تقدير استراتيجي رقم (23) – أيار/ مايو 2010.
ملخص التقدير: شهدت المنطقة في الآونة الأخيرة تزايد الحديث عن احتمالات شن “إسرائيل” حرباً جديدة في المنطقة، قد تستهدف أياً من إيران أو سورية أو لبنان أو قطاع غزة، وقد تمتد على أكثر من جبهة في الوقت نفسه متخذة صورة الحرب الشاملة. وقد غذى هذه التحليلات الحديث الإسرائيلي المتصاعد عن الحرب، واتهامات “إسرائيل” لكل من إيران وسورية بتسليح المقاومة في لبنان وغزة، وبالإخلال بتوازن القوى في المنطقة، إلى جانب “عرض القوة” المستمر من مختلف الأطراف، والمتمثل بالتصعيد الكلامي والمناورات العسكرية واسعة النطاق.
ولكن تحليلاً متأنياً للظروف الحالية السائدة في المنطقة يُظهر أن احتمالات الحرب الشاملة لا تبدو عالية في المدى المنظور، وكذلك احتمالات توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية محدودة لأي من إيران أو سورية أو لبنان. وفي حين يبقى احتمال توجيه ضربة كهذه إلى قطاع غزة هو الأكثر ترشيحاً، إلا أن الهدوء الحالي السائد في القطاع، إلى جانب الجمود في مسار المفاوضات مع حديث عن العودة لمفاوضات غير مباشرة، يوفران لـ”إسرائيل” ظرفاً مريحاً للمضي في تعزيز مكاسبها وتثبيت الوقائع على الأرض، وبالتالي فمن المرجح أن يستمر الهدوء القائم في المدى المنظور، ما لم تحدث هناك مسارات حرجة مفاجئة، مع استمرار التجهيز للحرب.
مقدمة:
يشكّل الحفاظ على التفوق العسكري وامتلاك الردع جزءاً لا يتجزأ من عقيدة الأمن القومي الإسرائيلي؛ نظراً لطبيعة الكيان الإسرائيلي الذي قام أساساً على مبدأ القوة، والقناعة الإسرائيلية بأن هناك حاجة دائمة لهذه القوة للاستمرار، وبأن أية هزيمة قد يتعرض لها الكيان تشكّل تهديداً وجودياً له.
وبناء على هذه القناعة، فإن “إسرائيل” تبقي نفسها على استعداد دائم للحرب، وبالسيناريو الأسوأ، وتتبنى نظرية الضربة الاستباقية أو الوقائية، لاحتواء أي خطر استراتيجي بالنسبة لها قبل تعاظمه.
وبعد عدوان تموز/ يوليو 2006، ثم العدوان على غزة أواخر 2008 ومطلع 2009، وما رافقه من إخفاقات وضرر أصاب صورة الردع الإسرائيلية، وفي ظل استمرار إيران في بناء برنامجها النووي، وتنامي قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، باتت الدوائر السياسية والعسكرية الإسرائيلية تشعر بالحاجة لدرء كل هذه الأخطار، فرفعت من استعداداتها للحرب، بالتزامن مع التهديد باستخدام القوة ضد تلك الأطراف منفردة أو مجتمعة، ليرتفع بذلك مستوى القلق من نشوب حرب إقليمية شاملة قد لا يمكن التحكم بحجمها أو نتائجها.
استعراض القوة:
شهدت الآونة الأخيرة تزايداً في استعراض القوة التي يمتلكها كل من الطرفين، فعلى الجانب الإسرائيلي استمرت سلسلة المناورات العسكرية المسماة “نقطة تحول”، والتي تتدرب خلالها “إسرائيل” على مواجهة حرب شاملة على كافة الجبهات: إيران، وسورية ولبنان، وغزة، بالتزامن مع سقوط الصواريخ على الجبهة الداخلية، وهجمات استشهادية انطلاقاً من الضفة الغربية. بالإضافة إلى حفر الخنادق في الجولان والتدريبات العسكرية فيه، وتزايد النشاط الاستخباري الإسرائيلي في المنطقة، والمناورات الجوية بعيدة المدى، وزيادة ترسانة الأسلحة الخارقة للتحصينات، الأمريكية الصنع، وغيرها. إلى جانب التهديدات الإسرائيلية المتكررة لكل من إيران وسورية ولبنان وغزة بالحرب، المترافقة مع اتهامات مختلفة لهذه الأطراف على لسان السياسيين والعسكريين الإسرائيليين بهدف إيجاد الذرائع، كان آخرها اتهام سورية بتزويد حزب الله بصواريخ سكود، والإخلال بـ”التوازن الدقيق” للقوى في المنطقة.
وعلى الجانب الآخر فإن إيران تواصل مناوراتها العسكرية في مياه الخليج ومضيق هرمز، فبعد مناورة “النبي الأعظم 5″، التي أجرتها أواخر أبريل/ نيسان الماضي، أجرت القوات الإيرانية في أيار/ مايو الجاري مناورة “الولاية 89″، والتي “تغطي مساحة تمتد إلى 250 ألف كم2″، وفق تصريحات قائد القوات البحرية في الجيش الإيراني، الأدميرال حبيب الله سياري. وذلك بالتزامن مع تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد التي رأى فيها أنه “ليست هناك جهة تتجرأ على الحرب مع إيران”.
وفي لبنان، فإن حزب الله يواصل ترميم قدراته العسكرية والصاروخية، لمواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل. وفي هذا السياق، جاء تأكيد الأمين العام للحزب حسن نصر الله أن المقاومة اليوم باتت أقوى مما كانت عليه قبل عدوان تموز/ يوليو 2006، مع التهديد بضرب البنى التحتية الإسرائيلية في حال أقدمت “إسرائيل” على ضرب البنى التحتية في لبنان، وتشديده على معادلة “الضاحية مقابل تل أبيب”، والتي هدد بموجبها بالرد على أي قصف تتعرض له الضاحية الجنوبية لبيروت بقصف مبانٍ في تل أبيب.
أما سورية فقد ركزت في السنوات الأخيرة، وخصوصاً بعد حرب تموز/ يوليو 2006، في تطوير قدراتها العسكرية وتعزيز استعداداتها للحرب على جانبين: أولهما امتلاك قدرة صاروخية متوسطة وبعيدة المدى تمنحها القدرة على تهديد العمق الإسرائيلي، وثانيهما إعداد قوات خاصة تعتمد أسلوب قتال “حرب العصابات”، وتتميز بالمرونة الميدانية، لمواجهة أي هجوم عسكري بري.
ومن جهة أخرى، فإن التحذير السوري الصادر على لسان وزير الخارجية وليد المعلم لـ”إسرائيل” كان قوياً وحازماً فوق العادة، ومفاده أن أي حرب تشنها “إسرائيل” على سورية ستتحول إلى “حرب شاملة”، وستنتقل إلى المدن الإسرائيلية.
كما أن القمة الثلاثية التي جمعت الرئيسين الإيراني والسوري إلى جانب الأمين العام لحزب الله في دمشق في شباط/ فبراير الماضي، والتي كان الهدف منها التأكيد على التحالف الوثيق بين هذه الأطراف الممانعة، خرجت بتحذير واضح مفاده أن أي عدوان على أي من هذه الأطراف يعني عدواناً عليها مجتمعة.
وفي غزة، نجحت حماس في تعزيز سلطتها في القطاع، وهي تواصل ترميم قدراتها العسكرية من خلال تدريب المقاومين وزيادة عددهم، بالإضافة إلى استمرار تطوير قدراتها الصاروخية، وإدخال الأسلحة التي تعزز قدراتها الدفاعية.
العوامل المؤثرة في قرار شن الحرب
1. العامل الداخلي:
تندرج في هذا الإطار حاجة “إسرائيل” لترميم قوة الردع التي اهتزت بشكل كبير إثر إخفاقات عدوان تموز/ يوليو 2006، ثم العدوان على قطاع غزة 2008-2009، ولاستعادة صورة جيشها التي اهتزت أمام “العدو” كما أمام الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وأثرت في الشعور النفسي العام داخل “إسرائيل”.
كما تندرج تحته أيضاً حسابات الربح والخسارة. فمن جهة هناك حسابات متعلقة بمسار التسوية والمكاسب التي تجنيها “إسرائيل” من خلاله، عبر إلزام السلطة الفلسطينية بمواصلة قمع المقاومة في الضفة الغربية، وإطالة أمد المفاوضات واستغلال الوقت لفرض مزيد من الوقائع على الأرض، على صعيد تهويد القدس وتوسيع الاستيطان، مستفيدة من الانقسام الفلسطيني كأداة ضغط. ومن جهة أخرى هناك حسابات متعلقة بالفائدة المتوقعة من التصعيد العسكري ضد المقاومة في قطاع غزة، خصوصاً في ظل الهدوء القائم حالياً على تلك الجبهة، بعد نجاح “إسرائيل” من خلال عدوانها الأخير على القطاع في فرض التهدئة دون الحاجة لتقديم أية تنازلات في المقابل. ولكن مع بقاء “خطر” المقاومة في غزة قائماً في الوقت نفسه، واستمرارها في ترميم قوتها العسكرية وتطوير قدراتها.
كما تندرج ضمن العامل الداخلي مسألة ضمان حسم نتائج الحرب، وهي تتمثّل في ضرورة الاطمئنان إلى أن نتيجة الحرب التي قد تقرر “إسرائيل” خوضها ستكون في صالحها، بمعنى أن تأتي بتفوق عسكري حاسم قابل للترجمة إلى نصر سياسي سريع، يفوق مقدار الخسائر التي قد تتعرض لها في الميدان وعلى الجبهة الداخلية، وعلى صعيد الإعلام والصورة الخارجية، مع ما قد تستتبعه الحرب من ملاحقات قانونية لـ”إسرائيل” وقادتها العسكريين.
2. استمرار التهديد الخارجي:
تشكّل مواصلة إيران بناء برنامجها النووي، بالإضافة إلى مواصلة قوى المقاومة في كل من لبنان وغزة في بناء قوتها، العوامل الأساسية التي تدفع “إسرائيل” للجوء للحرب بهدف احتواء الخطر قبل تفاقمه. فـ”إسرائيل” تضع البرنامج النووي الإيراني على رأس لائحة الأخطار الاستراتيجية بالنسبة لها، وترى فيه تهديداً وجودياً لها. وترى الحكومة الإسرائيلية الحالية التي يترأسها بنيامين نتنياهو أن هذه النقطة هي الأكثر إلحاحاً بالنسبة لها على أجندة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن جهة أخرى، فإن مختلف الدوائر الأمنية والعسكرية والسياسية في “إسرائيل” ترى في استمرار كل من حزب الله وحماس في بناء قوتهما العسكرية خطراً بمثابة “قنبلة موقوتة”، يتوجب احتواؤها قبل فوات الأوان.
أما بالنسبة لسورية، فإن تحالفها مع إيران ودعمها لقوى المقاومة في لبنان وفلسطين هما ما يجعلان منها خطراً من وجهة النظر الإسرائيلية، وبالتالي فإن “إسرائيل” تسعى من خلال استهداف سورية إلى فك تحالفها مع إيران، وضرب ما تشكّله من عمق لقوى المقاومة، حيث أن تحييد سورية من شأنه أن يضعف الموقف الإيراني، ويصيب قوى المقاومة في لبنان وفلسطين في مقتل، ويمنع تواصلهما مع إيران.
3. ردود الفعل المتوقعة:
يتمثل هذا العامل في خشية “إسرائيل” من ردود فعل الطرف أو الأطراف التي قد تستهدفها “إسرائيل” بالحرب، بالإضافة إلى ردود الفعل الإقليمية والدولية من هذه الحرب.
وتختلف هذه الردود باختلاف الجبهة التي قد تمسها الحرب، وتبدو أقل ردود الفعل إيلاماً بالنسبة لـ”إسرائيل” هي تلك المتوقعة من غزة، حيث المعادلة هي نفسها كما في الحروب والاعتداءات الإسرائيلية السابقة: “تدمير من طرف واحد”؛ حيث تستطيع “إسرائيل” إلحاق خسائر بشرية ومادية بالغة بالقطاع، في حين أن المقاومة في غزة غير قادرة على تهديد الجبهة الداخلية الإسرائيلية بشكل كبير، مع وجود هامش محدود نسبياً للخسائر المتوقعة في صفوف الجنود الإسرائيليين في حالة الهجوم البري، بالمقارنة مع الجبهات الأخرى. ولكن تبقى الخشية من ردود الفعل الشعبية والعالمية المتوقعة، خصوصاً في حال وقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوف المدنيين الفلسطينيين. كما أن الصمود الكبير لحماس وفصائل المقاومة وإفشالها للعدوان الإسرائيلي على القطاع أواخر سنة 2008 وأوائل سنة 2009، يجعل الإسرائيليين يفكرون كثيراً قبل القيام بأي هجوم “غير مضمون النتائج”.
وتزداد الخشية من الآثار التدميرية لردود الفعل في حالة نشوب حرب على جبهة إيران أو الجبهة الشمالية (سورية ولبنان)، حيث تكون المعادلة هي “التدمير المتبادل”؛ فجميع هذه الأطراف تمتلك قدرات تسليحية قادرة على تهديد العمق الإسرائيلي، وهي وإن تفاوتت في قدراتها التدميرية (أقلها لدى حزب الله وأكبرها لدى إيران)، إلا أنها قادرة على إلحاق أضرار لا يستهان بها بالجبهة الداخلية الإسرائيلية، وبناها التحتية. عدا عن أن نتائج قمة دمشق الثلاثية تجعل من احتمال إعلان الحرب على أي من جبهات إيران وسورية ولبنان أمراً قد يستتبع رداً من كافة الجبهات، وهو ما قد يدفع باتجاه حرب شاملة قد لا تكون “إسرائيل” راغبة في خوضها أو قادرة على احتمالها.
4. وضع أمريكا في المنطقة:
يلعب هذا العامل دوراً في تحديد قرار شن الحرب أو توجيه ضربة عسكرية لإيران على وجه الخصوص، وهو يقيد قدرة “إسرائيل” على التحرك ضد إيران دون موافقة من الولايات المتحدة؛ فوفق السيناريو الأسوأ، هناك احتمال كبير لأن تؤدي الضربة الإسرائيلية لإيران إلى تدخل الولايات المتحدة عسكرياً لحماية حليفتها “إسرائيل”، وأن يتوسع بالتالي الرد الإيراني ليشمل إلى جانب “إسرائيل” القوات الأمريكية المنتشرة في الخليج العربي. وقد أوضحت إيران أنه في حال استخدمت أراضي أية دولة في المنطقة في الهجوم على إيران، فإن الرد الإيراني سيشمل أراضي تلك الدولة. وهو ما يهدد بإشعال المنطقة بأسرها.
5. تهيئة مسرح العمليات:
ويتلخص هذا الأمر في إيجاد ظروف الحرب والدوافع والمبررات المناسبة لها، مع تهيئة الأجواء الإقليمية والدولية لإمكانية شن الحرب، سياسياً وإعلامياً، بما في ذلك الحصول على الغطاء الأمريكي اللازم لأي تحرك كهذا. إلى جانب التصعيد العسكري التدريجي، عبر الاحتكاكات العسكرية، أو الضربات الانتقائية أو الاستباقية، أو الردود التصعيدية ضد أي عمل عسكري قد تلجأ إليه المقاومة.
السيناريوهات المتوقعة
1. الحرب الشاملة:
وينبني هذا السيناريو على أساس شن “إسرائيل” حرباً شاملة على أي من جبهات إيران، وسورية، ولبنان، وغزة. أو على أكثر جبهة في وقت واحد، مع الاستعداد لاحتمال اشتعال بقية الجبهات في الوقت نفسه.
ويُعدّ هذا السيناريو مستبعداً في حالة إيران، فـ”إسرائيل” تدرك أنها لا تستطيع حسم نتائج هذه الحرب وحدها، مما يعني بالضرورة مشاركة أمريكا في هذه الحرب، والوضع الأمريكي في أفغانستان والعراق لا يحتمل حرباً جديدة، وبالذات إذا كانت ستؤدي إلى إشعال كامل المنطقة التي تضم أهم مصادر النفط بالنسبة لمعظم دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة، وبالتالي فهي حرب غير مضمونة النتائج.
كما أن حجم الرد الإيراني على هذه الحرب وشكله يظل غير معروف، ولكنه بالتأكيد قادر على أن يصيب عمق المدن والبلدات الإسرائيلية، بالإضافة إلى احتمال فتح بقية الجبهات، وهذا من شأنه أن يُعرّض الجبهة الداخلية الإسرائيلية لخطر قد لا تكون مستعدة لتحمله.
أما بالنسبة لسورية ولبنان فإن الحرب الشاملة تبقى غير مضمونة النتائج، وهي تُعرض الجبهة الداخلية الإسرائيلية لتدمير كبير، وإن كان أقل مما قد تلحقه “إسرائيل” بأي من البلدين، خصوصاً في حال تدخل إيران بموجب التفاهم الناتج عن قمة دمشق. كما أن حرباً كهذه قد تُفرز وضعاً غير مستقر في سورية ولبنان، من الممكن أن يجعل الحدود الشمالية لـ”إسرائيل” منطقة مشتعلة، في مقابل الهدوء السائد حالياً، ومن الممكن كذلك أن يمتد إلى بقية دول المنطقة.
وفي غزة، من المستبعد أن تلجأ “إسرائيل” إلى إعادة احتلال القطاع بشكل كامل، نظراً لعدم رغبتها بوضع 1.5 مليون فلسطيني مرة أخرى تحت احتلالها المباشر، لما يترتب عليها من تبعات وأعباء جرّاء ذلك. ونظراً للثمن الذي قد تضطر “إسرائيل” لدفعه، على الصعيد العسكري، أو على صعيد “فاتورة الدم” الفلسطيني الذي سيسفك، ويلاحق “إسرائيل” وصورتها عالمياً.
2. الضربات المحدودة:
يقوم هذا السيناريو، على أساس لجوء “إسرائيل” إلى توجيه ضربات عسكرية نوعية ومحدودة لأهداف معينة على جبهة واحدة أو عدة جبهات، وذلك لتجنب ردود فعل واسعة قد تتطور إلى حرب شاملة. ويُعدّ هذا السيناريو أكثر ترجيحاً من سيناريو الحرب أو الاجتياح الشامل في حال قررت “إسرائيل” اللجوء للعمل العسكري ضد أي من الجبهات المذكورة.
على الجبهة الإيرانية، فإن اللجوء إلى ضربات محدودة يبقى غير مضمون النتائج، نظراً لكثرة الأهداف الإيرانية وتباعدها وتحصينها، مما يعني أن البرنامج النووي الإيراني قد لا يتأثر بعمل من هذا النوع، أو قد يقتصر التأثير على تأخير البرنامج لا وقفه. وفي المقابل فإن حجم الرد الإيراني على عمل كهذا يظل غير معروف، مما يُصعّب تقدير الثمن المدفوع.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا السيناريو قد يجعل المشاركة الأمريكية الواسعة في الحرب لإلحاق دمار هائل بإيران أمراً لا بد منه (مما يقتضي تنفيذ 10 آلاف ضربة عسكرية لمواقع مختلفة خلال فترة زمنية قصيرة وفق بعض التقديرات)، بحيث لا تقوى إيران المنكوبة بتجهيزاتها وبنيتها التحتية المدمرة على الرد.
وبالنسبة لسورية، فإن اللجوء لضربات عسكرية محدودة ضدها من غير المرجح أن يؤدي إلى إبعادها عن إيران وقوى المقاومة، وإنما سيدفعها لتعزيز مكانها في محور الممانعة، وبالتالي فإن المصلحة ليست متحققة من جراء عمل كهذا.
أما في لبنان، فمن المستبعد أن يؤدي عمل عسكري محدود إلى إسقاط المقاومة، وكان واضحاً من الدروس التي استخلصها الإسرائيليون من حرب تموز/ يوليو 2006، ومن التصريحات الإسرائيلية اللاحقة التي حذرت من أي عمل قد يقوم به حزب الله ستتحمّل الدولة اللبنانية مسؤوليته كاملة، أن أي عمل عسكري على الجبهة اللبنانية لا بد أن يشمل لبنان بكامله، وإلا فإنه سيكون محدود التأثير. وبالتالي فإن احتمالات تنفيذ “إسرائيل” عملاً عسكرياً محدوداً ضد لبنان تبقى في حدودها الدنيا، إلا أنها قد ترتفع في حال نجاح حزب الله بتنفيذ تهديده بالرد على اغتيال عماد مغنية.
وتبقى غزة التي تُعدّ “الخاصرة الرخوة” من بين الأطراف الممانعة المذكورة، وهي الهدف الأكثر ترجيحاً لأي عمل عسكري إسرائيلي خلال سنة 2010. إلا أن الهدوء الحالي السائد في القطاع، في ظل استمرار عملية الخنق التي تمارس ضده من خلال الحصار، واستفادة “إسرائيل” من الجمود في مسار التسوية واستمرار الانقسام الفلسطيني، لتثبيت المزيد من الوقائع على الأرض، تجعل من احتمالات هذا السيناريو أقل ترجيحاً، إلا أنها قد ترتفع مجدداً في حال استئناف إطلاق الصواريخ من غزة، أو تنفيذ المقاومة عملية نوعية ضد أهداف إسرائيلية.
3. استمرار “الهدوء الهش”:
ويعني هذا السيناريو استمرار الهدوء السائد حالياً على مختلف الجبهات، مع استمرار مختلف الأطراف في بناء قدراتها العسكرية ومناوراتها واستعداداتها للحرب، تحسباً لأي عمل من شأنه أن يخرق هذا الهدوء، كاستئناف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، أو تنفيذ المقاومة في فلسطين أو لبنان عمليات نوعية ضد “إسرائيل”، تدفعها للرد على تلك العمليات.
ويرى مؤيدو هذا السيناريو أن التهديدات الإسرائيلية الحالية إنما تدخل في إطار الحرب النفسية، وتأتي لرفع مستوى الضغط على إيران وبقية قوى الممانعة، وردع أي تفكير لدى حزب الله وحماس بتنفيذ تهديدهما بالرد على الاغتيالات التي طالت اثنين من قادتهما، والتي اتّهم الموساد الإسرائيلي بالوقوف خلفها.
ويُعد هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً في الوقت الحالي، مع بقاء مستوى التوتر والقلق في المنطقة على ما هو عليه، تحسباً لأي حدث قد يجعل المنطقة ساحة لحرب إسرائيلية جديدة.
الاستنتاجات والتوصيات
– ضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة الوطنية، بوصفها خط الدفاع الأول الذي يمكن من خلاله تحصين قطاع غزة لمواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل.
– ضرورة فك الحصار المفروض على قطاع غزة، وإنهاء معاناة أهله، وفك عزلته السياسية، بوصفها عوامل تزيد من صمود القطاع وتبعد عنه احتمالات العدوان الإسرائيلي.
– يوفر التنسيق الأمني مع الاحتلال ومحاربة المقاومة في الضفة الغربية غطاءً لـ”إسرائيل” للاستفراد بقطاع غزة، وبالتالي فإن وقف هذا التنسيق يوفر شكلاً من أشكال الحماية للقطاع، ويخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية.
– ضرورة أن تتنبه كافة الأطراف الممانعة في المنطقة إلى أن تصفية المقاومة في غزة أو لبنان، يشكّل الخطوة الأولى لتصفية بقية الأطراف، وبالتالي فليس من مصلحة أي منها السماح بسقوط أي من قوى المقاومة.
– ضرورة اتخاذ الدول العربية والإسلامية (خصوصاً إيران وتركيا) موقفاً حازماً وموحداً ضد أي عدوان إسرائيلي أو أمريكي ضد أي من دول المنطقة، مع التأكيد على رفض استخدام أي كان لأراضي هذه الدول لشن العدوان.
* أُعدّ هذا التقدير بالاستفادة من حلقة نقاش عقدها المركز في مقره في بيروت، بمشاركة عدد من الخبراء والمتخصصين، وكتب مسودته مشكوراً الأستاذ حسن ابحيص.
أضف ردا