عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات يوم الأربعاء 6/2/2013 حلقة نقاش علمية تحت عنوان “القضية الفلسطينية: تقييم استراتيجي 2012 – تقدير استراتيجي 2013″، في فندق كراون بلازا في بيروت، وجرى خلالها تقييم التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية بمختلف محاورها في سنة 2012، إضافة إلى محاولة استشراف اتجاهاتها المتوقعة في سنة 2013.
وقد شارك في الحلقة، التي توزعت أعمالها على ثلاث جلسات، نخبة من المتخصصين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، ناقشوا خلالها المحور الفلسطيني الإسرائيلي، والبيئة الخارجية المؤثرة في القضية الفلسطينية، ودور فلسطينيي الخارج، وإمكانية استعادتهم زمام المبادرة.
وتجدر الإشارة إلى أن حلقة النقاش هذه تندرج ضمن إطار سلسلة ندوات التقييم والتقدير الاستراتيجي للتطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والتي يعقدها المركز على رأس كل سنة، وهي تنعقد للعام السادس على التوالي.
الافتتاح والجلسة الأولى
في البداية ألقى د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة، كلمة الافتتاح، حيث رحّب بالحضور، واستعرض أبرز النقاط التي سيتناولها برنامج الحلقة.
وناقشت الجلسة الأولى، التي أدارها د. أنور أبو طه، عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، المحور الفلسطيني الإسرائيلي، وتحدّث خلالها كل من أ. فتحي أبو العردات، أمين سر حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وأ. أسامة حمدان، مسؤول العلاقات الدولية في حركة حماس، وأ. محمود سويد، الكاتب والباحث اللبناني، ود. أمين حطيط، الأستاذ الجامعي، والخبير العسكري، والباحث الاستراتيجي، وأ. سهيل الناطور، عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
وأشار أبو العردات إلى أن العام 2012 يصلح لاعتباره عاماً مميزاً شهد أحداثاً وتحولات كبرى على كافة الصعد في النضال الوطني الفلسطيني، ولعل معركة فلسطين في مجلس الأمن للحصول على عضوية “دولة فلسطينية كاملة السيادة” تحت الاحتلال تعدّ فاتحة معارك العام الماضي، التي تكللت أخيراً بإنجازين استراتيجيين، كان لصمود شعبنا ومقاومته الوطنية والموحدة في مواجهة الاحتلال في غزة شرف التصدي الميداني، وشرف الاعتراف الدولي في الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين بصفة “دولة غير كامل العضوية” كبديل واقعي لمسعى القيادة الفلسطينية في الحصول على عضوية كاملة.
وفيما يتعلق بملف المصالحة الفلسطينية شدد أبو العردات على ضرورة أن تتحمل الفصائل الفلسطينية مسؤولياتها تجاه انجاز الملف، مؤكداً أن الأجواء ايجابية.
وأشار إلى أنه طوال عام 2012 استمرت محاولات اقحام الوضع الفلسطيني في الصراعات الداخلية في لبنان وسورية، مشدداً على أهمية وجود تفاهم وإطار وطني فلسطيني جامع يسمي قيادة الفصائل الفلسطينية في لبنان، حيث أسهمت وحدة الموقف الفلسطيني الوطني والإسلامي في لجم أي محاولة لزج الفلسطينيين في أتون الصراعات الداخلية والانجرار إلى أي شكل من أشكال الاصطفافات المذهبية والطائفية. وذكر أن قضية أخرى لا تقل أهمية عما سلف برزت في 2012 تمثلت في أزمة النزوح الفلسطيني من سورية إلى لبنان، وأصبحت القيادة الفلسطينية في لبنان بكل أطيافها السياسية الوطنية والإسلامية أمام أزمة جديدة.
وتحدث حمدان، عن الواقع الفلسطيني خلال 2012 ، وقال إن الحدث الأبرز كان المصالحة الفلسطينية، حيث تواجه بعض التحديات، وأهمها التنسيق الأمني بين السلطة الوطنية الفلسطينية و”إسرائيل” في الضفة الغربية، وموضوع إعادة بناء منظمة التحرير، محذراً من خطورة فشل مشروع المصالحة؛ مما قد ينعكس على المشروع الوطني الفلسطيني ومسار القضية الفلسطينية، في ظل التعنت الإسرائيلي واستمرار حصار قطاع غزة. وأكد حمدان أن عام 2013 ربما يكون عام المصالحة الفلسطينية وهناك مؤشرات إيجابية في هذا الصدد.
ثم تناول حمدان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 2012، وبين أن من أهم نتائج هذه العملية هي: إثبات قدرة المقاومة على الرد، ووصول صواريخ المقاومة إلى تل أبيب والقدس المحتلة؛ وإسقاط مقولات أن المقاومة قد انتهت أو أن ما حدث في سورية قد أثر على المقاومة؛ وتشكيل شبكة أمان عربية باتت تحتضن مشروع مقاومة العدوان والاحتلال الإسرائيلي، وأكد أن وجود المقاومة الشاملة هو الخيار الصحيح في هذه المرحلة؛ حيث تتزاوج المقاومة المسلحة مع المقاومة الشعبية.
وفي ما يخص قضية الأسرى في السجون الإسرائيلية، أوضح أنه خلال عام 2012 تضاعف عدد الأسرى مقارنة مع 2011، كما شدد حمدان على ضرورة إعادة تفعيل دور اللاجئين الفلسطينيين؛ حيث يتكامل البعد الداخلي والخارجي، مشيراً إلى أن قضية اللاجئين تتعرض لاهتزاز كبير نتيجة ما تتعرض له المنطقة، وخاصة ما يدور في سورية وتعرض مخيمات اللاجئين للقصف العسكري.
وقال حمدان إن مشروع الكونفدرالية مع الأردن لا يخدم المصلحة الوطنية في هذه المرحلة، وتمنى أن تكون زلة لسان أكثر من كونها موقفاً سياسياً. وفي ما يخص الاعتراف بالدولة الفلسطينية بصفة مراقب في الأمم المتحدة، فأشار إلى أن هذا الحدث بحاجة إلى قراءة دقيقة لتداعياته على القضية الفلسطينية، لافتاً النظر إلى أن هناك ازدياد في عمليات التهويد وهدم المنازل والاستيلاء على الممتلكات في القدس والضفة الغربية، ونبه على أن هناك عوارض نشوء أزمة اقتصادية واجتماعية قد تؤدي إلى انفجار الأوضاع هناك.
وشدد على أن استعادة المشروع الوطني الأصيل، وهو التحرير والعودة للأراضي الفلسطينية، يجب أن يكون مشروعنا، كما أنه أكد على الثوابت الفلسطينية. وأشار حمدان إلى أنه قد ثبت أن التفاوض مع “إسرائيل” لا ينفع. وفي ختام كلامه أشار إلى أن الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية ما زال منحازاً لـ”إسرائيل”.
وتناول محمود سويد الوضع الإسرائيلي ومساراته المحتملة، وقال إن نتنياهو استطاع أن يثير في العالم صخباً مؤثراً لإقناعه بأن خطراً وجودياً يهدد “إسرائيل”، وأنها تمثل خطّ الدفاع الأول عن الحضارة الغربية. وبين أن حكومته صنفت المخاطر التي تحيط بـ”اسرائيل” بحسب الأولويات كما يلي: الخطر النووي الإيراني، والسلاح الصاروخي من حزب الله وحماس وسورية وإيران، والسلاح الكيمياوي السوري والخوف من انتقاله إلى حزب الله… مشيراً إلى أنها وضعت مجموعة خطوات لمواجهة هذه الأخطار.
وفي حديثه عن انتخابات الكنيست التاسع عشر قال: إن أهم ما يعنينا في سياق هذه الانتخابات هو أن مسألة التسوية مع الفلسطينيين لم تحتل موقعاً ملحوظاً في برنامج أي حزب من الأحزاب الفاعلة المتنافسة. وعن المسارات المحتملة قال سويد: إن العقود بانتظار التحولات في “إسرائيل”، والإرهاصات العربية الواعدة وإدارة أوباما الجديدة، واحتمالات الضغط الأوروبي، لن يفيد الفلسطينيين شيئاً إذا لم يبادروا إلى اعتبار القضية الوطنية الأولوية الأولى التي تستدعي حشد كامل طاقات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج في خدمة برنامج تحرر وطني يتيح مختلف أساليب النضال دون استثناء أي منها، بحسب المراحل وحاجات الصراع.
وقدم حطيط قراءة في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 وانعكاساتها، وقال: إن “إسرائيل” أرادت من عدوانها تصفية القادة الفلسطينيين، وتدمير ما أمكن من مخزون الصواريخ، وتدمير أنفاق سيناء، وتدجين المقاومة، واستعادة الهيبة العسكرية الإسرائيلية، واختبار نجاعة منظومات وخطط “مناعة الجبهة الداخلية”، والتأثير في وجهة الرأي العام الإسرائيلي قبيل الانتخابات النيابية المبكرة. كما أرادت “إسرائيل” والدول الغربية، الوقوف على طبيعة أنظمة الحكم الجديدة، التي قامت بعد “الربيع العربي”، واتجاهاتها الحقيقية ومواقفها من “إسرائيل” والمشروع الغربي.
وقال حطيط: نستطيع أن نقول بأن هزيمة عسكرية لحقت بـ”إسرائيل” للأسباب التالية: لم تستطع “إسرائيل” إلزام المقاومة بشروطها الأولية، كما أنها لم تتمكن أن تحقق أهدافها الحقيقية في الميدان، واضطرت للاستجابة لشرطَي المقاومة بالنسبة لأمن القيادات الفلسطينية، وفك الحصار. وشدد على أن امتناع المقاومة عن إطلاق الصواريخ لا يعدّ بحدّ ذاته خسارة، مشيراً إلى أن اتفاق التهدئة لم يتعرض إلى العمل المقاوم بذاته أو ارتباط المقاومة بدول أو تنظيمات أخرى ولم يمس موقعها في محور المقاومة.
في حين قدم الناطور قراءة في الوضع الفلسطيني 2012 وآفاقه المحتملة، وقال إن مما يجري في بلدان الانتفاضات العربية يطرح من جديد تعريف موقف الأنظمة من القضايا العربية، وفي المقدمة منها قضية فلسطين والصراع الفلسطيني والعربي – الإسرائيلي. وشدد على أن استمرار حالة الانقسام تشتت الجهود، وتبعثر الإمكانيات وتفقد النضالات الفلسطينية اتجاهاتها السليمة وتغرقها في صراعات داخلية، تندرج في إطار من التهالك على السلطة والمكاسب على خلفية خيارات سياسية واستراتيجية متباينة.
وذكر أن حالة الاحتقان في الشارع الفلسطيني ما زالت قائمة، وكان للوضع الاقتصادي – الاجتماعي دوره في وصول حالة الاحتقان إلى حافة الانفجار.
الجلسة الثانية
تناولت الجلسة الثانية، التي أدارها د. صلاح الدين الدباغ، عضو المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية سابقاً، البيئة الخارجية المؤثرة في القضية الفلسطينية، وتحدّث خلالها أ. محمد جمعة، الخبير المتخصص في الصراع العربي – الإسرائيلي، د. محمد نور الدين، الأكاديمي والكاتب اللبناني المتخصص في العلاقات العربية التركية ، و د. طلال عتريسي، الخبير في شؤون العالم الإسلامي، وأ. وائل سعد، الباحث في مركز الزيتونة، والمتخصص في الدراسات الفلسطينية.
ورأى جمعة أن حالة عدم الاستقرار تنامت في دول “الربيع العربي”، وأن التغيير الذي طرأ على خريطة العلاقات العربية – الفلسطينية، وانفتاح قوس اتصالات حماس وعلاقاتها العربية والإقليمية، لن يعفيها من مجابهة الضغوط المطالبة بتحديد موقف صريح تجاه حل الدولتين ومسألة الاعتراف بـ”إسرائيل”.
ففي مصر رأى جمعة أن هناك توافقاً كاملاً على أن القاهرة يجب أن تبقي على “معاهدة السلام” مع “إسرائيل”؛ مشيراً إلى أن الاهتمام بالأوضاع الداخلية يسيطر على المشهد السياسي المصري على حساب السياسة الخارجية والأمنية، كما أن الاستقطاب الحاد، والاحتراب السياسي في مصر، قد يتسبب في انزلاق بعض القوى نحو المحظور سياسياً، من خلال الاستخدام السلبي للورقة الفلسطينية، بهدف النيل من الخصم السياسي، حيث أصبح النيل من حركة حماس وتشويه صورة الفلسطيني بشكل عام، هدفاً مباحاً لدى العديد من معارضي جماعة الإخوان المسلمين، طالما أنه سيفضي في نهاية الأمر، إلى النيل من “الإخوان”.
أم في الشأن الأردني، فقد أشار جمعة إلى أنه ما زال بالإمكان التمسك بمسار التسوية كخيار استراتيجي. وبالنسبة لقطر فهناك انخراط متزايد بالشأن الفلسطيني، في ظل غياب الدور السوري.
واستهل نور الدين حديثه عن العلاقة بين تركيا والقضية الفلسطينية، من خلال إبراز الموقف التركي من أهم القضايا والأحداث التي تتعلق بقضية فلسطين، كما سلط الضوء على التحولات التي طرأت على الموقع التركي كقوة إقليمية جراء التغير في مستويات العلاقة بين تركيا و”إسرائيل”. ورأى أن الاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية، وإن أدى إلى قطيعة علنية بين “إسرائيل” وتركيا، إلا أن استمرار العلاقات التجارية والاقتصادية والعسكرية بين البلدين، قلل من أهمية عودة العلاقات الدبلوماسية إلى سابق عهدها. غير أن هذا الانقطاع الدبلوماسي، من وجهة نظر نور الدين، أدى إلى الحد من التأثير التركي، وعدم فاعليته خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة؛ مما ساعد في إبراز الدور المصري.
وفي العلاقة مع السلطة الوطنية الفلسطينية، أشار نور الدين إلى تأييد أنقرة لقرار الاعتراف بدولة فلسطين بصفة عضو مراقب في الأمم المتحدة. لافتاً النظر إلى أن هناك تقارباً ملحوظاً في مستوى العلاقات بين تركيا وحركة حماس، مع استمرار التواصل مع الرئيس محمود عباس على شيء من الفتور.
وفي ورقته عن إيران وقضية فلسطين قال عتريسي إن سنة 2012 شهدت على المستوى الفلسطيني ثلاثة أحداث متفاوتة من حيث الأهمية الاستراتيجية، ومن حيث المواقف العربية والإسلامية، وهي: اجتماع منظمة دول حركة عدم الانحياز في طهران ، والاعتراف بفلسطين مراقباً غير عضو في الأمم المتحدة، والحرب الإسرائيلية على غزة؛ مؤكداً أن إيران أيدت ما حصل على مستوى هذه الأحداث الثلاثة.
وأضاف عتريسي أن الحرب على غزة كشفت ما كان “سراً وهمساً وشكوكاً”، حول دعم إيران وتسليحها للمقاومة في غزة، خصوصاً بعد استخدام صواريخ فجر 5، مشيراً إلى أن إيران وحركة حماس أكدتا حرصهما على استمرار علاقتهما الاستراتيجية. وذكر أن هناك ثمة محاولات واضحة لدق إسفين الخلاف بين إيران وبين حركات المقاومة في فلسطين، وخصوصاً حماس، والتي ينبغي إفشالها بكل قوة ووعي.
وتحدث سعد عن القضية الفلسطينية والمشهد الدولي، وقال إن سنة 2012 سجلت شبه غياب للإدارة الأمريكية عن عملية التسوية، ولم تشهد أي تغير في السياسة الأمريكية الداعمة لـ”إسرائيل”، وعدّت تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح رفع مستوى التمثيل الفلسطيني قراراً “مؤسفاً وغير مجدٍ”. وعن العدوان على غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، قال: إن الإدارة الأمريكية وقفت موقفاً واضحاً في دعمها للعدوان، والذي رأته دفاعاً عن النفس.
وفي حديثه عن الاتحاد الأوروبي قال إننا لم نشهد طوال عقود من الصراع العربي – الإسرائيلي اختلافاً بين دول الاتحاد على حق “إسرائيل” في الوجود وبأمان؛ أي بعبارة أخرى الحرص على تفوقها العسكري، وهي السياسات التي استمرت دول الاتحاد الأوروبي في إتباعها خلال سنة 2012. وأشار إلى وجود رغبة أوروبية بقيام دولة فلسطينية، حيث صوتت معظم دول الاتحاد لصالح القرار الفلسطيني في الأمم المتحدة.
وعن الموقف الروسي قال: استمرت روسيا خلال سنة 2012 بإقامة علاقات متوازنة مع الأطراف الفلسطينية كافة، حيث صوتت لصالح قرار رفع مستوى التمثيل الفلسطيني، وفي الوقت ذاته حرصت على استمرار علاقتها بحركة حماس ومحاولة تقريبها من عملية التسوية. وفي الجانب الآخر ما تزال العلاقات الروسية الإسرائيلية في حدودها المعتادة من حيث دعمها للأمن الإسرائيلي، وتأكيدها على ضرورة تحقيق السلام في الشرق الأوسط.
وفي ورقته قال سعد: نحن أمام ثلاثة سيناريوهات متعلقة بالمسارات المستقبلية تجاه القضية الفلسطينية وهي: أولاً: حل الصراع وإقامة تسوية سلمية. ثانياً: إدارة الصراع، والتي تعني تقليل مظاهر التصعيد بين طرفي الصراع، دون حلها فعلياً، وهو الذي رجحه سعد. ثالثاً: خروج مجرى الأحداث في المنطقة عن السيطرة الدولية، وتحقيق نجاحات في تجربة الحركات الإسلامية الصاعدة، مما قد يشكل رافعة لحركات المقاومة الفلسطينية.
الجلسة الثالثة
أما الجلسة الثالثة والأخيرة من الحلقة، والتي أدارتها د. نهلة الشهّال، الكاتبة والباحثة اللبنانية، فقد ناقشت دور فلسطينيي الخارج في القضية الفلسطينية، وإمكانية استعادة زمام المبادرة، وتحدّث خلالها د. حسين أبو النمل، الباحث في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ود. محمود الحنفي، الحقوقي الفلسطيني، ومدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)، وصقر أبو فخر، الباحث والمحرّر في المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات، والمشرف على ملحق فلسطين في جريدة السفير، وجابر سليمان، الباحث في دراسات اللاجئين، وليد محمد علي، الكاتب والباحث الفلسطيني، ومدير عام مركز باحث للدراسات.
ورأى أبو النمل أن هناك تهميشاً لدور فلسطينيي الخارج مقارنة بدور فلسطينيي الداخل، ويعود هذا التهميش إلى تحولات جذرية ونوعية جعلتهم موضوعياً خارج المعادلة السياسية الفلسطينية.
وشدد على أنه يمكن لكل فريق أن يدعي تمثيل الشعب الفلسطيني، أو التعبير عن مصالحه، لكن أحداً، بعد إعادة تعريف القضية الفلسطينية، لا يستطيع ادعاء تمثيل القضية الفلسطينية، التي لا توجد خارج الإجماع الوطني الفلسطيني حول أهداف عليا واحدة تترجم بسياسات عليا واحدة.
وأضاف أبو النمل أن العودة لصيغة منظمة التحرير الفلسطينية، بعد استعادة ميثاقها التاريخي، هو الذي يستوعب العام الفلسطيني، ويلبي مطامح أهل الخارج خصوصاً اللاجئين منهم، لكن السؤال: هل يلبي الواقع الفلسطيني وتحولات القضية الفلسطينية لتستقر على ما استقرت عليه سنة 2013؟ بالمقابل: هل من مجال لاستعادة وحدة المنظومات السياسية الفلسطينية، وحدة القضية، وتأسيس نظام سياسي فلسطيني بمعزل عن وجود ميثاق وطني فلسطيني يعكس العام – الوجدان الفلسطيني؟
ومن جهته، قال الحنفي في حديثه عن أشكال الثورة الفلسطينية: إنه يتوقع: تظاهرات شعبية عادية عند نقاط الحدود مع فلسطين المحتلة، وعمليات عسكرية مسلحة تقوم بها مجموعات فلسطينية لا تنتمي إلى أي فصيل فلسطيني، ودخول الفصائل الفلسطينية على خط العمل العسكري المسلح، وثورة شعبية ضد قيادة منظمة التحرير الفلسطينية للضغط عليها، لتفعيل دورها، والضغط على الأونروا. وبحسب حنفي فإنه يتوقع للدول التي يعيش فيها لاجئون أن تنفجر فيها المخيمات الفلسطينية بأي لحظة ضد الواقع البائس الذي يعيشونه، وبالنسبة لفلسطيني باقي دول العالم خاصة في أوروبا، فإنه سوف يكون لهم دور إعلامي وشعبي هائل، وسينقلون واقع قضيتهم في الدول التي يعيشون فيها، وسيضغطون عليها لتغير مواقفها من دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وشدد أبو فخر في ورقته على أن الوعي الفلسطيني كان دائماً وعياً كارثياً يدور على وقائع النكبة وقصص المجازر وحكايات الطرد والنفي والتهجير، فالشعور بالظلم لدى الفلسطيني اللاجئ يغذي إرادة تحدي الظلم. ومن هذه البدايات ظهر التحول الجديد في وعي الهوية الوطنية، وتمثل في انبثاق بعض المنظمات الشعبية والاتحادات النقابية، والتي كانت علامات أولى ومهمة جداً على طريق تشكيل هذه الهوية، ورأى أن الاتحادات والمنظمات الشبابية كانت بالمجمل ذات طابع سياسي، لا منظمات نقابية خالصة حيث لم تتبلور في بلدان الشتات طبقة عاملة فلسطينية بالمعنى السوسيو – تاريخي للكلمة.
وأبرز أبو فخر للتجربة الفلسطينية في لبنان، قائلاً:اليوم لا نكاد نلمس أي تأثير فلسطيني في لبنان، حيث اندثر مركز الأبحاث والتخطيط، وها هي مؤسسة الدراسات الفلسطينية تشيخ، ومركز الزيتونة ما زال طري العود، وهو يكافح لانتزاع مكانة له بين مراكز البحوث العربية.
وختم كلمته بالإشارة إلى أن منظمة التحرير ما عادت هي البيت الفلسطيني الجامع والوطن الرمزي للفلسطينيين في شتاتهم، والاتحادات النقابية والمنظمات الشعبية باتت منقسمة على نفسها، وقليلة الفاعلية، وهي لا تمثل قطاعاتها، وتابعة للفصائل التي شاخت منذ زمن طويل. فلن يكون مجدياً كثيراً، بحسب أبو فخر، بذل الجهد في إعادة تفعيل الاتّحادات النقابية والمنظمات الشعبية الفلسطينية، ما دام الإطار الوطني الشامل، أي منظمة التحرير، غائباً.
من جانبه، قال جابر سليمان: إن المكانة المركزية لقضية اللاجئين في الخطاب الفكري والسياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية تعرضت إلى الاهتزاز، وخاصة منذ اتفاقيات أوسلو وصولاً إلى قبول فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن احتمال استبدال عضوية منظمة التحرير المراقبة في الأمم المتحدة بعضوية دولة فلسطين المراقبة يحمل مخاطر جمّة على موضوع التمثيل الشعبي لفلسطينيي الشتات وعلى دورهم في النضال الوطني الفلسطيني..
وشدد سليمان على أن تعزيز موقع فلسطينيي الشتات ودورهم في عملية إعادة بناء منظمة التحرير والحفاظ على حقوقهم يتطلب إعادة بناء وإصلاح مؤسسات المنظمة، والإقلاع عن المقاربة التقليدية التي تتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين بوصفهم متلقيين سلبيين للمعونة الإنسانية، والإقلاع عن المتاجرة السياسية بحق عودة اللاجئين، وضرورة أن تحافظ أي مبادرة فلسطينية لقيام الدولة على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف وفي مقدمها حق العودة، والحفاظ على المكانة التمثيلية لـمنظمة التحرير والحرص على إبقائها في قمة الهرم السياسي الفلسطيني، وإبقاء السلطة والدولة في قاعدة الهرم.
وفي نفس الوقت أشار محمد علي إلى أنه لا أحد يستطيع أن ينفي الدور المهم والحاسم لدور هؤلاء المقتلعين في إعادة بناء المشروع التحرري الفلسطيني، وإخراج المؤسسات التمثيلية والقيادية للشعب الفلسطيني من أزمتها التي تعمقت بفعل اتفاقية أوسلو، وما بني عليها، خاصة في زمن تأخذ به الشعوب بزمام الأمور، رافضة لكل أشكال مصادرة الدور والوصاية والتبعية، لافتاً النظر إلى أن الوقائع أكدت أن السلطة الفلسطينية لم تشكل خطوة، ولو صغيرة، على طريق إنجاز الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وإنما مثلت عقبة كبيرة في طريق استرداد هذه الحقوق. وقال: لقد حان للتفكير الجدي بإعادة بناء المشروع التحرري الفلسطيني بعيداً.
وأكد أن تطورات الصراع مع المشروع الصهيوني والمتغيرات الدولية والإقليمية وثورة الاتصالات وتدفق المعلومات، تعطي دوراً مميزاً للهيئات الأهلية كجزء من مكونات المشروع التحرري الفلسطيني المتجدد.
وشدد على أن المطلوب مشروع يستفيد من تجارب الشعوب ومقاوماتها المنتصرة، خصوصاً في الدول التي عانت من نمط استعماري استيطاني عنصري ، وقال: آن الأوان كي تلتئم كلّ القوى الحية من أبناء فلسطين، من فصائل وحركات المقاومة وهيئات العمل الأهلي لتشكيل شبكة دعم، تتكامل مع قوى وأحزاب ومؤسسات عربية وإسلامية ودولية، للعمل على خط تأمين شبكات أمان إغاثية، اقتصادية واجتماعية للاجئين من أبناء فلسطين، كما تعمل على دعم كفاحهم من أجل حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي اقتلعوا منها.
الختام
وفي ختام حلقة النقاش، شكر د. محسن محمد صالح الحضور، منوهاً بما تمت مناقشته من تقييمات وتوقعات لمسار القضية الفلسطينية، آملاً أن تسهم في خدمة القضية والأطراف العاملة لأجلها.
أضف ردا