يسر مركز الزيتونة أن ينشر الملخص التنفيذي لحلقة النقاش التي أقامها المركز في بيروت بتاريخ 28/6/2012، بعنوان “أزمة المشروع الوطني الفلسطيني: الآفاق المحتملة” والتي توزعت أعمالها على ثلاث جلسات، بمشاركة متميزة لـ 43 من النخب السياسيين والمتخصصين والأكاديميين والمهتمين بالشأن الفلسطيني وممثلين عن الفصائل الفلسطينية. | لتحميل الملخص بصيغة للتحميل (KB 390)لتحميل الملخص بصيغة للتحميل (KB 528) |
الملخص التنفيذي: أزمة المشروع الوطني الفلسطيني الآفاق المحتملة
أقام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت حلقة نقاش بعنوان “أزمة المشروع الوطني الفلسطيني… الآفاق المحتملة” توزعت على ثلاث جلسات، شارك فيها 43 من ممثلين عن الفصائل الفلسطينية إضافة إلى نخبة متميزة من السياسيين والمتخصصين والأكاديميين والمهتمين بالشأن الفلسطيني.
افتتح الحلقة المدير العام لمركز الزيتونة د. محسن محمد صالح مستعرضاً أبرز النقاط التي سيتناولها برنامج الحلقة في ظلّ انسداد مسار التسوية للقضية الفلسطينية، وتعطل المقاومة الفلسطينية، وتعثر المصالحة الوطنية، وتفاعل فلسطيني لا يتناسب مع التغييرات في البيئة العربية، مشدداً على ضرورة أن يكون نقاش أزمة المشروع الوطني الفلسطيني هدفه الوصول إلى الحلول والآفاق المحتملة لهذه المسارات.
وأبدى د. صالح تساؤلات حول مدى تأثير الاختلاف الأيديولوجي على مسارات العمل الوطني الفلسطيني، وكيف يمكن التخفيف من آثاره. وأكد ضرورة ترتيب الأولويات الفلسطينية، ووجود بيئة واحدة تضم كافة الأطياف الفلسطينية، مشدداً على أهمية قراءة تجربة المشروع الوطني قراءة نقدية جادة، كما دعا إلى إعادة البعد الفلسطيني والعربي والإسلامي للقضية الفلسطينية، وإلى التماس مسارات تعيين صناع القرار الفلسطيني على اتخاذ القرار المناسب لتفعيل برنامج العمل الوطني الفلسطيني.
الجلسة الأولى
الجلسة الأولى: تسلم إدارتها أ. نافذ أبو حسنة، وقدم الأوراق كل من:
أ. رفعت شناعة: “رؤية فتح”.
أ. أسامة حمدان: “رؤية حماس”.
د. ماهر الطاهر: “رؤية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”.
افتتح الجلسة الأولى أ. نافذ أبو حسنة بالتساؤل عما إذا كان هناك مشروع وطني فلسطيني قائم أم لا؟ وأكد أن الشعب الفلسطيني عبر كفاحه ونضاله استطاع أن يفرض قضية فلسطين على كلّ الأجندات.
ثم تحدث رفعت شناعة حول رؤية حركة فتح للمشروع الوطني الفلسطيني؛ قائلاً إن حركة فتح آمنت منذ البداية بأن مهمة تحرير الأرض وتحقيق الأهداف الوطنية تقع على عاتق مختلف قوى وشرائح ومكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، ومهما تباينت الأيديولوجيات والمعتقدات فإن العدو الإسرائيلي هو الهدف الأساسي للكفاح الوطني، وإن الشهيد الرمز ياسر عرفات كان له الفضل الأول في وضع حجر الأساس للمشروع الوطني الفلسطيني، ومن هذه الأسس التي وضعها هي الوحدة الوطنية.
وقد نجح المشروع الوطني في استعادة الهوية الوطنية، وفي خوض الصراع ضدّ الاحتلال، كما نجح في الحصول على الاعتراف العربي والدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف)، وكذلك نجحت في قيادة مسيرة الكفاح الوطني حتى الآن على الرغم مما تعرضت له من هزات أمنية وسياسية وعسكرية خلال الفترة السابقة.
وبعد اتفاق أوسلو والاعتراف المتبادل بين حكومة “إسرائيل” ومنظمة التحرير، تمكنت م.ت.ف من الدخول إلى الأراضي الفلسطينية وأنشأت السلطة الوطنية، وعاد إلى الأراضي الفلسطينية حوالي 250 ألف فلسطيني، وهكذا أصبح المشروع الوطني وجهاً لوجه مع الاحتلال، وأصبحت المسؤوليات معقدة، أما تنفيذ الاتفاقيات الموقعة فكان معركة يومية، إذ كان الاتفاق ينص على أن مرحلة انتقالية تنتهي في سنة 1999 إلا أن الضغط الإسرائيلي استمر في التعطيل ثم في التصعيد، لنجد أنفسنا اليوم في سنة 2012 والأراضي الفلسطينية بكاملها محتلة، والعدو يتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني.
وفي هذه السنوات الأخيرة أصبحت مجمل الأهداف والحقوق الوطنية في خطر حقيقي، وهذا يعود إلى الأسباب التالية:
أولاً: إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بعد إسحق رابين دمرت أية إمكانية للوصول إلى حلول سياسية، وأثبتت عملياً أن الجانب الإسرائيلي لا يريد حلاً سياسياً. ثم جاء نتنياهو لينسف آخر ما تبقى من حل الدولتين.
ثانياً: اعتمدت الحكومات الإسرائيلية سياسات استيطانية تقوم على مبدأ فرض الوقائع على الأرض.
ثالثاً: بعد أن حصلت حماس على أغلبية الأصوات في المجلس التشريعي في انتخابات سنة 2006، وقامت بتشكيل الحكومة أصبح هناك رأسان في السلطة، وهنا بدأت مرحلة جديدة من الخلاف الداخلي بين المشروع الوطني الذي يقوده الرئيس محمود عباس أبو مازن، ومشروع حماس الرامي إلى إقامة كيان منفصل في قطاع غزة.
رابعاً: لم تعد المعالجة للواقع الفلسطيني الجديد سهلة بعد الذي حصل، وكانت له تداعيات على الصعيد الدولي والعربي والفلسطيني، وقد تعاطت قيادة فتح بإيجابية مع كل المساعي المبذولة للمصالحة، وشاركت باهتمام في جولات الحوار التي حصلت، ووقعت على الاتفاقات بدون تردد وكان آخرها في أيار/ مايو 2011، ثم في كانون الأول/ ديسمبر 2011 في القاهرة، ثم في قطر في سنة 2012، وكنا بانتظار الموافقة الميدانية من قبل حماس، لكننا فوجئنا بأن الاتفاق الأخير قد تمّ تجميده بانتظار نتائج الانتخابات المصرية!
خامساً: إن “إسرائيل” تعزِّز مشروعها السياسي والاستيطاني مستفيدة من حالة العجز السائدة في الساحة الفلسطينية، وتخطط لتصفية القضية، وربما تذهب الحكومة الإسرائيلية باتجاه الحل على حساب الأردن، يجري هذا كله، والواقع الفلسطيني لا يملك القدرة على النهوض.
أمام هذا المأزق الذي يعيشه المشروع الوطني الفلسطيني فإننا نرى التالي:
أ. لا بدّ من العودة إلى وثيقة الأسرى الموقَّعة من كافة الفصائل.
ب. لا بدّ من الإسراع إلى صياغة استراتيجية جديدة تشمل كافة القضايا الجوهرية؛ كالمقاومة الشعبية، وشروط المفاوضات، وتفعيل أطر م.ت.ف، ونحن نقول إنه بعد المواقف السياسية الأخيرة لحماس، والتي لا تختلف عن مواقف م.ت.ف أصبح بالإمكان الاتفاق على البرنامج السياسي، والانتقال إلى مرحلة المواجهة الحقيقية والميدانية ضدّ الاحتلال.
ج. إنّ الردّ على الاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته ومخططاته لا يكون بإطالة عمر الانقسام، ولا باتخاذ قرارات عشوائية، وإنما يتم ذلك بدراسة الخيارات المطروحة لاعتماد الخيار الأنسب، من قبل قيادة موحَّدة، تحمل رؤية موحَّدة، وبرنامجاً واحداً.
د. على كافة الفصائل والقوى والشرائح الفلسطينية في الداخل الانخراط في أوسع مشاركة شعبية لمقاومة الاحتلال، والجدار، والاستيطان، والاستفادة من تجربة الانتفاضة الأولى.
إن الانقسام الذي تشجعه “إسرائيل” وتعمل على استمراره هو السدّ المنيع الذي يعيق تنفيذ كافة المشاريع، وليكن واضحاً أنه في غياب الوحدة الوطنية لن تكون هناك مقاومة فعلية، ولن تكون هناك مفاوضات، ولن يستطيع طرف فلسطيني مهما ارتفع صوته الإعلامي أن يوقف عملية التهويد، أو يمنع الاستيطان، أو يحمي المقدسات، أو يمنع استيراد بضائع المستوطنات، أو يخفف معاناة الأسرى، أو يَحول دون هدم مئات البيوت شهرياً في القدس والخليل ونابلس.
إن الشعب الفلسطيني ليس عاقراً، إنه شعب مبدع وخلاّق ويمتلك القدرة على الفعل والتغيير، ونحن بحاجة إلى مرجعية نقدية موضوعية لأخذ زمام المبادرة، والانتقال من دائرة التنظير إلى دائرة الفعل وصناعة المستقبل.
وهنا تساءل أ. أسامة حمدان هل هناك فعلاً مشروع وطني فلسطيني أم لدينا مشاريع يحاول كل واحد منا أن يقول أنها المشروع الوطني؟ وأكد “إننا بحاجة ابتداء لتعريف بعض المصطلحات”؛ ماذا نعني بالوحدة الوطنية؟ ماذا نعني بالمشروع الوطني؟ ماذا نعني بالبرنامج السياسي؟ ماذا نعني بالمقاومة؟ هل هناك فعلاً تداول للسلطة في م.ت.ف التي قادها منذ سنة 1969 حتى سنة 2004 (35 سنة) أبو عمار؟ حتى مصطلح المقاومة بين المغامرة والعقلانية؟
وتساءل: “هل هناك عقلانية في نضال شعب يتحرر من قوة باطشة تريد أن تسحقه وتعبر عن سحقه بالاحتلال؟ العقلانية الوحيدة أن تتمسك بحقك”.
وقال إنه من الممكن تلخيص أسباب الأزمة فيها بالنقاط التالية:
1. غياب المرجعية الوطنية الموحدة: مرجعية الاختيار الشعبي في الداخل والخارج.
2. الأداء التكتيكي بدل الاستراتيجي.
3. إخضاع الواقع الوطني للإرادة الإسرائيلية: إن نقل سلطة القيادة من م.ت.ف إلى السلطة الفلسطينية أخضع كل أوراق القوة الفلسطينية للإرادة الصهيونية، ومكنها من القدرة على الجانب الفلسطيني من خلال ما يلي:
• التأثير على القرار القيادي.
• إمكانات البقاء: إن الحكومة لا بدّ أن تكون مقبولة لدى الاحتلال وداعميه وإلا فلن يتعامل معها.
• أما الأمن فهو بيد العدو، ولا أمن فلسطيني، ومقياس نجاح الأمن مرتبط بمدى قهر المقاومة ومنعها من ممارسة دورها وملاحقة كوادرها وجمهورها.
• الاختلاف في تعريف المشروع الوطني الفلسطيني.
وأضاف أنه من الممكن تلخيص الأولويات في عناوين محددة:
1) الاتفاق على تعريف وتحديد المشروع الوطني الفلسطيني.
2) ترتيب البيت الفلسطيني وتوحيد القيادة.
3) إطلاق مشروع مقاومة شامل في مواجهة الاحتلال شعبياً – سياسياً – إعلامياً…إلخ، وصولاً إلى المقاومة المباشرة والمسلحة بكل أدواتها ضد الاحتلال.
4) تقويم تجربة التفاوض، من شأنه إعادة توجيه المسار العام للقضية الفلسطينية.
5) استعادة الدور العربي والإسلامي على المستويين الرسمي والشعبي.
6) استعادة الدعم الدولي للقضية الفلسطينية.
وما لم يحدث ذلك فستستمر الأزمة ويستمر المأزق الفلسطيني.
ثم تحدث عن المقاومة والتسوية، فقال إن هناك جدلية تسود لدى فريق التسوية تقول: إن 62 عاماً من القتال لم تؤدِ إلى شيء، فيما أدت التسوية الى عودة عشرات الآلاف إلى الوطن.
وهو منطق يسهل الرد عليه بالقول: إن عشرين عاماً من التسوية ساهمت في هدم مسار طويل من النضال والمقاومة، وفتحت الباب لتطور سريع في مشاريع الاستيطان وتهويد القدس وجدار الفصل العنصري، علاوة على دخول قضية اللاجئين في متاهة سياسية دولية.
وحتى لا نستغرق في جدل من هذا النوع فإن المطلوب، الإجابة على سؤال مركزي مهم:
ما هو المشروع الأصيل لمن يقع شعبه ووطنه تحت الاحتلال؟ والجواب ببساطة متناهية هو التخلص من الاحتلال بالمقاومة بكل أشكالها، أما التسوية فهي ليست عملاً سياسياً ينجز أهدافاً وطنية، بل هي استسلام وارتهان لإرادة العدو.
وعدَّد أ. حمدان البدائل، وهي:
أولاً: تقويم السلطة وجعلها رافعة وطنية.
ثانياً: تطوير آليات صناعة القرار الوطني الفلسطيني، وتقليل تأثيرات السياسة الدولية السلبية عليها.
ثالثاً: الاستفادة من التحولات الجارية في المنطقة: وهذه التحولات تنطوي على فرص وتحديات بالنسبة للمنطقة وللشعب الفلسطيني وقضيته، ويجب علينا أن لا نقف موقف المتفرج بل أن نخطو خطوات عملية لتحقيق ذلك، وفيما يلي ما يمكن اعتبارها من أهم الخطوات:
1. إعادة تقديم المشروع الوطني للأمة، ولا بدّ أن يكون منسجماً معها.
2. استعادة دور الأمة.
3. الانحياز للأمة واختياراتها وعدم الوقوف ضدها.
4. عدم التورط في معارك جانبية.
5. العمل مع الجميع في أمتنا من أجل منع وقوع فتنة في الأمة (سواء كانت طائفية أم مذهبية أم عرقية)، وتقديم قضية فلسطين وقضية الصراع مع العدو الصهيوني كقضية جامعة للأمة.
وفي الخاتمة، قال أ. حمدان، إن المشهد المنظور في الواقع الفلسطيني يضعنا أمام خيارين:
1) إعادة بناء الواقع الفلسطيني على قاعدة مشروع التحرير والعودة، وهذا الذي سيخرج القضية من مأزقها.
2) الاستمرار في التجاذب الداخلي، وهذا يعني مزيداً من الخسائر.
ثم أدلى أ. حمدان بملاحظة في موضوع المصالحة، هي أن لقاء القاهرة تمّ تجميده، وتجميد اللقاءات التي اتُفِقَ عليها بانتظار نتائج الانتخابات المصرية بطلب من حركة فتح حمله الوسيط المصري. وأضاف أن مسار الانقسام بدأ في ظلّ الاستقواء بالمعادلة الإقليمية والدولية لسحق خيار المقاومة، أرجو أن لا يظن أحد أن المصالحة أيضاً ستتحقق بخيارات الاستقواء.
وحول رؤية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قدم د. ماهر الطاهر ورقته التي قال فيها:
سأتحدث عن رؤية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعن رؤيتي ولا أستطيع أن أتحدث باسم كل اليسار الفلسطيني لأنني لا أضمن بأن ما سأقوله يعبر عن وجهة نظر أطياف اليسار المختلفة.
إن الساحة الفلسطينية تعيش أزمة عميقة وشاملة تطال مختلف جوانب العمل الوطني؛ فكرياً وسياسياً وتنظيمياً وكفاحياً، أي أن الأزمة لها أبعاد مختلفة؛ فهناك أزمة سياسية وأزمة على الصعيد العسكري والمقاومة، كما هناك أزمة رؤية وفقدان لاستراتيجية عمل واضحة على جميع الأصعدة.
وقد مرت القضية الفلسطينية في منعطفات تحول خطيرة تمثلت في:
1. نكبة 1948: عاش الشعب الفلسطيني حينها حالة من الضياع، ولكنه نهض من تحت الركام وفجر ثورته المسلحة سنة 1965، وكان قبل ذلك قد تم تأسيس م.ت.ف بقرار عربي سنة 1964 وتم صياغة الميثاق القومي للمنظمة التي عبرت عن الشخصية الوطنية الفلسطينية.
2. هزيمة حزيران سنة 1967: وهي نقطة تحول في الواقع العربي والفلسطيني، وقد شُكلت الثورة الفلسطينية كأحد أشكال الرد على الهزيمة، كما كانت الثورة في نقطة متقدمة ووفرت تعويضاً نفسياً هائلاً بعد الهزيمة، لكن في الوقت ذاته دخلت القضية الفلسطينية في منزلق خطير، إذ بعد الهزيمة تمّ استبدال شعار تحرير فلسطين بشعار إزالة آثار العدوان والموافقة على القرار 242 والحديث عن الانسحاب من الأراضي المحتلة سنة 1967.
3. حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 وما بعدها: حيث تمّ الانتقال العملي لفكر التسوية والمفاوضات والحل السياسي.
4. توقيع اتفاق كامب ديفيد: الذي أخرج مصر أكبر دولة عربية من دائرة الصراع، وهذا أدى إلى تدمير هائل للقضية الفلسطينية، على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي. وانتقلت الساحة الفلسطينية ذاتها، بتأثير الوضع العربي والدولي، من فكر المقاومة والتحرير الشامل إلى فكرة ونهج التسوية في ظلّ اختلال عميق في موازين القوى.
5. طرح فكرة الحل المرحلي والدولة الفلسطينية على أراضي 1967: وهنا بدأت الأزمة في الساحة الفلسطينية، وانقسمت الساحة الفلسطينية انقساماً عميقاً بين نهج التسوية ورفض التسوية، وتأسست جبهة الرفض إلى أن تمّ الاتفاق على الهدف المرحلي بعد مخاضٍ وصراع طويل ولكن تم الاتفاق على هذا الهدف على أساس ربط المرحلي بالاستراتيجي واعتبار الدولة على أراضي 67 خطوة على طريق تحقيق الهدف الاستراتيجي بتحرير فلسطين، وتم رفع شعار حق العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة وعاصمتها القدس، كشعار وهدف مترابط وشكل ذلك برنامجاً لـ م.ت.ف.
وهنا يبقى طرح سؤال أساسي: هل وقعت القيادة الرسمية والساحة الفلسطينية في خطأ استراتيجي عندما تبنت فكرة الهدف المرحلي أم أن هذا شكل تطوراً في عقل السياسي الفلسطيني؟ هذا السؤال يحتاج إلى نقاش جادٍ وموضوعي وصادق في الساحة الفلسطينية.
وهل هذا الهدف المرحلي ما زال صالحاً، أم أن هناك استحالة للوصول إلى حل سياسي مع الكيان الصهيوني؟
6. اتفاق أوسلو: الذي رسخ ورسَّمَ التنازل الفلسطيني عربياً ودولياً وأوجد واقعاً جديداً حيث تم الاعتراف بحق “إسرائيل” في الوجود، وتم ضَرْب ميثاق م.ت.ف، وتم إخراج أهلنا في أراضي الـ 1948 من المعادلة، كما طرحت علامة سؤالٍ كبرى حول مصير اللاجئين في الشتات؟ وأصبح الرهان عند القيادة الرسمية على عوامل خارجية ودولية وإقليمية وليس على العامل الذاتي الفلسطيني، وأصبحت القضية الفلسطينية مسؤولية فلسطينية وليست القضية المركزية للأمة.
وقد كان مؤتمر الرباط سنة 1974، الذي جعل م.ت.ف ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، شعارُ حقٍّ يُراد به باطل، وهو خدعة مدروسة للتخلي عن المسؤولية العربية تجاه القضية، فتصبح الحجة نقبل بما تقبل به قيادة م.ت.ف.
من الأسباب التي عمقت الأزمة:
• العلاقة مع الأنظمة على حساب الشعوب.
• انخراط حماس في السلطة وفشل قواعد اليسار في تشكيل إطار فاعل، وباتت “إسرائيل” تخطط لانسحاب أحادي الجانب من الضفة بعد تشكيل ما سمي بحكومة الوفاق الوطني (نتنياهو – موفاز).
• تمّ الوقوع في أخطاء ذات طبيعة استراتيجية، وانهارت الاستراتيجية لصالح تكتيك مرتبك.
• مركز الثقل للثورة كان لفترة طويلة في الخارج مع إهمال الداخل، وانتفاضة 1987 غيرت المعادلة ولكن بعد أوسلو تمّ الوقوع بخطأ معاكس، حيث أصبح الثقل في الداخل وتم إهمال الخارج.
وإن المعالجة تكون بالأمور التالية: إنهاء الانقسام، إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير، اعتماد المقاومة كخيار استراتيجي، إعادة الاعتبار لشعار تحرير فلسطين، وإعادة البعد العربي والإسلامي والدولي العالمي للقضية.
وفي مداخلات المشاركين على أوراق الجلسة الأولى:
قدَّم أ. وليد محمد علي تساؤلاً حول ما يُقصد من طرح المقاومة الشعبية؟ مستغرباً ممن يقول إنه لا يدخلها الكفاح المسلح! ومضيفاً أن هناك اختلافاً على معنى فلسطين؟ فنحن لا نجرؤ على اعتماد كتاب جغرافيا يُدرّس في مدارسنا، وقال إنه إذا أردنا صياغة مشروع يجب علينا أولاً أن نتفق أين هي فلسطين.
أما غزة فعدّ أنها فعلاً هي الأرض المحررة ويجب أن ننطلق منها لاستكمال المشروع الوطني الفلسطيني خاصة في ضوء المتغيرات. وأضاف أن أزمة مشروعنا الوطني هي في اعتقادنا الواهم أننا نستطيع وحدنا مواجهة المشروع الصهيوني المرتكز على حركة صهيونية عالمية وعلى مشروع الاستعمار الذي يهدف إلى إبقاء المنطقة متخلفة ومسيطر عليها. إذا لم يتضمن أي مشروع فلسطين رؤية ليصبح هذا المشروع جزءاً من مشروع للأمة العربية والإسلامية، جزءاً من صراع إنساني، بين العنصرية وبين من يرفض العنصرية، أنا أعتقد أننا سنبقى في الدوامة.
ورأى د. مجدي حماد أن الورقتين المقدمتين عن رؤية حركتي فتح وحماس تشكلان نموذجاً عملياً للانقسام الحاصل على الساحة الفلسطينية، وأضاف: إذا ما قلنا إنه لا يوجد مشروع وطني فإذن لا يوجد قيادة! وعلى حماس وفتح ألاّ تدّعيان أنهما تقودان الشعب الفلسطيني!
واعتبر أن اتفاق أوسلو قسّم الشعب إلى ثلاث مجموعات؛ مجموعة في الأراضي المحتلة سنة 1948 لم يرِد لها ذكر في اتفاق أوسلو، والمجموعة الثانية في الضفة الغربية وغزة وهؤلاء حصراً الذين تكلمت عنهم أوسلو، والمجموعة الثالثة وهم 5.5 ملايين في الشتات لم يَرِدْ ذِكرهم في أوسلو.
كما تحدث عن الديموقراطية في ظلّ أبو عمار وتداول السلطة، منتقداً بقاء أبو عمار في السلطة لمدة 35 عاماً حتى توفي، إذ كان يرفض تعيين رئيساً للوزراء لأن هذا يُعدّ اقتساماً للسلطة، منوهاً أن حماس ليس لديها تداول للسلطة أيضاً، إذ يتكلمون اليوم عن تعديل النظام السياسي حتى يبقى خالد مشعل.
وحول م.ت.ف عدّ أن الاعترافات التي قامت بها هي من أسوأ الاعترافات في التاريخ؛ إذ لأول مرة في التاريخ يتنازل رئيس م.ت.ف عن ثلثي الأرض، حيث يعترف بـ”إسرائيل” التي تمثل 78% من فلسطين، ويتنازل عن ثلثي الشعب في أراضي الـ 1948 وفي الشتات، والاعتراف بـ”دولة إسرائيل” كان مقابل الاعتراف بالمنظمة، وليس بحق الشعب بدولة على الأقل بحدود الـ 67!
وفي حديثه عن المشروع الوطني، فقد أكد أنه لا يسمى وطنياً إذا لم يكن يهدف إلى تحرير كامل التراب الوطني، وقال إن فتح تحمل فكرة التسوية، وهذا معروف، لكن موافقة حماس على التهدئة ألا يُعد مهادنة للعدو؟! وكذلك توقيعها على اتفاق مكة “المذل”؟! وشبّه حالها بحال د. محمد مرسي، رئيس مصر المنتخب بعد ثورة 25 يناير، حين أكد على احترام الاتفاقيات والالتزامات الدولية، متسائلاً لماذا تحترمها؟ بل احترم الشعب ولا تقل ذلك!
أما العميد أمين حطيط فقد رأى أن المشروع الوطني البديهي لأي شعب تحت الاحتلال هو تحرير أرضه وقيام قراره المستقل، أما أزمات المشروع الوطني الفلسطيني البديهي تبدأ أولاً بالمأزق الأول وهو الانقسام حول المشاريع المعدة لفلسطين، والآن نجد أن هناك ثلاثة مشاريع على الأقل، هي:
1. مشروع غربي تصفوي بأشكال متعددة آخرها حلّ الدولتين، هذا ليس مشروعاً وطنياً.
2. مشروع مرحلي نصف تصفوي يقوم على امتلاك سلطة ووعد بمقاومة، وهذا أيضاً لا يعد مشروع وطني.
3. المشروع الوطني الحقيقي، الذي يستجيب لبديهيات الأمور، هو القول بتحرير كامل فلسطين بدون أدنى تنازل. وهنا نصطدم بعقبة أوسلو الذي كان جريمة بحق المشروع الوطني ويجب التوقف عن المفاخرة بها.
والمأزق الثاني، وفقاً لحطيط، هو تلك النزعة الكارثية في جعل الحق الحصري لـم.ت.ف في قيادة المسألة الفلسطينية، ينبغي أن نعترف أن الغرب اعتدى على الجسم العربي والإسلامي وأطلق سهماً أصاب به نقطة اسمها فلسطين، الجسم كله مصاب، وفلسطين هي مكان الأثر للسهم، لذلك فلسطين شأن عربي وإسلامي وإنساني.
والمأزق الثالث؛ هو التنسيق الأمني الذي يُعدّ خطراً على المشروع الوطني لأنه يلغي المقاومة، وكذلك التهدئة والإقرار بإمكانية ضبط بندقية المقاومة خطر على المشروع الوطني، والقول باتفاق مع عدو يحتل أرضي خطر على المشروع الوطني.
وبالتالي نحن نرى أن المشروع الوطني اليوم في أقصى درجات مآزقه، يجب أن نُدرك أن المصالح الغربية تتنافى مع مصالحنا، ولذلك إنّا غير قادرين على تسوية النزاعات الداخلية، وأنا غير متفائل بإجراء مصالحة فلسطينية بين طرفين كلّ منهما يريد إلغاء الآخر. لذلك يجب تنظيم الخلاف ونبذ النزاع واختيار المشروع الوطني الفلسطيني الحقيقي وهو التحرير وامتلاك القرار الفلسطيني وحرية تقرير المصير.
وقال أ. صلاح صلاح: إن المشروع الوطني هو نتيجة نضالات شعوب وليس مشروع فرد، واليوم ليس عندنا مشروع وطني؛ فقد بدأ الاعتداء عليه في أوسلو ثم أُجهِز عليه في المؤتمر الوطني في عمّان، كما أننا نفتقد للمرجعية حيث لدينا سلطتان في الضفة وغزة ولدينا م.ت.ف أما مرجعية فلا يوجد، والمرجعية الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها هي “الشعب الفلسطيني”.
بينما قال أ. حلمي موسى إن ما تمّ عرضه من مشاريع أظهر أن القيادات الفلسطينية تجيد مهنة مهمة جداً هي “إعادة إنتاج الأزمة” أي عنصر “شيطنة الآخر”؛ فكلمة شناعة تظهر أن فتح لم ترتكب أية خطيئة والعيب دائماً في “إسرائيل” والعالم وحماس، وكلمة حمدان تحمل مسؤولية الأخطاء لأوسلو وفتح والآخر، بينما الطاهر هو الوحيد الذي قال أخطأنا لكنه قال أخطأنا كأمة كشعب كتاريخ وليس كتنظيم، ولذا فإن المصيبة تكمن في “تلك السرعة التي نتعاطى فيها بأن الخطيئة هي دوماً في الطرف الآخر نحن براء منها”. والمشكلة ليست فصائل إنما مجتمع، فالأزمة في الحاضنة التي نتواجد فيها، إذ ليس هناك مشروع قومي عربي اليوم، وأضاف أن المشكلة في الأساس هي كيف نقرأ السياسة؟ وكيف نوصّف الواقع؟ وبالتالي كيف نتعامل معه؟
ووافق د. حسين أبو النمل على أن إبراز الهوية الوطنية هو نجاح قامت به فتح والمنظمة لكنه عدّ ذلك معياراً تمّ لاحقاً وحلّ بديلاً عن معيار التحرير الذي انطلقت من أجله فتح، وتساءل أين هو هذا المعيار الأساسي؟ أما حديث حماس عن النجاح في معيار التمسك بالثوابت والمبادئ فقد عدّه كان مقبولاً قبل 25 سنة (سنة 1987)، أما الآن فقد أصبح المعيار الذي نتحاكم عليه في الوقت الحاضر هو ماذا فعل وماذا فعلنا بهذا الشعار؟ كما أبدى توافقه مع كلام الطاهر بأن الأزمة بنيوية تاريخية شاملة.
ووجد أ.د. طلال عتريسي أن صعوبة التفاهم في القضايا الأساسية في المصالحة عائد إلى مشكلة ماهية المشروع الوطني، فهل هو: تحرير فلسطين؟ أم هو مواجهة المشروع الغربي في فلسطين؟ أم هو دولتان يهودية وفلسطينية؟ على ضوء ذلك يمكن أن تبنى مصالحة أو لا تبنى، كما رأى أن المشروع الإسرائيلي (الاستيطان والتهويد…) قائم منذ ما قبل الانقسام، وقد استفاد منه ولكنه ماضٍ قبله وبعده بوجوده وبعدمه. أما الرهان على المتغيرات العربية فيجب، من وجهة نظره، أن يكون في إطار كيف ندفعها باتجاه القضية الفلسطينية، وماذا نريد من الثورات؟ هل نريدها أن تدعم المقاومة أم التفاوض؟ أن تدعم مشروع الدولتين أم مواجهة المشروع الغربي في فلسطين؟ إذا لم يكن الأمر واضحاً فإننا سنشهد انقساماً عربياً حول مَن يدعم المقاومة ومَن يدعم التسوية؟ كالذي حصل في السابق.
وقال د. إبراهيم شرقية: حول العمق الاستراتيجي العربي للقضية الفلسطينية، هناك تساؤلات كيف تتوقع أ. أسامة حمدان شكل الدعم العربي للمسألة الفلسطينية خاصة فيما بعد الثورات؟ أما حول المرجعية الشعبية، المؤشرات هي من أجل تأسيس آلية محاسبة للقيادة الفلسطينية. أما المرجعية الشعبية في الوقت الحالي حسب المؤشرات معظمها تعطي تفوقاً لأبو مازن، حسب استطلاعات الرأي ونتائج الانتخابات في الجامعات الفلسطينية مؤخراً، فإذا سلمنا بالمرجعية الشعبية ألا تخشى أن تتجه الأمور بالاتجاه المعاكس؟
ردود مقدمي الأوراق في الجلسة الأولى:
في معرض رده على الملاحظات التي قدمها المشاركون حول ورقته، قال شناعة إن القيادة الفلسطينية ما زالت تحافظ على الثوابت وقد رأينا أبو عمار كيف كانت وفاته في سبيل ذلك، كما أن أبو مازن وعد شعبه ألا يوقع أي اتفاق إلا بعد استفتاء الشعب الفلسطيني. وأضاف أن “إسرائيل” تمارس مشروعها الصهيوني على حساب غياب الوحدة الوطنية الفلسطينية، وقال إننا “لا نستطيع أن نقاوم ولا نستطيع أن نفاوض إلا إذا كانت هناك وحدة وطنية فلسطينية وكانت هناك مصالحة فلسطينية”.
وقال إنه ليس من حقّ أحد أن يلوم ياسر عرفات باستئثاره بقيادة السلطة، فهو لم يكن ملكاً أو أميراً، بل كان يعطي حياته كلها من أجل هذه القضية الفلسطينية. وأضاف أن “أوسلو هو اتفاق مبادئ نستطيع غداً أن نلغي هذا الاتفاق فهو ليس معاهدة”، وهناك مضامين ومنها موضوع الانتخابات، الذي أعطى الشعب الفلسطيني الحق أن ينتخب في الضفة والقطاع والقدس، وهذا ما جعل حماس تدخل انتخابات سنة 2006. وقال: إن أبا عمار حين تمسك برئاسة الحكومة كان يشير إلى أن الوضع الفلسطيني مختلف وأنه يريد أن يتبع النموذج الأمريكي؛ أي لا يوجد رئيس حكومة.
وأما حمدان فقال:
• إن المشروع الوطني بالنسبة لحماس ينطلق من نقطة محددة وهي تحرير كل فلسطين وأي شيء خارج هذا السياق فيه خلل ونقص.
• الانقسام ناتج عن الأزمة السياسية وليس هو الأزمة، وهو أمر حصل منذ برنامج النقاط العشر وليس منذ سنة 2006 أو 2007 فقط.
• حماس تريد الوحدة الوطنية من أجل التحرير وليس التفاوض مع “إسرائيل”، ولن نبني الوحدة الوطنية لإعطاء “إسرائيل” جزءاً من حقوقنا مهما كان صغيراً.
• لا مستقبل للتسوية في ظلّ الربيع العربي؛ ففي المرحلة السابقة تحولت قضية فلسطين إلى قضية شعب، والآن مهمتنا ومهمة القادمين الجدد إلى السلطة أن نعيدها قضية أمّة.
• المرجعية الشعبية التي نقصدها هي الشعب الفلسطيني بأسره، ولو سألنا الشعب كله سنجد أن أكثر من 70% منه مع المقاومة.
• نعم بعد 25 سنة نحن بحاجة لتقييم مسار حماس ولا مانع لدينا من ذلك.
بينما أكد د. ماهر الطاهر أن الأزمة هي أزمة مشروع وأزمة قوى تطال جميع القوى الفلسطينية، وحتى نكون صادقين مع أنفسنا ومع شعبنا، يجب أن نقوم بعمليات مراجعة على المستوى العام وعلى المستوى الخاص؛ أين أخطأنا وأين أصبنا خلال هذه المسيرة؟ وهذا يلعب دوراً في معالجة الأزمة. وقال إن الوضع سيستمر بإدارة الإنقسام وليس إنهاء الانقسام، ورأى أن هناك مشكلة عميقة في المشروع الصهيوني، وأضاف أن انشغالنا بأوضاعنا الداخلية تجعلنا لا نتابع أزمات العدو الصهيوني التي يعيشها بالمعنى الوجودي وبالمعنى التاريخي.
الجلسة الثانية
الجلسة الثانية: تسلم إدارتها أ. جواد الحمد، وقدم الأوراق كل من:
د. حسين أبو النمل: “قراءة نقدية تاريخية لأزمة المشروع الوطني الفلسطيني”.
أ. منير شفيق: “قراءة نقدية في تجربة السلطة الفلسطينية”.
د. محسن محمد صالح: “قراءة نقدية في تجربة م.ت.ف”.
أكد د. أبو النمل في حديثه أنه يجب تحديد أسباب دخول المأزق قبل تناول كيفية الخروج من المأزق الوطني الفلسطيني “هذا إن كان من إقرار بوجودها”. وقال إن تحديد الأزمة هو رهن تحديد “المشروع الوطني الفلسطيني”، وسبل قياس الأزمة.
وقال أبو النمل إنه ليس هناك من اتفاق وطني، إذ يختلف الأمر بين المجتمع السياسي الفلسطيني والمجتمع الفلسطيني ككل، وبين من يرى أن المشروع الوطني هو إعلاء شأن الهوية الوطنية الفلسطينية، وتقع ضمن ذلك إقامة دولة فلسطينية على جزء من الأرض الفلسطينية، وبين من يرى المشروع الوطني الفلسطيني “صنواً لتحرير فلسطين من بحرها لنهرها”، وبين من يعيش الأزمة من موقع اللجوء وقاع المجتمع، وبين من يراها من موقع قيادي سلطوي. وقال “إننا لم نعد شعباً واحداً حتى داخل التنظيم الفلسطيني الواحد”.
وأضاف أننا أمام ضرورة تحديد مسألتين مهمتين على هذا الصعيد؛ أولاهما: أن تشكل تاريخياً وتحدد مفهوم المشروع الوطني الفلسطيني، الذي يكون واحداً أو لا يكون، وأزمته واحدة أو لا تكون، وحلوله واحدة أو لا تكون. المشروع الوطني الفلسطيني مستمد من وطن اسمه فلسطين، مستمد من عام هو تحرير فلسطين، الذي يوحد جميع الفلسطينيين. عدا ذلك، ودون تقليل من أهميته، يمكن أن نعتبره أي شيء سوى تمليكه صفة العمومية – الوطنية.
وقال إنه لا يوجد منطق يقبل أن نحتفظ بالاسم نفسه لشيء تغير مضمونه جذرياً، ويقصد المشروع الوطني الفلسطيني كما جسدته م.ت.ف وميثاقها الذي تقادم منذ البرنامج المرحلي في 1974، وتكرس في 1988 ثم 1996. وأكد أن غياب الأهداف الجامعة يعني غياب المشروع الوطني، وهو ما يؤشر بأن هناك أزمة كلمات لم تعد تعكس معانيها؛ أزمة انفصال الأقوال عن الأفعال، فكان الانحطاط؛ فكشف العدو ازدواجيتنا، وتصرف على أن الفلسطيني لا يعني شيئاً مما يقول، كما ضُرِب الفلسطينيون في أثمن ما لديهم كشعب؛ ألا وهو مصداقيتهم.
وقال إن م.ت.ف التي بقيت قواها تراوح مكانها رجوعاً، كان التجديد من خارج النسق السائد عبر حركتي الجهاد الإسلامي سنة 1985 وحماس سنة 1987. على الرغم من إثباتهما لحضورهما من خلال خطاب مغاير، وممارسة كفاحية نوعية، لكنهما بدلاً من أن تكونا بديلاً لمشروع م.ت.ف، أصيلة أو مُعدلة، أصبحتا شريكاً متساوياً في أزمة المشروع الوطني الفلسطيني.
وقال إن الأمر تجاوز أزمة المشروع الوطني الفلسطيني إلى أزمة اجتماعية أوصلت المجتمع إلى وضعية العجز عن وقف الانحدار أو إنتاج أدواته البديلة. وقال إن المشروع الوطني الفلسطيني تخلى عن نفسه حين تخلى عن جوهره وهو تحرير فلسطين، وانقلبت أدوار التنظيمات فأصبحت بدلاً من أن تعبر عن مصالح الشعب، توظف الشعب لخدمتها، بل أمسكت به من خلال مشروع سلطوي، هو الوحيد الذي مكنها من ضبط المجتمع قسرياً، بعدما كان منضبطاً طوعياً لها من خلال التزامه المشروع الوطني الذي تحمله، وهذا ما صعَّب ولادة البديل، بعد أن كان الشعب الفلسطيني محتفظاً بحيويته وقدرته على التجدد والإبداع.
وقال إن هناك أزمة فكرية متمثلة بعجز العقل الفلسطيني عن وعي وجود أزمة المشروع الوطني الفلسطيني مبكراً، الذي ترك الأزمة تتفاقم ربما إلى حدّ الوصول إلى نقطة اللاعودة. وأضاف أن أزمة المشروع الوطني الفلسطيني لم تتمثل في تحقيق أهدافه فقط بل في عدم اعتراف الجهات المعنية بمسؤوليتها عن الفشل أيضاً، ناهيك عن أنها غطته بفظاظة من خلال وسائل شتى أخطرها إعادة تأسيس كافة الأمور، بدءاً من إعادة تعريف الأهداف وصولاً إلى استبدال الولاء على أساس المبادئ إلى الولاء على أساس المصالح، وكان الانتظام على أساس البرامج فصار على أساس الموازنات.
وقال أبو النمل إن أخطر أبعاد أزمة المشروع الوطني الفلسطيني هو الفشل الأمني جراء قصور فكري لم يفهم الأمن إلا بوصفه فعلاً عسكرياً، لم يرَ منه إلا أمن القيادات وحمايتها من التصفية، أو التنظيم من الاختراق، أما أمن المجتمع الفلسطيني فلم يكن يوماً على جدول أعمال المشروع السياسي الفلسطيني، الذي لم يكترث جدياً لرخاوة أو صلابة البنية الفلسطينية المستهدفة، التي لم تُترك لكل من هبّ ودبّ فقط، بل تعرضت رسمياً لعملية تفكيك وإيجاد قاعدة اجتماعية جديدة مرتبطة بالمؤسسة الرسمية الفلسطينية، تتجاوز -على نحو هائل- البيروقراطيات العريقة التي تنشأ كضرورات موضوعية أو لحوافز طفيلية وزبائنية على هامش السلطة، بغض النظر عن اسمها أيضاً.
أما أ. منير شفيق، فتمنى على الفصائل التي وافقت على برنامج النقاط العشر أن تعيد النظر في الأمور التي بنت على أساسها هذا البرنامج وكذلك أوسلو وغيرها، فالتجربة الواقعية لأية سياسة تُحكم بالنتائج الواقعية. وقال إنه غير صحيح أنهم في أوسلو أنقذوا ما يمكن إنقاذه فلو نظرنا إلى الضفة لوجدنا الاستيطان مستشرٍ بشكل لم يبقَ منها سوى 20% ليقيموا عليها الدولة، وإذا نظرتم لما يحدث في القدس من تهويد! هذا كله حدث في ظلّ اتفاق أوسلو.
وأضاف أن السلطة بعد أوسلو مرت بمراحل ثلاث: المرحلة الأولى (1994) فشل المفاوضات في كامب ديفيد 2، المرحلة الثانية هي مرحلة الانتفاضة والمقاومة (2000-2005) ويسجل للشهيد عرفات أنه انتقل فيها إلى صفّ المقاومة وهذا الموقف هو شهادة منه بسقوط أوسلو، والمرحلة الثالثة منذ تسلم محمود عباس إلى الآن.
وما نحتاجه هو تحويل قطاع غزة إلى قاعدة محررة مقاتلة تدار من قبل الفصائل وممثلي الشعب وليس السلطة، كما نحتاج إلى حلّ السلطة في رام الله والاتفاق الأمني، لأن مهمتها أصبحت محاربة المقاومة علنياً، ولا حاجة لنا بانتخابات ولا بسلطة بديلة عن القائمة حالياً، إنما نريد رفع يد القوات الأمنية عن جماهير الضفة الغربية؛ لتنطلق في مواجهة قوات الاحتلال والاستيطان وتحرير القدس، في ظلّ الهدف الرئيسي وهو تحرير كل فلسطين.
وهذا الهدف، أصبح مع التطورات العربية والعالمية، قابلاً للتحقيق إذا ما اتحدت الفصائل الفلسطينية لإطلاق انتفاضة ومواجهة الاحتلال، فإن مواجهة العدو بانتفاضة ستؤدي إلى انسحاب دون قيد أو شرط، والظرف العربي والإقليمي اليوم يسمح لأطفال وشباب وفتيات فلسطين أن يشتبكوا مع العدو، ليس فقط كما حصل في الانتفاضتين السابقتين، وإنما بانتفاضة منتصرة وأكيدة الانتصار، لأن المشكلة أيضاً هي مشكلة موازين قوى.
فتخيلوا في ظلّ ما يحصل حولنا، أنكم ترون معارك تحدث ودماء تجري في فلسطين، وجرائم يرتكبها العدو الصهيوني، كيف تستطيع أمريكا أن تصمد أمام هذه المعادلة؟! على غرار ما حصل في إضراب الأسرى، وهو مثال بسيط، تراجع الاحتلال أمامه، لأن ذلك قد يتحول إلى انتفاضة، إذا سقط شهداء، فكيف سيواجهها؟!
ونحن الآن في ظرف تاريخي مواتٍ، من الناحية العسكرية والسياسية وموازين القوى، فلننتقل إلى الهجوم ونتجه إلى تحقيق وحدة قيادة في ظل انتفاضة وليس وحدة قيادة لانتخابات وحكومة، ففتح وحماس حين تذهبان للنقاش حول الانتخابات تتجهان للمغالبة، وهذا ليس هو المطلوب، فمواجهة الاحتلال لا تكون بالمغالبة، وحين نشتبك مع العدو سنجد أن الشعب الفلسطيني لن يكون وحده، بل سيكون حوله التفاف من الشعب العربي والإسلامي، ولتسقط فكرة “يا وَحْدَنا”، لسنا وحدنا!
أما حجة السلطة الباطلة في الارتهان المالي، يقولون من أين سنأتي برواتب 170 ألف موظف؟ فالإجابة إن البديل سيأتي من قلب الانتفاضة، فالدعم المالي يأتي بوجود مقاومة وكفاحٍ.
وغزة ليست سلطة فقط، إنما هي الآن قاعدة مدكوكة بالسلاح، وقد أثبتت في حرب 2008/2009 أنها قادرة على مواجهة غزو من أعلى المستويات والانتصار عليه أيضاً. ويجب أن نعمل لتكون غزة قاعدة محررة وأن تدكّ بالسلاح أكثر، وبالأنفاق أكثر، وتستعد للقتال أكثر، فهي في حالة حرب، وعندما نكون في حالة حرب، لا يكون لدينا إلا حكومات حرب، نحن لسنا بحاجة لسلطة مدنية لأننا في حالة حرب، بل نحن بحاجة إلى قيادة مقاتلة تقود النضال.
أما د. محسن محمد صالح، فقال إن م.ت.ف أياً يكن تقييمها فهي إنجاز وطني فلسطيني، وتمكنت لفترة طويلة من أن تكون مظلة وطنية فلسطينية، ونرجو أن تستمر كذلك.
وأضاف: في الإطار النقدي لتجربة م.ت.ف، هناك ست نقاط (إشكاليات):
1. الإشكالية الأولى: إشكالية تمثيل القوى الفلسطينية كاملة، م.ت.ف سعت لأن تكون ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، وأن تمثل كافة القوى الفلسطينية، ولكن المشكلة أنه لا توجد فيها دائماً كافة القوى الفلسطينية ممثلة في داخلها أو في قيادتها. وهذا معناه أن من المفترض أن تحدث مراجعة حقيقية في تمثيل الكل الفلسطيني، لأن هناك فعلاً قوى كبيرة وفاعلة ليست داخل هذا الجسم، وبالتالي يجب أن تحدث معالجة بشكل كبير.
2. الإشكالية الثانية: إشكالية المشاركة الشعبية والوطنية وإشكالية استيعاب الكفاءات والأدمغة الفلسطينية والمستقلين وخصوصاً في الفترات الأخيرة ما بعد أوسلو. وهناك إشكالية أخرى تتعلق بوزن المشاركات الشعبية سواء كان هذا الوزن في الداخل أم الخارج، وهو بحاجة إلى مراجعة. ثم إن كيفية الاختيار والتعيين في داخل م.ت.ف وكيفية عملية التمثيل داخل م.ت.ف، تثير إشكالية.
3. الإشكالية الثالثة: إشكالية المؤسسات وإشكالية العمل المؤسسي في م.ت.ف، هناك معاناة، خصوصاً خلال العشرين سنة الماضية، فيما يتعلق بتعطيل المؤسسات التشريعية في م.ت.ف وفي تعطيل دوائر العمل التنفيذي في م.ت.ف. وبالتالي هناك حالة يفترض أنها تحتاج إلى مراجعة في موضوع إدارة قيادة م.ت.ف وإدارة مؤسساتها، سواء كان في إطار المؤسسات أم في إطار القيادة الفلسطينية.
4. الإشكالية الرابعة: إشكالية صناعة القرار وآلياته في م.ت.ف، ذُكر كيف يكون هناك منهج أقرب إلى التفرد يسيطر عليه فصيل فلسطيني معين على صناعة القرار في هذه المنظمة، ومع غياب المؤسسة التشريعية وغياب واسع لقوى فلسطينية مع الضغوط الخارجية المختلفة. وبالتالي صناعة القرار وآلياته هنا أيضاً إشكالية أخرى.
5. الإشكالية الخامسة: إشكالية تضاؤل دور م.ت.ف، وهذا مهم، إن م.ت.ف التي يفترض أن تكون البيت الفلسطيني الذي يجمع الجميع، تضاءل دورها وتحول إلى قسم يتبع السلطة الفلسطينية أو خارجية السلطة الفلسطينية، حتى الميزانية ومعظم المصروفات تأخذها من السلطة، يجب أن تكون السلطة أداة في يد م.ت.ف وليس العكس. يجب مراجعة تضاؤل دور م.ت.ف وأن تسترجع دورها الحقيقي، وأن ترجع السلطة الفلسطينية إلى دورها الحقيقي، إن بقيت السلطة، باعتبارها أداة من أدوات الشعب الفلسطيني.
6. الإشكالية السادسة: إشكالية الاتفاقيات والالتزامات: عندما نشأت م.ت.ف، نشأت وفق الميثاق القومي الفلسطيني ثم الميثاق الوطني الفلسطيني الذي لا يتنازل عن أي جزء من فلسطين، والذي يرى الكفاح المسلح وسيلة وحيدة لتحرير فلسطين. لكن بعد ذلك أصبح لدينا اتفاق النقاط العشر مرجعية، ثم إعلان الاستقلال، الاعتراف بالقرار 242، موضوع نبذ الإرهاب ثم الاتفاقيات التي التزمت بها م.ت.ف في اتفاق أوسلو وما تلاه؛ طابا، شرم الشيخ، واي ريفر، خريطة الطريق… إلخ. إن التزامات م.ت.ف ربّطتها وصعّبت قضية المشاركة الوطنية الفلسطينية لقوى فاعلة لم تدخل بعد في م.ت.ف لأنَّ م.ت.ف أصبح لديها التزامات لا توافق عليها قوى كثيرة في الحالة الفلسطينية، وبالتالي أدخلنا هذا في إشكال مرتبط في مرجعية اتخاذ القرار والبرنامج الوطني الفلسطيني ومرجعياته بشكل أو بآخر. أرجو أن يكون برنامج المصالحة ووثيقة الأسرى والوثائق الأخرى على الأقل تساعد بشكل مرحلي، ولكن الجوهر الأساسي الذي هو الميثاق الوطني الفلسطيني يفترض ألا يضيع في مثل هذا الجو.
نحن أمام تحدٍ كبير، إن م.ت.ف فقدت كثيراً من دورها وأهميتها وفعالياتها وتضاؤل دورها السياسي والشعبي والاجتماعي، وبالتالي نحن بحاجة إلى خمسة عناوين:
1. نحن بحاجة إلى أن نعود إلى مظلة جامعة، يحتكم إليها الجميع ويعودون إليها.
2. نحن بحاجة إلى آلية إدارة اختلاف حقيقية أو تداول سلمي للسلطة في داخل هذه المؤسسة.
3. نحن بحاجة إلى تحييد التأثير الخارجي في صناعة القرار الفلسطيني، وبالتالي ترتيب البيت الفلسطيني وم.ت.ف قبل أن ينشغل الفلسطينيون في موضوع الحكومة والانتخابات والآليات التي توجد تحت السلطة.
4. نحن بحاجة إلى برنامج بناء ثقة فلسطيني حقيقي يتم إنزاله إلى الأرض بين كافة القوى الفلسطينية.
5. نحن بحاجة إلى أن نجتمع على ميثاق وطني فلسطيني وعلى خطوط حمراء لا يتنازل عنها الشعب الفلسطيني تمكننا من تحديد أولويات المشروع الوطني الفلسطيني وكيفية التعامل مع هذه الأولويات والمسارات الواجبة لذلك.
المداخلات في الجلسة الثانية:
في تعليقه على أوراق الجلسة الثانية، نوّه أ. جواد الحمد إلى ثلاث ملاحظات حول المقاومة هي:
• المقاومة أصبحت ورقة ضغط ليس إلا.
• المقاومة تحولت إلى الدفاع وليس الهجوم.
• فكرة المقاومة غائبة عن دول المواجهة.
ورأى أ. جابي الجمال أن حماس انتهت حيث انتهى مشروع فتح، وقد سمعنا حديثاً عن البدائل لكن إن لم نكن متفقين على استراتيجية ولا على برنامج وطني ولا يوجد حاضن، أي وحدة لندخل بالموضوع، فعلى ماذا سندخل؟ إذا كنا غير جاهزين للقتال ولا للمفاوضات، وهذا يقودنا إلى أن هناك أزمة، حتى إدارة الأزمة نحن لسنا جاهزين لها! نحن واقعنا صفر ورصيدنا الدولي صفر وليس لدينا أية مقومات لنعود وننهض من جديد. ولننظر إلى الوضع العربي من حولنا، مصر مثلاً تحتاج إلى عشر سنين لتقف على قدميها، ولذا علينا الاعتماد على أنفسنا أولاً ثم على الآخرين.
وتحدث أ. ياسر علي عن هاجس يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار هو المشروع الأول الذي انطلق على أساسه كل فصيل، فهل راجَعَ كلٌّ منهم هذا المشروع أم أكمل فيه بالضم الناعم له وانتهى الأمر؟ إذ لو فعل ذلك من يتحدث عن الثوابت مثلاً سيجد نفسه ابتعد عنها، فالثوابت هي التي ننطلق منها ونهدف للوصول إليها ونسير عليها، لكن عندنا المشاريع الوطنية متباعدة بقدر تباعد الفصائل عن بعضها، ولو حصلنا على “الأيقونين” سقفُ ثوابت عالٍ وبعدٌ عن المصالح الفصائلية سيتحقق المشروع الوطني.
بينما رأى أ. مجدي حماد أن الوضع الفلسطيني أمام ثلاث فرضيات:
1. الحروب الشاملة التي تجمع معظم قدرات العرب وإمكانياتهم والتي تهدف لتحرير فلسطين، هي مستحيلة في الأجل القصير والمتوسط.
2. الحروب المحدودة واردة؛ مثلاً تضرب “إسرائيل” سوريا وقد تفعل، أو تذهب سوريا لتحرير أراضيها من “إسرائيل”.
3. المقاومة الشعبية مدنية كانت أو مسلحة فهي ضرورية.
وأكد أنه لو كان الأمن بالمعنى العسكري مختلاً لصالح “إسرائيل” فلا ينبغي أن يكون الأمن النفسي أيضاً مختلاً لمصلحة “إسرائيل”. وأضاف أن وعد أبو عمار لـ”إسرائيل” في جنيف أسوأ بكثير من وعد بلفور؛ الاعتراف بـ”إسرائيل”، وقبول 242، ونبذ الإرهاب أي “الكفاح المسلح”.
أما أ. هشام منّور فقد أشار إلى أن المشكلة في الخوف من إعادة إحياء المشكلة وليس من حلها، خاصة في ظلّ الربيع العربي، وأن اعتبار غزة قاعدة محررة متقدمة توحد الفصائل ويمكن اعتبارها جزء أساسي للهجوم على “إسرائيل” هو “أمر افتراضي وطوباوي”، والدليل أن تحرُّر غزة كان أحد الأسباب المباشرة للانقسام الفلسطيني، والكل توهم أننا حررنا جزءاً من فلسطين وعلينا اقتسام الكعكة الغزية، وهذا كان سبباً غير مباشراً للانقسام، و”إسرائيل” تعلم أن انسحابها من غزة وفرّ لها احتلالاً نظيفاً، وإلا فما الداعي لطرح الانسحاب الأحادي من الضفة؟ كما قال إن الحل لا يكمن في بحث السلطة ولا بإعادة تفعيل م.ت.ف بل بإعادة التمثيل الشرعي للشعب الفلسطيني إما عن طريق المجلس الوطني الفلسطيني أو عبر أي آلية تمثيلية حقيقية وتحقيق الوحدة الحقيقية بين الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، وبالذات الاعتماد على فلسطينيي سورية، الذين أثبتوا أنهم الأقل تأثراً بالحالة الفصائلية السياسية.
فيما وافق د. إبراهيم شرقية على ما جاء في ورقة د. محسن حول تفعيل دور م.ت.ف كإطار للتعاطي مع الأزمات بمختلف أنواعها، وهنا ليس المقصود أن يكون هناك تمثيل للجميع، ولكن بإمكان القيادة الفلسطينية، إذا نظرت لموضوع م.ت.ف، الاستفادة منها حتى يكون هناك مؤسسات للموافقة على المفاوضات، فتفعيل م.ت.ف هو داعم للمفاوضات إذا اختارت القيادة الفلسطينية أن تنحو منحى المفاوضات في الوقت الحالي.
أما فيما يخص وضع غزة، فاعتبر أنها الآن “دولة محررة وقاعدة مقاومة” لكنهم لا يملكون الكثير من الخيارات، فما هو المطلوب؟ الإعلان عن ذلك فقط؟ وتساءل حول مدى فائدة القيام بانتفاضة حالياً في ظلّ وجود انتفاضة أكثر شراسة حولنا!
بينما نوّه أ. محمد شري أن أزمة م.ت.ف، ومن ثم كلّ أزمة المشروع الوطني الفلسطيني هي جزء لا يمكن عزلها عن أزمة المشروع العربي العام والكيان العربي العام والنظام العربي الذي كان قائماً منذ إنشاء م.ت.ف، وكانت تتلقى انعكاسات هذا النظام وأزماته المتلاحقة، وبالعكس حتى لا نستغرق في جلد الذات، ما حققه الفلسطينيون تجاه هذه المؤامرة الدولية الكونية العربية خلال مرحلة التواطؤ العربي مع النظام الصهيوني أعتقد أننا أمام إنجاز تاريخي لهذا الشعب العظيم أنه لا تزال قضيته مطروحة وبقوة، ويمكن أن تتقدم كلّ الساحات الأخرى عند حدوث أي تطور دراماتيكي، وهذا قد يحصل في أي لحظة، لتتقدم القضية الفلسطينية وتصبح في رأس أولويات الساعة، نحن اليوم أمام تحول استراتيجي في الساحة العربية سينعكس حتماً على القضية الفلسطينية، ويجب أن لا نستغرق في إحساس الأزمة عندنا لأن الأزمة في قلب المشروع الإسرائيلي.
وقال أ. أسامة حمدان أن جزءاً من قراءة تجربة م.ت.ف أو تجربة المشروع الفلسطيني يجب أن يحتوي على الوقائع التي فرضتها التجربة، ولا بدّ من قراءة الوقائع الناشئة، مثلاً الجميع يتكلم عن سلوك أبو مازن السياسي “أنا شخصياً أعتبر أن أبو مازن سيئة من سيئات أبو عمار”، وبالتالي لا بدّ من التركيز على الوقائع التي فُرضت على الواقع الفلسطيني نتيجة الآداء المتراكم من السوء والسلبيات، إذ سنجد أننا أمام تراكم أخطاء وأننا مضطرون لمعالجتها في ظلّ رؤية تتناقض تماماً مع الأصل الذي أنشأ هذه الوقائع؛ وهذا من أخطر ما مرت به تجربة م.ت.ف والسلطة.
وأضاف: كذلك أخطر ما مرّ بنا في إدارة الصراع وفي تجربة المشروع الوطني هو عدم إدراكنا لحجم وطبيعة الصراع إما “تهويناً” أو “تهويلاً” كنا نُهوّن فَنُهزم أو نُهوّل فنستسلم، بمعنى أننا كنا نقول هؤلاء نستطيع القضاء عليهم بضربة واحدة! أو هؤلاء كبار تدعمهم أمريكا و99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا، فاذهبوا وضعوا أوراقكم عندها! إذن نحن نحتاج إلى قراءة دقيقة لموازين القوى تنشئ عملاً يصوّب في الموازين ويراكم في المشروع، وهنا يأتي الكلام عن تقديم 300 شهيد أو ألف شهيد إن كان يوجد رؤية استراتيجية فلا حرج، أما إن كان في مغامرات تكتيكية فإصبع واحد لا أقدمه ولا أتحمل مسؤوليته.
وتمنى أ. معن بشور أن يكون الحضور أكثر إنصافاً لأبي عمار الذي واجه ظروفاً استثنائية، وواجه قسوة من النظام العربي كما واجه قسوة من بعض المثقفين العرب، وقال إنه كان يتمنى أن لا يخطو أبو عمار بعض الخطوات التي خطاها، وأقترح على مركز الزيتونة أن ينظم ندوة خاصة بتجربة هذا الرجل، كما أتمنى أن تكون النقاشات لفتح آفاق للمستقبل وليس لنكئ جراح الماضي.
الردود في الجلسة الثانية:
في معرض رده على المداخلات السابقة قال د. أبو النمل نحن بدون ذاكرة تاريخية والذين يعملون على التاريخ الفلسطيني يعرفون أنه غير ملون وهو تاريخ أشخاص على نحو سيء. في الأربعين سنة الأخيرة أصبح تاريخ رسمي مليء بالمديح الشخصي والأكاذيب، وقال إن القيادة الفلسطينية دفعت ثمناً باهظاً.
وأضاف أن خلاصة عمله البحثي الفلسطيني أنه لم يكن هناك من مجال لمشروع تحرير فلسطين من خلال سايكس بيكو، وإذا حللنا هذه الإشكالية نستطيع حلّ المرجعية الفكرية للمشروع السياسي الفلسطيني.
وأكد د. محسن محمد صالح إن إشكالية القيادة قضية حقيقية في م.ت.ف؛ ففي الثمانين سنة الماضية في كثير من الأحيان كان الشعب الفلسطيني هو الذي يقود قيادته، وفي كثير من الثورات هذا ما حصل وهذه ظاهرة تحسب له. كما نوّه إلى أنه يتعامل مع م.ت.ف كخطٍّ أول في الدفاع عن الأمة العربية والإسلامية، وهي جهة أساس مطلوب منها تقدم الصفوف للتحرير، لكنها ستكون رأس الحربة ومعها باقي الأمة العربية والإسلامية، فهو دور ضمن دور أوسع وأكبر يجب أن يزيد، وهي ليست وحدها.
الجلسة الثالثة
الجلسة الثالثة: تسلم إدارتها أ. جهاد الزين، وقدم الأوراق كل من:
د. مجدي حماد: “تأثير الثورات العربية على المصالحة الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني”.
أ. أحمد خليفة: “التأثير الإسرائيلي على صناعة القرار الفلسطيني وإمكانات تحييده”.
د. إبراهيم شرقية: “البعد الدولي (الأمريكي) في أزمة المشروع الوطني الفلسطيني”.
تحدث د. مجدي حماد في ورقته حول:
أولاً: مغزى الثورات العربية:
وقال إنه لا يوجد جزيرة منعزلة اسمها مصالحة ولا يوجد جزيرة منعزلة اسمها المشروع الوطني الفلسطيني، وأضاف قائلاً إن الثورات العربية كانت ذات أفق داخلي، وكانت مركزة على الحرية الاجتماعية والكرامة، ولم تكن القضايا القومية واضحة بالقدر نفسه، لأنه بدا الهدف الرئيسي منها بناء نظم ديموقراطية ونزع القدسية عن الفساد والاستبداد، وهذا يثير أربعة موضوعات أساسية، هي:
1. إذا كانت الديموقراطية النظام الأمثل للقضاء على الانحطاط التاريخي الذي فرضته هذه النظم الديكتاتورية، فلا شكّ أن أولى علامات الانحطاط هي الاستسلام لـ”إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي الخروج من هذا الاستسلام يعني تشكيل وعي عربي جديد تحتل فلسطين فيه المركز الأول، وهذا يؤكد تأثير هذه التغيرات على القضية الفلسطينية وبالتحديد على الثورة في مصر بحكم العلاقة بين فلسطين ومصر هي علاقة أمن قومي.
2. القضية الفلسطينية بعد الثورات ليست كما كانت من قبل، لأن ما قبل الثورات التقت رغبتان؛ رغبة إسرائيلية ورغبة النظم العربية الحاكمة في مدّ أجل الصراع.
3. أهم مغزى هذه الثورات أن القوى الأساسية التي برزت هي قوى الجماهير والشعوب بعد أن كانت مغيبة من الساحة.
هذه النتيجة المهمة، أي أن الشعوب هي الحاكمة الأساسية، أَوْضَح تأثير لها ما قيل في “إسرائيل”، بأن الانتفاضات الشعبية العربية المتزامنة تظهر أن ما قيل عن اضمحلال العروبة وزوال فكرة الوطن العربي والأيديولوجية القومية كانت قد اختفت مع وفاة جمال عبد الناصر، لكن هذه الثورات تطرح علينا أي على “إسرائيل” ثلاثة تحديات:
أ. القوة التي ظهرت فجأة عند الجماهير.
ب. سعي دول أخرى إلى تأجيج الجماهير.
ج. وهو الأهم، نشاط حركات الإخوان المسلمين لزعزعة النظم من الداخل وإسقاطها.
مع أن “إسرائيل” تقول إن هذه الثورات ليست ثورات وليست ديموقراطية بل هي سيطرة من الإسلاميين على الحكم، وهم يقولون هكذا للمسؤولين الأمريكيين والأوروبيين.
4. هناك مناخ جديد بدأ ينتشر في الوطن العربي أساسه تغير العلاقة جذرياً بين الحكام والشعوب، وهناك تبدل في موازين القوى الخارجية؛ لأن كلّ قوى الهيمنة والسيطرة الأمريكية والإسرائيلية كان رهانها دائماً على قدرة هذه الحكومات الفاسدة والمستبدة على الاستمرار.
ثانياً: السياسة الخارجية الثورية:
هناك فرق بين السياسة الخارجية للثورة والسياسة الخارجية الثورية، أي أن الذي نعيشه اليوم في جميع البلدان العربية التي قامت بها الثورات هو السياسة الخارجية للثورة، لأن هناك ارتباط بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، فإذا كانت السياسة الداخلية في جميع هذه الأقطار لا تزال في حالة عدم استقرار جوهري فلا ننتظر أن يكون هناك سياسة خارجية ثورية، ومع ذلك يرد مع هذا التأكيد عدة اعتبارات:
1. بدأت مصر مبكراً بإظهار توجهات سياسية خارجية ذات طابع ثوري، وهذا يؤكد أن هناك عودة للسياسة الخارجية المصرية للاهتمام بدائرة الأمن القومي والقيام بدور قومي مهم.
2. بعد أسابيع من قيام الثورة أنجزت المصالحة، وهذا إنجاز مهم، ولكن للأسف العبرة في النفوس وليست في النصوص، وصدمت هذه المصالحة “إسرائيل”، وكان كلام نتنياهو واضح عندما قال إما التسوية وإما المصالحة.
ثالثاً: التحولات الفلسطينية :
هناك مجموعة من التحولات الفلسطينية ينبغي أن نضعها في اعتبارنا لكي نحكم على مسار ومسيرة المصالحة والمشروع الوطني الفلسطيني.
1. مفاوضات الوضع النهائي:
أ. من مبدأ صراع الوجود إلى مبدأ نزاع الحدود، وهو التحول الجذري الرئيسي الذي يترتب عليه التحولات الست الأخرى، وهو التحول المركزي الذي نقل القضية الفلسطينية من قضية تحرّر وطني إلى قضية سعي من أجل التسوية، والكارثة هو القبول الرسمي الذي حصل في قمة فاس سنة 1982، وهو إقرار مشروع السلام العربي.
ب. من شعار “تحرير فلسطين” إلى شعار “الاستقلال الوطني”.
ج. من شعار “الاستقلال” إلى “الدولة الافتراضية”، دولة تقوم في مكانٍ ما من فلسطين.
د. من مبدأ التحرير إلى منهج التسوية.
ه. من شعار مقاومة “اتفاقات الإذعان” إلى شعار “احترام اتفاقات أوسلو”.
و. من الشرعية الثورية إلى النزعة الرغبوية Wishful Thinking.
ز. من مطلب الدولة الفلسطينية المستقلة إلى الدولة “ثنائية القومية”.
ح. من حلّ الصراع إلى إدارة الأزمة الفلسطينية.
ط. من التسوية إلى “الحرب على الإرهاب”.
هذه تحديات جسيمة كان لها تأثير جذري على حركة التحرر الوطني الفلسطيني.
2. طغيان التناقضات الداخلية:
اليوم الكراهية بين حركتي حماس وفتح أسوأ من الكراهية فيما بينهم وبين “إسرائيل”، والمعضلة اليوم هي أبعد من أن تكون صراع بين حركتين أو بين مشروعين، لأنها تنطوي على صراعات مصالح بين قادة كل له مجموعته وأجندته، من هذه الصراعات ما بات متجذراً إلى حدّ يصعب اقتلاعه عبر اتفاقات بين الحركتين، ما يؤدي إلى تحويل المسألة الفلسطينية برمتها من حال إلى حال آخر.
رابعاً: حلّ الدول الثلاث:
للأسف ما هو مطروح اليوم أن هناك سيناريوهات قد لا تخطر على البال من قبل، أن يكون هناك حلّ ثلاثي: دولة إسرائيلية قوية، ودويلتان فلسطينيتان ضعيفتان.
خامساً: مأزق حماس:
بدأ هذا المأزق منذ دخولها للانتخابات، لأن الانتخابات مهما قالوا وقلنا هي جزء من اتفاقات أوسلو.
الأزمة مستمرة حتى الآن، وها هي بعض الأمثلة (حسب رؤيتي):
1. الموقف من اتفاقات أوسلو: لأنه لا يوجد انتخابات ولا سلطة إلا وفقاً لأوسلو.
2. الموقف من نهج المقاومة: لأن نهج المقاومة لا يلتقي على وجه الإطلاق مع نهج المفاوضة، وخصوصاً أن أبا مازن يكرر دائماً أنه لا مقاومة مسلحة للعدو الإسرائيلي.
3. الموقف من فتح والتنظيمات الأخرى.
4. الموقف من السلطة الحالية نفسها بكل ما فيها من فساد وقصور.
5. الموقف من الأوضاع الإقليمية في ظلّ ظروف صعبة تمر بها المنطقة.
6. الموقف من المجتمع الدولي.
سادساً: المشروع الوطني الفلسطيني:
أصبح الشعب الفلسطيني بمجمله خارج الحوار الذي يدور بين الفصائل، وذلك لكثرة ما تمّ الاتفاق عليه وعدم تطبيقهم لهذه الاتفاقات، وللأسف أصبح هناك تطلع فلسطيني للأردن وتطلع فلسطيني لمصر، والعودة إلى الوضع القائم سنة 1967، لأن هذه الانشقاقات أدت اليوم إلى وضع جيو-سياسي جديد أن هناك انقسام بين شطري الوطن، وعدد كبير من الفلسطينيين يعتقد اليوم أنه إذا لم يكن هناك مصالحة حقيقية ستنتهي قدرة وقوة الممانعة لـ”إسرائيل”.
سابعاً: الثورة والهيمنة الإسرائيلية:
“إسرائيل” هي الآن في حالة ذهول مما يجري في المنطقة العربية، وسنعدد بعض النقاط:
1. غياب الكنز الاستراتيجي: كما قال وزير الصناعة والتجارة بنيامين بن أليعازر عن حسني مبارك.
2. مقاومة التغيير: بنظر “إسرائيل” أن هذه التغيرات إذا اقتصرت على الأنظمة لا يفرق كثيراً ولكن المهم صعود دور الجماهير كدور محوري مقرر في السياسات العربية.
3. ربيع فلسطين وخريف “إسرائيل”: ليس هناك أي معنى للحرب على الفلسطينيين وخاصة بعد هزيمة “إسرائيل” في غزة وفي لبنان، فلا يوجد أي هدف سياسي للحرب، وأيضاً احتمال أن تنشب حرب شاملة هو احتمال غير وارد، والانقسام في سورية يوفر على “إسرائيل” عبء التصرف تجاه سورية. ثم عندما هددوا باتفاقات أوسلو، هي أصلاً ولدت ميتة، وكان دورها فقط هو جرّ الفسطينيين لمفاوضات عبثية لم تؤدِ إلى أي شيء. وكانت النتيجة أن “إسرائيل” تكبدت خسائر فادحة على خمس مستويات:
المستوى الأول: خسارة الحليف الإسلامي الأكبر في المنطقة وهو تركيا بعد واقعة أسطول الحرية ثم بعد ذلك المعاملة المهينة للسفير التركي.
المستوى الثاني: هو خسارة الشريك العربي الأكبر وهو مصر بعد معاهدة السلام، هذا الموضوع انتهى بقيام الثورة.
المستوى الثالث: خسارة الشريك الفلسطيني في اتفاقات أوسلو.
المستوى الرابع: خسارة جزء كبير من الرأي العام العالمي وتململ في دول أوروبا.
المستوى الخامس: انهيار الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية للإسرائيليين.
أقامت “إسرائيل” علاقاتها الاستراتيجية العميقة في المنطقة مع اثنين من القوى الإقليمية، هما إيران وتركيا ثم أضيفت لهما مصر بعد إبرام المعاهدة بينهما، لكنها المرة الأولى في تاريخ “إسرائيل” التي تقف فيها بدون أي حليف إقليمي؛ لأن الدول الثلاثة اليوم أصبحت في أوضاع مغايرة.
الخلاصة:
إن المصالحة الحقيقية لا بدّ أن تتجسد في برنامج سياسي موحد، يتحول إلى استراتيجية ممكنة عملياً ومقبولة فكرياً، حتى إذا جمعت بين المفاوضة والمقاومة، أما المصالحة الجارية، فهي في التحليل الأخير، تغليب لإحداهما على الأخرى، وخاصة في دول العلاقات المتنامية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجماعة الإخوان المسلمين التي تقبض على السلطة في مصر. ويكفي إعلان الدكتور محمد مرسي أنه يحترم الاتفاقيات وكان من الأفضل أن يقول نحن نحترم الاتفاق مع “إسرائيل”، وهذه كارثة بلا حدود.
من هذا المنظور، لا بدّ من التسليم باستحالة التوفيق بينهما، لأنهما على طرفي نقيض، المشروع الأمريكي – الإسرائيلي في مواجهة المشروع القومي – الإسلامي، ثم إن قدرة فتح على “الشفط”، بحكم القوى التي تتكتل ورائها، أكبر بكثير من قدرة حماس على “الجذب”، ما يعني بوضوح تغليب منطق المفاوضة على منطق المقاومة، ولا شكّ في أن التطورات الجارية تؤكد ذلك بجلاء؛ من المفاوضات السرية التي تجريها السلطة، إلى عرض القضية الفلسطينية على الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع تركيز الهدف الوطني الأعلى في الوصول إلى وضع “دولة تحت الاحتلال” و”دولة تحت الوصاية”.
وأوضح أ. أحمد خليفة أنه لم يتمكن من التحضير لورقته بسبب ضيق وقته، كما أن الوقت انتهى قبل أن يستطيع استكمال النقاط التي تعالج موضوعه بشكل مباشر.
وقد قال إن من يتخذ القرار الفلسطيني هم زمرة في قيادة السلطة (أي عباس ومن حوله). وعند التفكير في الحركة الصهيونية، تطرح الأسئلة نفسها علينا؛ فهل هناك قرار إسرائيلي موحد حوله إجماع؟ مَنْ يتخذه وكيف يأخذه؟
وأما التأثير الإسرائيلي على ما يسمى بالقرار الفلسطيني فالسؤال هو التأثير على مَنْ؟ وعلى ماذا ومتى وأين؟ ومدى نجاحه أو فشله في التأثير الفعلي؟
حيث أنه فيما يخص الدولة الفلسطينية القرار في “إسرائيل” هو أنهم يريدون:
• إقامة دولة يهودية على كامل الأرض الفلسطينية.
• منع إقامة دولة فلسطينية.
ويجب إزالة الوهم من أنهم في وقت إسحاق رابين كانوا يريدون دولة فلسطينية. فرابين قبل اغتياله بشهر قال أمام الكنيست نحن نرى الحل الدائم في إطار “دولة إسرائيل” التي تتضمن معظم الأرض التي كانت تحت الحكم البريطاني، وإلى جانبها “Palestinian entity” أي كيان وليست دولة.
فـ”إسرائيل” ماضية في مشروعها (استيطان، هدم، سيطرة على الأرض والاقتصاد…)، والعنوان الجامع في “إسرائيل” هو استمرار السيطرة على الضفة الغربية ريثما يتيسر لهم إحداث ترانسفير.
وفي رأي خليفة فإن الترانسفير ممكن حدوثه ولا يجب استبعاده، فهناك مئة ألف فلسطيني سُحبت منهم الإقامة الدائمة في الضفة الغربية، وهذه الإقامات لا يمكن الحصول عليها إلا بموافقة “إسرائيل”.
ويعدّ خليفة أن التأثير الصهيوني يستهدف الوعي الفلسطيني، فهو يريد للفلسطينيين أن يعتقدوا بأنه لا يمكن لهم هزيمته ولا حتى مواجهته أو مقاومته، فالحركة الصهيونية ما زالت تحكم “إسرائيل” إلى الآن، وهي استطاعت التأثير على القرار الفلسطيني في:
1. الهدف الأساسي الذي هو تحرير كل فلسطين، حيث تنازلت م.ت.ف عنه.
2. تغير الهدف إلى دولة في الضفة وغزة، وأيضاً تنازلت م.ت.ف عنه.
3. الاستراتيجية، استراتيجية الكفاح المسلح أو المقاومة، فالقيادة الفلسطينية الآن فقدت شرعيتها وما زالت تفاوض، وتعدّ الأمن هو من أهم إنجازاتها وتريد أن تمنع أي انتفاضة.
أما فيما يتعلق بغزة فالهدف مختلف وهو أقل اتساعاً، يريدون إرغام حماس على الاعتراف بـ”إسرائيل”.
ومن الأدوات التي استعملتها “إسرائيل” في التأثير على القرار الفلسطيني، هي:
1. القوة العارية، فهي دولة احتلال وعندما رفض أبو عمار التوقيع في كامب ديفيد اجتاحت الضفة واحتلتها، وحين رفضت حماس شروط الرباعية، أيضاً اجتاحت غزة.
2. الوضع الاقتصادي المرعب، حيث جعلت الاقتصاد الفلسطيني تابعاً لها، وعاجزاً عن إعالة نفسه، فالضرائب لا توفر إلا جزءاً من ميزانيته، وهو يعتمد على الدول المانحة وهي بيد مَن؟ بيد “إسرائيل” وأمريكا وللأسف العرب أيضاً، وهم يوقفونها.
وقال د. إبراهيم شرقية إن الجانب الدولي مهم وموجود لا سيّما أن “إسرائيل” قامت بقرار دولي، وباعتقادي أن ما وصلت إليه القضية الفلسطينية في الوقت الحالي هو كان مساهمة من قرارات دولية، والعامل الأساسي في نجاح الثورات العربية وتغيير الأنظمة كان الجانب الدولي.
قبل أن يصدر القرار السياسي من البيت الأبيض هناك المؤسسة السياسية الرسمية والمؤسسة السياسية الغير رسمية التي تؤثر بالقرار السياسي بدرجة كبيرة، وعندما نتحدث عن المؤسسة السياسية غير الرسمية هناك خمسة عوامل في أمريكا هي تؤثر في القرار، وتعمل بشكل كبير على إخراجه بالصيغة التي تريد.
أولاً: مجموعات الضغط (اللوبيات والشركات).
ثانياً: الأحزاب السياسية (اللوبي الإسرائيلي في أمريكا يؤثر في المرشحين وفي برامجهم).
ثالثاً: الإعلام (هناك إجماع إعلامي من كل الصحف المؤثرة في الرأي العام وصناع القرار، وهي تتبنى الرواية الإسرائيلية، والإعلام يسيطر عليه اللوبي الصهيوني ويتم توجيهه).
رابعاً: مراكز الأبحاث Think Tanks.
خامساً: الرأي العام.
هذه العوامل الخمسة الرئيسية والتي يوجد بينها تفاعل فيما بينها، تؤثر على المؤسسة الرئاسية الرسمية (مؤسسات السلطة التشريعية: مجلس النواب، الشيوخ، مؤسسات السلطة التنفيذية: مجلس الأمن القومي، بنتاغون، CIA, FBI، ومؤسسات السلطة القضائية).
نصيب الفرد من إنفاق العالم الإسلامي و”إسرائيل” على أنشطة اللوبي والعلاقات العامة كل عام (كانون الثاني/ يناير 1997 – كانون الأول/ ديسمبر 2002)، “إسرائيل” تنفق حوالي دولارين عن كل فرد، أما العالم الإسلامي فينفق حوالي 2 سنت.
أما التأثير من ناحية الصعيد الدولي، وخصوصاً أمريكا، على أزمة المشروع الوطني الفلسطيني:
– احتكار المرجعيات التفاوضية وحصرها في الولايات المتحدة والسماح بوجود وكلاء لهذه المرجعيات.
– تهميش للمنظمات الدولية ذات الصلة (الجمعية العامة، محكمة العدل الدولية، الجنايات… إلخ) وتسخير الجزء الآخر لتكريس الاحتكار والهيمنة (مجلس الأمن).
– تسويق منظومة تفاوضية ربما تكون خاصة بالمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية (اختلال موازين قوى، وسيط غير محايد، أزمة تمثيل… إلخ).
– إيجاد منظومة قيمية ومعايير دولية لتصنيف مطالب الشعوب بحيث تعمل هذه المعايير كأداة لقياس المطالب الشرعية من غيرها، إما أن تسلك طريق الإرهاب وتصبح معزولاً وإما أن تسلك مجال التفاوض.
على الصعيد الداخلي:
– تأثير بنيوي يقوم على خلق مؤسسات سلطة فلسطينية قابلة للحياة فقط من خلال الدعم المالي الدولي، الانتقال من “الاعتمادية الضرورية” الى “الاعتمادية العضوية”، كمشروع سلام فياض.
– صقل ثقافة محلية تتساوق والرؤية الدولية للتسوية (الانتقال من “لأجل الناس تعيش” إلى نظريات ومنظرين) – بروز ظاهرة الفيّاضية “Fayyadism”.
– تحويل المشروع الوطني الفلسطيني الى مؤسسات خدماتية وازدهار اقتصادي وهو ما ينسجم مع رؤية نتنياهو للحل.
– عجز حماس والمعارضة عن تخطي التعريف الأمريكي الدولي للإرهاب ومحاصرتها في الداخل الفلسطيني.
الإفرازات التفاوضية:
– يجب الاعتراف بأن الاستراتيجية التفاوضية الحالية قد وصلت الى طريق مسدود، “المفاوض لا يفاوض والمقاوم لا يقاوم” وهذا الاعتراف مهم كونه يدفع بالصراع للوصول لـ”نضوج الصراع” (Conflict Ripeness) للانتقال لمرحلة جديدة.
– استراتيجية “السلوك المهذب” الذي يتم مكافأته قد يعمل في ألمانيا واليابان، ولكن ليس في الصراع مع “إسرائيل”، لذا وجب الحذر من اقتراض نظريات وخبرات الشعوب الأخرى وتطبيقها بجمود.
– المتغير والثابت في الرعاية الأمريكية للمفاوضات:
1. المتغير: المحادثات الموازية والمحادثات التقاربية، تفاهمات ميتشل وتطمينات زيني، الرعاية الأمريكية والرعاية الرباعية (Quartet).
2. الثابت: استيطان وتهويد القدس.
– التنازل التكتيكي مقابل التنازل الاستراتيجي.
– لا بديل عن حالة المصالحة الوطنية لفرض حالة تفاوضية.
حلول كامنة:
– الاستفادة من حالة الانفراج السياسي في موازين القوى العالمية وبنية النظام الدولي من أحادي إلى متعدد القطبية، خصوصاً تراجع النفوذ السياسي والاقتصادي الأمريكي.
– استراتيجيات جديدة تتعاطى مع التغير في الدور الأمريكي من “الهيمنة الأمريكية” إلى “القيادة الأمريكية”.
– تفعيل المؤسسات السياسية الفلسطينية كجزء من صنع القرار وليس بحصر دورها شكلياً فقط، كـم.ت.ف أو مؤسسات السلطة الفلسطينية أو حتى مؤسسات فتح، حتى نتنياهو كلّ ما ينضغط يقول أنا ليس لدي مشكلة المشكلة موجودة في الكنيست، لذلك يجب تفعيل المؤسسات السياسية الفلسطينية، إن أخطر ما تواجهه القضية الفلسطينية أن يتم حصر القرار السياسي في هيئة تنفيذية تفاوض مباشرة لأنه يتم محاصرتها فيجب أن يتغير.
– ضرورة تغيير نظرية “المفاوض المتوسل”.
– الاستعانة بالبعد العربي، ولكن على الأقل خلال العشر سنوات القادمة، يجب عدم تحميله أكثر مما يحتمل وخاصة البلدان التي تغيرت أنظمتها لأنها تواجه تحديات كبيرة، يجب أن نتعامل بموضوعية.
– ضرورة مراجعة حركة حماس لخطابها ونشاطها الدولي لينعكس ثقلها الداخلي على الساحة الدولية.
– الموازنة ما بين لغة الضحية والحق والباطل من جهة ولغة المصالح من جهة أخرى (أن لا يغرق الخطاب الفلسطيني بلغة الضحية وينتقل إلى لغة المصالح كما الإسرائيليين).
– العمل خارج الأطر التفاوضية التقليدية طالما لم يتحقق انجازات استراتيجية مثل الوقف التام للاستيطان ووقف إجراءات التهويد في القدس.
– تفعيل الجوانب القانونية في الصراع لملاحقة الاجراءات الإسرائيلية وبالتحديد فيما يتعلق بالقدس (جولدستون).
– دراسة تفعيل خيارات المقاومة الشعبية وحملة الـ BDS (Boycott Divest Sanction)، وهي تقوم على المقاطعة والمجازات وسحب الاستثمارات في “إسرائيل” على نطاق منظمات غير حكومية منظمات شعبية.
المداخلات في الجلسة الثالثة:
قال د. أبو النمل إننا بحاجة إلى جواب على سؤال، هل أزمة المشروع الوطني الفلسطيني هو مأزق فلسطيني أم إسرائيلي؟ لأن هناك رأي يقول إن المأزق في مكان آخر فلا تتعبوا أنفسكم في التفكير، وأضاف أن القرار الفلسطيني كان دائماً من صنع “إسرائيل” بوقائعها. وقال إن أمريكا ليست دولة لوبيات بل دولة مؤسسات، فـ”إسرائيل” وأمريكا وأية دولة متقدمة لها سياسة عليا ترسمها عدة مؤسسات مهمة، واللوبيات لها تأثيرها كما لأشياء أخرى تأثير أيضاً، لكن يجب ألا نخلط بين مؤثر أول وآخر ثانوي، فاللوبيات ليست وحدها التي تصنع السياسة والقرار. ونوّه إلى غياب المستوى الديني خلال الورقة التي تكلمت عن البعد الأمريكي، معتبراً أنه قد آن الأوان للاقتناع بأن ثمة بُعداً لاهوتياً في القرار السياسي الأمريكي، وهو أحد الأبعاد التي تكون حاضرة في تكوين الرأي العام وفي صناعة الرئيس.
وأوضح جواد الحمد أن هناك ثلاثة ملاحظات:
1. تأثير الإسرائيلي والعربي والأمريكي في القرار الفلسطيني تأثير أساسي وحاضر وعندما نتكلم عن القرار الفلسطيني نكون نتكلم عن قرار م.ت.ف وقرار السلطة الفلسطينية، والقرار الفلسطيني معروف أين هو، القرار الفلسطيني السياسي المتعلق بعلاقات الشعب الفلسطيني مع الأطراف الأخرى الخارجية زائد راية التفاوض مع “إسرائيل” زائد إدارة منظماتنا الاثنتين السلطة وم.ت.ف هو بيد حركة فتح وعلى رأسها أبو مازن.
فريق التسوية السياسية وضع نفسه في مربع مهم جداً، هذا المربع له محددان رئيسيان، المحدد الأول: الأمن الإسرائيلي.
والمحدد الثاني: المصالح الأمريكية في المنطقة وبالتالي حلفاؤها في المنطقة.
وليس هناك محدد ثالث في القرار الفلسطيني.
وموضوع محاصرة المعارضة بالمقابل؛ التأثير على القرار من جهة وبلورته معهم ثم إعطاؤهم فرصة كافية لتنفيذ القرار والتوجه المدعوم أمريكياً وإسرائيلياً بمحاصرة المعارضة أن تأخذ أي موقف يؤثر تأثيراً بليغاً على الرأي الآخر.
2. الثورات العربية والقضية الفلسطينية: هناك مدخلان مهمان:
المدخل الأول: يجب أن نميز بين موقفين؛ الموقف المبدئي من الصراع الإسرائيلي ومن “إسرائيل” ومن التسوية السياسية، وبين كيفية تطبيق هذا المبدأ في الواقع العملي؛ على سبيل المثال، جماعة الإخوان المسلمين، من المستحيل أن تتعامل مع الصراع الإسرائيلي بدرجة أقل من حركة حماس أو أقل من الشعب الفلسطيني، هذا غير ممكن، وإلا تفقد أصلاً صفتها الأيديولوجية.
3. موضوعات العلاقات الدولية والاتفاقات الدولية: لم ولن تستطع القوى الفلسطينية إلا أن تنشئ علاقات دولية وعلاقات إقليمية مع القوى الكبرى والقوى العظمى، والفكرة أن تكون علاقات تبعية أو غير تبعية، هذا هو السؤال، فالعلاقات التبعية مرفوضة، والعلاقات على قدم المساواة والندية فهي مطلوبة.
وقال د. محسن محمد صالح: منذ نشأت م.ت.ف حتى اتفاق أوسلو كان أعضاء كل المجالس الوطنية لـم.ت.ف أغلبهم من الخارج، بالذات الذي له حقّ التصويت، لغاية سنة 1991 عندما كانت الضفة تحت الاحتلال وكان هناك عضوية من الناحية الرسمية للبعض من أهل الداخل ولكن دون أن يحسبوا في نصاب صناعة القرار في م.ت.ف. وبالتالي عندما كانت تعقد مجالس م.ت.ف، كان يؤخذ بمن يحضر من أهل الخارج، وبالتالي موضوع القرار بوجود أعضاء تحت الاحتلال كان هذا غير موجود في صناعة القرار الفلسطيني في م.ت.ف حتى اتفاق أوسلو، وحتى الذين كان يُذكر أنهم أعضاء لم يكونوا يُحسبوا في النصاب عندما كان يُعقد الاجتماع. بعد أوسلو كان المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في 2009، كله وكل الاجتماعات صارت تعقد تحت الاحتلال داخل فلسطين، وقيادة الشعب الفلسطيني سواء في السلطة أو في م.ت.ف سكنت تحت الاحتلال أيضاً.
السلطة نفسها تضخمت بشكل هائل حتى أصبحت م.ت.ف كأنها دائرة من دوائرها، وبالتالي أصبح الاحتلال يتحكم بكل مدخلاتها ومخرجاتها، صادراتها، حدودها، بنيتها التحتية… فكيف ستستطيع أن تصنع القرار بعد أن تضخمت وأصبحت هي الأكبر في الحالة الفلسطينية وأصبحت م.ت.ف، تابع من توابعها؟ فكيف نتحدث عن الاستقلال في القرار الفلسطيني؟ هنا تبرز قيمة معنى أن يكون الاحتلال مؤثراً في صناعة القرار الفلسطيني، وأضاف أن هناك ثلاثة أشياء مرتبطة بالمسارات يحكمها طرف ثالث غائب لكنه حاضر فعلي، ما يتعلق بموضوع تشكيل الحكومة التي لن تتشكل ولن تستطيع العمل على الأرض إلا بالموافقة الإسرائيلية أو بالسكوت الإسرائيلي، موضوع الانتخابات التي لن ولم تتنفذ على الأرض إلا بالموافقة أو بالسكوت الإسرائيلي، موضوع إصلاح الأجهزة الأمنية كذلك.
إذاً، أصبح هناك تحكم إسرائيلي في مسار التسوية ومسار المصالحة حتى في بناء البيت الداخلي الفلسطيني، وهذا هو الخطير الذي يُرجعنا مرة أخرى إلى إعادة بناء م.ت.ف في الخارج.
ووجه سؤالاً للدكتور شرقية عن شروط الرباعية، أنها أصبحت عائقاً الآن للحالة الداخلية الفلسطينية وأصبحت أساساً في التعامل مع الانفتاح الدولي على قضية فلسطين، فما هي الإمكانات الفعلية للضغط الفلسطيني، أو للضغط العربي أو الإسلامي لإثناء الأمريكان أو المجموعة الرباعية عن أن تشترط على شرعية العمل الفلسطيني شروطها هذه التي هي فعلاً مُعطِّلة لأي عملية بناء داخلي فلسطيني؟
ورأى أ. أنس كامل أن هناك تأثيراً كبيراً لثورات الربيع العربي على القرار الإسرائيلي، وأن جزءاً من أزمة المشروع الوطني تكمن في أننا نعطي مساحة كبيرة جداً للماضي هي أكثر بكثير مما نعطي للمستقبل وخططه ورُؤاه.
الردود في الجلسة الثالثة:
في رده على المداخلات فيما يخص ورقته، قال أ. أحمد خليفة: لا أعتقد أن “إسرائيل” تعيش أزمة خطيرة ولا هي على وشك الانهيار، إنما هي دولة إنتاجها القومي كبير، عندها جيش تدعمه أمريكا بأقوى الأسلحة وهي تخزّن الأسلحة، وألمانيا تصنع لها غواصات نووية، فيها مشاكل اجتماعية نعم، لكن القيادة السياسية متماسكة وتحظى بدعم برلماني وشعبي قوي وستبقى هكذا في الانتخابات القادمة.
وأضاف أن القرار الفلسطيني الصحيح هو قرار الشعب، وعندما أتيح له أن ينتخب في سنة 2006 انتخب حماس وليس السلطة الفلسطينية، وحماس لديها استراتيجية، فلماذا القرار الفلسطيني هو قرار السلطة؟ حتى “إسرائيل” تقول لا أريد التفاوض مع أبو مازن لأن الشعب الفلسطيني منقسم وأنا لا أعرف مع من يجب أن أتفاوض؟ وبمعنى آخر أنا لا أعرف من هو صاحب القرار؟ وهل إذا عقدت معه اتفاقاً سيلتزم الطرف الآخر بهذا الاتفاق؟ برأيي لا يوجد قرار فلسطيني موحد.
كما نوهّ إلى أن الكل يعرف كيف كانت صناعة القرار حين كان أبو عمار، سنة 1996 في المجلس الوطني الذي يضم 400 عضو، حدثني أحد أصدقائي واسمه محمود نوفل أن عرفات أعطاه حوالي 80 بطاقة عضوية ليوزعها، هكذا كانت صناعة القرار عنده!
ما نحتاجه عندما يتعلق الأمر بصناعة قرارات ليست هذه الطريقة، بل هيئة منتخبة وتمثيلية وهيئة لها قواعد.
وعن التأثير الإسرائيلي على القرار الفلسطيني، قال: لم يُتح لي المجال كي أُكمل الموضوع، لكن لنعرف مدى هذا التأثير، فلننظر إلى المصالحة وكيف عرقلتها “إسرائيل”، وإلى تشكيل الحكومة وكيف تدخلت فيه، حتى فكرة سلام فياض وسياسة النيوليبرالية التي انتهجها، على الرغم من أنها كانت تخدمها، لكن “إسرائيل” لم تتحمّلها.
ورأى أ. جهاد الزين أن اللوبي الصغير الموجود بواشنطن والمحيط بسلام فياض يتمنى المزيد من التورط الأمريكي والسيطرة الأمريكية على المؤسسات الفلسطينية، لأن هذا هو الطريق الوحيد ليستطيع فرض وقائع على الاحتلال الإسرائيلي.
وقال د. شرقية: البعد الديني نعم موجود ولكن درجة تأثيره تختلف من إدارة أمريكية إلى أخرى، فكان البعد الديني أكثر تأثيراً في إدارة جورج دبليو بوش أكثر منه في الوقت الحالي، ولذلك نشأت في أمريكا الصهيونية المسيحية التي كانت تمثل وتتبنى هذا الجانب.
المشكلة ليست في البيت الأبيض ولكن المشكلة في المؤسسات، المؤسسة السياسية الرسمية المتمثلة في مؤسسات السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية والمؤسسات السياسية الغير الرسمية المتمثلة باللوبيات والإعلام والأحزاب السياسية… إلخ. اللوبيات موجودة ولها فاعلية قوية وتؤثر في المؤسسات.
الثورات العربية قامت لأجندات داخلية وليست بسبب القضية الفلسطينية، هذا لا يعني أنه لا يوجد اهتمام بالقضية الفلسطينية، ولكن يجب أن لا يتحمل العمق الاستراتيجي وهو العمق العربي أكثر مما يحتمل.
أذكر أيضاً بتصريح خيرت الشاطر (المفكر الاستراتيجي لحزب الإخوان المسلمين): تكلم في قضية تأسيس تعاون علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة.
في شروط الرباعية: في احتكار المرجعيات التي تحدثت فيها منذ سنة 1993 عندما توصل لاتفاق في أوسلو ووقّع الاتفاق في واشنطن لكثرة التذمر وكثرة الفشل المتكرر لهذه المرجعية (أي الولايات المتحدة الأمريكية) بإصدار أو بالتوصل إلى نتيجة، فصار يتم إعطاء حقنات حتى تستمر وتظهر دائماً بثوب جديد، حتى وصلنا إلى 18 سنة من المفاوضات للنقطة التي بدأت منها، وعندما اختل موضوع المرجعية، أتينا إلى موضوع الرباعية حتى يكون هناك إعطاء بُعد دولي، ولا تظهر أن هناك احتكار لأمريكا في الموضوع.
بحقيقة الأمر، من يتحكم بقرار الرباعية الدولية هي الولايات المتحدة الأمريكية، حتى وإن تمّ إضافة الاتحاد الأوروبي وروسيا للأمم المتحدة، وتأثير ذلك على صناعة القرار الفلسطيني، ويجب أن نعترف هنا أنَّ إدارة أوباما أخف بهذا الشرط من الإدارة السابقة، إذا أردتم الاتحاد مع حماس اتحدوا ولكن لن يكون هناك تمثيل لحماس في الحكومة.
النقطة الأخيرة موضوع التذمر من موضوع الجانب الإسرائيلي في أمريكا، هناك أصوات محدودة جداً بدأت تتذمر من موضوع المساعدات الأمريكية لـ”إسرائيل”، وهي حوالي خمس مليارات سنوياً، هناك مشاكل للتعليم في الولايات المتحدة يجب الصرف عليها.
وهذه الأصوات المحدودة جاءت نتيجة للجهد الفلسطيني على الساحة الدولية وخصوصاً يوم التقدم بمشروع الاعتراف بالسلطة الفلسطينية للأمم المتحدة، أصبح هناك تذمر، لماذا ستبقى أمريكا تستخدم الفيتو لصالح “إسرائيل”؟ ولكن، إذا أصبح هناك تكثيف للجهد الفلسطيني وأصبح هناك اختراق للساحة الدولية، يمكن أن تعي أمريكا أن هناك ثمناً للفيتو، استخدمت أمريكا 45 مرة الفيتو لصالح “إسرائيل” من أصل 82 مرة استخدمته، صانع القرار الأمريكي يجب أن يعي أن استخدام الفيتو ليس مجاناً، هناك ثمن لمصداقية أمريكا، هذا يمكن أن يشكل ضغطاً حقيقياً.
ولهذا، عندما اتصل أوباما بالمجلس الرئاسي البوسني شخصياً ليمنع تقديم المشروع الفلسطيني الذي كان سيستخدم الفيتو ضده، كان ذلك حتى يتجنب دفع ثمن الفيتو.
أضف ردا