بقلم: ثابت العمور (خاص – مركز الزيتونة).
أعلن الكيان الصهيوني مطلع شهر تشرين الثاني/ أكتوبر عن نيته الشروع بترحيل اللاجئين الأفارقة إلى أوغندا. ويحمل هذا الإعلان عدة دلالات غاية في الأهمية، ويعلن عن مجموعة تحديات ومتغيرات باتت طور التشكل:
الأول: يتعلق بالشأن الصهيوني الداخلي وتركيبته الديموغرافية، ومخاوفه من تآكل الهوية اليهودية ما بين العرب والأفارقة.
والثاني: الحدّ الذي وصلت اليه الباحة الخلفية للعلاقات الإسرائيلية الإفريقية؛ لدرجة تعلن فيه “إسرائيل” عن ترحيل اللاجئين الأفارقة إلى دولة أخرى دون استشارتها! حيث أعلنت أوغندا بأنها لا تعلم بنوايا “إسرائيل” من موضوع الترحيل.
قبل الشروع في بحث حيثيات الموضوع وتبعاته وتداعياته، تقتضي خريطة هذا المقال الإجابة على مجموعة تساؤلات أهمها وأبرزها:
لماذا أعلنت “إسرائيل” عن نيتها ترحيل اللاجئين الأفارقة؟ وهي التي سعت جاهدة إلى استقبال الفلاشا منذ أيام الرئيس السوداني جعفر النميري.
ثم لماذا يهاجر الأفارقة إلى “إسرائيل” ويقطعون كل هذه المسافة سيراً على الأقدام؟ وهم يعلمون مسبقا بأن الرحلة خطيرة، وأن حظوظ الوصول قليلة ونادرة، وأنهم يسيرون نحو المجهول والتيه في صحراء سيناء.
والأهم من ذلك ماذا عن وضعهم في “إسرائيل”؟ ولماذا لم توقف المعاملة العنصرية الصهيونية هجرة الأفارقة؟ وأين المجتمع الدولي من المعاملات والاعتقالات والسجون الكبيرة التي تقيمها “إسرائيل” لهؤلاء الأفارقة؟
“إسرائيل” كيان صهيوني غاصب ومحتل، قام على ترحيل أهل البلاد وتهجيرهم فكيف تحوّل إلى كيان جالب ومحطّ رحيل وهجرة الناس اليه؟ هل باتت “إسرائيل” في نظر الأفارقة بلاد السمن والعسل؟ وأخيراً لماذا اختارت “إسرائيل” ترحيل هؤلاء اللاجئين إلى أوغندا؟ وهل النية حقيقية أم أن الأمر مجرد بالون اختبار لم تظهر نواياه ومقاصده بعد على صعيد العلاقات الإسرائيلية الإفريقية؟!
تحييد سيناء
تتوزع خريطة اللاجئين الأفارقة في “إسرائيل” بين عدة جنسيات يغلب عليها دول حوض النيل، وقطعاً فإن لهذا الأمر دلالاته وتبعاته التي على ما يبدو لم تستحضر في الاستراتيجية العربية المتعلقة والمرتبطة بمياه النيل. أبرز اللاجئين من السودان واريتريا، حيث يشكلون حوالي 90% من عدد اللاجئين، يليهم ساحل العاج. وتشير بعض الإحصائيات إلى وجود ما بين 50 إلى 60 ألف لاجئ إفريقي غير شرعي في “إسرائيل”.
ومن الملاحظ أن معدلات الهجرة غير الشرعية من القارة الإفريقية تجاه “إسرائيل” ارتفعت خلال سنتي 2006-2008، ولكن خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2013 لوحظ تراجع معدلات الهجرة بشكل كبير، وصولاً إلى توقفها نهائياً في خريف 2013، ودلالات ذلك:
– العمليات العسكرية المصرية الحاصلة مؤخراً في سيناء أدت إلى توقف الهجرة نهائياً، باعتبار أن سيناء هي البوابة الأولى والوحيدة والرئيسية لهجرة هؤلاء الأفارقة ودخولهم الى “إسرائيل”، ولا ممر سواها. ويبدو أن هذه العمليات قد نجحت في التضييق على تهريب اللاجئين، واتخاذ “إسرائيل” قرار ترحيل المهاجرين تمّ بعد التأكد من قطع طريق سيناء أمامهم، وهو ما ورد في تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي قال بعد إعلانه عن نية ترحيل عشرات آلاف المهاجرين الأفارقة إلى أوغندا، بأن “إسرائيل” نجحت في وقف دخول المتسللين من إفريقيا، مشيراً إلى أنه خلال تشرين الأول/ أكتوبر 2013 لم يسجل دخول متسلل واحد إلى المدن الإسرائيلية. كما ذكر نتنياهو أن خطوة ترحيل الأفارقة أتت كخطوة ثانية بعد تحييد سيناء.
– أما الأمر الثاني يرتبط أيضاً بتحييد سيناء، ولكن بفعل إسرائيلي بحت، وهو بناء جدار حديدي عازل على طول الحدود بين مصر والكيان الإسرائيلي، والذي يقدر بنحو 230 كم، وتعول “إسرائيل” على هذا السياج في منع تسلل اللاجئين. وقد بدأت “إسرائيل” بالفعل باتخاذ إجراءات لوقف عمليات تسلسل المهاجرين، حيث بدأت بإقامة معتقلات مؤقتة بالقرب من الحدود المصرية؛ لمنع اللاجئين من الوصول إلى المدن الإسرائيلية، كما بدأت بإجراءات ترحيلهم مباشرة إلى أوغندا.
لماذا أوغندا؟
إن الحضور الإسرائيلي وتمدده في إفريقيا لم يعد سراً، وقد كثرت الدراسات التي تتحدث عن الحضور الإسرائيلي في إفريقيا، ومنها ما تناول البعد الإنساني في السياسة الخارجية الإسرائيلية في إفريقيا، والدور الإسرائيلي في تقسيم السودان، والتعاون الأمني، والاستخباراتي، والعسكري بين “إسرائيل” وأوغندا، وبين أثيوبيا و”إسرائيل”. كما لا يمكن أن نغفل أهمية الحضور الإسرائيلي في دول حوض النيل في الاستراتيجية الإسرائيلي.
وبالتالي، فإنّ اختيار أوغندا يرجع لبعدين أساسيين: الأول أنها تقع جغرافياً بالقرب من السودان وأريتريا ذات الأغلبية العظمة من المهاجرين الأفارقة إلى “إسرائيل”، أما البعد الثاني فهو أن العلاقات الإسرائيلية الأوغندية أوثق وأعمق مما هي عليه مع باقي الدول الإفريقية؛ “إسرائيل” شبه مقيمة هناك ويدها طويلة، حيث دعا الرئيس الأوغندي يوري موسفيني في سنة 2009 “إسرائيل” للاستثمار في أوغندا وزيادة التعاون الزراعي بين البلدين، وذلك أثناء لقائه وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان. ولعلّ مما شجع “إسرائيل” على اختيار أوغندا هو وجود نحو 200 ألف لاجئ على أراضيها في مخيمات مخصصة لهم.
صحيح أن أوغندا لم تعلن قبولها استقبال اللاجئين الأفارقة من “إسرائيل”؛ بل إن هناك نفياً من الخارجية الأوغندية، حيث كذبت خبر الموافقة الأوغندية على استقبال اللاجئين واكتفت بالقول: ليس كل ما يقال صحيحاً. كما أكد المتحدث باسم الخارجية الأوغندية أن سياسة بلاده تتماشى مع القانون الدولي فيما يتعلق بقضايا اللاجئين، وأنه لا نية لاستقبال أي لاجئين من “إسرائيل”.
ولكن في المقابل أوردت صحيفة هآرتس، في عددها الصادر في 30/8/2013، تأكيد وزير الداخلية الإسرائيلي جدعون سار موافقة أوغندا على استقبال المهاجرين. كما ذكرت هآرتس بأن هناك صفقة عسكرية سرية إسرائيلية أوغندية مقابل ترحيل المهاجرين، وتقضي الصفقة بقيام “إسرائيل” بتزويد أوغندا بقذائف الهاون والمدفعية بعيدة المدى، وأنظمة مراقبة جوية، وتحسين أداء طائرات ميج 21، وإدخال تعديلات تقنية وتكنولوجية إسرائيلية الصنع عليها، وطائرات بدون طيار، والإشراف على مراكز تدريب للقوات الأوغندية.
ديموقراطية زائفة
من الواضح أن الدعاية الإسرائيلية المُروجة بأنها الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، قد أسهمت بشكل كبير في دفع الشباب الإفريقي للهجرة إليها، هذا إلى جانب عمق التمدد والتغلغل الإسرائيلي في إفريقيا وإشرافها على كثير من المشاريع الاقتصادية والصناعية، واستغلالها للبعد الإنساني في تمرير مخططاتها هناك، حيث ترعى “إسرائيل” مكافحة كثير من الأمراض المنتشرة في إفريقيا، وتقوم على مشاريع محو الأمية وتطوير الزراعة وتدريب الأيدي العاملة؛ وهي مشاريع على ما يبدو قد ساعدت في تغيير الصورة النمطية التي تكونت عن “إسرائيل” المحتلة والغاصبة، لتصبح محط اهتمام وهجرة كثير من الشباب الإفريقي إليها. لكن هذه الصورة تغيرت بمجرد وصول المهاجرين إليها، حيث عانى المهاجرون من معاملات عنصرية دفعت بكثير من المنظمات الدولية والحقوقية للتدخل.
فقد عمدت “إسرائيل” إلى التضييق عليهم، حيث تقدم حزب الليكود بمشروع قانون يقضي بمعاقبة كلّ من يؤوي مهاجراً إفريقياً أو يشغلهم أو يؤمّن لهم وسيلة نقل، بالإضافة إلى الانتهاكات التي يتعرضون لها أثناء احتجازهم، خاصة بعد تمرير قانون مكافحة التسلل السنة الماضية، والذي يتم بموجبه اعتقال أيّ متسلل لمدة ثلاث سنوات، وهو ما يحصل بالفعل في معتقلات صحراء النقب.
كما شارك العديد من أعضاء الكنيست بحملات تحريض ضدّهم، حيث صرحت عضوة حزب الليكود ميري ريجيف في خطاب تحريضي لها بأن الأفارقة هم سرطان في جسد “إسرائيل”. كما رفعت شعارات عنصرية ضدهم، وصفوا فيها بالقاذورات، ونسبت إليهم أعمال السطو والجريمة، حيث زعم التلفزيون الإسرائيلي بأن معدلات الجريمة ارتفعت بنسبة 40% في المناطق التي يتواجد فيها اللاجئون الأفارقة، وعقب ذلك تعرض هؤلاء لأعمال عنف واستهداف من قبل المستوطنين. وقد وصل استهدافهم إلى حدّ عبرت فيه الأمم المتحدة وجمعيات حقوق الإنسان عن قلقها على حياة وأوضاع اللاجئين الأفارقة في “إسرائيل”.
التبعات والدلالات
قد تنجح “إسرائيل” في ترحيل اللاجئين الأفارقة سواء إلى بلدانهم أم إلى أوغندا كما أعلنت، ولكنها لن تنهي بذلك التحدي الديموغرافي، فترحيل الأفارقة لا يعني حلّ المشكلة بل يعني إيجاد مشكلة جديدة. إذ قد تنعكس المعاملات العنصرية التي تعرض لها هؤلاء إلى دعاية مضادة ضدّ “إسرائيل”، حيث وصلت العنصرية الإسرائيلية إلى حدّ محاولة تقليص أعداد الأفارقة في “إسرائيل”، ليس فقد اللاجئين منهم بل اليهود أيضاً وذلك باستخدام عقار “ديبو بروفيرا” لمنع الحمل، حيث كشف عن حقن نحو خمسة آلاف امرأة من أصول إفريقية بهذا العقار نحو 60% منهن من أصول أثيوبية.
وفي الخلاصة فإن المشكلة الديموغرافية للكيان الإسرائيلي هي أعمق من مجرد ترحيل عشرات آلاف من الأفارقة، فهي مشكلة تدخل في الأسس التي قام عليها الكيان الإسرائيلي، وفي عجزه عن إلغاء الهوية العربية لفلسطين، واستمرار الشعب الفلسطيني بالمطالبة بحقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها.
إن ترحيل الأفارقة متغير، من الممكن أن ينعكس على العلاقات الإسرائيلية الإفريقية، لذا يجب توظيفه عربياً وإعلامياً لكشف العنصرية الإسرائيلية ضدّ كلّ ما ليس صهيونياً، كما يجب توظيفه من أجل بناء علاقات عربية إفريقية تقوم على الاحترام والتقدير، سواء من خلال تفعيل دور العمالة الإفريقية في الدول العربية، وخاصة دول الخليج، أم بتعزيز الاستثمارات وتطويرها في القارة الإفريقية.
31/10/2013
أضف ردا