عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات بالتعاون مع مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر يوم الخميس في 19/9/2013 حلقة نقاش في مقر مركز الزيتونة في بيروت، جرى خلالها النقاش حول التطورات التي حدثت مؤخراً في المنطقة العربية خصوصاً الانقلاب العسكري في مصر، والتهديدات المحتملة بضربة أمريكية غربية عسكرية لسورية، وانطلاق مسار التسوية السلمية لقضية فلسطين من جديد، وانعكاسات كل ذلك فلسطينياً وعربياً وإسلامياً.
وقد شارك في الحلقة، التي توزعت أعمالها على جلستين، نخبة من المتخصصين والخبراء والمعنيين والمهتمين بالشأن العربي والفلسطيني.
وبعد الترحيب بالضيوف، قدّم د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة، ورقة عمل مختصرة قال فيها إن الأمة في حالة مخاض، وإننا أمام صراع إرادات، وإننا أمام موجة مرتدة ضدّ الثورات والتغيرات في العالم العربي، تحاول إنهاء هذه الثورات، كما تحاول إعادة تشكيل ما يسمى “محور الاعتدال” تحت الهيمنة الأمريكية.
وأضاف أنه من الملفت ما يحدث الآن من محاولة ضرب “الإسلام السياسي” وتهميشه وشيطنته واستئصاله. ورأى د. محسن محمد صالح أننا بحاجة إلى دراسة وتقييم تجربة الإسلاميين الذين تقدموا إلى مواقع السلطة في بعض البلدان العربية من خلال انتخابات شعبية حرة ونزيهة، ولكن دون أن يمتلكوا أدوات تغيير ثورية حقيقية، فاستطاعت الثورة تغيير رأس النظام فقط، وبالتالي وُضعوا في مأزق عدم القدرة على تحقيق أهداف الثورة.
وأضاف أنه في الإطار العام، فإن الموجة الارتدادية التي تجلَّت في الانقلاب في مصر، وما نشهده في عدد من البلاد العربية، ومحاولة خنق قطاع غزة، تسعى إلى إيجاد ترتيبات باتجاهين، هما: إنهاء الحراك في العالم العربي، وإعادة توجيهه وإنتاج أنظمة تدخل تحت السيطرة الأمريكية، ولكنهم يشعرون أنهم لن يستطيعوا ذلك إلا إذا نجحوا في الاتجاه الثاني وهو إنهاء الملف الفلسطيني الذي هو عنصر التفجير الرئيسي في المنطقة.
وتابع أن هناك اختلافات على الساحة بين القوى الإسلامية والوطنية، وأزمة ثقة بين الأطراف، وأزمة في التواصل، وفي قبول المعلومة، بل وأزمة مصداقية أحياناً. وقال أن الحرب الإعلامية الشرسة ضدّ الإسلاميين وضدّ الثورات أوجدت خروقات يجب معالجتها.
لكنه أكد أن هناك مشتركات بين القوى الإسلامية والوطنية يجب دعمها والبناء على أساسها مثل المرجعية الوطنية والعربية والإسلامية، ومشترك احترام الإنسان وإرادة الشعوب، ومشترك أننا ضدّ التدخل الخارجي وخصوصاً الغربي الأمريكي في المنطقة، ومشترك أننا ضدّ التفتيت الطائفي والعرقي، ولدينا مشترك هو موقفنا من العدو الصهيوني، ولدينا مشترك مرتبط بمحاربة التطرف ومصلحة الجميع في التسامح الإسلامي. وتابع أن هناك خلافات في كيفية إدارة الملفات، لكن يجب أن تكون لدينا القدرة على الاستماع، وفهم الآخر كما هو، وليس كما يضخ الإعلام الغربي، أو إعلام الأنظمة الفاسدة والمستبدة.
وتناول المشاركون في الجلسة الأولى، عدة أفكار كان من أبرزها أن الإسلاميين لم يستلموا سلطة حقيقية في البلدان التي شهدت تغييراً، لأن رأس الهرم فقط هو الذي تغيّر، وأن المشروع الأمريكي لا ينظر إلينا كدول بل كمنطقة، وهدفه تفتيت المنطقة وحماية “إسرائيل”.
وأن الموقف الأمريكي في كلّ من مصر وسورية وغزة وبلدان الثورات و”الربيع العربي” هو ضدّ الإسلام السياسي لأنه يحمل في طياته مشروع المقاومة ومحاربة “إسرائيل”.
وأن محور الاعتدال يتم الآن إعادة تشكيله من جديد في المنطقة وفق المصالح الأمريكية، وبأدوات عربية، وأنه سيسعى لتصفية القضية الفلسطينية. وأن هناك مؤامرة تستهدف تركيا نفسها. وقال المشاركون إن الحراك والثورات في العالم العربي وتداعياته أحدثت شرخاً بين التيارات الفكرية الإسلامية والقومية والليبرالية واليسارية، مما أحدث خللاً في قراءة “الربيع العربي”.
ولاحظ المشاركون أن الفرصة التي أتيحت لنا من خلال الحراك والتغيرات قد تحولت إلى تهديد خطير، قد تكون كارثة تاريخية بالنسبة إلى ما يسمى بـ”الإسلام السياسي”.
ورأى بعض المناقشين أن المشروع الإسلامي هو مشروع تغييري وثوري، وبالتالي فإن أولوية الصراع مع “إسرائيل” يجب أن تكون هي أولوية مطلقة بالنسبة له. وأكد المشاركون أن الحراك العربي كان حراكاً شعبياً وليس خارجياً.
ونبه بعض المشاركين أن الفرصة التي أتاحتها الثورات العربية لم تنتهِ، ولكن شروط الاستفادة منها باتت أصعب. وأنها أصبحت أكثر استعداداً للحسم الثوري وليس مجرد التعايش والتكيف مع مؤسسات الدولة العميقة في الأنظمة السابقة، والتي نجحت للأسف في تعطيل الثورات، بل في إفشالها كما هو الحال في مصر.
وذكر بعض المناقشين أن غياب التواصل الحقيقي بين الإسلاميين (بما في ذلك التيارات الإسلامية السنية والشيعية في ضوء الخلاف حول الملفين السوري والبحريني) وتراجع الثقة فيما بينهم، وعدم وجود مشروع واضح يجمعهم هو ما يُضعفهم جميعاً. وأنه لا بدّ للإسلاميين من قراءة مشتركة للقضايا، وانطلاق من وحدة موقف ووحدة رؤية، وأنه يجب أن لا ننتظر الفرص بل يجب أن يكون لدينا مشروع ننطلق به. وأن علينا تقييم أداء الإسلاميين في المرحلة السابقة لنعيد سوياً بناء سياساتنا وخياراتنا ومصالحنا.
افتتح د. محسن محمد صالح الجلسة الثانية، وأكد بدوره على أنّ أي مشروع تحرير للأرض لن يصل إلى نتائجه إن لم يكن مقروناً بتحرير الإنسان نفسه، كما أكّد على ضرورة أن يتجاوز الإسلاميون حالة الاستقطاب الحالية، من خلال شبكة أمان وطني تتفق عليها كل القوى الإسلامية والوطنية وتمنع التدخّل الخارجي.
كما أشار إلى خطورة الحركات التكفيرية في المنطقة معتبراً أنّ أكثر ما تضرّر منها هو الإسلام السني نفسه.
وتناول المشاركون في الجلسة الثانية عدة أفكار كان من أبرزها أنّ وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في بعض البلدان لم يكن مقروناً بما يحصّن الثورة وأهدافها، ما أدّى إلى عدم قدرتهم على تنفيذ برامجهم، وإفشالهم، وإلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ونوه المشاركون بأن هناك مخططاً شاملاً صهيو-أمريكي على المنطقة محوره الأساس هو ضرب القضية الفلسطينية، وأن استراتيجية الولايات المتحدة قائمة على السعي إلى تعميق الشرخ بين مكونات المنطقة واستنزاف تلك المكونات. وأنه من الضروري استيعاب الموجة الارتدادية المضادة للثورات والتغيير في العالم العربي وإعادة تنظيم الصفوف بين القوى الوطنية والإسلامية.
كما ناقشوا خطورة الصراع المذهبي الطائفي، وخطورة “مذهبة” القضايا العربية والإسلامية لأنَّ ذلك هو مقتل لها. ورأى المتحدثون أننا في مرحلة هي أشدّ خطورة من مرحلة ما بعد كامب ديفيد التي حيّدت النظام المصري عن القضية الفلسطينية، وأن تمرير التسوية الفلسطينية الإسرائيلية سيؤدي إلى إسقاط جميع أطراف محور المقاومة والممانعة.
وقدم بعض الحضور جملة من التوصيات، كان من أبرزها أنه يجب إعادة البحث في تشكيل محور عربي إسلامي جديد في المنطقة، يقوم على شراكة حقيقية، وإيجاد صيغ لتحالفات جديدة تستند إلى أولويات مشتركة بين كافة الأطياف العربية، تتعلّق بقضايا التحرير والوحدة والخروج من حالة التبعية للخارج، وإلى ضرورة توحيد القراءة للمشهد السوري على أساس تحقيق إرادة الشعب السوري وتطلعاته، وبناء على روح تدعم برنامج المقاومة، وترفض التدخل الخارجي.
ونبه بعض المشاركين إلى ضرورة البحث في إعادة بناء العلاقات السنية الشيعية، والاتفاق على مواجهة الخطر التكفيري، وإعادة الاعتبار إلى القضية الفلسطينية واعتبارها الأولوية التي توحد الجميع، وبذل الجهد للخروج من المأزق السوري، وعدم انتظار جنيف 2 الذي لن يأتي إلا لتحقيق الشروط الأمريكية. وأن على القوى الإسلامية والوطنية بناء صورة حقيقية من أجل مواجهة المشروع الغربي الذي استطاع أن ينظم صفوفه بعد أن صدمته التحولات المفاجئة في المنطقة.
ودعا عدد من المشاركين إلى حوارٍ يعيد بناء محور المقاومة، ويعمق المشتركات بين القوى الإسلامية، ويوحّد المصالح المشتركة، وتحويل التهديد الأمريكي والخارجي الحالي إلى فرصة.
وفي ختام حلقة النقاش، شكر د. محسن محمد صالح الحضور، منوهاً بما تمت مناقشته من تقييمات وتوقعات لمسار القضايا العربية، آملاً أن تسهم في خدمة الأمة العربية والإسلامية.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 25/9/2013
أضف ردا