الصفحات الخمس الأولى من الفصل الأول: “إجراءات الاحتلال: اعتقال واستهداف وانتهاكات” (نسخة نصيّة HTML)
النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل … للاطلاع على الفصل الأول كاملاً اضغط هنا (30 صفحة، 756 KB)
باهتمام كبير تابعت أطراف عديدة دولية وعربية ومحلية نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وما أن أعلنت النتائج الرسمية وثبت فوز الحركة الإسلامية حتى شُنَّت عليها حرب شاملة من القريب والبعيد. وكان للاحتلال الدور الأكبر في هذه الحرب، من خلال الإجراءات التعسفية الظالمة، التي لم تحترم إرادة الشعب الفلسطيني وخياره الديموقراطي، بالرغم من الوعود التي قدمها للسلطة الفلسطينية في حينه باحترام العملية الانتخابية والموافقة على إجرائها، بل كان متابعاً لها ومراقباً لأحداثها، وانسحب من بعض الحواجز العسكرية لتمكين الناخبين والمرشحين والمراقبين ورجال الأمن الفلسطينيين من العبور بهدف تسهيل العملية الانتخابية… .
بدأت هذه الحرب على الحركة الإسلامية ومرشحيها قبل أن تجري الانتخابات نفسها، وذلك باعتقال معظم أعضاء لجنة الانتخابات العامة، التابعة للحركة على مستوى الضفة الغربية، قبل الانتخابات بحوالي شهرين. ثم قام الاحتلال باعتقال عدد كبير من المرشحين الأكفاء المفترضين والمتوقع ترشحهم عن الحركة الإسلامية؛ من أمثال د. محمد غزال الذي أعلن ومن خلال المؤتمر الصحفي الأول عن قائمة الحركة الإسلامية لخوض الانتخابات، ود. ناصر الدين الشاعر الإسلامي المعروف، بهدف حرمان الحركة من هذه الكفاءات. بل واعتقال من أعلن عن ترشيحه أصلاً مثل د. عمر عبد الرازق وغيره، من أجل إرباك الحركة وزعزعة موقفها.
وبعد الانتخابات مباشرة بدأت المضايقات والملاحقات من الاحتلال وجنوده للأعضاء الفائزين، من خلال توقيفهم لساعات طويلة على الحواجز العسكرية، كما حصل مع كاتب هذه السطور، حين أوقفوه على أحد الحواجز وفتشوه وفتشوا سيارته الخاصة تفتيشاً دقيقاً، واستعانوا بالكلاب البوليسية لأجل ذلك. وكما حصل مع النائب الشيخ حامد البيتاوي في أثناء عودته من الأردن حيث كان يعالج، حين أوقفوه على أحد الحواجز العسكرية قرب مدينة أريحا، واحتجزوه لساعات طويلة بهدف حرمانه من حضور جلسة منح الثقة للحكومة العاشرة.
هذه الإجراءات كانت تجبر النواب القادمين إلى مدينة رام الله من المحافظات الأخرى على سلوك طرق ترابية بعيدة وسيراً على الأقدام أحياناً، حتى يتجنبوا الاعتقال أو المساءلة أو التأخير، فكثيراً ما كان هؤلاء النواب يصلون مدينة رام الله وثيابهم قد علاها التراب والغبار بسبب سلوكهم تلك الطرق الترابية. ثم اضطر النواب لاستئجار شقق سكنية في مدينة رام الله للسكن فيها أيام الاجتماعات العامة للمجلس تجنباً لإعاقات الاحتلال وإجراءاته. علماً أنه في الوقت نفسه كان معظم زملائنا النواب من التيارات الأخرى يحملون بطاقة “في آي بي” V.I.P للشخصيات المهمة والتي تمكنهم من التنقل واجتياز الحواجز العسكرية بحرية تامة ودون أيّ عوائق أو تأخير!!
كما أن سلطات الاحتلال منعت النواب الإسلاميين جميعاً من السفر إلى الخارج، وكلّ من يحاول السفر عبر المعبر الوحيد (معبر الكرامة) باتجاه الأردن يتم إعادته، على الرغم من أن هؤلاء النواب يحملون جوازات سفر دبلوماسية حمراء، وهذا ما حصل معي شخصياً في آذار/ مارس 2011 حين أعادوني عن ذلك المعبر دون إبداء أيّ أسباب. وقد رأيت في أثناء وقوفي على المعبر بعض زملائي النواب من حزب السلطة وهم يستقلون سيارات خاصة ويدخلون من بوابات خاصة عبر ذلك المعبر، دون أيّ إعاقة، ومتجاوزين لباقي المسافرين الآخرين، وذلك لأنهم يحملون بطاقات “في آي بي” فقلت في نفسي: سبحان الله!!
ولا ننسى الحصار السياسي والمالي الذي فرضه الاحتلال والمجتمع الدولي والإقليمي على الشعب الفلسطيني ومؤسساته الحكومية والأهلية بعد الانتخابات التشريعية مباشرة بهدف إفشال المجلس التشريعي الجديد وإسقاط الحكومة العاشرة المنبثقة عنه، هذا الحصار الذي كان له دور كبير في تضييق الخناق على الشعب الفلسطيني بشكل عام والحركة الإسلامية بشكل خاص، وخصوصاً قطع الرواتب عن الموظفين المدنيين والعسكريين، الذي استغلته الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة لتبرير الفلتان الأمني الكبير، والذي انتهى بالأحداث المؤسفة في غزة في حزيران/ يونيو 2007 كما هو معلوم.
وفيما يلي أهم الإجراءات الأخرى التي قام بها الاحتلال ضدّ النواب الإسلاميين في هذه المرحلة:
1. الاختطاف الجماعي للنواب:
كان العقاب الأكبر في قيام الاحتلال الإسرائيلي الغاشم في منتصف ليلة 29/6/2006 بحملة اعتقالات واسعة، شملت معظم نواب الحركة الإسلامية ومعظم وزراء الحكومة العاشرة في الضفة الغربية، كما شملت أيضاً رؤساء بلديات ومدراء مكاتب المجلس التشريعي في المحافظات ومدراء مكاتب الوزراء، وبعض الفاعلين والذين عملوا في الحملات الانتخابية للحركة الإسلامية. فكانت قاصمة الظهر في هذا اليوم أي بعد خمسة شهور فقط على فوزهم في الانتخابات، وبعد ثلاثة شهور فقط من تشكيل الحكومة العاشرة ونيلها الثقة من المجلس التشريعي، وغيبهم الاحتلال بعد ذلك خلف القضبان سنوات عديدة عقوبة لهم على فوز الحركة الإسلامية في الانتخابات. واستغل الاحتلال عملية أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط Gilad Shalitعلى يد مجموعة مشتركة من المقاومين التابعين لكتائب القسام وغيرهم في غزة، فيما عرف بعملية الوهم المتبدد، والتي رأى فيها الاحتلال فرصة لإعلان الحرب على الشعب الفلسطيني ونوابه الشرعيين ومحاسبتهم على خيارهم الديموقراطي.
ثم عرض الاحتلال هؤلاء النواب والوزراء ومن معهم على محاكم عسكرية هزلية، تُعدُّ أكبر محاكمات سياسية تعرض لها الشعب الفلسطيني منذ سنة 1948، بل لعلها أكبر محاكمات سياسية بهذا الحجم في العالم كله. كان القضاة يقولون لنا باستهزاء: أطلقوا سراح الأسير جلعاد شاليط نفرج عنكم فوراً!!
واستمرت هذه المحاكم الهزلية حوالي سنتين ونصف، قبل النطق بالحكم الجائر بالحبس لمدد تراوحت ما بين 40-57 شهراً حبساً فعلياً، ونحو ثلاث سنوات أخرى مع وقف التنفيذ على كلّ نائب أو وزير بحجة دعمهم لـ”منظمة إرهابية” هي حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، من خلال عملهم في كتلة التغيير والإصلاح التي أصبحت هي الأخرى محظورة بقرار عسكري من قبل الاحتلال، ومن قبل محاكمه العسكرية. والتهمة الحقيقية لهذه الأحكام هي الفوز في الانتخابات التشريعية ونيل ثقة الشعب الفلسطيني في انتخابات نزيهة وشفافة شهد لنزاهتها العالم كله، وسمح الاحتلال نفسه بإجرائها ومراقبتها. وهكذا تكون دولة الاحتلال واحة الديموقراطية المزعومة في الشرق الأوسط، والدولة التي تحافظ على القانون وتحترم مبادئ حقوق الإنسان!!
وبسبب أن معظم هؤلاء النواب والوزراء كانوا من كبار السن ويعانون من أمراض مختلفة كانت معاناتهم بسبب إجراءات إدارة السجون مضاعفة، خاصة في أثناء التنقل بين السجون واقتيادهم إلى المحاكم العسكرية في ظروف غاية في القسوة والشدة.
ففي أيام الصيف الحارة كانوا يقيدوننا في أيدينا وأرجلنا منذ الصباح وحتى المساء، ويحشروننا في زنازين ضيقة حجمها 3.5 متر مربع فقط، ولا يوجد فيها تهوية، وهي مغلقة من كلّ الجهات، ولا تتسع في الأصل لسبعة أو ثمانية أسرى، ولكنهم كانوا يحشرون فيها 14 نائباً، في ظروف لا يعلم قسوتها إلا الله، ونبقى في هذه الزنازين من الصباح وحتى المساء. وفي أثناء ذلك ينتهي الأوكسجين من هذه الزنزانة، ويبدأ العرق يتصبب بشدة من الجميع حتى يبل ثيابنا، وتصبح الوجوه زرقاء بسبب نقص الأوكسجين، وأدى ذلك إلى فقدان الوعي لدى البعض. فإذا علم أننا ألجئنا للذهاب إلى هذه المحاكم عشرات المرات، والبعض تجاوز السبعين مرة، كما حصل مع رئيس المجلس التشريعي د. عزيز دويك ووزير المالية في الحكومة العاشرة د. عمر عبد الرازق، وفي كلّ مرة تتكرر المأساة والمعاناة نفسها، لعَلِمْنا حجم المعاناة التي عاناها هؤلاء النواب والوزراء خلف القضبان!!
بالإضافة إلى أن هؤلاء النواب والوزراء تعرضوا في أثناء اعتقالهم إلى ألوان من العذاب والقهر وتعمد الإذلال… أذكر من ذلك حين كانوا ينقلوننا من سجن إلى آخر بين شمال فلسطين وجنوبها، وهم محتارون في أيّ سجن يلقون بنا فيه، وكنا مقيدي الأيدي والأرجل لساعات طويلة في وسيلة النقل (البوسطة)، وهي مغلقة من كلّ الجوانب، وتملأ جدرانها وكراسيها أسراب الصراصير والحشرات التي لا نستطيع دفعها عن أنفسنا، ونحن جالسون على مقاعد حديدية تنحت من جنباتنا، ولا يوجد لها نوافذ إلا ثقوب صغيرة في أعلى المركبة، وبعد ساعات من السفر ونحن على هذه الحالة، وقف أحد الوزراء في الحكومة العاشرة لينظر من خلال هذه الثقوب الصغيرة إلى الخارج، فرآه أحد الحراس اليهود من فرقة نحشون Nahshon Unit وصاح به: إجلس يا ابن… أنت يا… إجلس وإلا بعمل… بألفاظ لا يمكنني ذكرها، مما سبب لنا جميعاً الحرج الشديد والشعور بالقهر والإذلال.
كان هذا الحدث في الأيام الأولى للإعتقال، وهو مثال بسيط لما تعرض له النواب والوزراء في هذه السجون الظالمة في تلك الفترة، والذي ذكّرنا بقوله تعالى: “لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ” (سورة آل عمران: 186).
2. إجراءات ضدّ رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني:
لقد أصبح واضحاً إصرار الاحتلال على إجهاض التجربة الديموقراطية الرائدة للشعب الفلسطيني، وتجلى ذلك في همجيتة وتنكره لحقوق الشعب الفلسطيني، حين قام باعتقال رموز الشرعية الفلسطينية المنتخبة في أول انتخابات حقيقية لهذا الشعب وعلى رأسهم رئيس المجلس التشريعي د. عزيز دويك الذي تعرض لما تعرض له سائر النواب من اعتقال وتعذيب وتحقيق، دون مراعاة لوضعه الاعتباري كرئيس للبرلمان الفلسطيني، أو لسنه المتقدم، أو لمكانته العلمية والأكاديمية كونه بروفيسوراً في تخطيط المدن والجغرافيا. فقد اعتقل الدكتور في 29/6/2006 من قبل قوات الاحتلال، وظلّ معتقلاً لمدة ثلاث سنوات، حيث أفرج عنه في 23/6/2009.
بل إنهم تمادوا في تعذيبه ومحاولة إذلاله وقتله قتلاً بطيئاً، وذلك حين وضعوه في سجن مجدو كمكان للاحتجاز الدائم، مع أن محاكماته الكثيرة كانت في سجن عوفر بعيداً عن مكان احتجازه، ولم يضعوه في سجن عوفر عند زملائه من مدينة الخليل. ومن المعلوم أنه في كلّ محاكمة كان يضطر الدكتور للسفر ثلاثة أيام أو خمسة أيام متواصلة في وسيلة السفر (البوسطة) سيئة الصيت كما ذكرنا آنفاً، فإذا علمنا أن د. عزيز خرج في هذه البوسطات أكثر من سبعين مرة في أقل من سنتين كما سبق ذكره، لرأينا حجم المعاناة والعذاب الذي تعرض له خلال هذا الاحتجاز.
النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل … للاطلاع على الفصل الأول كاملاً اضغط هنا (30 صفحة، 756 KB)
>> إقرأ أيضاً
>> الصفحات الأولى من كتاب “الديموقراطية الزائفة والحصانة المسلوبة”
أضف ردا