تقدير استراتيجي (60) – تشرين الأول/ أكتوبر 2013.
ملخص:
ما إن وقع الانقلاب العسكري في مصر حتى بدأ الجيش حملة واسعة، تستهدف بسط سيطرة الجيش والأجهزة الأمنية في سيناء. كما قام الجيش بحملة غير مسبوقة لتدمير الأنفاق التي تصل سيناء بقطاع غزة، مع إغلاق معبر رفح لمعظم الوقت، وهو ما تسبب في معاناة هائلة لأبناء القطاع.
تأتي الحملة في سياق ما أعلنت عنه السلطات المصرية أنه “حرب على الإرهاب” وسعياً لبسط الأمن والاستقرار في سيناء. غير أن هذه الحملة ترافقت مع حصار خانق للقطاع، وحملة إعلامية تحريضية واسعة ضدّ حماس وحكومتها. كما تترافق مع إعادة إطلاق مفاوضات التسوية السلمية بين القيادة الفلسطينية في رام الله وبين “إسرائيل”، ومع محاولات إعادة تشكيل محور “الاعتدال” العربي، وضرب الإسلام السياسي في المنطقة.
وبالرغم من وجود عدة سيناريوهات محتملة لمسار الأحداث في سيناء وفي قطاع غزة، إلا أن الوضع الداخلي غير المستقر في مصر، والطبيعة الخاصة بسيناء وأهلها، وبنية النظام في غزة، القائم على خط المقاومة، والمعتاد على ضغوط الحصار وعلى مواجهة العدوان، والذي يجد تعاطفاً شعبياً عربياً وإسلامياً واسعاً؛ ستجعل من الصعب على نظام الحكم الاستمرار باعتماد الحلول الأمنية والعسكرية، وتبني سياسة الحصار الخانق نفسها، وهو ما قد يدفعه في النهاية إلى الوصول إلى تسويات معقولة تضمن له سيطرة النظام وإعادة هيبته في سيناء، مع السعي لإيجاد حلول تنموية فيها، فضلاً عن التخفيف التدريجي للحصار عن القطاع.
مقدمة:
تأتي حملة الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء في سياق عام تملؤه الاضطرابات والتغيرات السياسية والاستراتيجية… وتتجاذبه مصالح عدد من القوى الإقليمية والدولية، التي قد تتوافق أحياناً وتتصادم أحياناً أخرى. كما أن سيناء نفسها تتمتع بموقع استراتيجي لكونها نقطة تلاقٍ بين مصر و”إسرائيل” وقطاع غزة، كما أنها أقرب النقاط الحدودية مع الأردن والسعودية، هذا بالإضافة إلى أن ما يحدث فيها ينعكس مباشرة على الوضع الداخلي المصري، وعلى شريان التجارة العالمي (قناة السويس)، كما ينعكس على الأوضاع الإسرائيلية وعلى المصالح الأمريكية… .
المشهد المصري:
يُعدّ المشهد المصري الحالي من أكثر المشاهد تعقيداً، فإلى جانب ثورة 25 يناير والانقلاب العسكري في 3/7/2013، وما ترتب على ذلك من عدم استقرار في الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فإن هناك عدداً من اللاعبين الإقليميين والدوليين الذين يعنيهم بشكل كبير ما يحدث في مصر، ويعنيهم توجيه مسارات الأحداث لخدمة مصالحهم.
لم تتمتع سيناء في عهد مبارك وقبل ثورة 25/1/2011 باهتمام الدولة ورعايتها، فقد عانت من نقص في الخدمات الأساسية مثل تأمين الماء والكهرباء… وكان التعامل معها أمنياً بدرجة أساسية، خصوصاً في ظلّ خضوعها لاشتراطات إسرائيلية وترتيبات أمنية خاصة، وفق اتفاقية كامب دايفيد التي بدأ سريان العمل بها سنة 1979. وبما أن “إسرائيل” كانت قد أحكمت حصارها على قطاع غزة منذ منتصف 2007، وبما أن مصر (من خلال سيناء) هي المنفذ العربي الوحيد للقطاع، فقد قام أبناء سيناء لأسباب وطنية، ودينية، واقتصادية،… بتخفيف الحصار عن القطاع، من خلال تهريب تشكيلة واسعة من البضائع وحتى الأسلحة، ومن خلال حفر الأنفاق في الجانب المصري باتجاه قطاع غزة.
وقد تمّ ذلك في ضوء أن نظام حسني مبارك كان شريكاً بدرجة أو بأخرى في حصار القطاع؛ حيث تحولت التجارة “غير الشرعية”، وعمليات التهريب إلى ضرورة ملحة، بالإضافة إلى كونها تجارة مربحة. وما كان هذا الأمر ليتم لولا قبول عدد من المسؤولين الأمنيين المصريين الرشاوي للتغاضي عن عمليات التهريب. لذلك فقد أصبح في سيناء تجارةٌ تُقدَّر بعشرات الملايين من الدولارات، لكنها في الوقت نفسه تركت انطباعاً سلبياً لدى بعض الأطراف، وخصوصاً المعادية لحكم حماس في القطاع، تجاه أبناء سيناء فيما يتعلق بالتهريب وتجارة السلاح.
بعد ثورة 25 يناير، انسحبت القوى الأمنية من سيناء مما ترك فراغاً زاد من حالة الفلتان الأمني، وأصبحت سيناء ساحة خصبة لوجود تنظيمات سلفية جهادية محسوبة على القاعدة، التي تُكِنُّ العداء للولايات المتحدة و”إسرائيل” على حدٍّ سواء. وقد حاول الرئيس مرسي معالجة الأمر من خلال الجمع بين الإجراءات الأمنية وبين المفاوضات والوساطة مع القبائل والتيارات السياسية والجهادية المختلفة؛ كما سعى مرسي لتحسين الأوضاع الاقتصادية لسيناء، فأوجد أسلوب مرسي امتعاضاً لدى الجيش المصري الذي اعتاد الحسم الأمني العسكري. هذه المقاربة زادت من هوة الخلاف بين الرئيس مرسي والجيش، ولعلها أسهمت في دفع الأخير للتقرب من المعارضة السياسية لمرسي.
وهكذا، ما إن بدأ الانقلاب العسكري في مصر حتى أرسل الجيش في 3/7/2013 كتيبتين إضافيتين لمنطقة سيناء، وذلك لشن حملة عسكرية واسعة، تمت بدعم أمريكي وبعد الموافقة الإسرائيلية. وبالرغم من أن النظام المصري أعلن أنه يستهدف أولئك المقاتلين الذين يهددون الأمن في سيناء والذين قد يدعمون “الهجمات المسلحة” ضدّ “إسرائيل”، إلا أن نزع السلاح من أبناء سيناء كان الهدف الذي عملت القوات العسكرية على تحقيقه.
وهكذا تعرّض أبناء سيناء لحملة قاسية من الجيش، وخضعت المنطقة برمتها للتأديب الجماعي من خلال الاعتقالات والمحاكمات العسكرية. غير أن ما قد يزيد الأمر صعوبة ويؤجّج المشاعر الغاضبة هو الطبيعة القبلية لأبناء سيناء، حيث يَعدُّ الكثير منهم امتلاك السلاح جزءاً من ثقافتهم وتراثهم.
وفي 2013/9/13، صعّد الجيش المصري حملته بنشره 22 ألف جندي في سيناء، وذلك “لتطهير” المنطقة بشكل كامل، معلناً أن هذه الحملة ستستمر لمدة ستة أشهر.
لقد حاولت القبائل تشكيل مجلس عشائري لتقديم قضايا المواطنين للجهات الرسمية والعمل على حلّها… كما اعترف الجيش أن ما يحصل في سيناء هو نتيجة إهمال الدولة، وأن لدى الحكومة الانتقالية خطة للتنمية مما سيعيد الأمن لها. بالإضافة إلى ذلك، قام الرئيس المؤقت عدلي منصور في 23/9/2013 بزيارة قبائل سيناء لبحث المشاكل المحلية، وكيفية مواجهة “الإرهاب” والقضاء عليه، ولكن في اليوم التالي تمّ هدم منزل الشيخ إبراهيم المنيعي، رئيس اتحاد قبائل سيناء، ومنزل نجله أشرف، وهُدِّم ديوانه الخاص… مما يشير أن الحملة الأمنية مستمرة.
التضييق على قطاع غزة ودور السلطة الفلسطينية:
بالنسبة لقطاع غزة، عدّت القوات المصرية حماس مسؤولة عن العنف المتزايد في سيناء، وأن حملتها لإغلاق الأنفاق وغلق المعابر تأتي في سياق محاربة “الإرهاب” الذي يهدد مصر والأمن الإقليمي والعالمي. فقام الجيش المصري بإغلاق معبر رفح، وهدم الأنفاق، وباشر بإقامة منطقة عازلة مسافة 500 متر من الحدود، وذلك من خلال إخلاءات لبيوت وتفجيرها. وهذا الأمر زاد من حِدّة الأزمة الاقتصادية في سيناء وضيّق الخناق على قطاع غزّة المحاصَر.
إن تضييق الخناق على قطاع غزة يأتي في سياق تعامل الانقلاب العسكري في مصر مع حكومة حماس بحساسية شديدة، نظراً لعلاقاتها المتينة بحركة الإخوان المسلمين في مصر. وقد شنّ الإعلام المنحاز للحكم العسكري حملة تحريضية واسعة ضدّ حماس متهماً إياها بالضلوع في أعمال العنف التي حدثت في مصر؛ ليبرر بذلك أيّ أعمال قد يقوم بها الجيش المصري ضدّ حماس وحكومتها.
لقد تزامنت الإجراءات المصرية السريعة وغير المسبوقة مع الجولة الجديدة للمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين والتي بدأت في شهر تموز/ يوليو 2013… . وهذا ما يبعث على التساؤل ما إذا كان هناك توافق إقليمي ودولي مشترك، خصوصاً بعد الانقلاب في مصر، لإعادة تشكيل وتفعيل “محور الاعتدال” العربي، والقيام بترتيبات تؤدي إلى إسقاط حكومة حماس في قطاع غزة، وإعادة سيطرة فتح وأجهزة السلطة في رام الله عليها. وبالتالي، إعطاء دفعة أقوى لمسيرة التسوية السلمية. كما أنّ شدة الحملة العسكرية في سيناء وعلى الحدود مع قطاع غزة، والسرعة العالية في تنفيذها، يبعث على التساؤل لدى البعض إن كان ذلك قد يؤدي إلى تدخل عسكري مصري مباشر في قطاع غزة.
أما بالنسبة لحكومة حماس، فقد نفت مسؤوليتها عما يجري في سيناء، وأبرزت في 30/7/2013 وثائق تُثبت ضلوع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بحملة إلصاق التهم بحماس ودورها المزعوم في سيناء. كما نشر التلفزيون المصري نفسه اعترافات لأشخاص من عناصر الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية تمّ القبض عليهم في سيناء ومتورطين في الهجمات ضدّ الجيش المصري.
وقد أكّد العديد من قادة حماس على سياسة عدم التدخل في الشأن الداخلي المصري، وعلى دور مصر القوي في دعم القضية الفلسطينية، وشددوا على أن أمن مصر خطّ أحمر؛ وطالبوا السلطات المصرية بفتح معبر رفح والسماح بالتبادل التجاري وإدخال البضائع للقطاع، إن كانت ترغب في هدم الأنفاق، حتى لا تكون شريكاً في الحصار.
في المقابل دعت السلطة، عبر سفيرها في القاهرة بركات الفرا، إعادة فتح معبر رفح، معتبرة ذلك من مصلحة مصر أيضاً، ونافية في الوقت ذاته صحة الوثائق التي عرضتها حكومة غزة.
القلق الإسرائيلي والحرص الأمريكي:
لم يكن الوضع في مصر وسيناء بعد ثورة 25 يناير مريحاً بالنسبة لـ”إسرائيل”، فبالإضافة إلى قلقها على مصير اتفاقية السلام بين البلدين، هي قلقة أيضاً إزاء ما يجري على أرض سيناء. فالفراغ الأمني هناك استفادت منه التنظيمات السلفية الجهادية والقاعدة، وتمت الاستفادة منه في دعم قطاع غزة، وفي تجارة الأنفاق. وقد أصبح الوجود العسكري للتنظيمات الجهادية مسؤولاً عن شنّ هجمات متعددة على الحدود المصرية الإسرائيلية، وصار بالنسبة لـ”إسرائيل” مصدر تهديد دائم لمنطقة إيلات بالإضافة إلى تسهيله أو مشاركته في تهريب أسلحة يُقال أنه يجري تهريبها من ليبيا والسودان وغيرهما إلى داخل سيناء ومنها إلى قطاع غزة.
هذه الأمور وغيرها دفعت بـ”إسرائيل” إلى الموافقة على التعزيزات والحملات التي شنها الجيش المصري، كما أنها عززت من وحداتها الموجودة على الحدود، بالإضافة إلى بناء سياج حدودي مع مصر بقيمة 430 مليون دولار على طول 242 كم، للحد من التسلل إلى الداخل الإسرائيلي (فلسطين المحتلة سنة 1948). وقد وصل بها الأمر إلى إرسال طائرات بدون طيار إلى داخل سيناء، لاغتيال عددٍ من الإسلاميين الذين يعملون أو يخططون للعمل ضدها.
أما الولايات المتحدة التي وقفت عملياً إلى جانب الانقلاب العسكري في مصر، فهي ترى في مصر حليفاً قوياً وأساسياً لها، خصوصاً فيما يتعلق بالمحافظة على الأمن في سيناء، الذي يُعدُّ بنداً أساسياً في اتفاقية كامب دايفيد؛ ثم إن “إسرائيل” وأمنها هو حجر الزاوية في سياسة أمريكا الشرق أوسطية. وبما أن النظام الجديد في مصر والولايات المتحدة يشتركان فيما يُسمى استراتيجية “محاربة الإرهاب”، فإن الولايات المتحدة دعمت بالكامل الحملة الأمنية المصرية في سيناء مع تأكيدها الدائم على ضرورة التنسيق مع “إسرائيل”.
السيناريوهات المحتملة للأوضاع في شبه جزيرة سيناء:
1. سيناريو الحل الأمني الشامل: يفترض هذا السيناريو أن نظام الحكم سيتبنى سياسة عسكرية وأمنية قاسية لحسم الأمور لصالحه تماماً في سيناء. وهي سياسة قد تحتمل النجاح في ضوء بعض التجارب السابقة. غير أن الإصرار على هذه السياسة مع عدم تحقيق نجاحات فعلية سريعة لها، قد يُدخل الجيش في حالة إنهاك. ثم إن التعامل العسكري الأمني مع مجتمع قَبَلي له خصوصيته الثقافية وعاداته الخاصة، ودون أيّ عملية نهوض اقتصادي بالمنطقة، قد يكون له ردود فعل عنيفة على الأوضاع العامة في سيناء… قد يضعها على فوهة بركان قد ينفجر في المدى المنظور. هذا الأمر قد يكون عاملاً إضافياً لإضعاف قدرة الحكم العسكري على الإمساك بزمام الأمور في مصر.
2. سيناريو الكرّ والفرّ: يفترض هذا السيناريو أنه مهما كان نجاح الجيش المصري في السيطرة على القبائل في سيناء، ومهما تمكّن من ضرب معاقل الجهاديين ومصادرة مخازن أسلحتهم، ومهما تمكن من القضاء على أنفاق التهريب مع غزة… إلا أن التجربة قد أثبتت أنه لا يمكن السيطرة بالكامل على سيناء.
فالأرجح أن الكثيرين لن يخضعوا للحل الأمني، وسيرون أنهم قد قُمعوا وحُرموا من مصادر رزقهم، دون أن يلمسوا أيّ تغيير اقتصادي أو اهتمام حقيقي بالأوضاع المعيشية في المنطقة. وبالتالي فإن هذا السيناريو يفترض أن هؤلاء لن يترددوا في التعاون مع أطراف مختلفة، سواء في حفر أنفاق جديدة مع قطاع غزة، أم في تنفيذ عمليات ضدّ الجيش الإسرائيلي أو ضدّ “القوة متعددة الجنسيات” أو حتى ضدّ الأجهزة الأمنية والعسكرية المصرية. وهكذا فقد نرى سيناء في حالة من اللا استقرار والاشتباكات المتقطعة والموزعة هنا وهناك. مع احتمالات تعرّض “إسرائيل” لعمليات عسكرية أو هجمات صاروخية بين فترة وأخرى.
3. سيناريو التسوية والتنمية: يُدرك جميع الأطراف أن استمرار الوضع المتفجر يُضر بالجميع، وأنه قد يكون له مفاعيل عكسية. وقد يجد الجيش المصري نفسه تحت ضغوط مختلفة للوصول إلى تفاهمات معينة مع القبائل، تُرضي الطرفين على أساس فرض هيبة الدولة، وفتح مجالات التنمية الاقتصادية في سيناء، وتخفيف الحصار عن القطاع، من خلال التساهل في تهريب أبناء سيناء للمواد الضرورية لأبناء القطاع.
لكن موضوع المجموعات الجهادية يبقى الشوكة العالقة في حلق جميع الأطراف، وبالتالي ستستمر حملة إقصائهم. ولربما تحاول الولايات المتحدة تعزيز قوة “القوة متعددة الجنسيات” لضمان أمن “إسرائيل” وأمنها بشكلٍ أكبر.
إن تحقيق أيٍّ من السيناريوهات أعلاه يرتبط بعدد من العوامل أهمها:
• الوضع الداخلي المصري: مدى تحقيق نظام الحكم السياسي الجديد حالة من الاستقرار، وقدرة الاقتصاد المصري على استعادة عافيته أو توازنه السابق على الأقل، بالإضافة إلى تأثير الحملات الإعلامية تصعيداً أم تهدئةً.
• مدى نجاح الإجراءات في سيناء بما يُغري الجيش بالاستمرار بنهجه نحو مستويات أعلى، أو يدفعه للتراجع عن إجراءاته أو عن بعضها.
• مدى الضغوط الخارجية: سواءً من أنظمة “الاعتدال” العربي أم “إسرائيل” أم الولايات المتحدة؛ وطريقة تعامل النظام في مصر مع هذه الضغوط.
السيناريوهات المحتملة للانعكاسات على قطاع غزة:
1. تشديد الحصار: يفترض هذا السيناريو أن استمرار خنق قطاع غزة قد يُضعف من قوة حكومة حماس في ضبط الأوضاع في غزة، وهو ما قد يعطي الفرصة للقوى المعارضة للقيام بإسقاط حماس في غزة، وتولّي حركة فتح، وحكومة السلطة في رام الله إدارة القطاع. غير أن المؤشرات تظهر أن حماس ما زالت قوية في القطاع، وقادرة على ضبط الأمور. وما زالت الأثمان باهظة جداً لمن يرغب في تجاوز اتفاق المصالحة الفلسطينية باتجاه مغامرة إسقاط حماس.
2. تخفيف الحصار: يفترض هذا السيناريو أن الحكم العسكري المصري قد يجد نفسه في موقف حرج جراء استمراره في خنق القطاع، لما يترتب على ذلك من أزمات إنسانية، واقتصادية، وبيئية، وصحية متصاعدة… ولأن إجراءاته هذه تُغضب قطاعات واسعة من الشعب المصري، وهو مضطر إن عاجلاً أم آجلاً المضي قدماً في ترتيب أوضاعه الداخلية وتهدئتها، وإنهاء المرحلة الانتقالية. لذا قد يلجأ إلى التخفيف من الحصار والتغاضي عن وجود أنفاق بدرجة أو بأخرى، متابعاً تلك الأساليب والسياسات التي كان يستخدمها نظام مبارك.
3. التسوية: هذا السيناريو يفترض أن يحدث توافق وطني فلسطيني داخلي بشأن إدارة معابر قطاع غزة وخصوصاً مع الحدود المصرية، وبالتنسيق مع الحكم في مصر. ويعتمد الوصول إلى هذا السيناريو، على وصول طرفي الانقسام الفلسطيني في الضفة والقطاع إلى قناعة بعدم قدرة أيّ طرف على إسقاط الآخر، وبضرورة القيام بتنازلات متبادلة من أجل المصلحة الفلسطينية العليا.
4. اجتياح غزة: يفترض هذا السيناريو أن الإنهاك المتزايد في قطاع غزة من جراء الحصار، قد يغري الطرف المصري بالتدخل عسكرياً لإسقاط حكومة حماس. وما قد يدفع إلى ذلك هو وجود بيئة إقليمية ودولية مشجِّعة؛ إذ إن هناك رغبة دولية بالوصول إلى حلّ نهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الأشهر القادمة، ورغبة إقليمية في التخلص من الإسلام السياسي، وبتكرار تجربة قمع الإخوان وما آلت إليه الأمور في أماكن أخرى.
لكن في المقابل، لا توجد مؤشرات حقيقية بوجود رغبة لدى الحكم العسكري في مصر بالدخول في هكذا مغامرة. فالحالة المصرية غير مستقرة، وبالتالي فإن قراراً تصعيدياً كهذا قد يؤلِّب الشارعين المصري والعربي ضده. كما لا يوجد ثمة إجماع بين حلفاء النظام على هكذا عمل. هذا بالإضافة إلى أن الجيش الإسرائيلي قد جرّب في السابق الحل العسكري لإسقاط حكومة حماس وفشل… .
التوصيات:
1. التأكيد على دور مصر الوطني والقومي تجاه القضية الفلسطينية، وتجاه رفع الحصار عن قطاع غزة، في إطار يحترم السيادة المصرية ويحترم قوانينها.
2. الدعوة إلى تسريع المصالحة الفلسطينية، وعمل الترتيبات اللازمة لفك الحصار وإدارة معبر رفح ضمن توافق وطني فلسطيني.
3. أن تكون الإجراءات المصرية مُنصبّة على مخالفي القانون، وألا تستجيب للتحريض الإعلامي من جهات لا تهمها المصالح العليا لمصر، ولا للقضية الفلسطينية، وألا تتسبب الإجراءات بعقوبات جماعية لمن يحرصون على أمن مصر ويحترمون سيادتها على أرضها.
* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذة رنا سعادة بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.
أضف ردا