تقدير استراتيجي (55) – نيسان/ أبريل 2013.
ملخص:
يتعرض اللاجئون الفلسطينيون في سورية إلى ظروف ضاغطة واستثنائية، نتيجة الثورة وردود الفعل القاسية للنظام الحاكم؛ ونتيجة محاولة عدد من الأطراف إغراقهم في الوضع الداخلي، واستخدامهم كورقة في الصراع.
لقد عانت المخيمات الفلسطينية من التدمير، واضطر نحو نصف الفلسطينيين ( نحو ربع مليون) للتشرد من مساكنهم، انتقل منهم أكثر من خمسين ألفاً خارج سورية.
أن استمرار الصراع في سورية، وتعرضها لمزيد من الإضعاف والتدمير، وإلى مخاطر التفتيت الطائفي والعرقي، لن يؤثر فقط في مضاعفة المعاناة الهائلة للشعب السوري، الذي كان دائماً الحضن الدافئ لقضية فلسطين، ولكنه سيؤدي أيضاً إلى إضعاف دور سورية المركزي في الصراع العربي- الإسرائيلي؛ وسيحمل مزيداً من المعاناة للاجئين، بما في ذلك مخاطر التهجير وإزالة المخيمات، وسحب بعض الحقوق القانونية.
غير أن إقامة سورية حرة تعبر عن إرادة شعبها سيوفر الفرص الأفضل للعبور إلى بر الأمان.
مقدمة:
يستحضر الرأي العام الفلسطيني تجارب تاريخية لواقع الفلسطينيين في ظل الأزمات العربية منذ الأيام الأولى للأزمة السورية، خصوصاً بعد اتهام صحيفة الوطن السورية المقربة من النظام في وقت مبكر منها في 22/3/2011 فلسطينيي مخيم درعا بالمسؤولية عن أحداث اليوم السابق، كما كررت الدكتورة بثينة شعبان مستشار رئيس الجمهورية بعدها بأربعة أيام الاتهام نفسه لفلسطينيي مخيم الرمل في اللاذقية بالمسؤولية عن أحداث مشابهة هناك. لقد سعى بعض عناصر النظام منذ بداية الأزمة إلى تصديرها باتجاه المخيمات الفلسطينية، التي التزمت بشكل عام دوراً إنسانياً طوال عام ونصف العام تقريباً من الأزمة.
وبالرغم من اجتياح قوات النظام لكافة أحياء مدينة درعا، الذي بدأ في25/4/2011، إلا أنها لم تقتحم المخيم، مع علمها دوره المعروف خاصةً من ناحية الإغاثة الطيبة، إذ استُهدفت كافة المستشفيات الميدانية في كافة أحياء المدينة، ماعدا مستشفى المخيم، إلى أن تشكلت كتيبة مسلحة داخل المخيم مع بداية شهر أيار/ مايو 2012، فتعرض المخيم لقصف مدفعي كثيف، هو الأول الذي يستهدف فلسطينيين بشكل مباشر. غير أن التحول الأخطر في واقع مخيمات سورية بدأ مع اختطاف 14 مجنداً من جيش التحرير الفلسطيني مع بداية شهر تموز/ يوليو 2012 على طريق حماة – حلب، ثم إعدامهم جميعاً بعد أسبوعين من اختطافهم، ومع تراشق الاتهام بين المعارضة والنظام في المسؤولية عن الحادث، كان ضحايا جيش التحرير يسجلون بداية مقلقة لتطور الأحداث داخل المخيمات الفلسطينية، وخاصة مخيم اليرموك الذي انفجر بمظاهرات تنديداً بالجريمة، لتبدأ مرحلة مختلفة بكل ما فيها.
الموقف الفلسطيني:
حرصت الفصائل والقوى الفلسطينية بشكل عام على إبداء موقف حيادي تجاه الأحداث في سورية، غير أنها معظمها لم يخفِ تعاطفه مع الشعب السوري ومطالبه المحقة في الحرية والديموقراطية، مع الدعوة إلى قطع الطريق على التدخل الأجنبي الخارجي، وعلى عدم توريط المخيمات خصوصاً في النزاع المسلح بين الطرفين. غير أن التداخل الواسع بين الفلسطينيين والشعب السوري والتفاعل اليومي معهم في مختلف جوانب الحياة اجتماعياً واقتصادياً وحتى سياسياً، أدى على الأقل إلى مشاركة الفلسطينيين بدور إغاثي وإنساني واسع لإخوانهم السوريين. كما أن بعض الفلسطينيين أخذوا يدعمون بشكل سياسي وعسكري المعارضة المسلحة أو قوى النظام، وهو ما أدخل الوضع الفلسطيني بشكل تدريجي في تشابكات وتداعيات الأوضاع. ثم إن السلوك الأمني والعسكري والقمعي للنظام زاد بشكل واسع من دعم وتعاطف معظم فئات الشعب الفلسطيني داخل سورية وخارجها مع قوى التغيير والمعارضة.
فضَّلت حماس وبالرغم من العلاقات الاستثنائية التي ربطتها بالنظام قبل الأزمة التزام موقفٍ حيادي. وبدا ذلك واضحاً في بيانها من الأزمة 2/4/2011 والذي دقّ أول إسفين في علاقة حماس مع النظام، الذي كان يأمل باستمالة موقفها كلياً لصالحه، لاستثمار الاحترام الواسع الذي تحظى به الحركة في الشارع السوري. وكانت تقديرات حماس للأزمة تدفع بكوادرها الرئيسية لمغادرة سورية، تمهيداً لنقل كامل مكتبها السياسي من دمشق، وهو ما وسّع من دائرة الانتقاد لها في وسائل إعلام النظام والموالين له، ووصلت إلى درجة الهجوم المباشر على شخص رئيس المكتب السياسي خالد مشعل على التلفزيون الرسمي في 1/10/2012 بعد خطابه في مؤتمر العدالة والتنمية التركي في أنقرة في اليوم السابق، والذي أعلن فيه تأييده ثورة الشعب السوري، وهو ما أعقبه إغلاق مقرات المكتب السياسي للحركة في دمشق ومصادرتها من قبل النظام.
أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة فقد أعادت تموضعها من النظام بشكل أكثر التصاقاً، فعاد أحمد جبريل ثانية للجلوس على يمين الأسد لدى اجتماعه بالفصائل الفلسطينية، وتلقت الجبهة دعماً لتشكيل قوات أمنية منذ شهر آب/ أغسطس 2012 أُطلق عليها “اللجان الشعبية”، انتشرت بشكل مركز في مخيم اليرموك. واصطدمت مع الجيش الحر في المناطق المتاخمة للمخيم طوال أكثر من أربعة شهور، سقط خلالها مئات الضحايا الفلسطينيين، منهم 240 شهيداً في مخيم اليرموك وحده. وبقي هذا الحال إلى أن دخلت مجموعات الجيش الحر مخيم اليرموك، إثر انهيار لجان القيادة العامة، بعد انشقاق العشرات منهم على خلفية قصف الطيران الحربي لمسجد عبد القادر الحسيني في 16/12/2012، والتسبب باستشهاد أكثر من 15 شخصاً.
ومن جهة أخرى، فقد تراوح موقف قيادة منظمة التحرير بين الحياد وبين اتهام النظام بما جرى للفلسطينيين. فبعد شهر من قرار الاعتراف السوري بالدولة الفلسطينية، وصف أمين سر المنظمة ياسر عبد ربه لوكالة رويترز قصف مخيم الرمل باللاذقية من قبل النظام في 17/8/2011 بأنها “جريمة ضد الإنسانية”؛ وكانت زيارة وفد منظمة التحرير لدمشق برئاسة زكريا الأغا في 11/2/2013 تعبيراً عن رغبة قيادة المنظمة في لعب دور أكثر فاعلية فيما يتعلق بالفلسطينيين المقيمين في سورية، غير أن الأمر لم يخلُ من مجاملة للنظام، خاصة وأنه ناقش قضية تحييد المخيمات، دون اللقاء مع أي جهة من جهات المعارضة، التي تسيطر فعلياً على مخيم اليرموك؛ إضافة إلى تصريح عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة عبد الرحيم ملوح لقناة القدس بالتزامن مع وجود الوفد في دمشق، “بأن ما يجري في مخيم اليرموك يتحمل مسؤوليته الجيش الحر”.
احتمالات مستقبل اللاجئين الفلسطينيين في سورية:
منذ بداية الأزمة في آذار/ مارس 2011 حتى منتصف تموز/ يوليو 2012 لم يتجاوز عدد الضحايا الفلسطينيين 83 شهيداً في كافة أنحاء سورية، فيما وصل عدد الشهداء الكلي في الشهور السبعة التالية إلى 1030 شهيداً موثقاً.
ومع وصول أعداد المهجرين الفلسطينيين إلى أكثر من نصف اللاجئين البالغ عددهم بحدود 500 ألفاً، واضطرار ما يزيد عن خمسين ألفاً منهم للخروج خارج سورية، فإن واقع فلسطيني سورية بات مقلقاً، خصوصاً مع تكثيف الحصار على بعض المخيمات، وارتكاب انتهاكات بحقهم من قبل طرفي النزاع. ففي الوقت الذي تشير فيه التقارير إلى أن معظم القتل والانتهاكات بحق الفلسطينيين تسببت به قوات النظام وحلفاؤه؛ فإن تقارير أخرى تشير إلى قيام مجموعات تقول إنها تابعة للجيش الحر بانتهاكات تحت ذرائع مختلفة.
تعطي القوانين السورية للفلسطينيين كافة الحقوق التي تعطيها للسوريين ما عدا الحقوق السياسية المرتبطة بالجنسية والانتخاب والتمثيل السياسي. غير أن سلطات النظام السوري تراجعت خطوة للوراء فيما يتعلق بالحقوق القانونية للفلسطينيين، عندما استثنت مؤخراً الفلسطينيين من مسابقات التوظيف في وزارة التربية، ومن الابتعاث العلمي؛ وهو ما يعطي بعض المؤشرات المقلقة على السلوك المحتمل للنظام تجاه الفلسطينيين.
في حال بقاء النظام واستقرار وضعه، خصوصاً إذا كان هذا الاستقرار بموجب تسوية سياسية دولية تجرد النظام من أوراقه القوية، التي بنى عليها سياسته الخارجية، وبالتحديد موقفه من القضية الفلسطينية، سيكون مستقبل الفلسطينيين غامضاً بالدرجة نفسها في حال انهيار النظام، وانتهاء الواقع في البلاد إلى تناحر طائفي، أو فوضى سلاح، وعدم قيام نظام سياسي جديد مستقر. فليس ثمة ضمانة للتعامل مع الفلسطينيين وفقاً للقوانين والتشريعات السورية، في ظل مرحلة انتقالية غير مستقرة، أو في ظل استقرار النظام الحالي على أسس الدولة الشمولية أو نصف الشمولية.
أما قوى المعارضة فاستغرقت في عملية التغيير السياسي والثوري الداخلي، ولم تُصدر إلا تصريحات قليلة طوال السنتين الماضيتين تجاه فلسطينيي سورية وتجاه القضية الفلسطينية بشكل عام، وهي تحمل التعاطف والدعم السوري المعتاد للقضية. ولعل وثيقة “صحيفة بر ووفاء… وثيقة العهد مع الأشقاء الفلسطينيين على الأرض السورية” التي صدرت في 16/3/2013 عن جماعة الإخوان المسلمين السوريين تمثل تقدماً مهماً في إعطاء رؤية مفصلة من أحد أبرز فصائل المعارضة السورية تجاه فلسطينيي سورية وقضية فلسطين. وتؤكد الوثيقة على أن قضية فلسطين هي قضية الأمة المركزية، وأن الشعبين السوري والفلسطيني شعب واحد وأن لهما مستقبل واحد، وتؤكد على الالتزام بكافة حقوق اللاجئين الفلسطينيين ورعايتها.
أما المخيم كبقعة جغرافية فهو مهدد من قبل النظام، الذي لايزال يقصفها، والذي قد يقدم على تغييرات في بنيتها وفقاً لرؤية أمنية أو عسكرية، إذا ما استقرت الأمور لصالحه، خاصة مخيم اليرموك جنوب العاصمة.
من ناحية أخرى، أن تردد الفلسطينيين المهجرين في ظل مرحلة انتقالية غير مستقرة في العودة إلى سورية قد يكون قائماً؛ خاصة الأفراد الذين وصلوا أوروبا كلاجئين، أو الذين استطاعوا تسوية وضعهم القانوني في بلد ما. كما يبدو أن النشاط الاقتصادي المميز لفلسطينيي سورية والذي انهار تقريباً خلال الأزمة، قد لا يستطيع التعافي بسرعة إلا من خلال ما يفرضه نشاط ما بعد الحرب الاقتصادي والمتعلق بإعادة الإعمار.
وخلاصة الموضوع، إن مستقبل اللاجئين الفلسطينيين في سورية، لا يمكن ضمان استقراره سياسياً وحقوقياً، إلا في ظل نظام يقيم دولة القانون، التي تمنح اللاجئ الفلسطيني حقوقه وفق ما يقرره القانون 260 لعام 1956.
توصيات ومقترحات:
– إن قضية فلسطين هي مسؤولية الجميع، ويجب أن تظل القضية التي تجتمع عليها الأمة وحكامها مهما كانت اختلافاتهم.
– التأكيد على الدور الإغاثي والإنساني لفلسطينيي سورية، دون توريطهم في العمل المسلح؛ وتجنيب المخيمات أن تكون ساحة لتصفية الحسابات.
– إن معاناة فلسطينيي سورية، وأبعادها الإنسانية والسياسية تستحق أن تكون في سلم أولويات اهتمام القيادة الفلسطينية.
– التحرك العاجل من أجل حل مشكلة الفلسطينيين اللاجئين المهجرين إلى الدول الأخرى وخاصة الأردن ولبنان.
* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ طارق حمود بخالص الشكر على كتابته النص الأساسي الذي اعتمد عليه هذا التقدير.
أضف ردا