الصفحات الخمس الأولى من الفصل الثاني: “الواقع القانوني للاجئين الفلسطينيين في لبنان” (نسخة نصيّة HTML)
النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل … للاطلاع على الفصل الثاني كاملاً اضغط هنا (27 صفحة، 1.01 MB)
الفصل الثاني: الواقع القانوني للاجئين الفلسطينيين في لبنان
محمود الحنفي
مقدمة:
عندما لجأ الفلسطينيون إلى لبنان سنة 1948، استقبلهم اللبنانيون حكومة وشعباً استقبالاً جيداً. وأعلن الرئيس بشارة الخوري ترحيبه بالإخوة الفلسطينيين معتبراً أن لبنان بلدهم الثاني، وأن الدولة اللبنانية ستوليهم الاهتمام والرعاية اللازمة؛ لحين عودتهم إلى وطنهم. وأعلن رئيس الوزراء رياض الصلح، استعداد اللبنانيين “لاقتسام رغيف الخبز معهم”، فيما رحب وزير الخارجية حميد فرنجية “بالإخوة الفلسطينيين الهاربين بفعل الإرهاب الإسرائيلي إلى لبنان”، وقال: “سنستقبل في لبنان اللاجئين الفلسطينيين مهما كان عددهم، ومهما طالت إقامتهم، ولا يمكننا أن نحجز عنهم شيئاً، ولا تسامح بأقل امتهان ليلحقهم دوننا. وما يصيبنا يصيبهم، وسنقسم فيما بيننا وبينهم لقمة الخبز” .
وإذا ما قارنا بين تلك التصريحات الرسمية للمسؤولين اللبنانيين، وبين المعاملة الفعلية للاجئين الفلسطينيين نجد أن الفرق كبير. فالقوانين والقرارات التي تنظم الوجود الفلسطيني كانت قاسية وتحط بشكل كبير من إنسانية هذا اللاجئ، ولقد كانت معاناته في خط تصاعدي منذ أيام اللجوء الأولى.
وقد تجد لدى المشرع اللبناني أحياناً تفسيراً لهذه التشريعات والقوانين التي تنظّم الوجود الفلسطيني، نذكر منها على سبيل المثال: الحفاظ على حيوية القضية الفلسطينية، أو منع التوطين، أو الحسابات الطائفية والمذهبية، لكن في أحيان أخرى لا تجد تفسيراً لذلك، وبين هذا وذاك تبقى حقوق اللاجئ في مهبّ الريح.
وعلى كل الأحوال فإن قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تبقى على المحكّ دائماً، وتأخذ حيّزاً كبيراً في البحث السياسي، والقانوني، والاجتماعي، وتبقى قضيته بوصلة لقضية اللاجئين عموماً. تحاول الصفحات التالية الإجابة عن تساؤلات متعلقة بالقرارات والقوانين التي تنظم الوجود الفلسطيني، وما هو مضمونها وواقعها، ولماذا تتداخل الجوانب السياسية مع الحقوق، فتطغى التفاصيل السياسية عليها، وتضيع في ثناياها، وما هو الممكن والمستحيل في هذا المجال؟!.
أولاً: تعريف اللاجئ الفلسطيني:
يُطلِق الكثير من شارحي القانون الدولي وفقهائه على اللاجئين الفلسطينيين اسم “المهجّرين القسريين” أو “المهجّرين الفلسطينيين”، وتعود هذه التسمية بالدرجة الأولى إلى تهجير الفلسطينيين قسراً من جانب السلطات الإسرائيلية، وإلى تعريف “اللاجئ” الوارد في الاتفاقية الدولية المتعلقة بحالة اللاجئين سنة 1951. وقد أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1949 وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).
ومما سبق نرى أن اللاجئين الفلسطينيين مميزين عن غيرهم من اللاجئين في مناطق أخرى من العالم، حيث لم يصنفوا لاجئين دوليين وفقاً لمفهوم القانون الدولي الدقيق لهذا التعبير .
ولقد عرّفت الأونروا اللاجئ الفلسطيني بأنه “الشخص الذي كان سكنه الطبيعي فلسطين لمدة عامين على الأقل بين 1/6/1946 إلى 15/5/1948، والذي فقد نتيجة الحرب في العام 1948 مسكنه ووسائل رزقه، ولجأ إلى إحدى الدول حيث تقدم الوكالة مساعدتها”. وينسحب هذا التعريف وأهليته على تقديم المساعدة إلى الأولاد والأحفاد.
وإذا كان هذا التعريف اقتصر على فئة محددة من الفلسطينيين في الشتات، فإنه يوجد مصطلح آخر هو مصطلح “النازح”؛ وهو يستخدم للإشارة إلى الفلسطينيين الذين تركوا ديارهم نتيجة حرب حزيران/ يونيو سنة 1967 ونزحوا إلى مناطق أخرى، ومنها لبنان. وعلى ذلك فإن الإشارة إلى اللاجئين سنة 1948 يستثني آلاف اللاجئين الآخرين ويضعهم خارج السياق القانوني.
وهؤلاء الذين لا ينطبق عليهم تعريف الأونروا، لا يتساوون في الخدمات مع أولئك المسجلين لدى الأونروا، كما لا يتساوون في الحقوق لدى دوائر الدولة اللبنانية، التي تمنحهم جواز سفر مدته سنة واحدة. مع العلم أن الأنروا قدمت إليهم مؤخراً بعض الخدمات، لكن الأولوية لأولئك المسجلين “registered” في سجلاتها.
لقد نشأت العديد من المنظمات الدولية، التي تعنى بشؤون اللاجئين بعد الحرب العالمية الأولى، لمساعدة اللاجئين كلاجئي حروب ما بعد ثورة أكتوبر 1917 الشيوعية في روسيا، وكذلك اللاجئين الأرمن، وجماعات النازحين في الحروب الداخلية والصراعات السياسية. وتكرر ذلك في أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث انضمت عدة دول إلى إدارة الأمم المتحدة للمتابعة وإعادة التأهيل United Nations Relief and Rehabilitation Administration (UNRRA)؛ لتقديم المساعدة لما يقارب ثمانية ملايين نازح . لكن مع وجود أزمة اللاجئين الفلسطينيين تغيرت المعطيات، فوُضع اللاجئون الفلسطينيون تحت إشراف هيئة مستقلة عن المفوضية العليا للاجئين والمنظمات التابعة لها، وهي وكالة الأونروا.
واللاجئون الفلسطينيون هم الفئة الوحيدة الموضوعة خارج نظام معاهدة 1951، بسبب الطابع السياسي للقضية، والذي يُعدّ خارج صلاحيات المفوضية العليا للاجئين، التي تصف فعالياتها ونشاطها بأنه غير السياسي.
الاتفاقية المتعلقة بوضع اللاجئين الصادرة في تموز/ يوليو 1951، تحدد تعريف اللاجئ في المادة الأولى، الفقرة (أ) باعتباره الشخص الذي أصبح خارج بلده إثر أحداث جرت قبل أول كانون الثاني/ يناير سنة 1951، ولكونه من الثابت أنه كان يخشى على نفسه من الاضطهاد بسبب عرقه، أو دينه، أو قوميته، أو انتمائه لفئة اجتماعية أو سياسية، فقد أصبح غير قادر أو غير راغب بسبب هذا الاضطهاد في العودة إلى بلده.
وبعيداً عن الجدلية القائمة حول شمول اللاجئين الفلسطينيين في إطار المفوضية العليا لشؤون اللاجئين؛ فليس ثمة شك في أن الفلسطينيين هم في الحقيقة لاجئون. لكن ومع ذلك فإن اتفاقية جنيف الرابعة Fourth Geneva Convention سنة 1949 تعطي وضعاً قانونياً أقوى لحال اللاجئين الفلسطينيين، وقد وقعت عليها “إسرائيل”، وصادقت عليها . أما الميثاق القومي الفلسطيني، فقد ذكر في مادته السادسة أن الفلسطينيين هم المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى سنة 1947، سواء من خرج منها أو بقي فيها. وكل من وُلِد لأب عربي فلسطيني بعد هذا التاريخ داخل فلسطين أو خارجها.
ثانياً: حقّ الإقامة والسكن:
أصدرت السلطات اللبنانية، انطلاقاً من سيادتها، القرارات والقوانين التي رأتها مناسبة للتعامل مع الوجود الفلسطيني في لبنان، فهي التي حددت أماكن تجمعاتهم في المخيمات، وهي من رفض، في اتفاق الطائف، توطينهم، كما رفضت إدارياً السماح بإقامة مخيم للمهجرين الفلسطينيين في منطقة القريعة في منتصف سنة 1994. إضافة إلى أن السلطات اللبنانية هي التي بادرت بإنشاء المديرية العامة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين في وزارة الداخلية، ومنحتها صلاحيات محددة إزاء الأفراد، بموجب المرسوم 927 في 31/3/1959 وذلك لإحصاء عددهم، وحفظ سجلاتهم، ومنحهم الوثائق القانونية، وقبول طلبات وثائق السفر .
كان الدستور الفلسطيني الذي وضعه الاستعمار البريطاني في 10/8/1922 لا يفرق بين مواطني الدول العربية وسكان فلسطين الأساسيين، خصوصاً مادته 59 التي تقول: “تعني لفظة أجنبي أحد رعايا الدول الأوروبية، أو الأميركية، أو اليابان، لكنها لا تشمل الأهالي الأصليين لبلاد موضوعة تحت حماية دولة أوروبية، أو تُدار بمقتضى انتداب ممنوح لإحدى الدول الأوروبية”.
في لبنان يعامل الفلسطيني معاملة الأجانب، لكن كأجنبي من نوع خاص، حيث يصل الأمر في بعض الأحيان إلى حرمانه من مكاسب قانونية، كما هو الحال في قانون التملك. ومن حيث الإقامة يحكم الأجانب قواعد قانونية، تلزمهم أن يكونوا مزودين بالوثائق والسمات القانونية، وذلك بموجب قانون لبناني صادر في 10/7/1962، بيد أن هذا القانون لا يشمل الفلسطينيين والمقيمين في لبنان منذ سنة 1948. لكن صدر قرار رقم 319 في 2/8/1962 عن وزير الداخلية لاحظ فيه هذه الثغرة، فأشار إلى فئة من الفلسطينيين قال إنهم أجانب لا يحملون وثائق بلدانهم الأصلية، ويقيمون في لبنان بموجب إقامة صادرة عن مديرية الأمن العام، أو بطاقات هوية صادرة عن المديرية العامة لإدارة شؤون اللاجئين في لبنان.
وطُلِب من الفلسطينيين تصحيح أوضاعهم للاستفادة من حقّ الإقامة. وجاء اتفاق القاهرة بين الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية سنة 1969؛ ليؤكد خصوصية إقامة الفلسطينيين في لبنان، وأنها لا تشبه إقامة الأجانب، حتى وإن نُظِر إلى الفلسطيني على أنه أجنبي من نوع خاص.
ويُقسّم الفلسطينيون في لبنان إلى ثلاث فئات، يختلف موقعهم القانوني، وإذا كان بعضهم يتمتع بالحرية النسبية في الإقامة والسفر إلا أن البعض الآخر ليس كذلك، أما تلك الفئات فهي:
1. اللاجئون الفلسطينيون المسجلون: عددهم 455,373 شخص وفق إحصائية الأونروا الصادرة في 1/1/2011. وهذه المجموعة من اللاجئين مسجلة لدى الأونروا والسلطات اللبنانية، وتستفيد من خدمات الأونروا، وتشكل تقريباً ما نسبته 10% من الشعب اللبناني. وإستناداً للإحصائيات المتوفرة لدى الأونروا يقيم ما نسبته حوالي 50% منهم ضمن 12 مخيماً مسجلاً في لبنان.
2. اللاجئون الفلسطينيون غير المسجلين “NR”: وعددهم 30 ألف شخص تقريباً وفق تقديرات المنظمات غير الحكومية ولا يشمل تفويض الأونروا هؤلاء اللاجئين لأنه يحتمل أنهم:
• تركوا فلسطين بعد سنة 1948.
• أو تركوا فلسطين ولجؤوا إلى مناطق خارج نطاق عمليات الأونروا.
• أو تركوا فلسطين في سنة 1948 لكنهم لم يكونوا في عوز وحاجة.
وبالتالي فهم لا يتمتعون بخدمات الأونروا، ولكن بدأت الأونروا بتقديم بعض الخدمات لغير المسجلين، كما أنهم باتوا يحملون أوراقاً ثبوتية من السلطات اللبنانية، وجواز سفر يجدد كل عام وليس كل خمس سنوات.
3. اللاجئون الفلسطينيون الفاقدون للأوراق الثبوتية “NON ID”: يتراوح عددهم بين 3-5 آلاف شخص، واللاجئون الفاقدون للأوراق الثبوتية، ليسوا مسجلين لدى أي وكالة في لبنان أو مؤسسة دولية، وليسوا حائزين على أية مستندات صالحة تعرّف عن وجودهم القانوني، وبالتالي فإنهم لا يستفيدون من مساعدة الأونروا، وهم يعانون من ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة بسبب انعدام وجود أي مورد رزق ثابت، لعدم تمكّنهم من العمل.
إن المخيمات الفلسطينية تمثّل روح قضية اللاجئين الفلسطينيين، لكن الزائر لهذه المخيمات يرى أنها أزمة بؤس وفقر وحرمان، ولا يتوافر فيها الحدّ الأدنى من متطلبات السكن، فتجد مثلاً أن اللاجئ الفلسطيني لا يتمتع بحقّ السكن، فمساحة المخيمات بقيت على ما هي عليه، في حين ارتفع عدد اللاجئين إلى أربعة أضعاف. وتزداد المؤشرات السلبية مع تزايد الأمراض والآفات الاجتماعية. كما تتزايد الضغوط على المخيمات، خاصة في مخيمات الجنوب، بسبب عدم سماح السلطات اللبنانية بإدخال مواد البناء حتى لو كانت للترميم، وذلك منذ سنة 1996.
النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل … للاطلاع على الفصل الثاني كاملاً اضغط هنا (27 صفحة، 1.01 MB)
أضف ردا