياسة حزب العدالة والتنمية، بل أخذ في الاعتبار التجاذبات والاستقطابات الموجودة في المحيط الإقليمي لتركيا.
4- إن أهم شروط الدور الوسيط أن يكون على علاقة جيدة مع الجميع، وأن يكون بالتالي موضع ثقة لدى الأطراف المتنازعة. وقد نجحت تركيا، من دون شك، في ذلك على امتداد سنوات حكم حزب العدالة والتنمية. إذ حافظت في ذروة تعاطفها مع الشعب الفلسطيني على علاقات جيدة مع “إسرائيل”، وعلى استمرار التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري، وقام المسؤولون من الطرفين بزيارات متبادلة على أعلى مستوى. وهذا مكَّنها في مرحلة من المراحل من القيام بوساطة بين سوريا و”إسرائيل”.
5- إن انفتاح تركيا على القضية الفلسطينية لم يكن يوماً، وفي عهد حزب العدالة والتنمية أيضاً، على حساب الاعتراف بوجود دولة “إسرائيل”. فمن جهة، ما تزال تركيا مرتبطة بنحو 60 معاهدة أمنية وعسكرية مفعلة مع “إسرائيل”، كما تعد الشريك التجاري الإسلامي الأكبر لها. ففي سنة 2009 بلغت الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا ما مجموعه 1.073 مليار دولار، وبلغت الواردات الإسرائيلية من تركيا ما مجموعه 1.388 مليار دولار، مع ملاحظة أن الصادرات الإسرائيلية تراجعت بنسبة 33%، بينما تراجعت الواردات بنسبة 24% مقارنة بالسنة السابقة. في حين تتبنى تركيا من جهة ثانية القرارات الدولية ومبدأ الانسحاب الإسرائيلي من الضفة، بما في ذلك شرقي القدس والقطاع، والاتفاق على حل عادل لقضية اللاجئين. ووقفت ضد أي تغيير في هوية شرقي القدس، كما وقفت ضد الاستيطان في الضفة الغربية. ولم يصل أي موقف من أي طرف تركي رسمي حتى الآن إلى حد التشكيك بوجود الكيان الإسرائيلي.
6- أدى إيلاء العمق التاريخي والحضاري، إضافة إلى الاعتبارات الجيوستراتيجية والاقتصادية إلى ظهور دور مهم في سياسة تركيا الجديدة مع دول العالمين العربي والإسلامي، وقد عززت تركيا علاقاتها مع هذا العمق الحيوي بالنسبة لسياستها الخارجية، من خلال إقامة علاقات تجارية واقتصادية مع الدول العربية بلغ مجموعها السنوي نحو 31 مليار دولار، فيما وصل حجمها مع إيران لوحدها حوالي 10 مليارات. وما دامت القضية الفلسطينية في قلب العالمين العربي والإسلامي، فإن ذلك يعني أنه بقدر ما ينسج حزب العدالة والتنمية علاقات متقدمة مع العالمين العربي والإسلامي بقدر ما يقترب أكثر من القضية الفلسطينية.
7- في ضوء السياسة التركية الراهنة، التي تدعو إلى “صفر مشكلات” لأنقرة مع جميع جيرانها وبخاصة العرب والمسلمين؛ فإن ذلك مهد الطريق أمام حكومة أردوغان كي تلج بوابة الشرق الأوسط باعتبارها فضاءً استراتيجياً بديلاً عن انغلاق بوابة أوروبا في وجهها؛ وفتح الطريق الشرق أوسطي أمامها للتحول إلى شريك أساسي فيه.
أتاحت العوامل السابقة المحددة للموقف التركي:
– إعطاء دفعة معنوية ومادية للشعب الفلسطيني لدعم صموده، وإشعار العالم أن هناك من يقف إلى جانبه، إلى درجة مطالبة بعض المتظاهرين في غزة بأن يأتي الجيش التركي ليدافع عن غزة.
– استمرار الإقرار بأن حماس لها حق في شرعية التمثيل للشعب الفلسطيني نظراً لأنها جاءت بانتخابات ديموقراطية، ومطالبة الغرب الحرّ أن يكون منسجماً مع نفسه في هذا المجال، والاعتراف بنتائج الانتخابات. وبالتالي إشعار العالم أن أية مفاوضات لا تأخذ في الاعتبار موقف هذه الشريحة من الشعب الفلسطيني سيكون مصيرها الفشل.
– التفكير الجدي من جانب “إسرائيل” بعدم الاستفراد بغزة وبحماس، نظراً للتأثيرات السلبية التي قد تطرأ على علاقاتها مع تركيا.
– على الرغم من دعوة أنقرة لحماس للتخلي عن العنف وإطلاق الصواريخ والانضمام لمسيرة السلام، فإن وقوف تركيا إلى جانب رفع الحصار عن قطاع غزة يساعد، بصورة غير مباشرة، على صمود حماس في القطاع.
تحديات وعقبات:
في المقابل، يمكن القول إن الدور التركي في المنطقة تجاه القضية الفلسطينية ما يزال يواجَه بمجموعة من التحديات والعراقيل:
1- الاستياء الإسرائيلي الذي عبَّر عن نفسه بمحاولة تعطيل الدور التركي الوسيط في المنطقة، وإضعاف تركيا من خلال رفض حكومة بنيامين نتنياهو استمرار الوساطة التركية واقتراح إحلال وساطة فرنسية بدلاً منها.
2- التخوف الأمريكي والأوروبي من أن تتجاوز تركيا الخطوط “المقبولة”، وتلعب أدواراً تتعارض مع المصالح الغربية في المنطقة.
3- إثارة بعض الحساسيات العربية، والمصرية بالذات، خصوصاً أن القاهرة ترى في الدور التركي المتفهِّم لحماس تعزيزاً للنزعة الإسلامية التي يمثلها الإخوان المسلمون في مصر، وهو ما ترفضه السلطات المصرية جملةً وتفصيلاً.
4- إن تحرك تركيا في المنطقة بالتنسيق والتعاون الوثيق مع سوريا، وإقامة تركيا لعلاقات جيدة مع إيران ودفاعها عن برنامجها النووي، أثار حفيظة بعض الدول العربية التي توصف بالمعتدلة. بدا ذلك جلياً خلال جولة أردوغان في العالم العربي في الأيام الأولى لعدوان غزة. حيث إن التباين السياسي بين تركيا وهذه الدول كان عاملاً مهماً في عدم تسهيل الدور التركي، وعدم توظيفه لخدمة القضية الفلسطينية.
أهمية الموقع التركي في المؤسسات الغربية لصالح القضية الفلسطينية:
من المفارقة أن تكون عضوية تركيا في بعض المؤسسات الغربية، مثل الناتو، وعلاقات تركيا الجيدة مع “إسرائيل” وأوروبا والولايات المتحدة، هي مصدر قوة لها لترجمة قناعاتها الجديدة تجاه القضية الفلسطينية. ومع أن التعويل على هذا العامل يبدو مبالغاً فيه، لكن يجب عدم إسقاطه من الاحتمالات وإن كانت ضعيفة حيث إنَّ:
1- عضوية تركيا في حلف الناتو وحاجة الحلف إليها في العديد من الملفات، من البلقان إلى أفغانستان، يمنح تركيا إمكانية ممارسة دور ضاغط، نسبياً، على الغرب من أجل مقاربةٍ أفضل تجاه القضية الفلسطينية.
2- كذلك، فإن تركيا تفترض أن تكون علاقاتها الجيدة مع “إسرائيل” ولا سيما في المجال العسكري، وحاجة “إسرائيل” إلى تركيا في الكثير من الملفات ولا سيما كدولة مسلمة، أداة للضغط على “إسرائيل” لتحسين ظروف قطاع غزة، وللدفع نحو مفاوضات تسوية جديَّة وفقاً لقرارات الأمم المتحدة.
حدود الدور التركي:
ومع ذلك، فإن للدور التركي حدوداً أيضاً تتمثل في:
1- أن التحرك التركي في غزة تحديداً، لا يمكن له أن يتجاوز، لعوامل مختلفة، الدور المصري. وقد اعترفت أنقرة بذلك قائلة على لسان أحمد داود أوغلو: “إن الدور التركي يمكن له أن يكون مساعداً أو مكملاً، لكنه لن يحل محل الدور المصري”.
2- إن تركيا الراغبة في إقامة علاقاتٍ جيدةٍ مع كل العرب، وأن تكون على مسافة واحدةٍ من الجميع، لا يمكن لها أن تمضي في خياراتها إلى النهاية لترجمة دعمها لغزة أو حماس. إذ إنها ستحافظ على موقفها المبدئي ومساعداتها الإنسانية ووقفاتها الإعلامية، لكنها لن تذهب إلى درجة اتخاذ مواقف تسبب إحراجاً كبيراً لدول الاعتدال العربي، ولا سيما السعودية ومصر ودول الخليج. ولن يتجاوز الدور التركي بشكل عام ما تتيحه الشرعية الدولية.
3- إن نظرة تركيا إلى أن الوحدة الفلسطينية هي شرط للسلام في المنطقة، تجعلها لا تذهب في علاقاتها مع حماس إلى درجة الخلاف مع محمود عباس، وبالتالي فإن دعم تركيا لحماس لا يسقط اعترافها وتعاملها مع محمود عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية.
4- إن تركيا تفتقد في أي دور وسيط إلى الأوراق الضاغطة القوية التي تمكنها من إنجاح أية وساطة سواء بين “إسرائيل” وسوريا أو بين “إسرائيل” والفلسطينيين، أو حتى حماية أي اتفاقٍ يتم التوصل إليه. ويمكن لتركيا، باستثناءات محدودة، أن تقوم بدور لوجستي ومقرِّب ومسهِّل.
5- كذلك فإن تركيا يمكن، أن تتعرض لضغوطات من جانب الغرب و”إسرائيل” للتخلي عن سياسات الانحياز إلى القضية الفلسطينية عموماً. وقد بدا ذلك من خلال الضغط للاعتراف بالإبادة الأرمنية في الولايات المتحدة والسويد، وكذلك محاولة استبدال الوساطة التركية بوساطة دول أخرى، ومن خلال تحريك قوى الداخل التركي المتشددة لإزعاج سلطة العدالة والتنمية، بل تهديدها بحظر الحزب عبر المحكمة الدستورية، وصولاً إلى التلويح بإسقاط هذه السلطة بالقوة.
6- إن سياسة تعدد الأبعاد التركية والانفتاح على العالم العربي والإسلامي، لا يلغي الهدف الاستراتيجي الرسمي المعلن لتركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ومع أنه لا توجد سياسة خارجية مشتركة وموحدة للاتحاد تجاه القضية الفلسطينية، لكن تركيا ستبقى مضطرة لأن تلتزم بضوابط محددة في دورها الشرق أوسطي أو في وساطتها.
سيناريوهات للمستقبل:
في إطار الاحتمالات الممكنة للدور التركي في المنطقة وتأثيره على القضية الفلسطينية، تطرح سيناريوهات متعددة تتصل بطبيعة الدور التركي ومدى تأثيره في ضوء ما تحقق حتى الآن في ظل سلطة حزب العدالة والتنمية:
1. الاقتراب من محور الممانعة:
ويقوم هذا السيناريو على أساس أن تركيا ستعمل على ترسيخ وتطوير روابطها مع كل من إيران وسوريا، ومحور المقاومة والممانعة بشكل عام بما في ذلك حزب الله وحماس، بحيث تتراجع العلاقة مع “إسرائيل” إلى الحد الأدنى.
وتُبنى جدلية هذا السيناريو على أساس الخلفية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية، وعلى أساس أن تفعيل هذه العلاقات، يكسب تركيا مزيداً من التأييد الشعبي في العالمين العربي والإسلامي، خصوصاً أنه قد يفهم على أنه خطوة نحو تشكيل منطقة الشرق الأوسط وفق مصالح أهل المنطقة، مع تصاعد قوة الدور التركي، بصورة يكون فيها دور “إسرائيل” أو تأثيرها محدوداً جداً، إن لم يكن محصوراً ومنبوذاً.
ومع ذلك يبدو أن التوجهات السياسة الخارجية التركية، وحساباتها الداخلية، وعلاقاتها الأوروبية والأمريكية، تجعل حظوظ مثل هذا الاحتمال ضعيفة، حيث أنه لا يساعد تركيا على التقدم في إنجاز أجندتها الوطنية، في المدى المنظور.
2. الاقتراب من محور الاعتدال:
يقوم هذا السيناريو على أساس أن انتماء حرب العدالة والتنمية “الإسلامي السني المعتدل”، وتقديمه نموذجاً علمانياً يسعى إلى تطبيق المعايير الأوروبية ودخول الاتحاد الأوروبي، هو الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها دول “محور الاعتدال العربي”، تفسح المجال أمام دور تركي في المنطقة، على أمل أن يشكل سداً في وجه الدور الإيراني “الشيعي” المتصاعد.
وينبني هذا السيناريو على أساس أن تركيا تتبنى رسمياً مسار التسوية السلمية، وتضبط تحركها بناء على الشرعية الدولية، فضلاً عن أن علاقاتها بـ”إسرائيل” وعضويتها في حلف الناتو، تجعلها أقرب إلى دول “الاعتدال” العربي منها إلى سوريا وإيران.
ثم إنه ما دام تقدم سياسة تركيا الخارجية مرتبطاً إلى حد كبير بحجم إنجازات حكومة أردوغان الداخلية، وهذا الإنجاز الداخلي بدوره مقيد بعدد من الكوابح والعقبات، المتمثلة في: العسكر، والقضاء، والمشكلة الكردية والأقليات الأخرى؛ فإن كل هذه العوامل تعطي الفرصة لواشنطن لاستخدامها بشكل أو بآخر كأدوات ضغط، أو على الأقل الاستفادة من تناقضها مع البرنامج الداخلي لحزب العدالة والتنمية.
غير أن هذا التوافق مع دول الاعتدال لا يرتقي إلى حد التطابق، إذ إن حزب العدالة والتنمية يمارس سياسة أكثر استقلالاً، وأقل قابلية للضغط من دول الاعتدال، وهو يوظف حجم تركيا وإمكاناتها لتحقيق مصالح تركيا الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية في المنطقة. فضلاً عن كون هذا التوافق لا يتلاقى مع أحد استراتيجيات تركيا الخارجية الحاكمة، والتي تقتضي قيامها بدور الوسيط وحل النزاعات. مما يقلل من حظوظ هذا الاحتمال أيضاً.
3. الاستمرار في لعب الدور الوسط:
هذا السيناريو مبني على أساس نجاح تركيا في رفع مستوى استقلالية قرارها وتأثيرها في المنطقة، وامتلاكها وضعاً وسطاً يحتفظ بكل العلاقات القائمة مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية، دون أن يكون له موقع استراتيجي قيادي متقدم. إذ تسعى حكومة حزب العدالة والتنمية إلى مواصلة سياسة تعدد الأبعاد خارجياً وما تتطلبه من حل المشكلات وفتح الحدود مع الجيران وصولاً إلى تكامل اقتصادي، كما أمل بذلك وزير الخارجية التركية أحمد داود أوغلو بحلول العام 2023.
إن سياسة تعدد الأبعاد كما أسلفنا لا تعني استبدال محور بآخر أو الوقوف مع محور ضد آخر. ونظراً لاستمرار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي هدفاً استراتيجياً لتركيا كما عضويتها في الناتو وعلاقاتها مع “إسرائيل”، فإن منظومة العلاقات السابقة لتركيا ستتواصل بمعزل عن تراجعها بعض الشيء. وهنا يمكن لتركيا أن توظف علاقاتها المتنامية مع البلدان العربية والإسلامية بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، ويعطيها فرصاً بديلة عن الدخول في الاتحاد الأوروبي.
أما على الصعيد الإقليمي فمن المستبعد وفقاً لمنطلقات السياسة التركية الجديدة، أن تكون طرفاً مباشراً في أي منظومة إقليمية. والأرجح أنّ تركيا ستكتفي بعلاقات سياسية واقتصادية قوية مع كل القوى التي ترحب بذلك سواء عربية أو إسلامية أو تركية أو روسية أو بلقانية وما شابه.
أما فلسطينياً فإن التعاطف والدعم الشعبي والرسمي سيزداد، غير أن الموقف الرسمي لتركيا سيظل في المدى المنظور هو حل القضية الفلسطينية على أساس الشرعية الدولية المتمثلة في قرارات الأمم المتحدة، والمبادرة العربية للسلام.
مقترحات:
– السعي لإبقاء الدعم التركي الرسمي والشعبي للقضية الفلسطينية مستمراً.
– الاستفادة من فهم تركيا لأصول اللعبة الدولية، في دعم القضايا الفلسطينية المتوافق عليها، مثل: الجدار، والاستيطان، وتهويد القدس، وحصار القطاع.
– الاستفادة من سياسة تركيا الخارجية المتمثلة في العمل على حل النزاعات ولعب دور الوسيط، في إنجاز التقارب المصري – السوري – السعودي، كخطوة نحو تشكيل مرجعية عربية مشتركة ترعى المصالحة الفلسطينية.
– العمل على تشجيع الدور التركي في فك الحصار وإعادة إعمار قطاع غزة، وتشجيع تنفيذ المشاريع التركية في الداخل الفلسطيني.
– دعوة الحكومة التركية للاستفادة من توليها رئاسة منظمة المؤتمر الإسلامي، من أجل تفعيل المنظمة ولجنة القدس لحماية القدس؛ كمدينة إسلامية بتراثها وشعبها، وكعاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة.
* يتقدم مركز الزيتونة للدكتور محمد نور الدين بخالص الشكر على كتابته النص الأساسي الذي اعتمد عليه هذا التقدير.
أضف ردا