يصدر التقرير الاستراتيجي الفلسطيني سنوياً عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت. وهو مركز دراسات مستقل، يهتم بالدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، ويولي الشأن الفلسطيني تركيزاً خاصاً. وللمركز هيئة استشارية من كبار الباحثين والخبراء.
ويعالج التقرير الاستراتيجي، الذي قام بتحريره د. محسن محمد صالح (الأستاذ المشارك في الدراسات الفلسطينية والمدير العام للمركز)، القضية الفلسطينية خلال سنة 2011 بالرصد والاستقراء والتحليل. ويدرس الأوضاع الفلسطينية الداخلية، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، ويناقش العلاقات الفلسطينية العربية والإسلامية والدولية، كما يناقش الوضع الإسرائيلي وعمليات المقاومة ومسار التسوية. والتقرير موثق علمياً ومدعّم بعشرات الجداول والإحصائيات والرسوم التوضيحية. | لتحميل الملخص بصيغة للتحميل (KB 530)لتحميل الملخص بصيغة للتحميل (KB 750) |
وقد شارك في كتابة التقرير مجموعة من المتخصصين، هم: أ.د. إبراهيم أبو جابر، ود. جوني منصور، وحسن ابحيص، وزياد ابحيص، وأ.د. طلال عتريسي، ود. محسن محمد صالح، ومحمد جمعة، ود. محمد نور الدين، ومؤمن بسيسو، وهاني المصري، ووائل سعد، وأ.د. وليد عبد الحي.
أولاً: الوضع الفلسطيني الداخلي:
ما تزال الساحة السياسية الفلسطينية تعاني الإشكاليات والمعيقات نفسها التي عانت منها خلال السنوات السابقة، ولعل أبرزها عدم استيعاب قوى ومكونات الشعب الفلسطيني تحت مظلة واحدة (منظمة التحرير الفلسطينية)، وغياب الرؤية الاستراتيجية الموحدة، وعدم التوافق على أولويات العمل الوطني في المرحلة الراهنة، واستمرار حالة التنازع بين برنامجي المقاومة والتسوية، إلى جانب تشتت مراكز صناعة القرار الفلسطيني وتعرضها لضغط الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، وللحصار الإسرائيلي في قطاع غزة.
ولكن على الرغم من ذلك، فإن الوضع الفلسطيني الداخلي شهد في سنة 2011 حراكاً إيجابياً تجاه تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، على عكس السنوات السابقة التي سادتها حالة من الجمود والتعطيل؛ حيث تم توقيع اتفاق المصالحة الوطنية بين حركتي فتح وحماس وبقية الفصائل الفلسطينية في القاهرة في 3/5/2011. وجاء هذا الحراك نتيجة لعدد من العوامل، قد تكون أبرزها التغيرات التي شهدتها عدة دول عربية، وخصوصاً مصر، وتغير موقف حركة فتح من موضوع المصالحة، من خلال قبولها لملاحظات حركة حماس على الورقة المصرية التي شكلت أساس اتفاق المصالحة، إلى جانب تغير في موقف الوسيط المصري الذي التزم الحياد التام بعد الثورة، وهو ما أسهم بشكل أساسي في إنجاح الاتفاق.
لم تتوفر آليات حقيقية ولا جدولة زمنية ملزمة لتنفيذ اتفاق المصالحة، ولذلك تأخرت وتعطلت عملية تنفيذ معظم بنوده، واستغرق مجرد تحديد اسم رئيس لوزراء السلطة أكثر من تسعة أشهر. وفي الوقت نفسه استثمرت القيادة الفلسطينية في رام الله الاتفاق تكتيكياً لتقديم طلب العضوية لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، حيث ظهر الفلسطينيون موحدين خلف القيادة الفلسطينية بعد هذا الاتفاق.
ومن الناحية العملية واجه اتفاق المصالحة عقبات عدة حالت دون تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القاهرة، أبرزها استمرار الاعتقالات السياسية واستمرار التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية والاحتلال الإسرائيلي، وتعثر تشكيل حكومة التوافق بسبب الخلاف على البرنامج السياسي لتلك الحكومة ومن سيتولى رئاستها، إلى جانب تأخر معالجة ملفات لجنة الانتخابات المركزية ولجان الحريات والمصالحة المجتمعية حتى نهاية سنة 2011، عندما تم تشكيل القيادة الفلسطينية المؤقتة.
ألقت صفقة تبادل الأسرى “وفاء الأحرار” بظلال إيجابية بشكل عام على الوضع الداخلي الفلسطيني، حيث مثّل إطلاق سراح 1,027 أسيراً بينهم 315 محكوماً بالمؤبد انتصاراً نوعياً للمقاومة الفلسطينية، وخصوصاً حركة حماس. وأوجدت الصفقة نوعاً من الالتفاف الوطني تضامناً مع الأسرى في سجون الاحتلال، وغلب الترحيب بالصفقة والإشادة بها على مواقف مختلف القوى والفصائل الفلسطينية. وكان من الواضح أن إتمام الصفقة بهذا الشكل، وكسر عدد من الخطوط الحمراء لدى الاحتلال الإسرائيلي، يُعزز الالتفاف حول المقاومة كأفضل خيار لتحرير الأسرى من سجون الاحتلال، كما أنه قدم نموذجاً تفاوضياً ناجحاً وصلباً تمكن من فرض معظم شروطه على الإسرائيليين.
في رام الله لم يطرأ تغيير يذكر على عمل حكومة سلام فياض، على الرغم من أن تلك الحكومة تقدمت باستقالتها في شهر شباط/ فبراير 2011 وأعيد تكليف رئيسها بتشكيل حكومة جديدة، إذ إن التشكيل تعطل بفعل خلافات بين حركة فتح وسلام فياض، وبفعل توقيع اتفاق المصالحة.
وفي الوقت نفسه، واصلت حكومة فياض التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال بوصفه “التزاماً” لا رجعة عنه؛ بغض النظر عن عدم تقيد “إسرائيل” بالالتزامات المترتبة عليها، واستمرار تعثر المسار التفاوضي نتيجة لذلك. وقد شكّل التنسيق الأمني بالنسبة لتلك الحكومة “مظلة” للاحتماء من التهديدات الإسرائيلية والأمريكية بفرض عقوبات مالية على السلطة الفلسطينية إثر توقيع اتفاق المصالحة.
أما في قطاع غزة فقد استمرت حكومة إسماعيل هنية بمواجهة مجموعة كبيرة من التحديات، أبرزها التحدي الاقتصادي نتيجة للحصار المفروض على القطاع، إلى جانب التحدي العسكري الذي تمثل في موجات تصعيد عسكري إسرائيلي متفرقة، والتي اضطرت للعمل على تداركها بالتعاون مع فصائل المقاومة في القطاع، لتجنيبه حرباً جديدة. كما واجهت تلك الحكومة تحدياً سياسياً مرتبطاً بالعلاقة مع مصر، فعلى الرغم من الدفء السياسي والإعلامي الذي طرأ على تلك العلاقة بعد الثورة المصرية، إلا أنه لم تتم ترجمته فعلياً على أرض الواقع لجهة إحداث اختراق أساسي في ملف الحصار.
وفيما يتعلق بسنة 2012، وعلى الرغم من الاتفاق في شهر شباط/ فبراير على تولي محمود عباس رئاسة الحكومة المزمع تشكيلها إلى جانب رئاسته للسلطة، إلا أن خطوات المصالحة ستظل تعاني من البطء والتعثّر، وهناك القليل من التفاؤل تجاه إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني. وما تزال هناك عقبات كبيرة تجاه إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، وتجاه إعادة بناء الأجهزة الأمنية، حيث ما زال استمرار السلطة في رام الله في الإصرار على المستوى المرتفع في التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي من أخطر ما يهدد إنجاز مصالحة فلسطينية حقيقية.
ثانياً: المشهد الإسرائيلي الفلسطيني:
لم تحمل سنة 2011 تغييرات كبيرة فيما يتصل بالمشهد السياسي الداخلي في “إسرائيل”، على الرغم من أنها شهدت عدداً من الأحداث والمستجدات التي ألقت بظلالها عليه بصورة عامة.
فقد تمكن الائتلاف الحكومي بزعامة حزب “الليكود” من المحافظة على بقائه، واستطاع تجاوز أزمة الاحتجاجات الاجتماعية، التي دفعت بمئات آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع للاحتجاج على السياسات الاجتماعية والاقتصادية للحكومة. وفي الوقت نفسه، لم تتمكن انتقادات المعارضة، وعلى رأسها حزب “كاديما”، لسياسات نتنياهو في المفاوضات مع الفلسطينيين من فتح ثغرة في جدار الائتلاف.
أتاح وضع حزب “إسرائيل بيتنا” في الائتلاف الحكومي إمكانية التحكم بالحكومة إلى حد ما، وأجبر بنيامين نتنياهو على غض الطرف عن تهم الفساد المتلاحقة ضد زعيم الحزب أفيغدور ليبرمان. كما أن حرص نتنياهو على عدم إغضاب القوى الدينية جعله يسكت على العديد من ممارساتهم، وتزايد نفوذهم في الدولة ومؤسساتها.
من جهة أخرى، سجّلت سنة 2011 استمرار جنوح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف بصورة عامة، وازدياد المظاهر العنصرية ضد فلسطينيي 48 بوتيرة متسارعة، حيث تم تشريع أو بدء خطوات لتشريع المزيد من القوانين العنصرية بحقّهم، ومن أبرزها: مراقبة تمويل الجمعيات الأهلية، وسحب المواطنة من المدانين بتهم أمنية، ومصادرة مئات آلاف الدونمات من الفلسطينيين البدو في النقب لصالح مشاريع استيطانية، وقانون منع لم شمل الفلسطينيين، وغيرها من القوانين والإجراءات العنصرية.
وفي المؤشرات السكانية، تشير تقديرات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي إلى أن عدد سكان “إسرائيل” في نهاية سنة 2011 قد بلغ حوالي 7.837 ملايين نسمة، بينهم 5.901 ملايين يهودي، أي ما نسبته 75.3% من السكان، و1.611 مليون عربي، أي ما نسبته 20.6% من السكان. وإذا ما حذفنا عدد سكان شرقي القدس والجولان، الذين يُضمّون عادة إلى هذه الإحصائيات، والذين يُقدر عددهم بنحو 309 آلاف، فإن عدد ما يعرف بفلسطينيي 1948 يصبح حوالي 1.302 مليون، أي نحو 16.6% من السكان. بينما صنف المكتب حوالي 325 ألفاً على أنهم “آخرون”، أي ما نسبته 4.1%، وهم على الأغلب من مهاجري روسيا وبلدان الاتحاد السوفييتي سابقاً وأوروبا الشرقية ممن لم يُعترف بيهوديتهم، أو من المسيحيين غير العرب. وقُدر عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، بما فيها شرقي القدس، بنحو 554 ألفاً.
وخلال سنة 2011 قدم إلى “إسرائيل” 16,892 مهاجر، مقارنةً بـ 16,633 مهاجراً سنة 2010. وبالرغم من النمو الطفيف في المعدل فإن أرقام هذا العام تتوافق مع المنحنى المتراجع للهجرة اليهودية منذ سنة 2000 بعد استنفاد الخزانات البشرية اليهودية المستعدة للهجرة الواسعة. وتجدر الإشارة إلى أن تراجع الهجرة إلى “إسرائيل” ترافق مع استمرار الهجرة المضادة منها، وبمتوسط يبلغ حوالي 10-15 ألف نسمة سنوياً، كما ترافق مع توقف نمو عدد يهود العالم، باستثناء “إسرائيل”، نتيجة تدني نسبة النمو الطبيعي، وترك الدين اليهودي، وانتشار الزواج المختلط.
على المستوى الاقتصادي؛ أشارت النتائج الأولية إلى ارتفاع الناتج المحلي الإسرائيلي من 217.79 مليار دولار سنة 2010، إلى 242.92 مليار دولار سنة 2011. كما ارتفع معدل دخل الفرد الإسرائيلي من حوالي 28,575 دولار سنة 2010 إلى حوالي 31,291 دولار سنة 2011.
وقد شهدت سنة 2011 زيادة في حجم الصادرات بنسبة 15.1% تقريباً، وزيادة في حجم الواردات بنسبة تقارب 24.2%. وظلت الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول لـ”إسرائيل”، حيث بلغت الصادرات الإسرائيلية إليها حوالي 19.36 مليار دولار (28.8% من مجمل الصادرات)، تليها بلجيكا التي عادت إلى المرتبة الثانية، ثم الصين التي زادت الصادرات الإسرائيلية إليها في سنة 2011 بنسبة 32.2% مقارنة بسنة 2010.
على المستوى العسكري، زادت هواجس المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في سنة 2011؛ فإلى جانب اهتمامها المتركز على الوضع الفلسطيني، وإيران ومشروعها النووي، وتسلح ما تسميها “إسرائيل” بـ”الجهات الراديكالية” في المنطقة، في إشارة إلى كل من سوريا وحماس وحزب الله، أضافت الثورات العربية، وخصوصاً في مصر، هاجساً جديداً فرض على “إسرائيل” إعادة النظر في جزء من استراتيجيتها العسكرية، التي كانت منذ أكثر من عقدين تتعامل مع حدودها مع مصر على أنها “جبهة آمنة”.
من جهة أخرى، فقد واصلت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية خلال سنة 2011 تنفيذها خطة تيفين 2012، التي أُقرت مطلع سنة 2007 في سياق استخلاص دروس الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006. وتتضمن الخطة اتجاهات مركزية في ميادين تعاظم قوة أذرع الجيش، وتشكيلات القوات، وتحسين القدرات في مناحي التدريبات، واحتياطيات الذخيرة، وشراء الأسلحة، والوسائل القتالية، والتسلح. وبلغت الموازنة العسكرية الإسرائيلية المعلنة لسنة 2011 نحو 14.95 مليار دولار، بينما قررت حكومة نتنياهو تعزيز الميزانية العسكرية المتوقعة لسنة 2012 بنسبة 6% لتبلغ حوالي 15.8 مليار دولار؛ وهذا المبلغ لا يشمل المساعدة العسكرية الأمريكية السنوية التي تصل إلى نحو 3.3 مليار دولار، كما لا تشمل عدداً من المصاريف العسكرية التي توضع عادة تحت بنود تتبع وزارات ومؤسسات إسرائيلية رسمية أخرى.
تابعت “إسرائيل” في سنة 2011 عدوانها على الشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من التهدئة غير المعلنة على حدود قطاع غزة، والتي تمثلت في محدودية إطلاق الصواريخ الفلسطينية من القطاع باتجاه البلدات والمدن الإسرائيلية، والتي جاءت في غالبها في سياق ردود الأفعال، فإن “إسرائيل” واصلت عملياتها العسكرية المحدودة بقصف أهداف داخل القطاع، وكادت أكثر من مرة أن تؤدي إلى انهيار التهدئة. وفي الضفة الغربية حظيت “إسرائيل” بتهدئة مشابهة، في ظلّ تزايد التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن في السلطة وجيش الاحتلال الإسرائيلي على غرار السنوات السابقة. واستمرت “إسرائيل” في سنة 2011 بإغلاقها لمعابر قطاع غزة وتشديدها للحصار، كما أبقت في الضفة الغربية على إجراءاتها في التوغلات والاعتقالات.
وحسب المعطيات الإسرائيلية، فقد بلغت عمليات إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون من قطاع غزة خلال سنة 2011 باتجاه البلدات والمستوطنات الإسرائيلية المحيطة 676 صاروخاً وقذيفة، وذلك مقابل 365 صاروخاً وقذيفة أطلقت في سنة 2010 مقارنة بـ 858 صاروخاً وقذيفة أطلقت سنة 2009. أما في الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس فسجل جهاز الأمن الداخلي 562 عملية في سنة 2011 مقابل 455 عملية سُجلت في سنة 2010. وتجدر الإشارة إلى أن معظم هذه العمليات كانت رشق حجارة وزجاجات حارقة.
واستشهد في سنة 2011 ما مجموعه 118 فلسطينياً برصاص قوات الاحتلال والمستوطنين في قطاع غزة والضفة بما فيها القدس، كما جُرح نحو 554 فلسطينياً. وفي المقابل سجل جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) مقتل 21 إسرائيلياً سنة 2011 نتيجة عمليات نفذها فلسطينيون، كما جرح نحو 122 إسرائيلياً.
شهدت سنة 2011 نوعاً من الانفراج فيما يتعلّق بقضية الأسرى في سجون الاحتلال، من خلال إتمام صفقة التبادل “وفاء الأحرار”، التي أطلق بموجبها سراح 1,027 أسيراً فلسطينياً مقابل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي “جلعاد شاليط”، الذي أسرته المقاومة الفلسطينية في غزة سنة 2006. إلا أن إتمام الصفقة لم يؤدّ إلى تحسن ظروف من بقي من الأسرى داخل السجون، والذين ما زالوا يعانون من القيود والإجراءات القمعية التي فرضها عليهم الاحتلال في سنة 2010، علماً أن الأسرى كانوا قد دخلوا في إضراب مفتوح عن الطعام في أواخر شهر أيلول/ سبتمبر 2011 احتجاجاً على الإجراءات العقابية المتخذة بحقهم، ثم قاموا بتعليقه بالتزامن مع إتمام المرحلة الأولى من صفقة التبادل في 18/10/2011. وقد بلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال في نهاية سنة 2011 نحو 4,315 أسيراً، بينهم 6 أسيرات و132 طفلاً. ومن بين الأسرى 3,856 أسيراً من الضفة الغربية، 198 منهم من القدس، و459 أسيراً من قطاع غزة، فضلاً عن عشرات المعتقلين العرب من جنسيات مختلفة.
تعاملت “إسرائيل” مع الملف الداخلي الفلسطيني خلال سنة 2011 بالاستراتيجية نفسها، الهادفة إلى تكريس الانقسام الفلسطيني والحيلولة دون إتمام المصالحة الفلسطينية، وهو ما ظهر جلياً من خلال تصريحات رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، التي خيّر فيها الرئيس محمود عباس بين المصالحة مع حماس أو السلام مع “إسرائيل”. وفي الوقت نفسه، فإن الاستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع الضفة والقطاع بقيت هي ذاتها، من خلال تمييز ظاهري بينهما، بينما هي في جوهرها واحدة تقريباً، تعمل على الاحتفاظ بالسيطرة المباشرة من خلال استيطان الأرض ومصادرتها، كما هو الحال في الضفة الغربية، أو غير المباشرة، من خلال التحكم في المنافذ البرية والبحرية والجوية، كما هو الحال في قطاع غزة، كما تعمل على إعادة تشكيل المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال بما يخدم بقاء الاحتلال، وإجهاض التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية.
وقد اتسم مسار التسوية في سنة 2011 باستمرار حالة الجمود والانسداد، وضعف اهتمام الإدارة الأمريكية باستئناف المفاوضات وتراجع جهودها في هذا السياق، في ضوء تغطية تطورات الثورات العربية على المشهد السياسي والإعلامي، وفي ضوء استمرار الرفض الإسرائيلي للمطالب الفلسطينية للعودة للمفاوضات، والمتمثلة بتجميد الاستيطان وقبول حدود سنة 1967 كمرجعية للتفاوض بشأن حدود الدولة الفلسطينية الموعودة. هذا الرفض دفع قيادة م.ت.ف والسلطة في رام الله إلى اللجوء لبدائل أخرى لمواجهة انسداد الأفق السياسي، كالسعي للحصول على مقعد لفلسطين في الأمم المتحدة بعضوية كاملة، وتفعيل المقاومة الشعبية ومقاطعة منتجات المستوطنات؛ إلا أن تأكيدات قيادة م.ت.ف المستمرة بأن هذه التحركات، لا تشكل بديلاً عن العودة للمفاوضات عاجلاً أم آجلاً يجعل منها مجرد وسائل ضغط تكتيكية لتحسين شروط استئناف التفاوض.
وفي ضوء استمرار أسباب وعوامل إخفاق جهود استئناف المفاوضات التي سبق ذكرها، والتي أكدها فشل اللقاءات “الاستكشافية” التي جرت في عمّان في مطلع سنة 2012، إلى جانب اقتراب موعد الانتخابات العامة في “إسرائيل” واحتمال عقد انتخابات مبكرة خلال هذه السنة، والمزيد من تراجع الاهتمام الأمريكي بملف القضية الفلسطينية نظراً للانشغال بالتحضير للانتخابات الرئاسية الأمريكية، واستمرار التغيرات التي تشهدها عدة دول عربية، أبرزها مصر، فمن غير المرجّح أن يشهد مسار المفاوضات أية اختراقات جدية خلال سنة 2012. وفي المدى المنظور، لا يبدو أن “إسرائيل” ستتوقف عن مواصلة فرض الحقائق على الأرض، مع احتمال أن تلجأ لأحد السيناريوهات التالية: محاولة إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه لأطول فترة ممكنة، أو الانكفاء على الذات والعودة إلى فكرة الانسحاب أحادي الجانب، بحيث تفرض التصور الذي تراه للحدود وتبادل الأراضي والسكان، أو محاولة دفع الطرف الفلسطيني إلى الموافقة على خيار الدولة الفلسطينية المؤقتة، دون اتفاق على قضايا الوضع النهائي.
ثالثاً: القضية الفلسطينية والعالم العربي:
تميزت سنة 2011 بأنها سنة الثورات والتغيير في العالم العربي. وتجلت في عملية التغيير هذه أحد أبرز وأهم وأنبل معالم التغيير في التاريخ العربي الحديث والمعاصر، حيث خرجت الشعوب لتعبّر عن إرادتها وتكسر حاجز الخوف، وتصنع أنظمتها السياسية بنفسها. وبالرغم من أن هذه الثورات ما زالت مهددة بالمعوقات المحلية والتدخلات الأجنبية التي تحاول استنزاف منجزاتها، أو حرف مسيرتها، أو إعادة الأنظمة الفاسدة بأثواب جديدة، أو إدخال المنطقة في دوامة من الانقسام والتفتيت الطائفي والعرقي؛ إلا أن حركات التغيير ما تزال تملك فرصاً كبيرة في تجاوز الكثير من الأزمات، وإعادة تشكيل المنطقة بما يعبّر عن إرادة الأمة وكرامتها.
لقد مسّت عملية التغيير في العالم العربي دوائر ثلاث هي الإنسان والفضاء الاستراتيجي (الأرض) والنظام السياسي؛ وإذا ما تضافرت هذه الدوائر في شكل إيجابي فإن ذلك يعني إنهاء تلك المعادلة التي كانت تضمن بقاء “إسرائيل” وقوّتها، والتي كانت مبنية على ضعف المنطقة العربية المحيطة بـ “إسرائيل” أولاً، وتفككها وتمزقها ثانياً، وتخلفها ثالثاً، وإدخال معادلة جديدة للصراع تفتح المجال لمشروع عربي إسلامي نهضوي وحدوي يرتقي بإمكانات المنطقة وطاقاتها، وينهي الإملاءات والاشتراطات الإسرائيلية والأمريكية، ويفتح آفاقاً أوسع لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته وإنهاء الحصار، وإعطاء القضية الفلسطينية بعدها العربي والإسلامي بل والإنساني الأوسع، وفتح المجال ولو على المدى الاستراتيجي البعيد لاستعادة الأرض والمقدسات وإنهاء الاحتلال.
صحيح أن قضية فلسطين لم تكن ذات حضور بارز في ميادين الثورات العربية، لكنها لم تغب عن تلك الميادين. ومع إنشاء أنظمة ديموقراطية تعبّر عن إرادة الجماهير، ومع وصول تيارات مخلصة لقضية فلسطين، وغير مرتهنة للإرادة الأجنبية، فإن الآمال ما تزال مفتوحة على أن هذه القضية ستلقى حضناً أكثر دفئاً من الأنظمة الجديدة.
أسهم التغير، الذي لم يكتمل بعد، في مصر بالدفع نحو إنجاح المصالحة الفلسطينية وإنجاح صفقة الأسرى، والتخفيف من الحصار على قطاع غزة… وما زال يُعوًّل الكثير على مصر بعد اكتمال مؤسساتها الدستورية واستقرارها. كما زادت في تونس مشاهد التفاعل الإيجابي الرسمي مع القضية الفلسطينية.
وفي سورية التي وقف نظامها وشعبها مع المقاومة، كان المشهد مربكاً لتيارات المقاومة وخصوصاً حماس التي بالرغم من تقديرها للموقف الوطني الممانع للنظام، إلا أنها قدّرت للشعب السوري دعمه أيضاً لقوى المقاومة، ووقفت إلى جانبه في مطالبه المحقة في الإصلاح والديموقراطية. أما في لبنان فلم تحدث تغيرات عن مسار الأحداث العامة في السنوات الماضية، وإن كانت شهدت بعض الإجراءات النسبية للتخفيف من معاناة الفلسطينيين فيها. وقد مثلت مسيرات العودة التي شهدتها الحدود السورية واللبنانية مع فلسطين المحتلة، والتي أدت إلى استشهاد 42 وجرح أكثر من 632، رسالة قوية من الشعب الفلسطيني بتمسكه بأرضه وبحقه في العودة. وبغض النظر عن محاولات التوظيف السياسي لهذه المسيرات من قبل النظام السوري وبعض الأطراف، إلا أن ذلك لا يقلل من أصالة الرسالة التي حملتها ومن نبلها.
وقد أعطى الأردن مؤشراً على الرغبة في تحسين العلاقة مع حركة حماس، فاستقبل الملك عبد الله الثاني بتنسيق قطري وفداً من الحركة برئاسة خالد مشعل، مما أدى إلى كسر الجمود الذي ساد العلاقة طوال السنوات الماضية. غير أن الأردن ظل ملتزماً بسياسته في دعم مسار التسوية السلمية، واتفاقية وادي عربة مع “إسرائيل”، كما سعى إلى التوسط بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية و”إسرائيل”، من خلال رعاية اللقاءات الاستكشافية، في سبيل تفعيل العملية التفاوضية.
وبالإضافة إلى الدور الكبير الذي لعبته قطر في دعم حركات التغيير في العالم العربي، فإن قطر دعمت مسار المصالحة الفلسطينية، ورعت اتفاق الدوحة بين فتح وحماس في 6/2/2012، فضلاً عن إسهامها في تطبيع علاقة حماس مع الأردن.
وبالرغم من تراجع مظاهر التطبيع مع “إسرائيل” خلال سنة 2011 إلا أن العلاقات الاقتصادية بين “إسرائيل” والأردن ومصر قد استمرت، ويظهر الجدول التالي حجم العلاقات التجارية بين “إسرائيل” وبعض البلدان العربية والإسلامية.
رابعاً: القضية الفلسطينية والعالم الإسلامي:
شهد التفاعل الإسلامي الشعبي والرسمي مع القضية الفلسطينية تراجعاً نسبياً خلال سنة 2011، متأثراً بالثورات والتغيرات التي يشهدها العالم العربي، إلا أن فلسطين فرضت حضورها في أجندة دول العالم الإسلامي من خلال مجموعة من التطورات، أبرزها: تهويد القدس، وتوقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية، ومحاولة الانضمام إلى الأمم المتحدة، وإتمام صفقة تبادل الأسرى، وحصار قطاع غزة.
التغيير الذي أصاب منظمة المؤتمر الإسلامي خلال السنة، بتغيير اسمها إلى منظمة التعاون الإسلامي، لم يرافقه تطور يُذكر فيما يتعلق بموقفها تجاه القضية الفلسطينية، حيث استمرت في التعامل معها دون لعب دور يتناسب ووزنها الحقيقي كمنظمة تجمع العالم الإسلامي الغني بالموارد البشرية والمالية، ولم يرتفع سقفها عن الشجب والاستنكار للانتهاكات الإسرائيلية، واستمرار تهويد القدس، وعن بيانات التأييد للتوجه الفلسطيني للأمم المتحدة، والمطالبة برفع الحصار.
وبالنسبة لتركيا، فقد استمرت فيها وتيرة الدعم للقضية الفلسطينية والعداء لـ “إسرائيل” بالتزايد على المستوى الشعبي خلال سنة 2011، كما حافظت أنقرة على موقفها المؤيد للحقوق الفلسطينية والمتعاطف مع الشعب الفلسطيني، إلا أن الدعم الاقتصادي الذي قدمته ما زال ضئيلاً، ولا يتناسب مع وزن تركيا سياسياً واقتصادياً في العالم الإسلامي.
وعلى صعيد العلاقة الرسمية مع “إسرائيل”، فقد تواصلت النبرة السياسية التركية الحادة تجاه الأخيرة، وخصوصاً عقب تسريب تقرير لجنة التحقيق التي شكلها الأمين العام للأمم المتحدة للتحقيق في الاعتداء على أسطول الحرية والذي عُرف بـ “تقرير بالمر”، في مطلع أيلول/ سبتمبر 2011، حيث اتخذت تركيا مجموعة إجراءات عقابية ضد “إسرائيل” لرفضها الاعتذار عن قتل المتطوعين الأتراك في سفينة مرمرة. وقد أدى تسريب التقرير، الذي جاء مخالفاً لوجهة النظر التركية، إلى إنهاء المحاولات التي كانت تجري لطي صفحة الخلاف عبر مفاوضات سرية بين الطرفين.
ولكن في الوقت نفسه، فإن سلوك أنقرة الميداني الذي أبقى على العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل”، وإن بحدود أقل مما كانت عليه سابقاً، واستمرارها بالانفتاح في علاقاتها التجارية والاقتصادية معها، أظهر أنها ما زالت على أرض الواقع تميل إلى اتباع سياسة براجماتية في سياستها تجاهها؛ واضعة في حساباتها التأثير المحتمل لاستمرار رفع سقف التصعيد على علاقتها مع أمريكا، وعلى سعيها لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي. كما أن تركيز أنقرة على الأزمة السورية، والتقارب التركي-الغربي في الموقف تجاهها، قد زاد فيما يبدو من رغبة تركيا في تجنب أي توتر إضافي مع “إسرائيل”.
وتجدر الإشارة إلى أن تركيا حافظت على مركزها كأكبر شريك تجاري مع “إسرائيل” بين دول العالم الإسلامي، وقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 29.3% خلال سنة 2011، حيث بلغ 4,021.8 مليون دولار، مقابل 3,110.8 مليون دولار سنة 2010.
أما إيران فقد حافظت في سنة 2011 على جوهر سياساتها ومواقفها السابقة من القضية الفلسطينية، أي دعم خيار المقاومة، ورفض عملية التسوية والتفاوض مع “إسرائيل”، كتعبير عن رؤيتها الإسلامية للصراع مع “إسرائيل”. وقد تفاعلت إيران مع الثورات العربية من خلال رؤيتها للقضية الفلسطينية، فأيدت الثورة المصرية التي رأت أنها ستنعكس سلباً على مستقبل “إسرائيل”، ولكن موقفها من الأحداث في سورية جاء مغايراً، إذ رأت أنها “مؤامرة” تستهدف سورية بسبب ممانعتها لأمريكا و”إسرائيل”.
وقد أوجدت أحداث سورية نوعاً من التخلخل في جبهة “الممانعة” (إيران- سوريا – حماس – حزب الله)، فبينما اتخذت إيران موقفاً مسانداً للنظام السوري، فإن حماس دعمت المطالب المُحقَّة للشعب السوري في الحرية والديموقراطية، دون أن تنكر دور سورية في احتضان المقاومة الفلسطينية ودعمها، ويبقى هناك احتمال قائم بأن تتسع هوَّة الاختلاف مع تطورات الأحداث في سورية.
أما فيما يتعلق بحجم التبادل التجاري بين الدول الإسلامية و”إسرائيل”، فقد بقي بشكل عام مستقراً نسبياً وبنسبة متفاوتة من دولة إلى أخرى، إلا أن حجم هذا التبادل شهد ارتفاعاً ملحوظاً مع عدد من الدول التي يفترض أنها في حالة مقاطعة سياسية واقتصادية مع “إسرائيل”، وهو مؤشر على “حالة الاسترخاء” التي تعيشها دول إسلامية عديدة في تعاملها مع القضية الفلسطينية.
خامساً: القضية الفلسطينية والوضع الدولي:
شهدت الجهود الدبلوماسية الدولية تجاه القضية الفلسطينية تراجعاً إضافياً في سنة 2011؛ نتيجة لعدد من العوامل والمتغيرات، من أبرزها الثورات والتغيرات التي شهدتها وما تزال تشهدها عدة دول عربية، وعودة التوتر الدولي حول موضوع الملف النووي الإيراني واحتمال المواجهة العسكرية، وتداعيات الأزمة المالية العالمية التي تأثرت بها أغلب الدول الرأسمالية، والتي ألقت في سنة 2011 بظلال ثقيلة على دول الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد ركزت الجهود الدبلوماسية على محاولة إقناع الفلسطينيين والإسرائيليين بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وكان من الملاحظ أنها سعت في سبيل ذلك للالتفاف على الشروط الفلسطينية المطالبة بوقف الاستيطان قبل العودة للمفاوضات.
في الجانب الأمريكي، ظهرت أبرز علامات تراجع الجهود الدبلوماسية للبيت الأبيض خلال سنة 2011 في استقالة المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل، ثم استقالة دينيس روس مستشار مجلس الأمن القومي لشؤون إقليم الوسط الذي يضم الشرق الأوسط، وعودة الولايات المتحدة لموقفها التقليدي في الضغط على الفلسطينيين وتجنب الضغط على “إسرائيل”. وجاء سعي الإدارة الأمريكية إلى استئناف المفاوضات السياسية في إطار موازين قوى تميل لصالح “إسرائيل” في هذا السياق؛ إذ غضت الطرف عن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي المتسارع في شرق القدس وبقية أنحاء الضفة الغربية، وحاولت الضغط على الفلسطينيين للتخلي عن شرطهم المتعلق بوقف الاستيطان قبل استئناف المفاوضات. كما اتخذت في الوقت نفسه ردود فعل حادة تجاه التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة، من خلال التهديد بتجميد المساعدات الاقتصادية المقدمة للسلطة الفلسطينية، والتوقف عن تقديم مساهمتها المالية في اليونسكو إثر قبول المنظمة دولة فلسطين عضواً كاملاً فيها، ومعارضة التقارب بين حركتي فتح وحماس. وهي أمور تصب جميعها في إضعاف الموقف الفلسطيني وحرمانه من أي أوراق ضغط قد يمتلكها.
من جهته، بقي الموقف الأوروبي بشكل عام يميل إلى الاتساق مع الموقف الأمريكي خلال سنة 2011، ولكنه أظهر تمايزاً عن الموقف الأمريكي في موضوع الاستيطان الإسرائيلي، حيث شدد الاتحاد الأوروبي على موقفه الرافض للاستيطان، وصوتت الدول الأوروبية في مجلس الأمن (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) إلى جانب اقتراح في مجلس الأمن يدين “إسرائيل” بسبب البناء الاستيطاني، إلا أن الفيتو الأمريكي منع المصادقة على اقتراح القرار.
كما ظهر تباين في مواقف دول الاتحاد الأوروبي من التوجه الفلسطيني في الأمم المتحدة، إذ أكدت ممثلة الشؤون الخارجية للاتحاد كاثرين آشتون أن كل دولة من الدول الـ 27 الأعضاء ستصوت بشكل فردي في حال لجوء الفلسطينيين من جانب واحد إلى الأمم المتحدة للاعتراف بدولتهم المستقلة.
وقد كشف موقف الدول الأوروبية من التغيرات في الدول العربية، شأنه في ذلك شأن الموقف الأمريكي، عن هواجس من أن تلك التغيرات قد تؤدي إلى تعزيز التيار العربي الرافض للتوجهات العربية الرسمية تجاه “إسرائيل”، سواء بسبب تنامي فرص الحركات الإسلامية في الوصول لمقاعد السلطة، أو نظراً لتنامي دور الشارع العربي في القرار السياسي، وهو شارع تغلب عليه المعارضة لتقديم التنازلات للسياسة الإسرائيلية، وقد ظهر ذلك من خلال حث الدول الغربية “إسرائيل” على الإسراع في إيقاع التسوية.
أما مواقف اللجنة الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة، وروسيا) فلم تخرج عن إطار تبعيتها للموقف الأمريكي. وظهر هذا الأمر من خلال تركيز جهود اللجنة على محاولة إعادة الأطراف إلى طاولة التفاوض، دون شرط وقف الاستيطان، ومن خلال البيانات التي صدرت عن اللجنة في أكثر من مناسبة بهذا الخصوص، والتي كان من الملاحظ فيها أن أي إجراء إسرائيلي مهما كان بسيطاً تتم الإشادة به، بينما لا يتم اتخاذ أي إجراء عملي في حالة الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، كما أنها أظهرت محاولة اللجنة توظيف آليات موازين القوى ضدّ الطرف الفلسطيني، من خلال الربط بين العودة للمفاوضات وعقد مؤتمر للمانحين لتقديم الدعم المالي للسلطة الفلسطينية.
ومن جهة أخرى، حافظت المواقف الروسية والصينية واليابانية من القضية الفلسطينية على طابعها البراجماتي والمصلحي. وبدا أن روسيا ما زالت تحاول تقليص المسافة بينها وبين الأطراف الفلسطينية والعربية تدريجياً بشكل يبدو أنه للضغط على “إسرائيل”، لكنه في جوهره محاولة للتشبث بمصلحتها الاستراتيجية في عدم خسارة مجالها الحيوي الذي تشكله منطقة شرق المتوسط بالنسبة لها. أما الصين فقد حافظت في مواقفها السياسية على الوقوف مسافة واحدة من مختلف الأطراف، ولكن علاقاتها مع “إسرائيل” شهدت تطوراً في الجانبين الاقتصادي والعسكري، كان من أبرز مؤشراتها زيارة رئيس أركان الجيش الصيني لـ”إسرائيل”، في أول زيارة من نوعها لقائد عسكري صيني بهذا المستوى.
وبالانتقال إلى الأمم المتحدة، فلم تتغير الطبيعة الباهتة لمواقف أمينها العام بان كي مون فيما يتعلق بتطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالشأن الفلسطيني، مع الإشارة إلى أن المنظمة حافظت على موقفها الرافض للاستيطان في شرق القدس والضفة الغربية، ولكن كان من اللافت للانتباه أن مواقفها تجاه الانتهاكات الإسرائيلية شهدت تراجعاً خلال سنة 2011، تمثل في تقرير لجنة بالمر المكلفة التحقيق في حادثة الهجوم على أسطول الحرية سنة 2010، والذي رأى أن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة يتفق مع مقتضيات القانون الدولي، علماً أن تقريراً سابقاً لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة كان قد وصف حصار غزة في سنة 2010 بأنه “غير قانوني” لأنه فُرض في وقت كان فيه القطاع يعيش أزمة إنسانية.
وفيما يتصل بالمؤشرات المستقبلية، يبدو أن موضوع عضوية فلسطين في الأمم المتحدة من ناحية، واستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية من ناحية ثانية سيبقيان هما الأكثر جذباً للجهود الدبلوماسية على المستوى الدولي خلال سنة 2012، مع الإشارة إلى أنهما سيتأثران بواقع أن هذه السنة هي سنة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي تتراجع فيها عادة الجهود الدبلوماسية الأمريكية المتعلقة بالشرق الأوسط، وتزداد فيها مواقف الحزبين الديموقراطي والجمهوري اقتراباً من الموقف الإسرائيلي، سعياً لكسب أصوات الناخبين اليهود.
سادساً: الأرض والمقدسات:
شهدت سنة 2011، كسابقتها، تصعيداً كبيراً في الاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس خصوصاً، وفي فلسطين التاريخية عموماً، وأكدت التطورات مجدداً أن تهويد القدس هو الملف الذي يحتل رأس سلّم الأولويات بالنسبة لـ”إسرائيل”، بالتزامن مع تزايد سيطرة هاجس “يهودية الدولة” على فكر الدولة الصهيونية.
في ملف المسجد الأقصى، تزايد النشاط الإسرائيلي لتحقيق تقسيم دائم للمسجد بين المسلمين واليهود بشكل كبير، على مستوى الجمعيات اليهودية والمستوى الرسمي على حد سواء، إلى حد بات يمكن القول فيه بأن هناك سعياً إسرائيلياً لاقتسام المسجد “زمنياً” بشكل يتيح دخول اليهود ضمن مجموعات صغيرة بشكل يومي “روتيني” في غير أوقات صلاة المسلمين، مع الإشارة إلى أنه على الرغم من انخفاض عدد الاقتحامات الجماعية للمسجد، إلا أنها باتت أكبر حجماً وتنظيماً ونوعية، كما زادت التسهيلات والرعاية المقدمة لها من قبل سلطات الاحتلال، في الوقت الذي شددت فيه تلك السلطات قيودها على محاولات المصلين في المسجد والمرابطين فيه مواجهة تلك الاقتحامات، إلى حد اعتقال كل من يعلو صوته بالتكبير في وجه المجموعات المقتحمة، واعتماد أسلوب إبعاد المصلين عن المسجد لفترات متفاوتة، وتشديد الرقابة على رواده والمرابطين فيه من طلاب مصاطب العلم وغيرهم.
وفي هذا السياق، بلغ مجموع اقتحامات المتطرفين اليهود والشخصيات الرسمية والأجهزة الأمنية الإسرائيلية للمسجد 34 اقتحاماً خلال الفترة 22/8/2010-21/8/2011، مقارنة بـ 55 اقتحاماً في الفترة 22/8/2009-21/8/2010. ولكن في الوقت نفسه، اتخذت سلطات الاحتلال مجموعة من الإجراءات لتخفيف القيود التي كانت مفروضة على دخول اليهود إلى المسجد الأقصى، حيث تم السماح للعسكريين الإسرائيليين بدخول المسجد بزيهم العسكري، وهو أمر كان ممنوعاً في السابق، والسماح بإقامة حفلات زفاف يهودية داخله، وعدم إخضاع المتدينين اليهود لإجراءات تفتيش ورقابة صارمة عند دخولهم إليه، وذلك في اتفاق تم التوصل إليه خلال اجتماع في مكتب رئيس الكنيست ريوفن ريفلن، ضمّ قيادة الشرطة الإسرائيلية ومجموعة من السياسيين وممثلي الجمعيات اليهودية، في 7/8/2011. وقد سُجّل بعد هذا الاتفاق مباشرة أكبر اقتحام جماعي يهودي للمسجد منذ احتلاله سنة 1967، حيث اقتحمه 500 يهودي بحماية مشددة من شرطة الاحتلال، بتاريخ 9/8/2011، الذي وافق أحد أيام شهر رمضان المبارك، وهو الشهر الذي شهد فرض قيود مشددة على دخول المسلمين للمسجد لصلاة التراويح وفي أيام الجمع.
وفيما يتعلق بالحفريات والأنفاق أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه، فقد زاد عددها من 34 حفرية بحلول 21/8/2010 إلى 38 حفرية بحلول 21/8/2011، ولكن التركيز الأساسي كان منصبّاً على تأهيل تلك الحفريات وربطها ببعضها البعض، وتجهيز البنية التحتية اللازمة لاستقبال الزائرين فيها، تمهيداً لافتتاحها أمام الجمهور. وقد كان أبرز الأنفاق التي تم افتتاحها خلال سنة 2011 النفق الواصل بين “مدينة داود” في سلوان جنوباً وشبكة أنفاق الحائط الغربي شمالاً، والذي يشكل الطريق الهيرودياني مقطعاً منه. وإلى جانب تلك الحفريات تم أيضاً افتتاح مسار تهويدي يدعى “مطاهر المعبد” في منطقة القصور الأموية الواقعة جنوب المسجد، وذلك في جهد يتكامل مع الحفريات والأنفاق في بناء مدينة تاريخية يهودية تحت المسجد الأقصى وفي محيطه، والذي يزعم اليهود أنه “جبل المعبد”.
كما تجددت سنة 2011 تفاعلات قضية تلة المغاربة، مع إعلان مهندس بلدية الاحتلال في القدس أن الجسر الخشبي الذي أقامته سلطات الاحتلال في المكان في 2005 بات يشكّل خطراً على السلامة العامة لاحتوائه مواد قابلة للاشتعال، ثم إعلان البلدية نيتها استكمال هدم التلة التاريخية وإقامة جسر حديدي مكان الجسر الخشبي، وذلك في إطار مسعاها لتوسيع ساحة البراق المخصصة لصلاة اليهود. ولكن حجم الاعتراضات الشعبية والرسمية العربية التي أثارها ذلك الإعلان دفعت رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى إصدار أمر بوقف الهدم في اللحظات الأخيرة.
وبالإضافة إلى الاعتداءات على المسجد الأقصى، تركزت اعتداءات الاحتلال على المقدسات الإسلامية في القدس على مقبرة مأمن الله، التي تم تدمير أكثر من 100 قبر فيها بحماية من شرطة الاحتلال، لصالح مشروع إقامة “متحف الكرامة الإنساني للتسامح الديني” مكانها، إلى جانب تدمير 15 قبراً آخر على يد المستوطنين. كما تعرض مسجد عكاشة بن محصن التاريخي في غرب القدس للحرق على يد متطرفين يهود.
وفي إطار سياسات الاحتلال الهادفة لتهويد المدينة، تواصلت سياسة التضييق على السكان الفلسطينيين لإخراجهم من المدينة، من خلال إيجاد ظروف معيشية صعبة، وفرض قيود على البناء والسكن، وهدم المنازل، وتجريد المقدسيين من حق الإقامة في المدينة بشتى الذرائع، وعزل الآلاف منهم عن مدينتهم من خلال الجدار العازل. وواصل الاحتلال في الوقت نفسه حملة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية للسيطرة جغرافياً وديموغرافياً على مركز المدينة، وذلك بموازاة عمله على توسيع التجمعات الاستيطانية في اتجاهات مدروسة لخلق تواصل جغرافي فيما بينها، وتعديل حدود البلدية لضم المستوطنات الواقعة خارجها.
وفي هذا السياق استكمل الاحتلال بناء الجدار في منطقة شعفاط وراس خميس، وتم افتتاح معبر شعفاط كمعبر دولي، بشكل يعزل حوالي 55 ألف مقدسي في مخيم شعفاط وعناتا وراس خميس وضاحية البريد وكفر عقب عن المدينة، وأعلن رئيس بلدية الاحتلال نير بركات بشكل رسمي نيته فصل تلك الأحياء الواقعة شمال شرق القدس عن المدينة، وتوسيع حدود البلدية شرقاً لتضم مستوطنة معاليه أدوميم التي يسكنها حوالي 32 ألف مستوطن. وواصل الاحتلال في هذا الإطار خططه لتهجير التجمعات البدوية الواقعة بين معاليه أدوميم وحدود البلدية، حيث سلّم أوامر إخلاء لعشرين تجمعاً بدوياً يسكنها نحو 2,300 شخص، ثلثاهم من الأطفال. كما هدم الاحتلال 41 منزلاً في المدينة خلال سنة 2011، كانت تؤوي 282 مقدسياً، بينهم 177 طفلاً، وتم تهديد 134 منزلاً آخر وبرجين سكنيين بالهدم.
أما فيما يتعلق بالمقدسات الإسلامية والمسيحية في بقية أنحاء الضفة الغربية والأراضي المحتلة سنة 1948، فقد شهدت سنة 2011 تصاعداً ملحوظاً في الاعتداءات التي تعرضت لها على يد المتطرفين اليهود وسلطات الاحتلال، وجاء أبرز تلك الاعتداءات في إطار حملة “دفع الثمن” على يد المستوطنين في الضفة الغربية، والتي جاء قسم كبير من اعتداءاتها متزامناً مع التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2011. وقد بلغ مجموع تلك الاعتداءات حوالي 46 اعتداءً، تنوعت بين حرق وهدم وتخريب وهدم قبور وكتابة عبارات مسيئة، وغيرها. وبرز في هذا السياق أيضاً تقديم مشروع قانون في الكنيست الإسرائيلي يمنع رفع الأذان عبر مكبرات الصوت في الأماكن المشتركة بين سكان مسلمين ويهود، والتي تشمل البلدة القديمة والمسجد الأقصى في القدس.
وفي موضوع الاستيطان، حافظت حكومة بنيامين نتنياهو على تركيز جهودها في مستوطنات القدس، وخصوصاً الواقعة جنوب المدينة؛ فخلال سنة 2011، بلغ إجمالي الوحدات السكنية التي تمّ طرح أو إقرار خطط بنائها في المدينة حوالي 15,500 وحدة، من بينها حوالي 11,300 وحدة (أي 73% من إجمالي الوحدات) في مستوطنات جنوب القدس، والتي تضم مستوطنات جيلو وهارجيلو وهارحوما وجفعات حماتوس. أما عدد الوحدات السكنية التي تم خلال سنة 2011 طرح عطاءات للشروع الفعلي ببنائها فبلغ 3,634 وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية ككل، ومن ضمنها القدس.
وتجدر الإشارة إلى أنه في حين تدّعي حكومة الاحتلال بأن التوسع في المستوطنات يأتي لتلبية نموها الطبيعي، فإن عدداً من المستوطنات التي تم إقرار توسعتها شهدت تراجعاً في عدد السكان، مثل مستوطنة جيلو التي أقر الاحتلال خلال سنة 2011 توسعتها بـ 5,377 وحدة سكنية، في حين أن عدد سكانها تراجع بنسبة 1%.
وقد أشارت وزارة شؤون الاستيطان في السلطة الفلسطينية إلى أنها رصدت وجود 474 موقعاً استيطانياً في الضفة حتى نهاية سنة 2011، منها 184 مستوطنة، و171 بؤرة استيطانية، و26 موقعاً استيطانياً آخر، و93 مبنى تم الاستيلاء عليها جزئياً أو كلياً من قبل المستوطنين في شرق القدس. وبلغ مجموع مساحة المستوطنات حسب الوزارة 140 كم2، غير أن نصف هذه الأراضي تخلو من البناء.
وقد أقدم الاحتلال على هدم حوالي 352 منزلاً فلسطينياً ونحو 500 منشأة في الضفة والقطاع، وصادر أو دمّر نحو 13 ألف دونم من الأراضي، كما هدد ألف دونم أخرى بالإخلاء القسري. وألحقت سلطات الاحتلال والمستوطنون أضراراً بحوالي 20 ألف شجرة، نصفها تم اقتلاعها أو حرقها بالكامل. كما تواصلت اعتداءات الاحتلال على مصادر الثروة المائية في الضفة الغربية، والتي تسيطر “إسرائيل” على نحو 85% منها وتفرض قيوداً مشددة على استعمال الفلسطينيين لها.
سابعاً: المؤشرات السكانية الفلسطينية:
تُشير التقديرات إلى أن عدد الفلسطينيين في العالم بلغ في نهاية سنة 2011 حوالي 11.224 مليون نسمة؛ نصفهم، أي 5.626 مليون نسمة (50.1%)، يعيشون في الشتات. والنصف الباقي، أي 5.598 مليون نسمة (49.9%) يقيمون في فلسطين التاريخية، ويتوزعون إلى حوالي 1.367 مليون نسمة في الأراضي المحتلة سنة 1948، وحوالي 4.231 مليون نسمة في أراضي سنة 1967، يتوزعون إلى 2.615 مليون في الضفة الغربية (61.8%)، و1.616 مليون في قطاع غزة (38.2%).
أما في الأردن، فقد قُدّر عدد الفلسطينيين في نهاية سنة 2011 بحوالي 3.384 مليون نسمة، يشكّلون حوالي 30.1% من الفلسطينيين في العالم (نحو 60.1% من فلسطينيي الشتات)، وغالبيتهم العظمى يحملون الجنسية الأردنية. وقُدّر عدد الفلسطينيين في بقية الدول العربية بحوالي 1.606 مليون نسمة، يشكلون ما نسبته 14.3% من مجموع الفلسطينيين في العالم، يتركز معظمهم في الدول العربية المجاورة، أي في لبنان وسوريا، ومصر، ودول الخليج العربي. وقُدّر عدد الفلسطينيين في الدول الأجنبية بحوالي 636 ألف نسمة، يشكلون ما نسبته 5.7% من مجموع الفلسطينيين في العالم، يتركز معظمهم في الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية وكندا وبريطانيا وباقي دول الاتحاد الأوروبي
وما يزال اللاجئون يشكلون أكثر من ثلثي تعداد الفلسطينيين في العالم، فبالإضافة إلى نحو 5.626 مليون فلسطيني في الخارج، هناك نحو 1.866 مليون لاجئ يقيمون في الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلاً عن نحو 150 ألف لاجئ طردوا من أرضهم، لكنهم ما زالوا مقيمين في فلسطين المحتلة سنة 1948؛ وبالتالي فإن مجموع اللاجئين الفلسطينيين يصل إلى نحو 7.642 مليون لاجئ، أي نحو 68.1% من مجموع الشعب الفلسطيني. أما أعداد اللاجئين المسجلين في سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فإن عددهم حتى 1/1/2011 قُدّر بحوالي 4.97 مليون نسمة. وهناك الكثير من اللاجئين لم يسجلوا أنفسهم لدى الأونروا لعدم حاجتهم لخدماتها، أو لعدم وجودهم في أماكن عملها كبلدان الخليج وأوروبا وأمريكا.
وفي قراءة المؤشرات الديموغرافية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، أظهرت تقديرات نهاية سنة 2011 أن نسبة الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً بلغت 40.7%، مع وجود اختلاف واضح بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد بلغت النسبة 38.6% في الضفة مقابل 43.8% في القطاع. كما قُدّرت نسبة الأفراد كبار السن (الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً فأكثر) بـ 2.9%، بواقع 3.3% في الضفة الغربية، و2.3% في قطاع غزة.
كما تظهر البيانات عدم تغير معدلات النمو السكاني في سنة 2011 عما كانت عليه في السنة السابقة، حيث ثبت معدل الزيادة الطبيعية للسكان في الضفة والقطاع عند 2.9% (2.6% في الضفة و3.3% في القطاع)، وهي تُعدّ مرتفعة مقارنة بالمعدلات السائدة في الدول الأخرى، وبالمجتمع اليهودي الاستيطاني في فلسطين.
وتشير التقديرات أنه في حال بقيت معدلات النمو السائدة حالياً، والبالغة 2.9% للفلسطينيين في الضفة والقطاع، و2.5% لفلسطينيي 1948، و1.7% لليهود، فإن عدد السكان الفلسطينيين واليهود في فلسطين التاريخية سيتساوى تقريباً خلال سنة 2016؛ حيث سيبلغ عدد كل من الفلسطينيين واليهود حوالي 6.4 مليون تقريباً. وستصبح نسبة السكان اليهود حوالي 48.9% فقط من السكان وذلك في سنة 2020، حيث سيصل عددهم إلى 6.9 مليون يهودي مقابل 7.2 مليون فلسطيني.
ثامناً: الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة:
لم تحمل سنة 2011 جديداً على صعيد تغيير الوضع القائم من ناحية تبعية الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة للاقتصاد الإسرائيلي بشكل مباشر، وعزله عن العالم الخارجي العربي والدولي من خلال سيطرة الاحتلال على كافة المنافذ الدولية والمعابر الحدودية الفلسطينية، إضافة إلى تركز العلاقة التجارية الخارجية مع “إسرائيل”. حيث يشكّل حجم التبادل التجاري معها (3,326 مليون دولار) حوالي 73.4% من إجمالي حجم التبادل التجاري الخارجي للسلطة (4,533 مليون دولار)، وتشكّل عمليات الاستيراد معظمه (2,873 مليون دولار)، في حين تبقى عمليات التصدير محدودة للغاية (453 مليون دولار)، مما يلحق ضرراً شديداً بالاقتصاد الفلسطيني، ويجعل ميزان التبادل التجاري مختلاً لصالح الاحتلال باستمرار، وبشكل كبير.
كما بقي الاقتصاد الفلسطيني يعاني من الحصار وإغلاق المعابر المفروض على قطاع غزة منذ سنة 2007، حيث تم وقف العمل في ثلاثة من أصل أربعة معابر تجارية بشكل نهائي، ليقتصر العمل على معبر وحيد هو معبر كرم أبو سالم، المُعرّض للإغلاق في أي وقت تحت ذرائع مختلفة.
وبالانتقال إلى المؤشرات الاقتصادية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي نمواً مرتفعاً في سنة 2011 بمعدل نمو بلغ 10.7%، حيث ارتفع من حوالي 5,728 مليون دولار سنة 2010، إلى حوالي 6,339 مليون دولار سنة 2011. ولكن تجدر الإشارة إلى وجود تفاوت كبير بين نسبة إسهام كل من الضفة والقطاع في هذا الناتج، وخصوصاً إذا ما قورنت هذه النسبة بنسبة السكان في كل منهما، فقد بلغت نسبة إسهام الضفة (التي يقطنها نحو 61.8% من السكان) حوالي 73.1%، مقابل 26.9% لقطاع غزة (الذي يقطنه نحو 38.2% من السكان). وقد أسهمت عوامل عدة في هذا التفاوت، أبرزها الحصار المفروض على القطاع، وحالة الانقسام الفلسطيني الراهنة، بالإضافة إلى التفاوت في عدد السكان وحجم القوى العاملة ومساحة الأرض والموارد الطبيعية وغيرها.
وقد بلغ معدل دخل الفرد في الضفة الغربية وقطاع غزة حوالي 1,614 دولار في سنة 2011، مقارنة بحوالي 1,502 دولار سنة 2010، محققاً بذلك نمواً يقدّر بحوالي 7.5%. ولكن التفاوت بين الضفة الغربية وقطاع غزة كان واضحاً في هذا المؤشر أيضاً، حيث بلغ معدل دخل الفرد حوالي 1,981 دولار في الضفة، مقارنة بحوالي 1,073 دولاراً في القطاع.
هذا النمو وإن كان يمثل توجهاً إيجابياً، إلا أن اقترانه باستمرار الدعم الخارجي، وبقاء مستويات البطالة عند معدلات مرتفعة جداً، يعني أنه لا يشير بالضرورة إلى نمو جوهري. حيث بلغت نسبة البطالة 20.9% سنة 2011، مقارنة بـ 23.7% سنة 2010. وكان من الملاحظ أن نسبة البطالة في قطاع غزة بلغت 28.7% ، مقابل 17.3% في الضفة.
ارتفع إجمالي الإيرادات العامة للسلطة الفلسطينية خلال سنة 2011 بنسبة 14.5% مقارنة بسنة 2010، حيث بلغ حوالي 2,177 مليون دولار سنة 2011، مقارنة بنحو 1,900.9 مليون دولار سنة 2010. غير أن صافي الإيرادات المحلية سنة 2011 لم يتجاوز 688.1 مليون دولار أمريكي، أي ما نسبته 31.6% من صافي الإيرادات العامة (مقارنة بـ34.6% سنة 2010)، في حين جاءت النسبة المتبقية (68.4%) من إيرادات المقاصة الناتجة عن عمليات الاستيراد والتصدير الفلسطينية، التي تحصّلها الحكومة الإسرائيلية، والتي ارتفعت بنسبة 19.8%، حيث زادت من 1,242.9 مليون دولار سنة 2010 إلى حوالي 1,488.9 مليون دولار سنة 2011.
وبلغ إجمالي النفقات العامة للسلطة، بما فيها النفقات التطويرية، لسنة 2011 حوالي 3,254.6 مليون دولار، مقارنة بـ 3,259.3 مليون دولار سنة 2010، بنسبة انخفاض ضئيلة قدرها 0.1%. وقد بلغت نفقات الأجور والرواتب سنة 2011 ما مجموعه 1,677.9 مليون دولار، أي ما نسبته 51.6% من إجمالي النفقات، مقارنة بـ 1,564.1 مليون دولار سنة 2010، مثلت ما نسبته 48% من إجمالي النفقات.
وقد بلغت قيمة عجز الموازنة شامل النفقات التطويرية قبل احتساب الدعم الخارجي 1,077.6 مليون دولار سنة 2011، مقارنة بعجز قيمته 1,358.4 مليون دولار سنة 2010. وبلغت قيمة الدعم الخارجي (بما في ذلك التمويل التطويري) 983.3 مليون دولار سنة 2011 مقارنة بـ 1,277.3 مليون دولار سنة 2010.
وفي ظلّ الأوضاع الراهنة المتمثلة في استمرار الممارسات الإسرائيلية المتشددة الهادفة إلى تحجيم النشاط الاقتصادي الفلسطيني، وإبقائه تابعاً للاقتصاد الإسرائيلي، فإن احتمالات حدوث نمو اقتصادي حقيقي، أو تصحيح جوهري على مسار هذا النمو خلال سنة 2012، تبدو غير ممكنة، وذلك مع بقاء القيود المفروضة على حركة البضائع والأفراد في مختلف الأراضي الفلسطينية، على الرغم من التخفيف النسبي من هذه القيود في الضفة، إضافة إلى الحصار الاقتصادي الإسرائيلي الذي ما زال مفروضاً على قطاع غزة.
لتحميل الملخص التنفيذي، اضغط على الرابط التالي:
الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2011 والمسارات المتوقعة لسنة 2012 ( 33 صفحة، حجم الملف 530 KB)
الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2011 والمسارات المتوقعة لسنة 2012 ( 33 صفحة، حجم الملف 750 KB)*
*إذا كان لديك مشكلة في فتح الملف، اضغط هنا
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 11/4/2012
أضف ردا