عرض: حسن ابحيص
للعام الثالث على التوالي، أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت تقريره الاستراتيجي الفلسطيني السنوي، الذي يغطي سنة 2007. والذي يهدف إلى متابعة الشأن الفلسطيني بالرصد والاستقراء والتحليل، مناقشاً في ثمانية فصول الوضع الداخلي الفلسطيني، والمشهد الإسرائيلي الفلسطيني، والمواقف العربية والإسلامية والدولية من القضية الفلسطينية، والجوانب المتعلقة بالأرض والمقدسات، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية.
معلومات النشر
– العنوان: التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2007 |
ويرى التقرير أن سنة 2007 كانت من أصعب السنوات التي مرت على الفلسطينيين فيما يتعلق بإدارة شأنهم الداخلي في التاريخ المعاصر؛ حيث جمعت بين آمال التوافق الوطني من خلال اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وبين إحباطات الفلتان الأمني وتطبيقات خطط دايتون والحصار الخانق، والانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي الذي تلا سيطرة حماس على قطاع غزة.
ويقع التقرير الذي حرره د. محسن محمد صالح في 384 صفحة من القطع المتوسط، وقد شارك في كتابة فصوله 11 خبيراً وباحثاً من نخبة المتخصصين في الشأن الفلسطيني. وهو يتميز بأن معلوماته محدثة حتى نهاية 2007، ومدعمة بالجداول والرسوم البيانية، كما أنه يلتزم الدقة والمنهجية العلمية الأكاديمية نفسها، التي تميز بها التقريران السابقان.
شقاء الأشقّاء
تناول الفصل الأول من التقرير الوضع الفلسطيني الداخلي، وحمل عنوان “شقاء الأشقّاء”، للتعبير عن الخلاف الفلسطيني الذي كان المظهر الأبرز الذي تميّزت به سنة 2007 على الصعيد الداخلي، مستعرضاً تفاصيل الصورة العامة خلال هذه السنة، بدءاً من استمرار حالة الخلاف بين حركتي فتح وحماس، وبين الرئاسة والحكومة، بأشكال مختلفة كان أبرزها التوتر الأمني، مروراً بمرحلة اتفاق مكة الذي وُقّع في 8/2/2007 وأنتج تشكيل حكومة وحدة وطنية، ثم تصاعد الأزمة الأمنية واستقالة وزير الداخلية هاني القواسمي، وسيطرة حماس على قطاع غزة، وإجراءات السلطة الفلسطينية رداً عليها، ومحاولة الرئاسة الفلسطينية السيطرة على المجلس التشريعي.
كما تطرق الفصل إلى الأزمة الداخلية لحركة فتح، وناقش كذلك مواقف الفصائل الفلسطينية الأخرى من مختلف المجريات التي شهدتها الساحة الفلسطينية، ثم تناول مسألة مواصلة الحصار على قطاع غزة بعد سيطرة حماس عليه، مقابل فك الحصار عن حكومة رام الله.
وخلص التقرير إلى أن سنة 2007 أظهرت أن البناء المؤسسي الفلسطيني لم يستوعب بما فيه الكفاية أصول اللعبة الديموقراطية، ولا التداول السلمي للسلطة. كما لم ينجح في إدارة الاختلاف بين نهجين يشوبهما الكثير من التعارض، خصوصاً فيما يتعلق بمساري التسوية والمقاومة، وأساليب وطرق التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، ومع الشرعية الدولية. كما أنها اظهرت مدى قدرة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية والدولية على التأثير في الوضع الداخلي لفلسطيني، وأنها كانت عاملاً محدداً، ولاعباً رئيسياً في إذكاء الصراع بين فتح وحماس. إلا أنه رأى أن هذا ما كان ليحدث لولا استعداد أطراف فلسطينية متنفذة للتجاوب مع الضغوط الخارجية، في سبيل تنفيذ أجندتها الخاصة.
المشهد الإسرائيلي الفلسطيني: استثمار الانقسام ومراوغات السلام
بحث هذا الفصل المشهد الإسرائيلي الفلسطيني، وذكر أن سنة 2007 كانت بالنسبة لإسرائيل سنة “استثمار الانقسام الفلسطيني”، كما كانت سنة ترتيب للأوضاع بعد تجربة حرب تموز/ يوليو 2006 على لبنان. وفي الوقت الذي كانت تتحدث فيه عن السلام، تابعت “إسرائيل” اعتداءاتها، واستمرت في بناء الحقائق على الأرض.
أما الوضع الداخلي الإسرائيلي، فقد أشار الفصل إلى أنه تمحور حول مجموعة من الوقائع والمتغيرات التي شملت معظم جوانب الحياة السياسية في “إسرائيل”. وقد استعرض هذه المتغيرات بشيء من التفصيل، كما سلط الضوء على ظاهرة الفساد السياسي التي برزت في “إسرائيل” في السنوات الأخيرة، وعلى تقرير لجنة فينوغراد التي بحثت في إخفاقات الحرب على لبنان.
ثم تطرّق إلى المؤشرات السكانية، مبيناً أن عدد اليهود في “إسرائيل” قد بلغ في نهاية 2007 خمسة ملايين و474 ألفاً، يشكّلون ما نسبته 75.6% من عدد سكان “إسرائيل” البالغ سبعة ملايين و244 ألفاً.
وفي استعراضه للمؤشرات الاقتصادية، أشار التقرير إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي حقق نسبة نمو بلغت 5.3%، وإلى أن الناتج المحلي الإجمالي ارتفع إلى 161 ملياراً و817.9 مليون دولار سنة 2007. وتحدث عن العديد من المؤشرات العسكرية، مبيناً أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عاشت سنة 2007 تداعيات حربها على لبنان، وحاولت استخراج مجموعة من الدروس والعبر من هذه الحرب التي جعلت النظريات العسكرية الإسرائيلية وأساليب الأداء الميداني موضع مراجعة.
كما ناقش الفصل العدوان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية سنة 2007، موضحاً أن عدد الشهداء بلغ 412 فلسطينياً، في حين قُتل 13 إسرائيلياً في عمليات نفذها الفلسطينيون، ثم تحدث عن موقف “إسرائيل” من الوضع الداخلي الفلسطيني، وناقش بعدها التطورات المتعلقة بالتسوية السلمية وآفاقها، وموقف “إسرائيل” من مؤتمر أنابوليس ومن المبادرة العربية للسلام.
القضية الفلسطينية والعالم العربي
تطرق هذا الفصل إلى المواقف العربية من القضية الفلسطينية، ورأى أن سنة 2007 شهدت تكشّف ثمار الغرس الرديء في مجرى إدارة الصراع مع”إسرائيل” وحلّه، فيما يشبه الانصراف العربي عن ما كان قضيتهم المركزية، وتحويلها إلى نزاع “فلسطيني – إسرائيلي”.
وأضاف أن متابعة الموقف العربي من التطورات الفلسطينية خلال تلك السنة، ومن حصار قطاع غزة كشف عن مجموعة من الحقائق الهامة: أولاها تخص الموقف الشعبي العربي، الذي افتقد الكثير من قوته وعنفوانه. وثانيها ضعف موقف النظام الرسمي العربي ممثلاً في جامعة الدول العربية؛ حيث لم يستطع أن يكون على مستوى الحدث، وجاءت بياناته وإجراءاته الفعلية تقليدية ورخوة بمستوى رخاوة هذا النظام. أما ثالثة هذه الحقائق فتخص مواقف الدول العربية التي كانت السلبية هي الموقف المشترك لكثير منها.
وقد تعرّض الفصل كذلك للتطورات في مجال التطبيع، مشيراً إلى أن العلاقات الاقتصادية بين “إسرائيل” وبعض الدول العربية شهدت تقدماً ملحوظاً، حيث زادت الصادرات الإسرائيلية إلى الأردن مثلاً في سنة 2007 بنسبة 85% عن السنة التي سبقتها.
القضية الفلسطينية والعالم الإسلامي
استعرض هذا الفصل القضية الفلسطينية في بعدها الإسلامي، من خلال تحليل مواقف منظمة المؤتمر الإسلامي، وكل من تركيا وإيران وباكستان وإندونيسيا وماليزيا، من القضية الفلسطينية. ورأى أن سنة 2007 كانت كسابقاتها، بشكل عام، في تفاعل العالم الإسلامي مع القضية الفلسطينية. ولم توفر الظروف الذاتية والموضوعية للبلدان الإسلامية ما يمكّن من إحداث تغييرات ذات مغزى طوال تلك السنة. وأسهم الوضع الفلسطيني المنقسم والمتردي في إضعاف إمكانات الدعم الرسمي والشعبي للعالم الإسلامي.
وخلص إلى أن “إسرائيل” لم تنجح خلال سنة 2007 في تحقيق اختراقات حقيقية في العالم الإسلامي، لكن الفلسطينيين لم ينجحوا أيضاً في تحقيق تغييرات حقيقية في دعم قضيتهم، وفي فك الحصار عن شعبهم في الداخل.
القضية الفلسطينية والوضع الدولي
تناول هذا الفصل مواقف كلّ من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين، واليابان، والمنظمات الدولية، تجاه القضية الفلسطينية. متتبعاً سياسات كل من تلك القوى نحو السمتين المركزيتين اللتين حددتا الإطار الذي تحركت فيه السياسات الدولية تجاه الموضوع الفلسطيني: الأزمة الداخلية الفلسطينية، قبل اتفاق مكة وبعده، ومحاولات بعث الحياة في مسار التسوية.
وأوضح أن سياسات بعض القوى الدولية اتسمت في توجهاتها المركزية بالعمل على الحيلولة دون تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية في المرحلة الأولى، وعند تشكيلها سعت إلى إفشالها من خلال إرهاقها بمطالب مختلفة وتدخلات من وراء ستار.
كما أن السياسات الدولية أسهمت، إلى جانب عوامل أخرى، في حدوث انشطار حاد في البنية الفلسطينية الحكومية والإقليمية، عملت بعض الجهود الدولية على استثماره بما يخدم رؤيتها الاستراتيجية للمنطقة، مشيراً إلى أن زيارات وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إلى الشرق الأوسط، والتي بلغت ثماني زيارات خلال تلك السنة، كانت مؤشراً على “الحمى الدبلوماسية” الدافعة نحو توظيف هذا الانشطار، والتي أفرزت الدعوة لعقد مؤتمر دولي، لم تكن واشنطن متحمسة له قبل الانشطار.
كما قدّم الفصل نموذجاً لدراسة حالة للهند فيما يتعلق بالشأنين الفلسطيني والإسرائيلي، مشيراً إلى أن إجماع أغلب الباحثين على أن الهند تمثل أبرز الدول النامية من حيث الأهمية الدولية الآنية والمستقبلية هو ما دفع التقرير لإيلاء موقفها بعض العناية أكثر من غيرها. ولفت الانتباه إلى أن سنة 2007 تظهر أن “إسرائيل” تمكنت من تمتين علاقاتها مع الهند، بصفتيها الرسمية والشعبية، أكثر من أي وقت مضى، على الرغم من المعارضة الإسلامية واليسارية الشديدة.
الأرض والمقدسات
بحث هذا الفصل الاعتداءات الإسرائيلية على الأرض والمقدسات، مع التركيز بشكل خاص على مدينة القدس، منبهاً إلى تسارع وتيرة السياسات الإسرائيلية الهادفة لجعلها عاصمة أبدية لـ”إسرائيل” بأغلبية يهودية مطلقة، وبأقلية عربية تسهل السيطرة عليها، ضمن مشروع واضح المعالم، يستغل مفاوضات التسوية والمعاهدات العربية الإسرائيلية لتمريره.
كما استعرض أبرز التطورات المتعلقة ببناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، مشيراً إلى زيادة مساحة المنطقة المعزولة خلف الجدار من 555 كم2 إلى 713 كم2، وزيادة طول الجدار من 703 إلى 770 كم. وتناول استمرار التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، وزيادة عدد المستوطنين فيها إلى نحو 482 ألفاً.
الأوضاع السكانية والاقتصادية
الفصل السابع من التقرير تحدث عن المؤشرات السكانية الفلسطينية، مشيراً إلى نتائج التعداد السكاني الثاني في الضفة الغربية وقطاع غزة، بما فيها محافظة القدس، الذي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني خلال سنة 2007، والذي أظهر أن إجمالي عدد السكان في هذه المناطق بلغ حوالي ثلاثة ملايين و771 ألف نسمة. ولفت الانتباه إلى أن هذه التقديرات تقل بحوالي 244 ألف نسمة عن التقديرات السابقة للجهاز وللسنة نفسها. أما مجموع الفلسطينيين في العالم في نهاية سنة 2007 فذكر أنه يقدّر بحوالي 10 ملايين و342 ألف نسمة، يقيم حوالي مليون و184 ألفاً منهم في الأراضي المحتلة عام 1948، وحوالي ثلاثة ملايين و102 ألفاً في الأردن.
وبحث الفصل الخصائص الديموغرافية للفلسطينيين في أماكن توزعهم، ثم تناول موضوع اللاجئين الفلسطينيين، كما بحث اتجاهات النمو السكاني، والجدل حول تقدير عدد السكان الفلسطينيين داخل حدود فلسطين التاريخية، وهجرة الفلسطينيين إلى الخارج ونزيف الأدمغة والكفاءات الفلسطينية، وفلسطينيي الخارج وحق العودة.
أما آخر فصول التقرير فقد استعرض الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتناول فيه بالأرقام والبيانات الحسابات العامة وأداء القطاعات الاقتصادية، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، والمالية العامة، والمساعدات الخارجية، والحصار والإغلاق الإسرائيلي، وغيرها. وذكر أن قيمة الناتج المحلي الإجمالي بلغت أربعة مليارات و135.8 مليون دولار في سنة 2007.
وأشار التقرير إلى أن عام 2007 كان الأسوأ على الصعيد الاقتصادي منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع عام 1967، علماً بأن التباين في مستوى التدهور والتراجع في مجمل الأنشطة الاقتصادية في القطاع كان كبيراً مقارنة بالوضع في الضفة؛ حيث ارتفعت نسبة السكان الفلسطينيين الذين يقعون تحت خط الفقر من 22% سنة 2000 إلى حوالي 67% سنة 2007 على مستوى الضفة والقطاع، أما في قطاع غزة فقد وصلت النسبة إلى 90% مع نهاية السنة.
خلاصة
تمكن التقرير الاستراتيجي الفلسطيني من احتلال مكانة مرموقة في الدراسات الفلسطينية خلال فترة وجيزة، وأصبح من المراجع التي لا غنى عنها للباحثين والمهتمين وطلبة الجامعات. وهو يستمد قيمته من مشاركة نخبة من أفضل المتخصصين في الشأن الفلسطيني في كتابته، ومن كونه يأتي سنوياً حافلاً بالمعلومات الدقيقة والموثقة والمحدثة، ومن كونه يطرح القضية الفلسطينية، على الرغم من شدة حساسيتها وتعقيدها، بشكل علمي متوازن.
أضف ردا