يهدد رئيس الحكومة ايران ويذكر بيغن ومهاجمة المفاعل الذري في العراق. ولا أتذكر أنا على الأقل ان بيغن تحدث بهذا القدر الكبير قبل الهجوم. لكن اذا لم يكن مناص من الحديث فإنه يجدر فعل ذلك حينما توجد منصة للفخر. وفي الاثناء لا يوجد قدر كبير من ذلك. فالوضع في غلاف غزة بعيد عن البهجة ولا ينجح الزوجان نتنياهو – باراك في مواجهة المشاغبين في غزة، وربما يكون فخره في محاربة أرز لبنان في ايران. لكن ما حدث في جولة القتال الاخيرة من المؤكد انه لا يبث يقينا باحتمالات حدوث صراع أكثر مصيرية.
يجب أن نتذكر ان المسؤول عما حدث في الجنوب هو وزير الدفاع الحالي الذي يتولى علاج هذا الشأن منذ فترة ولايته في حكومة اولمرت، أي منذ نحو من خمس سنين. والوضع البائس الذي دُفعنا اليه هو ثمرة قرار باراك البائس في أيار 2008 على الامتناع من اسقاط سلطة حماس والموافقة على التهدئة. وقد كانت ظروف اسقاط حماس في الصعيد الدولي ومن كل جهة اخرى ايضا مثالية ويصعب اصلاح إضاعة الفرصة تلك.
ان الظروف التي نشأت منذ ذلك الحين تُثقل جدا على عملية عسكرية ذات شأن موجهة على مملكة الارهاب في غزة. فهذه العملية قد تفضي الى تورط مع مصر وتصرف الانتباه عما يجري في سوريا وعن مكافحة ايران. ولا يساعد على ذلك ايضا الهبوط الذي حدث منذ ذلك الحين في مكانة اسرائيل الدولية.
اضطرت اسرائيل في الظروف الراهنة الى استيعاب عملية «الارهاب» الشديدة في آب 2011 قرب ايلات التي قتل فيها ثمانية اسرائيليين وجرح عشرات. وكان الرد الاسرائيلي معتدلا. وأصيب بقصف سلاح الجو لغزة عدد من «المخربين» بينهم قائد الذراع العسكرية للجان المقاومة الشعبية، ولم يكن في ذلك ما يردع عن استمرار «الارهاب».
في مقابل ذلك، تتابع اسرائيل منذ مدة طويلة تلقي «تقطير» «الارهاب» من غزة على صورة قصف واطلاق مفرق لقذائف رجم على البلدات في غلاف غزة. وهذا «التقطير» مستمر ايضا بعد الهدنة الاخيرة. فيبدو ان اسرائيل بقيادة نتنياهو – باراك سلمت بهذا الوضع، وعلى الأكثر يرد سلاح الجو بين الفينة والاخرى بقصف لا معنى له ولا يؤثر في أحد لهدف ذي أهمية ثانوية.
لم تخرج اسرائيل من الجولة الحالية ويدها هي العليا، وقد بدأت بعملية اغتيال مركز نفذتها لمنع عملية تفجيرية مخطط لها، وهذه المرة كان نظام «القبة الحديدية» مستعدا لرد المخربين الذين أطلقوا مئات القذائف الصاروخية على اسرائيل. وأثبتت النتائج انجاز المنظومة العظيم، لكنها أثبتت ايضا محدوديتها وعجز اسرائيل المتواصل.
تستطيع «القبة الحديدية» ان تمنح الجبهة الداخلية حماية خلال عملية عسكرية يجب ان تكون قصيرة لاسقاط نظام حماس في غزة – وهي عملية يجعلها الوضع الدولي الحالي اشكالية جدا – لكنها لا تستطيع ان تمنع حرب استنزاف أو تشويش مطلق على الحياة في المنطقة المعرضة للقصف. ولا تستطيع «القبة الحديدية» ايضا ان توقف طوفان الصواريخ، ولا يجدر أن نخمن ما الذي سينفد قبل: أمجموع الصواريخ الرخيصة التي يملكها «المخربون» أم الصواريخ الباهظة الثمن جدا المخصصة لاعتراضها.
ان الخسائر التي أصابت «المخربين» في الجولة الحالية لم تردعهم بيقين. ويمكن ان يكونوا مستعدين بحسب حساباتهم لدفع هذا الثمن بإصابة الحياة في مناطق واسعة من الدولة بالشلل. وقد برهنوا لاسرائيل ايضا على أنه برغم القبة الحديدية سيكون من الواجب عليها ان تدفع ثمنا باهظا عن كل عملية اغتيال مركز.
انكمشت اسرائيل في الجولة الحالية في نقطة حرجة. وقد قضى الموقف الاسرائيلي في الماضي بأنه يجب على حماس لأنها تسيطر على غزة ان تضمن الهدوء، فاذا لم تفعل فستصاب هي وسلطتها. ولا تزال اسرائيل تتحدث بهذه اللغة لكنها تخلت عن موقفها بالفعل. وحماس التي تمكن من اطلاق الصواريخ على اسرائيل فضلا عن أنها لا تصاب، أخذت تصبح بالتدريج الجهة «المعتدلة»، التي تتوقع اسرائيل نتنياهو – باراك منها الخلاص.
يديعوت، 28/3/2012
الحياة الجديدة، رام الله، 29/3/2012
أضف ردا