التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2011 – الفصل السادس: الأرض والمقدسات
النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل … للاطلاع على الفصل كاملاً اضغط هنا (62 صفحة، 2.89 MB)
مقدمة
مهما حاول المرء أن يبحث عن صياغات وتوصيفات جديدة لما يحصل في القدس خوفاً من تحول عبارة “تصاعد وتيرة الاعتداءات” إلى عنوان أدبي تقليدي خالٍ من المعنى، إلا أن هذه المحاولات تبوء بالفشل، لأن التركيز الصهيوني على القدس ما فتئ يتصاعد عاماً بعد عام بشكل يجعل محاولة تفادي هذا العنوان مجرد تحاذق. ويحار الباحث المتابع لما يجري في مدينة القدس في كيفية رصد وتبويب ما يتجمع لديه من تقارير هائلة تتحدث عن خطوات تهويد المدينة، تكاد لا تستثني مجالاً من مجالات الحياة.
هذه “الصحوة” الصهيونية تجاه القدس ليست مفاجئة، فتهويد المدينة هو التجلي الأكبر والأبرز لمقولة “يهودية الدولة” التي باتت اليوم المقولة المركزية في العقل السياسي الصهيوني، فإذا كانت “إسرائيل” دولة ذات هوية يهودية، فلا بدّ أن تكون عاصمتها “أورشليم” كذلك، هذه المدينة التي ما تزال حلماً حتى يومنا هذا، فالناظر إلى أفق المدينة اليوم، سيلحظ كتلاً ضخمة من الأبنية تحيط بها، لكن عينه لن تخطئ هويتها العربية الإسلامية، وستكون مساجدها وكنائسها أول ما تقع عليه العين، بعد 44 عاماً من سقوطها بالكامل في قبضة الصهاينة، وانطلاقاً من ذلك فإننا سنشهد سباقاً متصاعداً لحسم هوية المدينة عاماً بعد عام.
أولاً: المقدسات الإسلامية والمسيحية:
1. المسجد الأقصى المبارك:
خلال سنة 2011 استمرت انتهاكات سلطات الاحتلال لقدسية المسجد الأقصى، حيث شملت هذه الانتهاكات حفريات واعتداءات على الأملاك التابعة للمسجد وتدخل في إدارته واقتحامات؛ وقد بلغ مجموع اقتحامات المتطرفين اليهود والشخصيات الرسمية والأجهزة الأمنية الإسرائيلية للمسجد 34 اقتحاماً خلال الفترة 22/8/2010-21/8/2011. ولكن في الوقت نفسه، اتخذت سلطات الاحتلال مجموعة من الإجراءات لتخفيف القيود التي كانت مفروضة على دخول اليهود إلى المسجد الأقصى، وقد شهدت سنة 2011 واحداً من أكبر الاقتحامات الجماعية اليهودية للمسجد في 9/8/2011 الموافق لليوم التاسع من شهر رمضان، بينما فرضت قوات الاحتلال، في هذا الشهر المبارك، قيوداً مشددة على دخول المسلمين للمسجد لصلاة التراويح وفي أيام الجمع .
أ. تطور الموقف السياسي والديني والقانوني من المسجد الأقصى:
في سنة 2008 كلفت لجنة الرقابة في الكنيست مراقب عام الدولة بإعداد دراسة حول إمكانية فرض السيادة الإسرائيلية على “جبل المعبد” ، وانطلاقاً من تلك النقطة بدأ مكتب المراقب العام ميخا ليندنشتراوس Micha Lindenstrauss إعداد تقرير حول الأمر، قدمه للجنة المعنية في حزيران/ يونيو 2010 لكنها لم تناقشه إلا في 4/8/2010، وقررت إبقاء التقرير سرياً، مع إتاحة أجزاء محدودة جداً منه للنشر ، ولم تنشر هذه الأجزاء إلا في 17/5/2011 واقتصرت على جمل مقتضبة قالت: “إن الأعمال [التي نفذتها الأوقاف الإسلامية في اسطبلات سليمان] تمت دون تنسيق مع السلطات المعنية لتطبيق القانون في جبل المعبد، ودون الحصول على الموافقات والتراخيص اللازمة… وإن استخدام المعدات الميكانيكية خلال بعض مراحل العمل دمر وبكل أسف بعض الأدلة الأثرية” .
وخلص التقرير إلى أنه “من المهم التأكيد على أن أية حفريات في جبل المعبد لا بدّ أن تتم بما يتناغم مع روح المكان، وأن تحصل على التراخيص اللازمة، وأن تتم وفق المعايير الآركيولوجية” . وقد جاء هذا التقرير واستنتاجاته ليخدم أجندة اليهود المتطرفين التي تطالب الحكومة بمواجهة الأوقاف، لإلزامها بالتنسيق مع سلطة الآثار الإسرائيلية في أي أعمال تريد القيام بها في المسجد الأقصى، وقد تزامن هذا التقرير مع حملة إعلامية منهجية أطلقتها مجموعة من الجمعيات اليهودية المتطرفة بالتعاون مع سياسيين بينهم أعضاء في الكنيست، تتهم شرطة الاحتلال بالتمييز ضدّ اليهود في “إجراءات الدخول إلى جبل المعبد”، وقادت هذه الحملة لعقد جلسة استجواب لقائد الشرطة الإسرائيلية آفي بيتون Avi Bitton في لجنة الداخلية والأمن في الكنيست في 15/6/2011 ، وإلى تحرك مدعي عام الدولة يهودا فينشتاين Yehuda Weinstein للتحقيق في سلوك الشرطة الإسرائيلية، وانتهت هذه الجهود بعقد اجتماع موسع في 7/8/2011 في مكتب رئيس الكنيست رؤوفين ريفلين Reuven Rivlin، ضمّ قيادة الشرطة الإسرائيلية ومجموعة من السياسيين وممثلي الجمعيات اليهودية جرى الاتفاق فيه على :
1. السماح للعسكريين اليهود بدخول المسجد بزيهم الرسمي (وهو أمر كان ممنوعاً سابقاً).
2. السماح بزيارة المسجد في احتفالات الزواج اليهودية، أو بمعنى آخر السماح بإقامة حفلات زفاف لليهود داخل المسجد.
3. عدم استهداف المتدينين من اليهود بإجراءات تفتيش ورقابة صارمة عند دخولهم للمسجد.
أما في تطور الموقف الديني، فإن اللافت للنظر كان دعوة حاخام صفد شموئيل إلياهو Shmuel Eliyahu، أحد الحاخامين الأساسيين في الحاخامية الرسمية، إلى تقديم “قربان الفصح في جبل المعبد”. وأفتى بأن اليهود الذين يتجنبون أداء هذه الشعيرة يخاطرون باستنزال العقوبة الإلهية المدمرة (كارث Kareth) كما يسميها المصطلح التوراتي .
وكانت مجموعة من اليهود المتطرفين قد قدمت سنة 2010 التماساً للمحكمة العليا الإسرائيلية Israel’s Supreme Court تطالب فيه السماح بتقديم القرابين في “جبل المعبد”، لكن المحكمة ردته حينها لسبب أمني، حيث رأى مدعي عام الدولة أن هذا سيكون له تأثير سلبي على الأمن والاستقرار في المنطقة.
ب. الحفريات والإنشاءات تحت المسجد وفي محيطه:
مع نهاية سنة 2010 ودخول سنة 2011 انتقلت الحفريات أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه إلى مرحلة جديدة، فبعد أن كان التركيز ينصب على زيادة عدد الحفريات وتوسيعها أصبح اليوم منصباً على تأهيل هذه الحفريات وافتتاحها أمام الزوار، لتشكل بعد افتتاحها واستكمال ربطها ببعضها البعض مدينة يهودية تاريخية تحت المسجد، وهذا التحول يعني أن البنية التحتية لهذه المدينة قد اكتملت. ويوضح الجدول التالي تطور أعداد الحفريات تحت المسجد الأقصى:
الحفرية الأبرز التي جرى افتتاحها كانت النفق الواصل بين “مدينة داود” في سلوان جنوباً وشبكة أنفاق الحائط الغربي شمالاً، ويشكل الطريق الهيرودياني Herodian road مقطعاً منه، وأهمية هذا النفق تنبع من كونه يصل جناحي المدينة التاريخية اليهودية جنوب المسجد وغربه .
إلى جانب ذلك، انصب تركيز سلطات الاحتلال على تهيئة بنية تحتية تسمح للمزارات اليهودية في المكان، فصادرت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 أراضي ملعب وادي حلوة والتي تبلغ مساحتها 800م2 لإقامة موقف لزوار “مدينة داود” ، وكانت بلدية الاحتلال قد اعتمدت في 4/11/2010 مشروعاً متكاملاً لتأهيل محيط حائط البراق وجذب حوالي 15 مليون زائر إليه سنوياً، يشمل فتح باب جديد في السور الجنوبي للبلدة القديمة لأول مرة منذ احتلال المدينة .
أما أبرز الإنشاءات التي افتتحت للزوار في محيط المسجد فكان مسار “مطاهر الهيكل”، حيث جرى بناء ممرات بين آثار القصور الأموية الواقعة جنوب المسجد الأقصى وافتتحته للزوار في 21/6/2011، كجزء من المدينة اليهودية التاريخية، إذ يزعم الآثاريون الصهاينة أن بعض الحجارة الموجودة في المنطقة تعود إلى عهد المعبد الثاني .
قضية تلة المغاربة:
برزت قضية المغاربة إلى العلن في 15/2/2004 عندما انهار السور الاستنادي الداعم للتلة من جهتها الشمالية المطلة على ساحة البراق خلال عاصفة ثلجية هبت على المكان، ويعود سبب انهيار سور التلة في حينه إلى صبّ سلطات الاحتلال قواعد إسمنتية للمظلات التي ركبتها في المكان قبل ذلك بفترة بسيطة، وإلى منع سلطات الاحتلال الأوقافَ الأردنية من تدعيم التلة أو ترميمها، بالرغم من تعمد زيادة الأحمال الواقعة عليها، وبعد انهيار التلة بنحو عام أنشأت سلطات الاحتلال في 20/4/2005 جسراً خشبياً عوضاً عن التلة يسمح بالدخول إلى المسجد من باب المغاربة .
وقبل الاستفاضة في تطورات القضية لا بدّ من التوقف عند التلة والتعريف بها؛ نشأت التلة في هذه المنطقة بعد هدم حارة المغاربة الواقعة إلى شمالها في 11/6/1967، وهدم مبنى الخانقاه الفخرية الذي كان قائماً إلى جنوب التلة في 16/6/1969، وكانت جميع هذه الأبنية قبل ذلك تقف على مستوى واحد، لكن أعمال الهدم التي سوّت الإنشاءات المذكورة بالأرض تركت الممر الصاعد إلى باب المغاربة وحيداً مما جعله يبدو كتلة منفردة . هذه الخلفية تخبرنا بوضوح بأن هذه التلة هي تلة صناعية لأنها عبارة عن ممر مردوم قائم فوق أبنية تعود للعهد الأيوبي على أقل تقدير، وعليه فإنها تتطلب صيانة وعناية دائمة، كما أن هذه الخلفية تخبرنا في الوقت عينه بأن تلة المغاربة والغرف القائمة تحتها هي آخر ما تبقى من إنشاءات إسلامية في هذه المنطقة.
في 6/2/2007 بدأت أعمال هدم تلة المغاربة لأول مرة، ضمن مخطط لإعادة تأهيل المنطقة من وجهة نظر توراتية ، وقد أدت تلك الأعمال إلى تداعيات وردود فعل كثيرة، كان من بينها إيفاد منظمة اليونسكو بعثة تقنية لمعاينة المكان في الفترة 27/2-2/3/2007، وقد خرج تقرير اللجنة في حينه بخمس توصيات من ضمنها: “أن يُطلب إلى حكومة إسرائيل المشاركة فوراً في عملية تشاور مع جميع الأطراف المعنية، لا سيّما سلطات الوقف الإسلامي والأردن” ، وقد جاءت هذه الدعوة بناء على إدراج القدس على لائحة التراث الإنساني المهدد بالخطر.
لقد شكلت دعوة اليونسكو هذه سابقة تجاوزت ثوابت القانون الدولي بهذا الشأن، فالثابت عبر مختلف قرارات هيئات الأمم المتحدة أن شؤون المسجد الأقصى والأوقاف الإسلامية في القدس هي اختصاص حصري لدائرة الأوقاف الإسلامية التابعة للحكومة الأردنية، وهذه الدعوة تحول “إسرائيل” إلى طرف أصيل، والأوقاف الأردنية إلى أحد “الأطراف المعنية”، وعلى الرغم من ذلك تجاوبت الحكومة الأردنية مع هذه الدعوة، وبدأت اجتماعات متتالية للجنة التراث العالمي World Heritage Committee تنظر في هذه القضية كبند ثابت على جدول أعمالها منذ ذلك الحين، وقد قدمت سلطة الآثار الإسرائيلية تصورها للحلّ بإقامة جسر حديدي يستند إلى أعمدة تقوم على ما تبقى من التلة في حين اعترضت الأوقاف الأردنية على هذا المشروع، ولكنها ولجلسات متعددة لم تتمكن من تقديم مشروع بديل نظراً لمنع السلطات الإسرائيلية لها من زيارة المكان وأخذ القياسات اللازمة وعينات التربة لإعداد المشروع، وبهذه الطريقة أصبح لدينا وجهتا نظر لجهتين تتنازعان الوصاية على المكان، لأول مرة منذ احتلال المدينة، بعد أن كانت حقاً حصرياً للأوقاف الأردنية .
النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل … للاطلاع على الفصل كاملاً اضغط هنا (62 صفحة، 2.89 MB)
[/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container]
أضف ردا