(خاص مركز الزيتونة):
ثمة خطاب تتصاعد وتيرته هذه الأيام حول أولويات المشروع الوطني الفلسطيني واهمية مراجعة المسار النضالي، تبرز من بين هذه الأولويات اهمية الالتفات الى تمثيل الفلسطينيين في الخارج وتمكينيهم استعادة الدور والمشاركة في صوغ مستقبل العمل الوطني، إذ أن أكثر من عقدين من الزمان كانت كفيلة بإبعاد وتهميش فلسطينيي الخارج عن قول كلمتهم فيما يجري لمشروعهم الوطني، ولعلنا هنا اذ نتناول شريحة من هؤلاء تتزايد اعدادها يوما بعد يوم، في منطقة كانت على الدوام لاعبا أساسيا في ملفات القضية، ولعوامل متعددة، فمسيرة النضال الفلسطيني بدأت بواكير عملها في الخليج وفي أحضان الجاليات المقيمة هناك. فكيف تقلصت ادوار فلسطيني الخليج في التأثير في مسارات القضية؟ وما الأدوار التي تنتظرهم في التمثيل والدعم والاسناد لمشروع التحرير القادم؟.
لا تتوفر إحصائيات رسمية يمكن الاستناد اليها في اعداد الفلسطينيين في الخليج، لأسباب تتعلق بتنوع الوثائق الثبوتية التي يحملونها، وما يتبعه من تنوع علاقتهم بممثليات الدول التي يحملون وثائق سفرها، الا أن مصادر عديدة تقدر العدد بما يتجاوز المليون نسمة، يتركز معظمهم في السعودية.. وهم بذلك يشكلون التجمع الثاني للاجئين من حيث العدد بعد لاجئي الاردن. اذ في السعودية وحدها يزيد عدد الفلسطينيين او يقارب الارقام التي تتحدث عنها الاونرواللفلسطينيين في لبنان.
بداية التشكل
منذ النكبة حمل بعض الفلسطينيون وجُلّهم من الساحل الفلسطيني وقطاع غزة، همومهم ومعاناتهم حين ضاقت بهم سبل العيش تحت الحكم المصري، وهاجروا الى تلك الامارات الخليجية التي كانت تشهد بداية طفرة عمرانية وتنموية، عمل الكثير منهم في التدريس وكانوا من اوائل من شارك مع اخوانهم المصريين في بناء اسس النظام التعليمي والاداري في معظم دول الخليج. ولا زال عبق ذكرياتهم يفوح في احاديث من عاصرهم من ابناء المجتمعات المحلية.
تحصّل محدود منهم على جنسيات الدول الخليجية ، اما السواد الاعظم منهم فلم يسعى اليها يقينا وتوقا للعودة المنشودة. ثم ما لبثت موجة اخرى تهاجر الى الخليج من اهل فلسطين، كان اكثرهم هذه المرة من الضفة الغربية والقطاع اللذان سيطر عليهما الاحتلال عام 1967، تعلم الوافدون الجدد الدرس ممن سبقهم، فعمل بعض منهم في التجارة والهندسة، وسطّروا قصص نجاح لشركات واعمال يعجز المقام هنا عن سردها.
العمل الوطني الفلسطيني في الخليج
شكلت منطقة الخليج والكويت على وجه الخصوص حاضنة قل نظيرها للعمل الفلسطيني خلال عقد الستينات والسبعينات، ولعلنا نورد هنا ان منطقة الخليج شهدت بداية انطلاقة العمل الوطني الفلسطيني نهاية الخمسينات من القرن الماضي بتلك الخلية التي ضمت كل من ياسر عرفات وخليل الوزير وصلاح خلف وسليمان الحمد وغيرهم. يضاف الى ذلك أن جانبا من تأسيس العمل الفلسطيني بصيغته الاسلامية قد نشأ ايضا في الخليج نهاية السبعينات ذلك الذي افرز انطلاقة حماس لاحقا.
شكلت الروح الاسلامية والعروبية لشعوب الخليج وحكّامها، اثرا كبيرا في الدعم والدعم المالي على وجه الخصوص، وبقي النشاط الفلسطيني مقتصرا على الامداد والاسناد لمشروع المقاومة في الداخل، دون بناء مؤسساتهم الذاتية التي تحمي هويتهم وتنسق وتدعم تواصلهم وتكافلهم مع بعضهم البعض.
لعبت المكاتب الشعبية لدعم القضية الفلسطينية دورا بارزا وذراعا قويا لحركة فتح في تثبيت وجودها على بين فلسطينيي الشتات. الا ان حرب الخليج الثانية عام 1990 وموقف قيادة منظمة التحريرآنذاك القت بظلالها في حالة من التشويش على واقع العلاقة بين الفلسطينيين والمجتمعات المحلية، نال فلسطينيو الكويت القسط الأكبر من تلك المعاناة. عندها وجد الخليجيون أن طرفا فلسطينيا صاعدا في الداخل ويملك بعدا وروحا اسلامية تنسجم وتتوائم مع الموروث الشعبي المحلي، فبدأت حالة من الانفتاح البسيط والجزئي على قيادة حماس مع بقاء التمثيل الرسمي للمنظمة والهياكل التي انبثقت عنها.
لاجئون ام جاليات
لطالما اعتبر وجود الجاليات العربية في منطقة الخليج وجودا مؤقتا، ينحصر المبتغى منه في العمل وزيادة الدخل، وذلك لاعتبارات الثروة التي تتمتع بها هذه البلدان قياسا بأصقاع اخرى. شكّل الفلسطينيون في الخليج نوعا من الاستثناء عن هذه القاعدة، فقد نظروا الى هذه الدول باعتبارها بلاد لجوء بعد تشرد، ولم تنطبق عليهم شروط اللاجئ التي تنطبق على نظرائهم في الاردن وسوريا ولبنان. فغابت المؤسسات التي تمثلهم وترعي حقوقهم كلاجئين لاعتبارات تتعلق بنظرة الدول الخليجية اليهم كجاليات جاءت للعمل، ينطبق عليهم ما ينطبق على غيرهم من الجاليات الأخرى،وهنا تبرز المعاناة للأجيال المتعاقبة تلك التي تنشأ بعيدة عن وطنها، وفي منأى عن معايشة واقعه اليومي او دراسة تاريخ الصراع من خلال المناهج المدرسية، فتنشأ اجيال تتقاذفها أولويات الانكفاء على الذات والهموم اليومية، او الاندماج الكلي او الجزئي في الثقافة المحلية للدول المضيفة.
ترهل الهياكل وتشّعُب التمثيل
ثمة تعقيد كبير في مسالة تمثيل فلسطينيي الخليج، شكلت السنوات والدول التي مروا بها في رحلتهم الى محطة اللجوء هذه عاملا مهما في تمييعها واضفاء قدر منه من الضبابية عليها. وهنا يمكن الحديث عن شرائح متعددة منها:
1- الفلسطينيون اللذين هاجروا من قطاع غزة او الساحل الفلسطيني مرورا بمصر ولا زال العديد منهم يحملون وثائق السفر المصرية، وقليل منهم حصلوا على جوازات من السلطة الفلسطينية التي تمخضت عن اتفاق اوسلو، وتشكل القنصليات المصرية وممثليات السلطة مرجعا رسميا لهم.
2- الفلسطينيون الذين يحملون جوازات السفر الاردنية سواء الدائمة منها أو المؤقتة والذين جاؤوا مرورا بالأردن، ومعظمهم يعود اليها من حين لآخر ويتبعون للقنصليات الاردنية في معاملاتهم الرسمية.
3- حملة الوثائق السورية واللبنانية واعداد هؤلاء قليليه جدا مقارنة بغيرهم.
4- أما النوع الاخير وهو في تنام مضطرد فهم حملة الجوازات الاوروبية والامريكية الذين حصلوا عليها، وعادوا الى هذه المنطقة هروبا بأبنائهم الى بيئات اكثر محافظة.
وهنا ننوه ان الدول الخليجية تنظر الى الفلسطيني من زاوية الوثيقة التي يحملها، مما يلقي بظلاله في اولويات الدور والتمثيل، وتشكل حالة الترهل التي تعتري ممثليات المنظمة في الخليج من قنصليات ولجان شعبية بعدا آخر في إحجام الفلسطينيين عن ممارسة الادوار المطلوبة في التواصل والحفاظ على وجودهم ككتلة متماسكة غير قابلة للذوبان في زحمة الحياة المتسارعة في الخليج. فمنذ اتفاق اوسلو تخلت هذه المكاتب عن ادورها المطلوبة في تجميع الجالية وتحقيق حالة التكافل والتعاضد بينها. بل تركت مكانها لمبادرات فردية خجولة او نشاطات تقوم بها جهات خيرية محلية. ولعل حالة الانقسام الفصائلي قد القت بظلالها على طريقة تعامل هذه الممثليات مع افراد الجالية مما أفرز حالة من التوجس والاحجام بين عموم ابناء الجالية في التعاطي معها.
الادوار المنتظرة:
ثمة كفاءات فلسطينية تنتشر في منطقة الخليج تبني وتعمر، دون ان تلقى من يبادر الى تنسيق جهودها وتوجيهها في أطر ومؤسسات تدعم القضية وتسهم في القرار، والحديث عن فلسطينيي الخليج باعتبارهم تبعا للدول التي يحملون وثائقها هو افراغ للنضال والتاريخ الفلسطيني من معناه، كما ان فرضية ان الدول الخليجية مواطن للرزق وجمع المال والانكفاء على الذات ولا يصلح فيها العمل الشعبي، فيه اجحاف لهذه الاوطان التي احتضنت القضية لسنوات. ولعل جملة من الادوار والخطوات السريعة ينبغي النظر اليها وتفعيلها:
أولا: أهمية اعادة الدور الريادي لممثليات المنظمة والسلطة في البلدان الخليجية واعادة بنائها بروح وطنية لا فصائلية، وان تفتح ابوابها لنشاطات تخدم الفلسطيني- كلَ فلسطيني- وترعى مصالحة وتحافظ وتدعم ممارسة هويته الفلسطينية باعتبارها هوية تعتز بفضائها العربي الإسلامي.
ثانيا: أهمية تشكيل الكتلة الصلبة من جميع مكونات الجالية وإبراز الرموز والضغط لتمثيل هذه الجاليات في مؤسسات صناعة القرار الفلسطيني وفي مقدمتها المجلس الوطني. وهنا نشير الى ان التعلل بصعوبة اجراء انتخابات للمجلس الوطني في الخليج لاعتبارات تعود الى رفض الدول الخليجية يجافي الحقيقة والواقع، لاعتبارين رئيسين:
الاول: أن عددا من الدول العربية اقامت لها انتخابات بين الجاليات وليست الجالية المصرية اولها ولا اخرها، اما الاعتبار الثاني: ان الاستناد الى ان الفلسطيني هو الذي يحمل الوثيقة المصرية أو جواز السلطة فيه اجحاف لما يقارب النصف من ابناء الجالية الذين يحملون وثائق اخرى.
إن فتح باب التسجيل الطوعي للانتخابات لجميع من يثبت ان جده الاول أو الثاني من مواليد فلسطين فيه مخرج لهذا الالتباسوتوسيع لهذه الشريحة ومشاركتها في اختيار من يمثلها. نفتح قوسا هنا لنضيف ( إننا لن نعدم الوسيلة المناسبة لتسجيل فلسطينيي الشتات ومشاركتهم في المجلس الوطني،ان توفرت الارادة الوطنية الحقيقية لدى القيادات الفلسطينية التي تتحاور هذه الايام لإنجاز اتفاق المصالحة)
ثالثا: اعادة احياء الروابط التراثية والمكانية الفلسطينية والحفاظ عليها، وتنسيق الجهود لإقامة الفعاليات التي تحافظ على الهوية الفلسطينية بين الاجيال الناشئة. وتؤطر الوجود الفلسطيني في فعاليات دورية تخدم التواصل وتعمل للعودة والتحرير.
رابعا: استثمار التحولات الجارية في المنطقة في الخروج من حالة السلبية وذهنية الانتظار، والسير قدما في تقديم القضية الفلسطينية باعتبارها قضية عادلة تستوجب من الجميع العمل لأجلها.
ان شرطية معاناة الفلسطيني كسبيل للعودة والتمسك بالحقوق، فيها ظلم للفلسطيني وظلم لفلسطين، ولطالما عمل الاحتلال بكل طاقته لتذويب الوجود الفلسطيني ككتلة واحدة،بغية إدماجه في المجتمعات المحلية فتتغير قيمهوأولوياته، وقد آن أوان ابطال هذه الشرطية بعمل دؤوب ومبادرات عملية، وفلسطينيو الخليج ليسوا استثناء من القاعدة وبحبوحة العيش التي هم فيها، لا بد ان تنعكس في خدمة قضيتهم الكبرى.
بقي ان نقول، إن خصوصية القضية الفلسطينية باعتبارها قضية مركزية للعرب ولدول الخليج خاصة، تحتم على هذه الدول اعطاء هامش اكبر من الدعم لتمكين الجاليات الفلسطينية التي تقيم على اراضيها من ابراز ممثليها ورموزها وتسهيل حركتهم ونشاطاتهم، بما يخدم القضية ويحترم انظمة هذه الدول المضيفة.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 11/2/2013
أضف ردا