تقدير استراتيجي (46) – حزيران/ يونيو 2012.
ملخص:
إن حكومة الوحدة الإسرائيلية لن تأتي بجديد في القضية الفلسطينية، إذ تتركَّز توجهاتها على تحقيق المزيد من عزل القيادات الفلسطينية، ورفض الاستجابة إلى الأصوات الفلسطينية المنادية بوقف الاستيطان كشرط لمتابعة العملية السلمية. الحكومة الإسرائيلية تستشعر جيداً حالة العالم العربي وحساسية موقف أوباما في سنة انتخابات رئاسية، بحيث أن القضية الفلسطينية لا تستحوذ على القلق الإسرائيلي الآني. و”إسرائيل” ماضية في تنفيذ مشروعها الاستيطاني مستفيدة من الضعف الفلسطيني، والضعف العربي، وتخفيض الولايات المتحدة لدورها الفاعل في العملية السلمية.
هذه الظروف مجتمعة: تمنح “إسرائيل” مزيداً من الأمن والهدوء. لكن السؤال إلى متى؟ هذا ما لا يمكننا الإجابة عنه سوى أن الأوضاع الحالية والتغييرات في العالم العربي حتماً ستقود إلى تغيير ستكون ثماره لصالح العرب وقضيتهم الكبرى.
مقدمة:
الاتفاق السري الذي تم بين بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية وزعيم حزب الليكود وبين شاؤول موفاز زعيم حزب كاديما، والذي لم تتسرب أخباره قبل الإعلان المفاجئ عنه في 7/5/2012، شكّل صفعة قوية ومدوية لباقي الأحزاب التي تشكل الكنيست الإسرائيلي الحالي، والتي بدأت تجهز نفسها لانتخابات مبكرة أعلن عنها نتنياهو نفسه لتكون في 4/9/2012.
أولاً: الدلالات الإسرائيلية:
1. وسّع من قاعدة ائتلاف حكومته ليشمل 94 عضو كنيست، بحيث لم يعد هناك أي أهمية للمعارضة، أي لم يعد لها وجود.
2. وسّع من قاعدة مصداقية حكومته أمام أعضاء ومؤيدي حزب الليكود بكونه لاعباً سياسياً بارزاً وفعالاً ويعرف كيفية إدارة الأمور السياسية لصالحه.
3. تضمن هذه الخطوة تحضير حزب كاديما لتفكيك ذاته حال الإعلان عن انتخابات برلمانية مبكرة أو في موعدها القانوني في خريف 2013. ويبقى أمام نتنياهو حزب العمل الذي سيُقوي من شعبيته في الأوساط الإسرائيلية. معنى ذلك أن نتنياهو لن يواجه حزبين قويين أمامه (أي كاديما والعمل)، بل حزباً واحداً.
4. في حال تفكك حزب كاديما (وهذا ما يرجح وقوعه) فإن موفاز (على الصعيد الشخصي لن يخسر شيئاً) سينضم إلى صفوف الليكود ويُحضر معه عدداً من الأعضاء البارزين في كاديما، وبالتالي يكون نتنياهو هو الزعيم الوحيد القوي الذي يستطيع إدارة حكومة “إسرائيل” لسنوات طويلة.
5. عزّز نتنياهو من مكانة حزبه داخل الائتلاف الحكومي وفوّت الفرصة على الأحزاب الصغيرة وخاصة المتدينة من ابتزازه، كما كانت تفعل منذ تشكيل الائتلاف الحكومي. إذ أن حزبي الليكود وكاديما بإمكانهما تشكيل حكومة دون الحاجة إلى هذه الأحزاب، وذلك على النحو التالي: الليكود 27 عضواً، كاديما 28 عضواً، وحزب الاستقلال بقيادة إيهود باراك 4 أعضاء، وحزب “إسرائيل” بيتنا 15 عضواً، فيكون المجموع 74 عضواً. أما إذا أراد نتنياهو التخلّص من حزب “إسرائيل” بيتنا بسبب تفوهات ومواقف زعيمه ليبرمان، وما سببه من إحراج لنتنياهو في المحافل الدولية، فالبديل هو حزب شاس (المتدينون الشرقيون)، وعندها يكون الائتلاف الحكومي مكوناً من 70 عضواً. إذًا، في الحالتين ضمن نتنياهو بقاءه في رئاسة الحكومة وزعامة حزب الليكود وفرض رأيه دون معارضة تُسمِع صوتاً قوياً.
6. بات واضحاً أن نتنياهو لا يفكر ولا يخطط للمرحلة الراهنة وتداعياتها الضيقة والمحدودة، بل يخطط للمستقبل، إذ إنه يريد مسبقاً وقبل ولوج المعركة الانتخابية للكنيست القادم ضمان فوزه برئاسة الحكومة، وفوز حزبه بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية التي يمكن أن تصل إلى 40 مقعداً. أضف إلى ذلك أن عملية التخلّص من حزب كاديما تدفع الحياة السياسية والحزبية في “إسرائيل” نحو تقليص عدد الأحزاب.
7. يبدو جلياً أن هذا الاتفاق بين نتنياهو وموفاز لتشكيل ائتلاف حكومي واسع سيخفف من وطأة وضغط الأحزاب المتدينة المعارضة من جهة داخل حكومته، وأيضاً – وفقاً لمنظور المحللين السياسيين في “إسرائيل” – سيضع حدًّا للامتيازات والتفضيلات التي يحصل عليها المتدينون والمستوطنون. أضف إلى ذلك أن نتنياهو بشكل خاص هو من القرّاء الجيدين لتداعيات سلوك المستوطنين فلسطينياً وإسرائيلياً وإقليمياً ودولياً، لهذا لن يجرؤ على التخلص منهم أو الحد من نشاطهم الاستفزازي والبطشي إلا بهذا التحالف مع موفاز – كاديما وتشكيل حكومة وحدة .
8. حكومة الوحدة هذه ستسهم في تحجيم بل تقليص نشاط حزب التغيير الاجتماعي الذي أسسه وأعلن عنه الإعلامي الإسرائيلي يائير لابيد (والده طومي لابيد زعيم حزب شينوي الذي انهار كلياً في الانتخابات البرلمانية السابقة). وهكذا يُفوّت نتنياهو الفرصة على لابيد في كسب تأييد الشارع الإسرائيلي خاصة في تل أبيب وما تبقى من فلول اليسار الإسرائيلي.
9. ضم كاديما إلى الائتلاف الحكومي لن يُحدث تغييراً جذرياً أو يشق طريقاً في مفاوضات الحل الدائم بالنسبة للأراضي الفلسطينية، مقابل ذلك يمكن لموفاز أن يمنح نتنياهو من خبرته وتجربته الثرية في كل ما يمكن أن يضمن عملية الإبقاء على البؤر الاستيطانية وتحقيق مزيد من نهب الفلسطينيين. فمنذ النكبة مروراً بالحكم العسكري وبعد 1967 ساهمت حكومات الوحدة الإسرائيلية في حلقات متواصلة من نهب وسلب الفلسطينيين دون أن تسهم في تحسين العلاقات أو السعي إلى حل للنزاع.
10. نتنياهو وباراك وموفاز متساوون في المجالين السياسي والعسكري، الأمر الذي يضمن سهولة اتخاذ قرار بشأن وضع خطة عسكرية لضرب إيران، مع احتمال تسديد ضربة على حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة في الوقت ذاته أو بالتزامن.
هنا وفي الملف الإيراني لن تكون مغامرة عسكرية يقوم بها نتنياهو لوحده، بل بشراكة مع مستوى سياسي ذي خلفية وتاريخ عسكري حافل، القصد باراك وموفاز.
ثانياً: التداعيات الفلسطينية:
1. لا يوجد أي منطلق في الاتفاق المبرم بين حزبي الليكود وكاديما لحل جذري وشامل للنزاع العربي – الإسرائيلي، ولا لتحقيق سلام أو تسوية معقولة مع الفلسطينيين. ما يحمله هذا الاتفاق والحكومة الجديدة بالشراكة مع كاديما هو دعم واسع لنتنياهو حصرياً لإدارة النزاع والصراع عربياً وفلسطينياً بشكل خاص. أي أن هذا الاتفاق سيُعزز مواقف نتنياهو ويُمكّنه من التصلّب فيها، لما هو معروف عن موفاز بخلفيته العسكرية من تصلب وتشدد.
2. في حالة تعرّض الحكومة الإسرائيلية بتركيبتها الجديدة إلى ضغوط أمريكية من جانب الرئيس أوباما بقصد منه لدفع عجلة العملية السلمية إلى الأمام في حالة فوزه في دورة رئاسية ثانية، فإنه سيواجه حكومة إسرائيلية متصلبة ومتشنجة تقول له إنها تمثل أوسع قاعدة تأييد شعبية لم تشهدها “إسرائيل” منذ عقود، وإن هذا التأييد يعكس مواقف الشارع الإسرائيلي. إزاء ذلك ستعمل حكومة الوحدة الإسرائيلية على تصوير الإجماع العام في “إسرائيل” في مواجهة القضية الفلسطينية بأن الأمر لم يعد محصوراً في حزب الليكود أو أي حزب صغير آخر في الحكومة.
3. حكومة الوحدة الإسرائيلية غير منشغلة بالقضية الفلسطينية بقدر ما هي منشغلة بالملف الإيراني، وتحضير الأجواء العامة في “إسرائيل” والولايات المتحدة والغرب لضرب المنشآت النووية الإيرانية بعد عزلها عن أي تأييد خارجي، بما فيه الروسي، إذ إن أطرافاً إسرائيلية (منها الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز) تعمل على تحقيق هذا الجانب، أي تخفيف الدعم الروسي لإيران.
4. ستظهر حكومة نتنياهو بكامل حلّتها “الديموقراطية”، بل وكأنها “سيدة الديموقراطية” والاستقرار السياسي في الشرق الأوسط، مقابل حالة الغليان والفوضى التي يمر بها العالم العربي في عصر الثورات، وسيستخدم ذلك للادعاء بأن “إسرائيل” هي الأكثر استقراراً وهدوءاً، في حين أن العالم العربي هو الأكثر توتراً وفوضوية منتظراً المجهول.
5. تهديد ووعيد نتنياهو، وكذلك موفاز، قبل حكومة الوحدة وبعدها بأن على محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية الاختيار بين السلام وبين حماس، أي بين “إسرائيل” التي تمد يدها للسلام (كما يدعي نتنياهو وموفاز وغيرهما) وبين الإرهاب. القصد هنا أن حكومة الوحدة الإسرائيلية ستعمل على عرقلة مساعي المصالحة الفلسطينية التي تعاني من مراوحة في مكانها منذ انطلاقتها برعاية مصرية في العام الماضي، ويبدو أن أفق المصالحة غير مرئي في المنظور القريب.
ثالثاً: مقترحات:
1. إن توسيع قاعدة الائتلاف الحكومي في “إسرائيل”، يدعو قيادة م.ت.ف والسلطة وحركة فتح إلى عدم الرهان على عودة أوباما وممارسته الضغط على هذه الحكومة ورئيسها نتنياهو، لأن هذا الضغط في الغالب سيكون من غير جدوى، تماماً كما حصل في الفترة الرئاسية الأولى.
2. إن وضع الملف النووي الإيراني كأولوية على أجندة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، واستمرار السياسة الإسرائيلية نفسها بخصوص الاستيطان وباقي قضايا الحل النهائي، يعني عدم جدوى الرهان على سياسة الانتظار لحين ظهور حكومة إسرائيلية أخرى، من الممكن أن تعدل من مواقفها تجاه استحقاقات التسوية.
3. العودة إلى الوحدة الفلسطينية على أساس برنامج سياسي وطني متوافق عليه، واستراتيجية شاملة لمواجهة الاحتلال.
* يتقدم مركز الزيتونة للدكتور جوني منصور بخالص الشكر على كتابته النص الأساسي الذي اعتمد عليه هذا التقدير.
أضف ردا