تقدير استراتيجي (51) – كانون الأول/ ديسمبر 2012.
ملخص:
لم تشكل الانتخابات البلدية في الضفة الغربية حالة إيجابية باتجاه الدفع نحو انتخابات سياسية حرة ونزيهة وممثلة لكافة القوى الفلسطينية في الضفة والقطاع؛ بل لعلها حملت مضامين سلبية بسبب مقاطعة حماس وعدد من قوى المقاومة لها. وقد خاضت فتح الانتخابات دونما منافسة حقيقية تقريباً. ويبدو أنه من الصعب على حركة فتح خوض انتخابات سياسية ناجحة بخاصة إذا تقدم مستقلون أصحاب شأن علمي وسياسي لخوض الانتخابات.
ربما لا يكون هناك تصاعد في تأييد حركة حماس في الضفة الغربية، لكن فتح لم تتعلم كثيراً من درس انتخابات عام 2006، واستمرت على التصرفات ذاتها التي كلفتها ثمناً باهظاً. ولهذا ليس من المتوقع أن يستمر اندفاع السلطة الفلسطينية بقيادة عباس للتنظير للانتخابات كمخرج من الانقسام. لن يكون هناك تنظير ضد الانتخابات، لكن وتيرة الدعوة لإجرائها ستخف تدريجياً.
مقدمة:
قامت السلطة الفلسطينية بإجراء انتخابات مجالس محلية في 20/10/2012، وذلك في الضفة الغربية دون قطاع غزة بسبب حالة الانقسام التي تشهدها الساحة الفلسطينية في الضفة والقطاع. جرت الانتخابات في 93 هيئة انتخابية، في حين فازت قوائم 179 هيئة بالتزكية بسبب عدم وجود منافسة. تخلفت هيئات عن الانتخابات بسبب مشاكل داخلية.
الانتخابات.. عشائرية عائلية:
من متابعة الانتخابات، تمثلت أمام المتابعين انتخابات المجالس المحلية إبان العهد الأردني حيث كان ينشغل الناس بمنافساتهم العائلية والشخصية بعيداً عن المساس بالقضايا العامة التي تؤثر على حياة الناس. ساد يوم الانتخابات الجو العربي التقليدي الذي فرضته الأنظمة السياسية العربية، فغابت البرامج إلى حد بعيد، وغابت الكفاءات المهنية عن الترشيح، وحضرت العائلة والقبيلة والمنافسات الزعاماتية المحلية. ويمكن إجمال هذا الجو بالنقاط التالية:
1. غياب الأجواء الديموقراطية عن الانتخابات المحلية بسبب عدم مشاركة المعارضة الفلسطينية، وبالتحديد حركة حماس. الأوضاع السياسية في الضفة الغربية لا تسمح بمشاركة حماس أو الجهاد الإسلامي بسبب ملاحقة أجهزة أمن السلطة الفلسطينية لأعضائهما، وكان من المتوقع أن تتعرض قوائمهما فيما لو قررتا المشاركة للملاحقة والاعتقال. والضفة الغربية تشهد ذلك في انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات إذ يتعرض شباب حماس والجهاد لملاحقة أجهزة الأمن، وأحياناً لملاحقة إدارات الجامعات التي تدين بالولاء للسلطة الفلسطينية. قالت السلطة الفلسطينية إن الانتخابات كانت ديموقراطية، لكنها كانت بحاجة لإثبات ذلك.
2. غياب البرامج الانتخابية التنافسية ذات الأبعاد الاستراتيجية في تحقيق تقدم وازدهار القرى والمدن. تم طرح برامج ساذجة تخلو من التنافس الفكري والمنهجي والأولويات، ويبدو أن هدفها كان فقط إعطاء صورة برامجية للانتخابات والإعلاء من شأن إجرائها.
3. بروز العائلية والعشائرية كمكون أساسي وحيوي للمجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية، وذلك على حساب مفهوم المجتمع الأوسع. لقد شكلت الانتخابات ردّة اجتماعية كبيرة أعادت المجتمع في الضفة إلى سنوات العهد الأردني الذي رأى في العائلية مكوناً حيوياً لاستقرار الحكم. وهذا ما يفسر فوز أغلب الهيئات الانتخابية بالتزكية، حيث توصلت المكونات العائلية لهذه القرى والبلدات إلى توافقات تضمن تمثيلاً لكل عائلة تبعاً لعوامل محددة.
4. غياب الشعار الوطني عن الانتخابات، وحصر الدعاية الانتخابية بشعارات تخلو من المحتوى العملي مثل “يا جبل ما يهزك ريح.” لم يسمع الفلسطيني شعارات ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولم يقرأ حول كيفية معالجة التقييدات التي يفرضها الاحتلال على تطوير القرى والبلدات سواء من ناحية التزود بالمياه أو الكهرباء.
5. تدني نسبة المشاركة في الانتخابات والتي بلغت 54% تقريباً. هذه نسبة عالية بالمقاييس العالمية الحالية، لكنها تبدو ضئيلة عندما نرى تدني نسبة المشاركة في المدن وارتفاعها في القرى. القرى هي التي رفعت النسبة لأن الانتخابات كانت في الغالب على أسس عائلية، وثبت أن العائلات في فلسطين أكثر قدرة من الجهات السياسية على حشد الناخبين.
6. فوز التنظيم من خلال العائلة وبالذات تنظيم فتح، حيث طغت العائلية على التحالفات الانتخابية، وكان على التنظيمات التي قررت خوض الانتخابات التحالف مع عائلات لكي تستطيع الفوز. وهذا ما يفسر عدم وجود قوائم فصائلية خالصة، وتحول الفصيل إلى أداة بأيدي العائلات.
التأثير على الانتخابات السياسية
قالت حركة فتح عبر مختلف وسائل الإعلام إنها كسبت الانتخابات، وحصلت وفق إحصاءاتها على ما يربو عن 50% من المجالس المحلية، واعتبرت ذلك تعبيراً عن شعبية واسعة تتمتع بها. ولم يخل الأمر من تأكيد سياسي بأن فتح ستفوز بالانتخابات التشريعية والرئاسية إن حصلت في الضفة والقطاع، وأن المعارضين لا يوافقون على الحل الفتحاوي للانقسام بسبب خوفهم من الهزيمة. الحل الفتحاوي هو اللجوء إلى انتخابات تشريعية ورئاسية للتغلب على الانقسام، إذ يقرر الشعب من خلالها ما يريد.
لكن إذا ابتعدنا عن وسائل الإعلام، لا بد لحركة فتح والسلطة الفلسطينية المنبثقة عنها أن تفكرا بعدد من النقاط الجوهرية منها:
1. من المفترض أن تكون الانتخابات التشريعية والرئاسية ديموقراطية تفتح المجال أمام المعارضة للمنافسة بحرية وبدون رقابة أو ملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية. عندها ستكون فتح مقيدة بمعايير المنافسة الديموقراطية من حيث مستوى المرشحين والبرامج المطروحة، وتركيبة قوائم المرشحين.
2. عطفاً على نسبة المشاركين في الانتخابات، ونسبة ما حصلت عليه القوائم الفائزة من الأصوات، نجد أن احتمالات فوز حركة فتح بأغلبية مقاعد التشريعي ضعيفة، وأن احتمال فوزها بالرئاسة ليس عالياً خصوصاً إذا أحسنت المعارضة التقدير في اختيار مرشحيها، فقد كانت نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية في المدن الكبيرة مثل نابلس والخليل وطولكرم متدنية، الأمر الذي يعطي انطباعاً بأن المدن الكبرى لا تتجه نحو حركة فتح. أما القرى فمشكوك أيضاً باصطفافها إلى جانب حركة فتح بسبب تداخل التوجهات والحسابات التي تحدد سلوك العائلات.
3. قد تكون الروح العائلية التي سادت الانتخابات العائلية مؤقتة، بسبب الترهل السياسي الذي يسود الضفة الغربية. ومن المحتمل أن تتقلص هذه الروح إلى وضعها الاعتيادي فيما إذا سادت الأجواء السياسية التنافسية، وطغت على العائلية. هناك تقدير بأن العائلية قد استحوذت على حوالي 30% من الأصوات في انتخابات عام 1996، علماً أن المنافسة كانت غائبة بسبب عدم خوض المعارضة للانتخابات. ومن الوارد أن النسبة هذه ستنخفض، إذا جرت انتخابات تنافسية على أسس سياسية ووطنية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الروح العائلية ليست محسومة لصالح حركة فتح، حيث شاهدنا عائلات تنتخب حركة حماس في انتخابات عام 2006.
4. صعوبة خوض حركة فتح انتخابات سياسية بشعارات وطنية وسياسية مقنعة للناس، وذلك بسبب إخفاق السلطة في تحقيق إنجازات فيما يتعلق بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. إن المفاوضات المسؤولة عنها حركة فتح فاشلة، والفساد ما زال قائماً على الرغم من تقلص ظهوره للعيان، والرواتب تتعرض لاهتزازات متتالية، والاعتماد على الآخرين يتفاقم. وبالتالي، يؤثر فشل السلطة مباشرة على حركة فتح ويضعف فرصها في الفوز في الانتخابات.
5. أثَّر الانقسام والاقتتال سلباً على كل الفصائل الفلسطينية وبالتحديد على حركتي فتح وحماس. لقد خسر الفصيلان بعض تأييدهما في الضفة وغزة، ومن المهم لكل فريق أن يقدّر مقدار خسارته إذا كان له أن يحسب فرصه بالفوز في الانتخابات السياسية.
6. تحتاج فتح إلى البحث عن شخصيات ذات مستوى أفضل علمياً، وأقدر على التواصل مع الجماهير لخوض الانتخابات السياسية، وإلاّ فإنها ستتضرر إذا كررت أخطاءها.
مقترحات:
1. الحذر من الأضرار التي قد تنتج عن غلبة الروح العشائرية والعائلية على المعايير والموازين الوطنية والخبرة والكفاءة السياسية.
2. يجب توفير الأجواء الملائمة لإجراء الانتخابات، وذلك من خلال: إطلاق الحريات العامة، وتكريس نهج التداول السلمي للسلطة وضمان نزاهة الانتخابات، وضمان مشاركة كافة القوى السياسية.
3. يمكن للانتخابات السياسة في السلطة أن تجري في ظل ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، من خلال وجود حكومة موحدة في كل من الضفة والقطاع، وكذلك توحيد كافة المؤسسات والأجهزة التابعة للحكومة، وبالتالي إجراء العملية الانتخابات تحت إشراف مؤسسة وطنية واحدة. وبالتالي فإن تأجيل تشكيل الحكومة وتوحيد المؤسسات الوطنية لما بعد الانتخابات؛ يكون بمثابة وضع العربة قبل الحصان، وهو ما يفقد الأمل بإمكانية إجراء هذا الاستحقاق.
* يتقدم مركز الزيتونة للدكتور عبد الستار قاسم بخالص الشكر على كتابته النص الأساسي الذي اعتمد عليه هذا التقدير.
أضف ردا