فهرس المحتويات
إهداء … أبو أويس
تنبيه مهم … د. ناصر عبد الجواد
شكر وتقدير … د. ناصر عبد الجواد
فهرس المحتويات |
فهرس المحتويات إهداء تنبيه مهم التقديم التمهيد اضغط هنا (30 صفحة، 756 KB) |
الفصل الأول: إجراءات الاحتلال : اعتقال واستهداف وانتهاكات اضغط هنا (24 صفحة، 1.3 MB) الاختطاف الجماعي للنواب |
الفصل الثاني: ظلم ذوي القربى: الانتهاكات قبل الاعتقال الأول حزيران/ يونيو2006 اضغط هنا (26 صفحة، 596 KB) تقديم |
الفصل الثالث: انتهاكات خطيرة ضدّ النواب الاسلاميين ومكاتبهم قبل الاعتقال ا لأول وفي أثنائه اضغط هنا (16 صفحة، 519 KB) حرق المكاتب النيابية |
الفصل الرابع: حرب شاملة على الحركة ا لإسلامية وأنصارها:بعد أحداث غزة سنة 2007 اضغط هنا (28 صفحة، 847 KB) اختطاف وتعذيب وانتهاكات بالجملة |
الفصل الخامس: حرب شاملة على المساجد والمؤسسات استهداف خطب الجمعة |
الفصل السادس :الإفراج وقرار المقاطعة وانتهاكات جديدة بعد أيلول/ سبتمبر2009 محاولات فاشلة لإحياء دور المجلس التشريعي |
الفصل السابع : شماعة أحداث غزة المؤسف تفاصيل الخطة تناقض عجيب الخلاصة( |
الملاحق والوثائق الملاحق الوثائق |
المؤلف في سطور اضغط هنا ( صفحة واحدة، 121 KB) |
إلى شعبنا الفلسطيني المرابط:
كي يعرف حقيقة ما جرى لممثليه الذين منحهم ثقته في انتخابات حرة ونزيهة.
إلى زملائنا النواب والبرلمانيين في كلّ مكان:
كي يعرفوا ما جرى لزملائهم في فلسطين.
إلى الأجيال القادمة من أبناء فلسطين:
كي يستفيدوا من التجربة فلا يسمحوا بتكرار ما حدث.
أهدي هذا الجهد المتواضع
أبو أويس
هذه الدراسة التي بين أيدينا ما هي إلا شهادة للتاريخ ونقل أمين لأحداث حصلت بالفعل على أرض الواقع، وهي رواية مأخوذة من أفواه أصحابها، وبالتالي هي وثيقة تاريخية مهمة، توثق لمرحلة قد تكون من أخطر المراحل التي مرت على القضية الفلسطينية في تاريخها المعاصر. وهي وصف دقيق لبعض الأحداث التي حصلت مع نواب المجلس التشريعي في دورته الثانية والمحسوبين على التيار الإسلامي، ووصف دقيق لبعض ما حصل للحركة الإسلامية وأنصارها ومؤسساتها في الضفة الغربية في المرحلة نفسها. وليس الهدف من ذكر هذه الحقائق الطعن في طرف أو جهة معينة، أو التهجم على أحد. فالكاتب شخصياً ليس عنده حقد على أحد، أو حب الانتقام من أيّ طرف، فهو قد عفا عمن ظلمه أو أساء إليه، ويحتسب ما تعرض له من أذى أو عدوان في سبيل الله، يبتغي به الأجر والثواب من الله تعالى. ويأمل الكاتب أن يكون في تسجيل وتوثيق هذه الأحداث ونشرها درسٌ وعبرة للمستقبل حتى لا تتكرر مثل هذه الأحداث، وحتى تعود الأمور إلى نصابها، وتعود لشعبنا وحدته وتآلفه، بعيداً عن كيد الكائدين ومكر الأعداء المتربصين.
د. ناصر عبد الجواد
بقلم د. عزيز دويك، رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فإن موسوعة غينيس للأرقام القياسية Guinness World Records للعجائب والغرائب والإبداعات مدعوة اليوم لتسجيل حالة ظلم تاريخي فريدة من نوعها عاشها نواب التغيير والإصلاح المنتخبون في دورة سنة 2006 لرئاسة وعضوية المجلس التشريعي الفلسطيني. فمنذ انتخابهم وحتى يومنا هذا، بداية سنة 2013، ورئيس وأعضاء هذا المجلس وحتى الوزراء الذين منحهم المجلس ثقته بطريقة ديموقراطية رائدة يتناوبون مواقعهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، دون مراعاة لحصانتهم البرلمانية، أو حقيقة أنهم رموز منتخبة لشعب طال احتلالُ أرضه والعبثُ بمقدّراته.
ومع الأسف يتساوق هذا الواقع مع حلقة أخرى من المتابعة الأمنية وحرق المكاتب والبيوت، والتنكر لحقهم الديموقراطي الممنوح بإرادة شعبية كاملة في ممارسة دورهم الطليعي في خدمة أبناء شعبهم والوصول إلى مكاتبهم والاجتماع للتشريع والرقابة والمحاسبة، أو ممارسة صلاحياتهم الدستورية. وكلّ ذلك يتم بتعاون وثيق وتبادل أدوار عميق بين سلطات الاحتلال من جهة والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى، في سابقة في التاريخ البشري عزّ نظيرها، ولا نتصور تكرارها عند أيّ أمة من الأمم.
لقد هدف الاحتلال من اعتقال 43 نائباً ووزيراً أواسط سنة 2006 إلى إرسال رسائل عديدة بعضها يتعلق بالنواب ودوائرهم المقربة من أهل وأقارب، وأخرى تتعلق بالشعب الفلسطيني العظيم في كلّ أماكن تواجده، وآخرها تتعلق بالعالم كله الذي تُدلّلُ فيه قوى كبرى وازنة الاحتلالَ وتكافئه على ممارساته المجافية للحق والعدل وحقوق الإنسان وكرامته، ولا مبالغة حين نقول إن هذه القوى تعبث بمستقبل العالم من خلال عبثها بمنطقة ما يسمى بالشرق الأوسط دجلاً، والحق أنها بلاد المشرق العربي الإسلامي واقعاً وتاريخاً وحضارة .
وبالتفصيل فإن مرامي ذلك الاعتقال والاستهداف لنواب الشرعية متعدد الأغراض وعلى رأسها:
1. إيصال المجلس التشريعي الفلسطيني إلى حالة من الشلل الكامل، واستهداف المجلس نفسه في قطاع غزة، من خلال عدم قدرتهم على التواصل مع نظرائهم في الضفة الغربية، الذين يشكلون بمجموعهم نصاباً قانونياً كاملاً يمكن أن يمنحهم القدرة على التأثير في النظام السياسي الفلسطيني. ولا أدل على ذلك من قيام طيران العدو الإسرائيلي بقصف مباني المجلس التشريعي في غزة في حرب سنة 2008-2009 العدوانية على قطاع غزة. ذلك القصف الذي ترك مباني المجلس هناك قاعاً صفصفاً لا ترى فيه عوجاً ولا أمتاً.
2. إيقاع الأذى الجسدي والنفسي بالنواب والوزراء وذويهم وهيئات مكاتبهم وعلى كلّ من منحهم ثقته عبر صناديق الاقتراع أو احتشد لدعمهم في ساحات الدعاية الانتخابية، ولا أدل على ذلك من الملاحقات الأمنية المتكررة لمجموع هؤلاء الأنصار والمؤيدين.
3. منع التطور الطبيعي للنظام السياسي الفلسطيني، وإبقاؤه متخلفاً.
4. منع الديموقراطية الفلسطينية من أن تتطور أو تؤتي ثمارها حتى لا ينعم بها الشعب الفلسطيني، أو أن تكون مرتكزاً قوياً للدفاع عن حقوق هذا الشعب وثوابته ومقدراته، التي تمثل نقيض مشروع الاحتلال وتؤذن بأفول نجمه وزوال دولته واحتلاله عن الأرض الفلسطينية، بما يكفل حرية شعب فلسطين وحرية ممارسته لحقه في تقرير المصير وإمضاء إرادته فوق ترابه الوطني المقدس وبخاصة في بيت المقدس.
5. إعلام الشعب الفلسطيني بأن نوابه الذين انتخبهم على أمل أن يقوموا بخدمته وسنّ التشريعات اللازمة لحماية وجوده ورفاهيته وتأمين مستقبله يرزحون في القيود والأغلال، فلا حصانة لهم ولا حماية لأي منهم.
6. مظاهرة العالم في وقوفه ضدّ نتائج الانتخابات الديموقراطية التي شهد العالم بنزاهتها وشفافيتها، ومستواها الذي تفوَّق حتى على ديموقراطيات غربية عريقة كالدول الإسكندنافية وسويسرا ونحوها. هذه الانتخابات الفلسطينية التي جاءت على عكس ما تشتهي دول غربية وازنة كالولايات المتحدة الأمريكية ومن سار في فلكها ونهج نهجها في الانصياع لأوامر اللوبي الصهيوني في واشنطن، وهي دول ترى رغبات دولة الاحتلال الإسرائيلي أوامر يجب الالتزام بها وتطبيقها كما تريد “إسرائيل” لا كما يريد الحق والعدل.
7. تهيئة الساحة الفلسطينية لمرحلة سياسية قادمة تتسم بتكريس التعاون الأمني الكامل بين “إسرائيل” وبين السلطة في رام الله، وما يعنيه ذلك من استهداف للعمل المقاوم بعامة والعمل الإسلامي المقاوم بصورة خاصة.
8. إيصال القضية الفلسطينية إلى المربع الأخير بعد أن أعادتها الانتخابات سنة 2006 إلى المربع الأول والقاضي بالمراجعة الكلية للقضية وتطوراتها.
ولقد مرت حالة الاعتقال للنواب والوزراء والزج بهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي بمرحلتين:
الاعتقال الأول: الذي امتد ما بين 2006 و2010، وشملت 43 نائباً وعشرة وزراء، أي جلّ نواب ووزراء الضفة الغربية.
الاعتقال الثاني: الذي يمتد ما بين 2010 وما زالت آثاره ممتدة حتى أوائل 2013، وشمل اعتقال 24 نائباً وثلاثة وزراء وجميعهم من الضفة الغربية.
ويذكر أن هذين الاعتقالين قد ترافقا مع سحب الهويات المقدسية للنواب المقدسيين الثلاثة، وهوية وزير القدس السابق في الحكومة العاشرة. كما ترافق اعتقالهم واستمرار اعتقال زملائهم مع هجمة شرسة لئيمة من ذوي القربى، تمّ فيها الاعتداء على حقوق الإنسان وكرامته، وهما أعلى هدفين تضمنهما برنامج التغيير والإصلاح البرلمانية التي سعت للحفاظ على حقوق شعب فلسطين التاريخية بالمزاوجة بين الحكم والمقاومة لحماية ظهرها وتعزيز منطلقاتها، وكانت أهم مرتكزات الحكومة المنبثقة عن مجلسها المنتخب.
ويستطيع المراقب لسير عمل المجلس التشريعي الفلسطيني أن يؤكد على وصوله إلى حالة التعطل الكامل، وأن يضيف ملاحظات مهمة تشهد على ظلم المحتل ومن خضع لإملاءاته من بني جلدتنا، وأهمها:
1. تنكر الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية لمنظومة قِيَمها ومبادئها المتعلقة بالديموقراطية وحقوق الإنسان وحقّ الشعوب في قول كلمتها واختيار ممثليها وحقّ تقرير المصير. وصل ذلك إلى حدّ النفاق السياسي المفضوح: فمن جهة دعت هذه الدول إلى إجراء الانتخابات، وفرضها الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن George W. Bush، ومن جهة أخرى تنكرت هذه الدول لنتائج العملية الانتخابية بالرغم من شهادتها لها. ولم تقف هذه الدول عند حدّ التنكر بل تجاوزته إلى فرض المقاطعة السياسية والمالية وغيرها على النواب المنتخبين، وما أفرزته الديموقراطية الفلسطينية من حكومة نالت ثقة المجلس التشريعي.
2. تدخل الدول الغربية بقيادة أمريكا في الشأن الداخلي الفلسطيني بدعم فريق السلطة الفاشل في الانتخابات وإمداده بكل أسباب القوة على حساب النواب والحكومة الشرعية التي أفرزتها نتائج العملية الديموقراطية. وزادت على ذلك بعقد اللقاءات والمؤتمرات التي تحرض على المجلس والحكومة، وتضع الاستراتيجيات لمحاربتهما والحيلولة دون قيامهما بدورهما المأمول في خدمة فلسطين قضيةً وشعباً وأرضاً.
3. أمعنت دول الغرب في استعمال سياسة العصا والجزرة في التعامل مع الحالة الفلسطينية على أمل ثني المنتخبين عن تنفيذ برنامجهم الانتخابي، والتماهي مع المشروع الإسرائيلي – الغربي في المنطقة، في محاولة منها لتمهيد الساحة الشرق أوسطية لصالح “إسرائيل” ومخططاتها الرامية إلى ابتلاع الأرض الفلسطينية كلها، وإعلان “يهودية الدولة”. ولذلك فرضت ما عرف بشروط اللجنة الرباعية الدولية Quartet الثلاث وهي:
أ. الاعتراف بـ”دولة إسرائيل” كشرط مسبق.
ب. الاعتراف بالاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) مع “إسرائيل”، وعلى رأسها اتفاق أوسلو المشؤوم.
ج. نبذ العنف و”الإرهاب”.
والعجيب وغير المنطقي في هذه الشروط أن حالة النفاق الغربية تريد أن تبتز الضحية كي يعترف بالجلاد الظالم، وأن يعترف المحتلة أرضه بالمحتل الغاصب، كلّ ذلك بدل أن يطالب الغرب بزوال الاحتلال وبحق الشعب الفلسطيني بالحرية، وحقّ العودة إلى البيت والمزرعة، وحقّ تقرير المصير.
وأما اتفاقيات أوسلو ومفرزاتها فقد شهد العالم كله وحتى مهندسوها أنفسهم بأنها قد ماتت منذ انتهاء أجلها سنة 1999، عندما لم تقم دولة فلسطينية مستقلة حسب اتفاق “إعلان المبادئ” Declaration of Principles (DOP) في 13/9/1993، ولذلك صرح الزعماء الصهاينة أكثر من مرة أن “Oslo is dead” أي أوسلو ماتت.
وبخصوص شرط نبذ العنف و”الإرهاب” ففيه اعتداء من الغرب على ميثاق الأمم المتحدة الذي يعطي للشعوب تحت الاحتلال حقّ مقاومته بكل الوسائل بما فيها المادية. وكذلك لم تشر هذه الدول إلى “إرهاب الدولة” الذي تمارسه دولة الاحتلال ضدّ الشعب الفلسطيني المحتلة أرضه والمشرد شعبه والمقتّل أبناؤه، والمستباحة منازله ومزارعه. هذا الشعب الذي يسام سوء العذاب في كلّ أماكن تواجده قتلاً وتشريداً واعتقالاً، ومصادرة للأرض والماء والجو والمعابر والحركة، وتصل إلى أكثر من عدّ الأنفاس، وكذلك كلّ ما رسخ في ذهن العالم كله من ممارسات لا إنسانية، لا أقل أن نذكر منها جدار الفصل العنصري، وهدم المنازل ومصادرة الممتلكات، وحالة اللجوء لـ 7.6 مليون فلسطيني، يعيشون حالة مزرية بصورة غير مسبوقة في تاريخ بني الإنسان، ومن أراد الاستزادة في هذا الموضوع فليتابع الممارسات غير الإنسانية من الاحتلال وأعوانه في التقارير السنوية لـ”وضع حقوق الإنسان في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية” في الموقع: www.ichr.ps
وإذا كان التنكر والجحود وحالة النفاق بأشكاله قد أخذت مأخذها في الغرب الذي بنى “إسرائيل” وينافح عن وجودها وديمومتها، فإن من يدور في فلك الغرب في منطقتنا العربية يتمالأ هو الآخر مع طروحات الغرب وإملاءاته وسياسة “الكف ما بناطح مخرز” كما يقولون.
لكن الأنكى والأدهى والأمرّ أن نجد من أبناء فلسطين من لم يرتضِ ما ارتضاه شعب فلسطين لنفسه بحرية واختيار، فبات يمكر الليل بالنهار من أجل أن يريح الاحتلال، ويطالب بما يطالب به الاحتلال، وذلك تحت ذرائع واهية ومبررات أوهن من بيت العنكبوت. وهم يطالبون أن يتنازل نواب الشرعية عن برنامجهم الانتخابي وبخاصة ما يتعلق بشرط الاعتراف بدولة “إسرائيل”.
ومن أجل ذلك استُخْدِم المال السياسي، وسُيِّرَت المسيرات التي أُنزلت إلى الشارع تشتم وتقذف نواب الشرعية منذ اليوم الأول الذي وصل فيه رئيس المجلس المنتخب إلى مكتبه، ووصل الأمر إلى حدّ إحراق المبنى الرئيس لمكاتب المجلس التشريعي في رام الله بينما رئيس المجلس يعقد لقاءً صحفياً في مكتبه في المبنى نفسه. وكان يوماً مشهوداً تمالأ فيه القوم (أبناء حركة فتح والسلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية التابعة لها) لمنع إجراء تحقيق موضوعي في الأسباب والمتسببين في ذلك الحريق. وأما في غزة فقد خُلِعَت الأبواب وحماية النوافذ والشبابيك، وحوصر النواب داخل المبنى الرئيسي للمجلس هناك. كانت هذه بعض مظاهر اقتراحات “الفوضى الخلّاقة” التي دعت لها كوندوليزا رايس Condolieezza Rice، وزيرة الخارجية الأمريكية، هذه الفوضى التي ترفضها الولايات المتحدة والغرب بشكل عام في دولهم وأماكن وجودهم، ولكنها تتساوق في الحالة الفلسطينية مع “السياسة الميكيافيلية” حيث الغاية تبرر الوسيلة ولو على حساب القيم والمبادئ.
ولقد تكررت الإساءات والممارسات القمعية وحوصرت مباني المجلس التشريعي في رام الله بينما رئيس المجلس وأمين السر في داخله، وأطلقت الأعيرة النارية من الأسلحة المختلفة، وصُوِّر المشهد وتبين أن المحاصِرين عناصر في الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية. وقد ترافق ذلك مع اختطاف أحد النواب في المجلس التشريعي من منزله لساعات طوال قبل أن يعاد إطلاق سراحه بأمر من المقاطعة. وعانى الجميع من ظلم الأقارب والأباعد، واعتقل أبناء النواب، وأسيء إلى ذويهم، وهوجمت مكاتبهم، وأوذي كلّ من سعى للتعاون معهم.
ويمكن تلخيص مسلسل الاعتداءات على رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني ورمز الشرعية في فلسطين بما يلي:
1. إحراق مكتبه في مدينة الخليل.
2. إحراق منزله في مدينة رام الله.
3. إحراق مبنى المجلس التشريعي في رام الله وهو بداخله.
4. إطلاق الرصاص بكثافة حول مبنى المجلس في رام الله بينما كان رئيسه بداخله.
5. مصادرة سيارته المصفحة وعدم إعادتها إليه.
6. الإعلان الكاذب بإشاعة أنه طلب سيارة مصفحة جديدة بمئات آلاف الدولارات.
7. سحب وتفتيش السيارة الخاصة برئيس المجلس من قبل مخابرات رام الله.
8. منعه من حقه في الحماية المنزلية والشخصية بالرغم من مطالبته رئيس السلطة بذلك.
9. مصادرة منزله في رام الله.
10. مضايقة واعتقال زوار منزله في الخليل.
11. الاعتقال والتحقيق مع كلّ من يأخذ صوراً مع رئيس المجلس.
12. مراقبة المنزل وزواره.
13. حرمانه من حقوقه المادية المنصوص عليها في القانون والمعروفة عرفاً.
14. حرمان زوجة رئيس المجلس وأقرب المقربين إليه من حسن السلوك “السلامة الأمنية” الذي تمنحه الأجهزة الأمنية الفلسطينية والضروري لممارسة أيّ عمل في الوظيفة العمومية أو الخصوصية.
15. حرمان زوجة رئيس المجلس من حقها في العلاج حسب النظام الداخلي للمجلس.
16. حرمانه وأمين السر من دخول مكاتبهم وأداء أدوارهم وممارسة صلاحياتهم داخل مباني المجلس التشريعي.
كلّ هذا غيض من فيض من مسلسل الممارسات غير الديموقراطية التي عايشها نواب الشرعية ووزراؤها، وبخاصة حرمانهم من حقّ خدمة أبناء شعبهم على الرغم من العديد من الرسائل إلى رئيس السلطة، باعتباره رأس السلطة التنفيذية، بضرورة إعادة تفعيل المجلس التشريعي وإعطائه حقه في ممارسة صلاحياته من موقع مسؤوليته، إلا أن كلّ هذه الرسائل وجدت آذاناً صماء وعيوناً عمياء، لا ترى ولا تسمع ولا تريد أن ترى وتسمع بالرغم من المناداة الدائمة بأن الهدف الأسمى هو إنجاز المصالحة وتحقيق اللحمة ورأب الصدع الفلسطيني، تعبيراً عن نبض الشارع وحركة جماهير شعبنا الفلسطيني العظيم.
وأذكر هنا بأن القانون الأساسي الفلسطيني ينص صراحة على انتهاء ولاية رئيس السلطة بعد أربع سنوات من انتخابه، في حين ينص هذا الدستور على امتداد ولاية المجلس التشريعي حتى إجراء انتخابات حرة نزيهة وشفافة في الأراضي الفلسطينية وحتى يقسم المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية.
كلّ هذه الممارسات وغيرها هي موضوع هذا الكتاب الذي بين أيدينا والذي كتبه زميلنا النائب د. ناصر عبد الجواد، والذي يُعدُّ بحق وثيقة تاريخية مهمة تؤرخ لمرحلة انعطاف تاريخية تعيشها منطقتنا العربية الإسلامية في ظلّ الربيع العربي، الذي استمد وقود ثورته من حالة الظلم والاضطهاد التاريخي الذي يمر به شعب فلسطين. وهذه الثورات التي تنتصر فيها إرادة الشعوب على إرادة الجلاوزة والجلادين من حكام السوء، الذين يستمدون شرعيتهم من النظام الغربي وماله السياسي، ولا يستمدونها من إرادة شعوبهم وأمتهم، ويؤمل لها أن تغير المعادلة وتقلب الموازين لصالح الأمة والشعب.
وإن هذا الكتاب يستحق من كلّ دارس لتاريخ منطقتنا العربية الإسلامية بعامة، وخاصة تاريخ هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ شعبنا، أن يقتنيه وأن يمعن النظر في مجموع الحقائق التي يطرحها. وفي المحصلة لا يصح إلا الصحيح، والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون، والعاقبة للمتقين.
ومما يزيد في أهمية هذا الكتاب أن مؤلفه د. ناصر عبد الجواد واحد من أكثر أبناء فلسطين إخلاصاً ووفاءً للقضية والشعب والمقدسات. وهو عضو منتخب في المجلس التشريعي الفلسطيني عن محافظة سلفيت. وقد عانى طويلاً بسبب دفاعه عن حرية شعب فلسطين وحقوقه وثوابته. وعانى مرارة السجن وآهاته لسنوات طويلة زادت عن العقد والنصف من الزمن. وقد حصل على شهادة الدكتوراه وهو يكابد وراء القضبان. كما كان بين أبرز النواب الذين اعتقلوا في مرحلتي الاعتقال المذكورتين في هذا التقديم.
جزى الله المؤلف الكريم خيراً على هذا السجل وهذه الوثيقة التاريخية المهمة، ونفع الله به وأجزل له العطاء. اللهم آمين.
د. عزيز سالم الدويك
رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني
مدينة خليل الرحمن 7/11/2012
الحمد لله حمد الصابرين الشاكرين، الحمد لله الذي ألهمنا الصبر والرشاد على الرغم من كثرة الاستفزازات والابتلاءات، والصلاة السلام على رسوله الأمين سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه الغر المحجلين، الذين صبروا على الأذى والابتلاء حتى أتاهم اليقين، ومن تبعهم على النهج والسبيل ذاتهما بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
مثلت انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الثانية في 25/1/2006 مفصلاً مهماً في تاريخ القضية الفلسطينية، هذه الانتخابات التي شهد لنزاهتها وشفافيتها جميع الأطراف وكلّ المؤسسات الرقابية والحقوقية المحلية والدولية. ولعلها الانتخابات الوحيدة في تاريخ الشعب الفلسطيني التي شارك فيها جميع مكوناته تقريباً مشاركة فعالة، وعبر فيها هذا الشعب بكامل اختياره، وللمرة الأولى، عن قناعاته الحقيقية ورأيه في المشهد السياسي القائم بكل جرأة ووضوح.
وبسبب مشاركة الحركة الاسلامية في هذه الانتخابات، وفوزها فوزاً كبيراً أذهل الجميع، انقلبت كلّ الموازين المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وتغيرت كلّ السياسات التي كانت سائدة قبل ذلك. فقد عززت هذه الانتخابات علامة الاستفهام الكبيرة على تمثيل م.ت.ف للشعب الفلسطيني، هذا التمثيل الذي أقرته جامعة الدول العربية سنة 1988، وتبنته معظم دول العالم، خاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ثم الأمم المتحدة، واعتبروها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. ولكن نتيجة هذه الانتخابات دلّت على ضرورة إعادة النظر في هذا التمثيل لحقيقة مكونات الشعب الفلسطيني.
وذلك لأن جميع فصائل م.ت.ف لم تحصل مجتمعة إلا على الأقلية في المجلس التشريعي الفلسطيني، بينما حصلت الحركة الإسلامية وحدها على أكثر من 60% من مقاعد هذا المجلس، ومن المعلوم أن الحركة الاسلامية غير ممثلة في م.ت.ف حتى الآن (حزيران/ يونيو 2013).
هذه المعادلة الجديدة وضعت مسيرة السلام منذ اتفاقيات أوسلو في عين العاصفة، والتي كانت أصلاً في مهب الريح. وذلك لأن الذي وقَّع اتفاق أوسلو هو م.ت.ف، التي انفردت بالاعتراف بـ”إسرائيل”، بينما الحركة الإسلامية لم تعترف بأوسلو ولا بدولة الاحتلال، وهي تعلن دائماً وبكل وضوح وإصرار عن استراتيجيتها برفضها لهذا الاعتراف. فأثبتت هذه الانتخابات أن الحركة الإسلامية هي الممثل الحقيقي لإرادة الشعب الفلسطيني وتوجهاته وقناعاته، وأن هذا الشعب يرفض هذه المسيرة السياسية السائدة منذ حوالي العشرين سنة.
هذه الحقيقة صدمت المجتمع الدولي، الذي وقف مندهشاً أمام هذا المشهد، لأنه كان يظن أن م.ت.ف تمثل غالبية المجتمع الفلسطيني، أو هكذا كان يأمل، هذا المجتمع الدولي الذي صمّ آذاننا في حديثه عن الديموقراطية وعن ضرورة احترام إرادة الشعوب، وهو الذي دعم الانتخابات الفلسطينية وموّلها وأشرف عليها، وأثنى على نزاهتها وشفافيتها، ولكن ما أن رأى فوز الحركة الإسلامية فيها وبهذه الأغلبية الكبيرة حتى انقلب ناكصاً على عقبيه، وكفر بكل القيم والمبادئ التي نادى بها وحثّ على تبنيها طوال العقود السابقة. فلم يعترف بنتيجة هذه الانتخابات، ولم يحترم إرادة الشعب الفلسطيني، ووقف مع الجهة التي تمثل الأقلية ضدّ الأكثرية الفائزة.
أما أصحاب مشروع التسوية (خاصة حركة فتح) من أبناء شعبنا فقد أسقط في أيديهم، فهذه النتيجة تعني بالنسبة لهم هدم المشروع الذي بنوا عليه كلّ آمالهم وطموحاتهم. فهم الذين آمنوا بأن طريق السلام والمفاوضات هو الطريق الوحيد لإعادة الحقوق وبناء الدولة الفلسطينية، وأسقطوا كلّ الخيارات الأخرى. ولكن نتيجة الانتخابات قلبت كلّ موازينهم وأثبتت أن الشعب الفلسطيني لا يؤمن بهذا الخيار الذي تبنوه، ولذلك كانت ردة فعلهم عنيفة على هذه النتيجة. ومن يستعرض المقالات التي كتبوها في الصحف المحلية بعد الانتخابات مباشرة يدرك هول الصدمة التي حلّت بهم، فقد قال قائلهم مثلاً: إن حركة فتح لا تستطيع العيش خارج السلطة، ببساطة لأنه لا يوجد لها مكان آخر، فهم مثل السمك إذا أخرج من الماء فإنه يموت، والسلطة بالنسبة لحركة فتح هي الماء الذي إذا أخرجت منه فقدت الحياة.
كان من المفروض أن يقر القوم (أبناء حركة فتح والسلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية) بنتيجة هذه الانتخابات، وينزلوا عند رأي الغالبية من الشعب الذي لم يتبنّ خيارهم ومنهجهم، كما تفعل جميع الأحزاب والحركات الديموقراطية في العالم. ولكن بدلاً من ذلك كان هروب القوم إلى الأمام، فأجمعوا على عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات، ووضع جميع العراقيل والعقبات أمام الحركة الإسلامية الفائزة وحكومتها المنتخبة بهدف إفشالها وتدمير مشروعها. فبدأوا باتخاذ سلسلة من الإجراءات الشاذة والاعتداءات الغريبة ضدّ الحركة الإسلامية ومؤسساتها ومناصريها بشكل عام، ووزرائها ونوابها المنتخبين بشكل خاص.
لقد تعرض النواب الإسلاميون في الضفة منذ انتخابهم لحرب شرسة ومن عدة جبهات، منعتهم من ممارسة دورهم الأصلي في الرقابة والمحاسبة وتشريع القوانين وإقرار الميزانيات وحلّ مشاكل المواطنين… وغير ذلك . وكان للاحتلال الدور الأكبر في هذه الحرب الشرسة، من خلال الاختطاف الجماعي لهؤلاء النواب والحكم عليهم بالسجن لمدة طويلة بلغ متوسطها 45 شهراً من فترة ولايتهم النيابية. أي معظم المدة القانونية للدورة الانتخابية. وبعد الإفراج عنهم عند انقضاء هذه الأحكام يصبح سيف الاعتقال الإداري الظالم مسلطاً على رقابهم، هذا الاعتقال الذي يتجدد تلقائياً دون معرفة تاريخ الإفراج الحقيقي عن صاحبه.
وقد تعرض كاتب هذه السطور، والذي فاز بالمقعد النيابي الوحيد عن دائرة محافظة سلفيت، لقدْرٍ وافر من هذه الاعتداءات والانتهاكات التي قام بها الاحتلال والطرف الخاسر في هذه الانتخابات، مما يدل على مدى ما أصابهم جميعاً من مفاجأة وصدمة بسبب هذا الفوز.
وفي هذه الدراسة نستعرض أهم الوسائل والأساليب التي استخدمت في هذه الحملة الظالمة، سواء التي حصلت مع الكاتب أم مع زملائه النواب الإسلاميين الآخرين وهيئات مكاتبهم وذويهم في الضفة الغربية. جريمتهم أنهم فازوا في الانتخابات بأغلبية كبيرة، ونالوا ثقة المواطنين في محافظاتهم. فلم تشفع لهم هذه الثقة ولا تاريخهم النضالي والوطني والديني الطويل، ولا تاريخهم في مقاومة الاحتلال، بل إن ذلك كان سبباً في تمادي الاحتلال والسلطة الفلسطينية وإصرارهما على استهدافهم والانتقام منهم.
ولا بدّ من التذكير هنا بأن هذه الدراسة تشكل جزءاً من الأحداث التعسفية التي حدثت في الضفة الغربية خلال الفترة التي قضاها الكاتب في الحرية بعيداً عن سجون الاحتلال، وهي فترة قصيرة نسبياً لا تتجاوز السنتين. وهي مثال ونموذج لما حصل مع باقي أبناء الحركة الإسلامية ونوابها ومؤسساتها، والتي يصعب حصرها واستقصاؤها في مثل هذه الدراسة المختصرة والتي كُتِب معظمُها في سجن النقب الصحراوي في أثناء قضائه فترة الاعتقال الإداري في بدايات سنة 2012 بتهمة استمرار عضويته في المجلس التشريعي. وهي تعطي نموذجاً لجملة الوسائل والأساليب التي استخدمت على نطاق واسع في الضفة الغربية على يد الاحتلال وعلى يد تلك الفئة التي خسرت الانتخابات.
وأسميت هذا الكتاب: “الديموقراطية الزائفة والحصانة المسلوبة: زفرات نائب عن الضفة الغربية في المجلس التشريعي الفلسطيني”.
ولا بدّ في نهاية هذا التمهيد من تقديم جزيل الشكر والعرفان والتقدير إلى كلّ من أسهم أو ساعد في إعداد هذه الدراسة وفي إخراجها إلى النور. ونخص بالذكر رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني د. عزيز الدويك وسعادة النائب د. عمر عبد الرازق وسعادة النائب الأستاذ حسني البوريني وسعادة النائب د. إبراهيم أبو سالم حفظهم الله جميعاً، الذين كان لملاحظاتهم المهمة وإضافاتهم القيمة دورٌ مهمٌ في تعزيز وإغناء هذه الدراسة. والشكر موصول أيضاً إلى مدير مكتبنا النيابي في سلفيت الأستاذ عزّ الدين فتاش – أبو نضال، جزاه الله كلّ خير، الذي حفظ غيبتنا ونحن في سجون الاحتلال وبذل كلّ جهده لإبقاء المكتب مفتوحاً على الرغم مما تعرض له من أذى ومعاناة وملاحقة بسبب موقفه وإصراره على مواصلة العمل معنا. والشكر كذلك لزملائنا الأسرى في سجن النقب الصحراوي قسم 9 (الغرف)، الذين وفّروا كلّ الأجواء الممكنة والاحتياجات اللازمة للبحث والدراسة. بارك الله فيهم جميعاً وجزاهم عني كلّ خير.
د. ناصر عبد الجواد
>> إقرأ أيضاً
>> الصفحات الخمس الأولى من الفصل الأول: “إجراءات الاحتلال: اعتقال واستهداف وانتهاكات”
أضف ردا