يصدر التقرير الاستراتيجي الفلسطيني عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت. وهو مركز دراسات مستقل، يهتم بالدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، ويولي الشأن الفلسطيني تركيزاً خاصاً. وللمركز هيئة استشارية من كبار الباحثين والخبراء.
ويعالج التقرير الاستراتيجي، الذي قام بتحريره د. محسن محمد صالح (الأستاذ المشارك في الدراسات الفلسطينية والمدير العام للمركز)، القضية الفلسطينية خلال سنتي 2012 و2013 بالرصد والاستقراء والتحليل. ويدرس الأوضاع الفلسطينية الداخلية، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، ويناقش العلاقات الفلسطينية العربية والإسلامية والدولية، كما يناقش الوضع الإسرائيلي وعمليات المقاومة ومسار التسوية.
والتقرير موثق علمياً ومدعّم بعشرات الجداول والإحصائيات والرسوم التوضيحية. |
لتحميل الملخص بصيغة للتحميل (MB 7.1) لتحميل الملخص بصيغة للتحميل (MB 1.6) |
وقد شارك في كتابة التقرير مجموعة من المتخصصين، هم: أ. د. إبراهيم حسن أبو جابر، ود. جوني منصور، وأ. حسن ابحيص، وأ. زياد ابحيص، وأ. د. طلال عتريسي، ود. عبد الحميد الكيالي، وأ. عبد الله عبد العزيز نجّار، وأ. مؤمن محمد بسيسو، وأ. محمد زاهد جول، وأ. د. معين محمد عطا رجب، وأ. هاني المصري، وأ. وائل سعد، وأ. د. وليد عبد الحي.
أولاً: الوضع الفلسطيني الداخلي:
اتسم المشهد الفلسطيني الداخلي خلال سنتي 2012-2013 بالكثير من التعقيد والتداخل. وظلّ الوضع الفلسطيني يعاني أزمته الجوهرية في الانقسام الفلسطيني، وعدم تنفيذ برنامج المصالحة، وعدم ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني. كما استمرت أزمته في تحديد اتجاهات ومسارات العمل الوطني، سواء في مسار التسوية السلمية أم المقاومة المسلحة. وما يزال الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، ووجود حكومتين بمسارين مختلفين في رام الله وغزة، يعكس أجواءه السلبية على العمل الوطني في فلسطين المحتلة سنة 1967. كما أن عجز منظمة التحرير الفلسطينية عن استيعاب كافة مكونات وقوى الشعب الفلسطيني، وعدم قدرتها على تفعيل مؤسساتها وتفعيل دور فلسطينيي الداخل والخارج؛ بل، وتضاؤل دورها إلى ما هو أقرب إلى دائرة من دوائر السلطة الفلسطينية، والتي هي بدورها خاضعة للاحتلال وشروطه، أدى إلى إهدار طاقات الشعب الفلسطيني؛ في الوقت الذي يقوم فيه الاحتلال بمزيد من إجراءات التهويد والاستيطان وبناء الحقائق على الأرض.
في 6/2/2012 قام خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس والرئيس عباس بتوقيع إعلان الدوحة برعاية مباشرة من أمير قطر، حيث نصّ على تشكيل حكومة توافق وطني يرأسها الرئيس عباس، وعلى تفعيل الإطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية. غير أن عباس لم يُشكل، أو لم يتمكن من تشكيل، حكومة التوافق على مدى العامين التاليين، ولم تفلح الحوارات الثنائية التي جرت برعاية مصرية حتى منتصف السنة التالية في إنزاله منزل التنفيذ، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين بتحمل مسؤولية تعطيل المصالحة.
وقد انعكست الثورات والتغيرات في العالم العربي على الوضع الداخلي الفلسطيني، ففي سنتي 2012-2013 (وخصوصاً الـ 18 شهراً الأولى منها) راهنت القوى المؤيدة لمسار المقاومة، وخصوصاً القوى الإسلامية، على نجاح هذه الثورات وعلى صعود ما يعرف بـ”الإسلام السياسي”. غير أن الانقلاب العسكري في مصر، وحظر حماس وأنشطتها في مصر، والحصار الخانق لقطاع غزة، ألقى بظلال سلبية (ولو في المستقبل القريب) على التيار الإسلامي الفلسطيني. وقد تعززت هذه الصورة باتساع الهجمة ومحاولات الإفشال على التيار الإسلامي الحركي في كل الدول التي تشهد ثورات أو تغيرات، وحتى في الدول التي تخشى من هذه الثورات. وقد دفع هذا البعض إلى عدم استعجال مسار المصالحة الداخلية الفلسطينية إلا وفق شروط دخول حماس “بيت الطاعة” باعتبارها الطرف الأضعف. غير أن مسار التسوية السلمية الذي انتهى إلى الفشل، والأزمات البنيوية والسياسية والاقتصادية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية فرضت على الفلسطينيين العودة إلى مسار المصالحة.
خلال سنتي 2012–2013 واصلت حكومة الطوارئ في الضفة الغربية برئاسة سلام فياض عملها، غير أن شدة الاعتراضات والانتقادات الصادرة عن قيادة فتح لاستمرار ترؤس فياض للحكومة، ومحاولة فياض الاستفادة من موقعه وعلاقاته، وما لديه من نفوذ مالي وإداري، لتشكيل كتلة من المؤيدين له، دفعت عباس لقبول استقالته في 14/4/2013، وتكليف رامي الحمد الله بدلاً عنه. أما في قطاع غزة فقد استمرت حكومة إسماعيل هنية بمواجهة مجموعة كبيرة من التحديات، أبرزها التحدي الاقتصادي نتيجة للحصار المفروض على القطاع، إلى جانب العدوان العسكري الإسرائيلي، كما تبادلت الاتهامات مع حكومة رام الله بالتسبب بزيادة معاناة القطاع، وتشويه صورة حماس. وفي النصف الثاني من سنة 2013 قامت حكومة هنية بعدد من المبادرات في اتجاه المصالحة الفلسطينية، والتي لقيت تجاوباً من قيادة فتح، حيث تمّ التوصل إلى اتفاق جديد بتفعيل المصالحة في 23/4/2014.
شهدت سنة 2012 إجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية، حيث اعتمدت لجنة الانتخابات المركزية في الضفة نتائج الانتخابات التي بلغت نسبة الاقتراع فيها 55%. وبدت نتائج الانتخابات المحلية باهتة وفاترة بحكم إعلان قوى المقاومة، وفي مقدمتها حركة حماس، عن مقاطعتها وعدم المشاركة فيها، ترشيحاً واقتراعاً، مما نزع طابع المنافسة الجادة عنها. وبالرغم من فوز فتح في معظم البلديات، إلا أن هذه الانتخابات عبرت عن حالة الانقسام الفتحاوي الداخلي، حيث فازت شخصيات وقوائم مفصولة من الحركة على القوائم الرسمية لفتح، كما في مدينة نابلس.
وقد شهد الوضع الفتحاوي الداخلي بروزاً لبعض الخلافات خصوصاً بين تيار الرئيس عباس وتيار محمد دحلان القيادي المفصول من الحركة. حيث واصل دحلان، مستفيداً من الدعم الإماراتي، ومن علاقاته الجيدة مع النظام المصري بعد الانقلاب على مرسي، ومن شبكة علاقاته الفتحاوية الواسعة، هجومه على عباس؛ غير أن عباس واجهه بحملة إعلامية عنيفة، كما تبادل عباس ودحلان الاتهامات بشأن المسؤولية عن استشهاد ياسر عرفات، الذي أشارت أبحاث خبراء سويسريين إلى تعرضه لنسبة عالية من السمّ الإشعاعي من مادة البولونيوم.
خلال سنتي 2012–2013 أعادت حماس ترتيب بيتها الداخلي، وأجرت انتخاباتها الداخلية. وكان مشعل أعلن مطلع سنة 2012 نيته عدم الترشح لرئاسة المكتب السياسي لحماس، غير أنه تحت الضغط الداخلي اضطر للتراجع. وفي 2/4/2013 أعلنت حماس في بيان رسمي عن قيام مجلس الشورى التابع للحركة بتجديد الثقة لمشعل كرئيس للمكتب السياسي لولاية تنظيمية جديدة.
واصلت السلطة الفلسطينية التزامها بالتنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية طيلة سنتي 2012 و2013 وهو تنسيق لم يترك آثاره السلبية على قوى المقاومة، وعلى العلاقات الفصائلية فحسب، بل إنه أحدث شروخاً بالغة في البنية النفسية والمجتمعية الفلسطينية. ونشرت حماس بياناً اتهمت فيه أمن السلطة بتنفيذ 1,262 اعتداء ضدّ أنصارها في الضفة خلال سنة 2012؛ وأنها قامت بـ 1,613 اعتداء آخر خلال سنة 2013. فيما أشارت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، إلى أن عدد الشكاوى المسجلة لديها، التي احتوت على انتهاك الحق في إجراءات قانونية عادلة، وتحديداً الاعتقال التعسفي والاعتقال على خلفية سياسية وصل 789 شكوى سنة 2012 في الضفة الغربية وقطاع غزة. توزعت الشكاوى على 563 شكوى في الضفة و226 شكوى في القطاع.
إن الخروج من الأزمة الداخلية الفلسطينية يقتضي وقفة جادة لتحديد مسارات العمل الوطني وأولوياته، والتوافق على الثوابت الفلسطينية؛ وحسم المسائل المرتبطة بمساري التسوية والمقاومة، ومستقبل السلطة الفلسطينية ودورها، وعلى برامج بناء الثقة، وعلى استيعاب الجميع في المشروع الوطني؛ وإلا فإن برامج المصالحة ستظلّ تحمل بذور أزمتها (أو حتى فشلها) في ذاتها.
ثانياً: المشهد الإسرائيلي الفلسطيني:
بقدر ما كان لدى المجتمع الإسرائيلي ما يكفي من أسباب للقلق سنة 2012 نتيجة الثورات والتغيرات في العالم العربي، ونتيجة مواجهة المقاومة لعدوانه على قطاع غزة، وتعثُّر مسار التسوية السلمية؛ فقد كان لديه ما يزيد عن القدْرِ نفسه من أسباب الارتياح سنة 2013، نتيجة حالة الإحباط التي صاحبت الثورات العربية، ونجاح الانقلاب في مصر، وانطلاق مسار التسوية السلمية مرة أخرى وفق الشروط الإسرائيلية، وتعثُّر مسار المصالحة الفلسطينية.
وأظهرت نتائج انتخابات الكنيست الـ 19 مطلع 2013 مزيداً من الجنوح نحو الاتجاهات اليمينية والاستيطانية المتطرفة. وقد نجح تحالف القائمة المشتركة بين الليكود و”إسرائيل بيتنا” في الحصول على 31 مقعداً فقط من أصل 120 مقعداً، محققاً المركز الأول، ومتيحاً لهما تشكيل الحكومة؛ ومع ذلك فإن هذا العدد من المقاعد مثّل تراجعاً عن مجموع المقاعد التي حصل عليها الحزبان عندما خاضا الانتخابات السابقة منفردين وهو 42 مقعداً. وفي الوقت الذي قوي وتعزّز التيار الاستيطاني اليميني داخل الليكود بقيادة موشيه فيجلين، فقد برز الحزب الاستيطاني المتطرف حزب البيت اليهودي الذي حصل على 12 مقعداً. كما حصد حزب جديد محسوب على يمين الوسط هو حزب “يش عتيد” برئاسة يائير لابيد 19 مقعداً. أما حزب كاديما فعانى من حالة انهيار هبطت بمقاعده من 28 مقعداً إلى مقعدين، بينما حافظت الأحزاب العربية على عدد مقاعدها. وقد شكل نتنياهو حكومة يمينية استيطانية، ولكن دون مشاركة الأحزاب الحريدية (الدينية المتزمتة). وقد عزّزت هذه الحكومة ظروف إفشال مشاريع التسوية السلمية، كما أقرت قانون الخدمة العسكرية أو المدنية، وهو ما رفضته الأحزاب الحريدية بشدة.
في نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2013 تمّ إجراء انتخابات محلية وبلدية، حيث تميزت بلا مبالاة الجمهور الإسرائيلي، الذي شارك بنسبة 35%، بينما شارك الوسط الفلسطيني بنسبة 75%؛ لكون هذه الانتخابات مؤشراً قوياً على مكانة العائلية والحمائلية (العشائرية). وقد أظهرت هذه الانتخابات تراجع مكانة وتأثير الأحزاب السياسية العربية، لصالح مكانة العشيرة والعائلة في الشأن البلدي المحلي؛ إذ لم تتجاوز نسبة أعضاء السلطات المحلية المنتمين لأحزاب وحركات سياسية الـ 9%؛ في الوقت الذي انهارت فيه مكانة الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة في معظم البلديات التي شاركت في انتخاباتها، وفي مقدمتها مدينة الناصرة.
وقد أقر الكنيست في 11/3/2014 قانون رفع نسبة الحسم في الانتخابات البرلمانية من 2% إلى 3.25%، بهدف التخلّص من الأحزاب والقوائم السياسية الصغيرة. وهذا يؤثر سلباً على الأحزاب العربية الممثلة في الكنيست، والتي سيخرج معظمها أو كلها من المشهد البرلماني الإسرائيلي ليصبح “برلماناً يهودياً”. ومن جهة أخرى، تمكن العرب الفلسطينيون في نهاية سنة 2013 من إفشال مخطط برافر الذي يهدف إلى ترحيل بدو النقب، والاستيلاء على أراضيهم.
ومن المتوقع أن تشهد السنتان القادمتان 2014–2015 صراعات داخل الحكومة بين الليكود و”إسرائيل بيتنا” وحزب يش عتيد على وجه الخصوص فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي – الاجتماعي. كما قد يتعزز الشرخ الاجتماعي في أعقاب إقرار التجنيد الإجباري على الحريديم.
وفي المؤشرات السكانية، قدّرت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية عدد سكان “إسرائيل” في نهاية سنة 2013 بنحو 8.134 ملايين نسمة، بينهم 6.102 ملايين يهودي، أي ما نسبته 75% من السكان. أما عدد السكان العرب، ومن ضمنهم سكان شرقي القدس والجولان، فقدرته الدائرة سنة 2013 بنحو 1.683 مليون، أي ما نسبته 20.7% من السكان. وإذا ما حذفنا عدد سكان شرقي القدس (308 آلاف تقريباً) والجولان (25 ألفاً تقريباً)، فإن عدد ما يعرف بفلسطينيي 1948 (أي المنطقة الفلسطينية المحتلة سنة 1948) يصبح نحو 1.35 مليون سنة 2013، أي نحو 16.6% من السكان.
وفي سنتي 2012 و2013 بلغ معدل النمو السكاني في “إسرائيل” 1.9%، وهو تقريباً المعدل نفسه منذ سنة 2003. وخلال سنة 2013 قدم إلى “إسرائيل” 16,882 مهاجراً، مقارنة بـ 16,558 و16,893 سنتي 2012 و2011 على التوالي. وتتوافق أرقام هذه السنوات مع المنحنى المتراجع للهجرة اليهودية منذ سنة 2000، بعد استنفاد الخزانات البشرية اليهودية المستعدة للهجرة الواسعة، واقتصار معظم يهود الخارج على بلدان متقدمة في أمريكا الشمالية وأوروبا، التي لا يجد يهودها حافزاً لهجرتها على نحو واسع. أما عدد الإسرائيليين المقيمين في الخارج إقامة دائمة فبلغ نحو 500-750 ألفاً.
ومن جهة أخرى، فقد بلغ عدد اليهود في العالم 13.855 مليون نسمة في نهاية سنة 2012، يعيش 82.6% منهم في الولايات المتحدة و”إسرائيل”. واستمرت ظاهرة توقف نمو عدد يهود العالم، باستثناء “إسرائيل”، وذلك نتيجة تدني نسبة النمو الطبيعي، وترك الدين اليهودي، وانتشار الزواج المختلط.
على المستوى الاقتصادي؛ قُدِّر الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2013 بـ 1,053.3 مليار شيكل (291.8 مليار دولار)، مقارنة بـ 993.4 مليار شيكل (257.5 مليار دولار) سنة 2012 و923.9 مليار شيكل (258.1 مليار دولار) سنة 2011. ووفق هذه التقديرات، فإن الناتج المحلي سجل نمواً بالعملة المحلية بلغ 6% و7.5% لسنتي 2013 و2012 على التوالي. أما عند احتساب نسبة النمو بالدولار، وبسبب تذبذب قيمة الشيكل مقابل الدولار، فإننا نجد أن نسبة النمو ستكون مختلفة، ولذلك يجب عدم المسارعة لاستنتاجات غير دقيقة. مع ملاحظة أن الإحصائيات التي نعرضها مستقاة من المصادر الرسمية الإسرائيلية.
وحسب الإحصائيات فإن معدل دخل الفرد الإسرائيلي سنة 2013 بلغ 130,756 شيكل (36,227 دولار)، مقارنة بـ 125,652 شيكل (32,569 دولار) سنة 2012.
وبلغت المصروفات العامة للحكومة الإسرائيلية لسنة 2013 نحو 309.544 مليار شيكل (85.761 مليار دولار)، بينما بلغت إيراداتها العامة لسنة 2013 نحو 268.36 مليار شيكل (74.35 مليار دولار). وارتفعت الصادرات الإسرائيلية لسنة 2013 بنسبة 5.4%، بينما انخفضت الواردات بنسبة 1.7%.
وظلت الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول لـ”إسرائيل”، حيث بلغت الصادرات الإسرائيلية إليها سنة 2013 نحو 17.637 مليار دولار (26.5% من مجمل الصادرات)، أما الواردات الإسرائيلية منها فبلغت نحو 8.153 مليارات دولار (11.3% من مجمل الواردات الإسرائيلية). وفي السنة نفسها احتلت الصين موقع ثاني أكبر شريك تجاري لـ”إسرائيل”، وتقدمت هونج كونج إلى المركز الثالث وتراجعت بلجيكا إلى المركز الرابع.
وعلى الرغم من أن “إسرائيل” تُعدُّ من الدول الغنية والمتقدمة، إلا أنها ما زالت تتلقى دعماً أمريكياً سنوياً بلغ سنة 2013 ما مجموعه 3.115 مليارات دولار، من بينها 3.1 مليارات دولار على شكل منحة عسكرية؛ وبذلك يبلغ ما تلقته “إسرائيل” من دعم أمريكي في الفترة 1949-2013 ما مجموعه نحو 118.244 مليار دولار.
وفي الجانب العسكري ازدادت المخاوف الإسرائيلية من المستقبل خلال سنتي 2012 و2013 بفعل تطورات “الربيع العربي”، بالتوازي مع تزايد تهديد منظمات المقاومة، التي أصبحت تمتلك قدرات عسكرية متزايدة نسبياً، إضافة إلى تزايد تهديد الحرب الإلكترونية، التي صنّفها الجيش كساحة “قتال خامسة”، تضاف للساحات البرية والبحرية والجوية والفضاء. إلا أن تجريد سورية من سلاحها الكيميائي، واحتمال التوصل إلى حلّ سياسي للأزمة النووية مع إيران، يُعدان تطوران إيجابيان في نظر الجيش الإسرائيلي.
وقد تمت المصادقة الإسرائيلية على تقليص الخدمة العسكرية الإلزامية أربعة أشهر، لتصبح 32 شهراً بدلاً من 36 شهراً. كما تمّ تعيين الكولونيل غسان عليان قائداً للواء جولاني للمشاة، وبذلك يكون أول ضابط عربي درزي يشغل هذا المنصب في تاريخ الجيش الإسرائيلي. وتابعت “إسرائيل” تطوير المنظومات المضادة للصواريخ، وخصوصاً السهم والقبة الحديدية والعصا السحرية. وقد بلغت الميزانية العسكرية الإسرائيلية 16.284 مليار دولار سنة 2013. وبلغت الصادرات العسكرية في سنة 2012 سبعة مليارات دولار.
تابعت “إسرائيل” في سنتي 2012 و2013 عدوانها على الشعب الفلسطيني، واستشهد في سنة 2013 ما مجموعه 49 فلسطينياً في الضفة والقطاع، بينما استشهد في سنة 2012 ما مجموعه 275 فلسطينياً. وقد جرح في سنة 2013 نحو 171 فلسطينياً، بينما بلغ عدد الجرحى في سنة 2012 نحو 1,966. ويُعزى ارتفاع عدد الشهداء سنة 2012 إلى العدوان الإسرائيلي على القطاع الذي أُطلق عليه إسرائيلياً عملية “عمود السحاب” وفلسطينياً عملية “حجارة السجيل” خلال الفترة 14-21/11/2012، وهو ما أفضى إلى 191 شهيداً و1,526 جريحاً، غالبيتهم من الأطفال والنساء والمسنين.
وقد أعقبها تهدئة استمرت طوال سنة 2013، حيث لم يطلق خلالها من القطاع في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية إلا 55 صاروخاً ومقذوفة مقابل 1,130 صاروخاً ومقذوفة في سنة 2012. كما استمرت “إسرائيل” في سنتي 2012 و2013 بإغلاقها لمعابر قطاع غزة وتشديدها للحصار. وعاشت الضفة الغربية تهدئة مشابهة، في ظلّ تزايد التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن في السلطة وجيش الاحتلال الإسرائيلي. وسجل الشاباك 1,271 عملية مقاومة في سنة 2013 مقابل 578 عملية سُجلت في سنة 2012 في الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس. وكانت معظم العمليات رشق حجارة وزجاجات حارقة. وفي المقابل سجل الأمن الإسرائيلي مقتل ستة إسرائيليين سنة 2013 نتيجة عمليات نفذها فلسطينيون، ومقتل عشرة آخرين سنة 2012. وجرح 44 إسرائيلياً سنة 2013، مقابل 309 جرحى سنة 2012.
وتعدّ سنتا 2012 و2013، على غرار السنين التي سبقتها من ناحية استمرار معاناة الأسرى. حيث وصل عدد الأسرى في سجون الاحتلال في نهاية سنة 2013 نحو 5,023 أسيراً، بينهم 17 أسيرة و154 طفلاً. وبلغ عدد الأسرى 4,408 من الضفة الغربية، منهم 163 من القدس، بالإضافة إلى 389 من قطاع غزة، و226 من فلسطينيي 1948 في “إسرائيل”، بالإضافة إلى عشرات المعتقلين العرب من جنسيات مختلفة. وقد رصدت دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين، اعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلي لـ 3,874 مواطناً فلسطينياً خلال سنة 2013.
تعاملت “إسرائيل” مع الملف الداخلي الفلسطيني خلال سنتي 2012-2013 بالاستراتيجية نفسها، الهادفة إلى تكريس الانقسام الفلسطيني والحيلولة دون إتمام المصالحة الفلسطينية. وقد فضلت “إسرائيل” الاستمرار في لعبة إدارة مشروع التسوية السلمية، دون أيّ سعي جاد نحو حلّ القضايا النهائية المتعلقة بها، في الوقت الذي تتابع فيه فرض الحقائق على الأرض من خلال برامج التهويد والاستيطان. وقد استؤنفت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في واشنطن في نهاية تموز/ يوليو 2013، وفق الشروط الإسرائيلية، ومن دون قرار رسمي من أغلبية أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة؛ ومن دون تلبية أيّ من الشروط، التي أكدت عليها قيادة منظمة التحرير طوال ثلاثة أعوام، مما يدل مرة أخرى على أن خيار المفاوضات الثنائية، هو الخيار الوحيد الذي تتبناه رئاسة المنظمة؛ وأن حديثها عما سواه ما هو إلاَّ أوراق ضغط، تستهدف تحسين شروط المفاوضات. لقد استؤنفت المفاوضات من دون الاتفاق على تجميد الاستيطان، ودون الاتفاق على مرجعية تنص على إقامة دولة على حدود 1967، ومن دون أيّ نصّ على مرجعية القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ومن دون ضمانات أمريكية. كما تمّ تجاهل قطاع غزة تماماً، بالإضافة إلى تقزيم الدور المصري في المفاوضات. وفرض الجانب الإسرائيلي أجندته في التركيز على الجانب الأمني. وكان الإنجاز الوحيد الذي حققه المفاوض الفلسطيني هو إطلاق سراح 78 من أسرى ما قبل اتفاق أوسلو.
وقد أظهر الطرف الأمريكي انحيازاً أكبر للجانب الإسرائيلي، وامتنع عن ممارسة أيّ ضغوط عليه. ولم تفلح جهود تسعة أشهر من التفاوض في الوصول إلى أيّ نتائج، ليتعثر مسار التسوية من جديد.
ثالثاً: القضية الفلسطينية والعالم العربي:
على الصعيد العربي، شكلت التغيرات السياسية الداخلية أبرز العوامل المؤثرة في القضية الفلسطينية خلال سنتي 2012 و2013، حيث إن تلك التغيرات أصابت بعض الدول الأكثر تأثيراً على البيئة الاستراتيجية الحاضنة للقضية، وخصوصاً مصر وسورية. وفي حين أسهم انطلاق العملية الانتقالية في سنة 2012 في عدد من الدول، وأبرزها مصر، في إظهار ما تملكه القضية الفلسطينية من حضور مؤثر في الشارع العربي، وبالتالي في تحديد أجندة السياسة الخارجية بالنسبة للمرشحين لتولي قيادة تلك المرحلة، إلا أن تعثر العملية الانتقالية وتصاعد الأزمات السياسية خلال سنة 2013 أدى إلى استنزاف الاهتمام العربي على المستويين الشعبي والرسمي، لتطغى الاهتمامات الداخلية على ما سواها.
ويمكن القول أيضاً إن محصلة تلك الأزمات أضعفت مجدداً قدرة الشارع على التأثير على صناعة القرار السياسي، معيدة حسابات المكاسب والخسائر لموقع الصدارة، ومعيدة معها فعالية المؤثرات الخارجية، التي بدا أنها تراجعت ولو بصورة مؤقتة نتيجة لما عُرف بـ”الربيع العربي” في سنة 2011. وهو ما أثار بالتالي الشكوك حول فرص اقتراب حدوث تغيير حقيقي، باتجاه بناء بيئة عربية حاضنة تدعم صمود الشعب الفلسطيني، وتدعم مقاومته وقدرته على مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية.
في مصر، تعززت خلال سنة 2012 البوادر الإيجابية التي ظهرت منذ ثورة 25 يناير تجاه القضية الفلسطينية، والتي بدا من خلالها أن مصر قادرة على أن تكون رافعة إيجابية وقوية لها. وكان لمصر بقيادة الرئيس مرسي دور قوي في دعم قطاع غزة سياسياً في وجه العدوان الإسرائيلي الكبير في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012؛ إلا أن الاستغراق المصري في ترتيبات الشأن الداخلي لم يمكن قيادتها في لعب أدوار أكثر فاعلية على المستوى الفلسطيني. ثم تعرض هذا الدور لانتكاسة مع تعطّل المسار الديموقراطي، وسيطرة الجيش على السلطة في تموز/ يوليو 2013، والذي تزامن مع إغلاق معبر رفح، ومع حملة إعلامية وسياسية قاسية، لم تستهدف فقط حركة حماس في قطاع غزة أو تيار “الإسلام السياسي”، وإنما تعدتها إلى التحريض وتأجيج المزاج الشعبي عموماً ضدّ الفلسطينيين كشعب ومقاومة ومواقف.
وبخلاف ذلك، لم يكن لمصر خلال سنتي 2012 و2013 حضور فاعل فيما يتعلق بجهود دعم التسوية الفلسطينية – الإسرائيلية، التي كانت تمثّل أحد أهم الملفات السياسة المصرية المتعلقة بالقضية الفلسطينية منذ توقيع مصر لاتفاق كامب ديفيد.
أما الأردن، فقد سعى الأردن خلال سنة 2012 إلى استعادة دوره في مسار المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، حيث بادر الملك عبد الله الثاني في مطلع تلك السنة إلى رعاية جولة مفاوضات “استكشافية” مباشرة بين الطرفين بهدف تقريب وجهات النظر. وعلى صعيد العلاقة مع حركة حماس، فقد أثمر الحراك الشعبي العربي تحسناً مؤقتاً فيها في سنة 2012 بعد وساطة قطرية، وذلك في إطار تحسن علاقات الحركة مع الأنظمة الرسمية العربية عموماً، إلا أن العلاقة تراجعت عقب الانقلاب العسكري في مصر، بالتزامن مع اتخاذ عدد من الدول العربية إجراءات سياسية وأمنية بحق الحركات الإسلامية في المنطقة.
من جهة أخرى، ألقى تواصل الأزمة السورية وتفاقمها خلال سنتي 2012 و2013 بتداعيات ثقيلة على القضية الفلسطينية، سواء على صعيد إضعاف الجبهة السورية في وجه “إسرائيل” سياسياً وعسكرياً واستراتيجياً، أم على صعيد الضحايا الفلسطينيين الذين سقطوا جراء القتال الدائر وقصف المخيمات الفلسطينية وحصارها، أم على صعيد علاقة النظام في سورية بفصائل المقاومة الفلسطينية وبحركة حماس تحديداً.
كما طالت تداعيات الأزمة السورية لبنان على أكثر من صعيد، من أبرزها خسارة حزب الله جزءاً كبيراً من الدعم الشعبي الذي كان يتمتع به باعتباره حركة مقاومة ضدّ “إسرائيل”، بسبب مشاركته في القتال في سورية دفاعاً عن النظام، من قِبل شريحة رأت في ذلك تورطاً في قمع ثورة الشعب السوري. ومن بين التداعيات الأخرى المتعلقة بالعلاقة اللبنانية – الفلسطينية نزوح أعداد من اللاجئين الفلسطينيين من سورية إلى لبنان، مما أثار بعض المواقف السلبية تجاههم، والحديث عن تورط فلسطينيين في بعض الأحداث الأمنية التي شهدها لبنان بعد دخوله كساحة مواجهة بين الأطراف المتقاتلة في سورية، وهو ما تمّ توظيفه من قبل بعض الأطراف للتحريض مجدداً ضدّ المخيمات الفلسطينية.
أما دول الخليج العربي فقد بدا في سنتي 2012 و2013 أنها كانت أكثر انشغالاً عن القضية الفلسطينية عما كانت عليه الحال في سنة 2011؛ حيث استحوذت ملفات الأزمة السورية، والأزمة السياسية في مصر في وقت لاحق، والاتفاق المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني على اهتمامها، واهتمام السعودية بشكل خاص. ولكن يمكن القول إن قطر حاولت أن توازن اهتمامها بالقضية الفلسطينية مع انشغالاتها الأخرى.
على صعيد التطورات المتعلقة بالتطبيع، بدا خلال سنة 2012 والنصف الأول من سنة 2013 أن الموقف الشعبي الذي عبّرت عنه الثورات العربية قد واصل تأثيره المعيق لفرص التطبيع الرسمي العربي مع “إسرائيل”، مع الإشارة إلى أن حجم التبادل التجاري بين “إسرائيل” وشركائها الاقتصاديين العرب الثلاثة الأبرز (مصر والأردن والمغرب) سجّل تراجعاً مستمراً خلال سنتي 2012 و2013. ولكن بعد الانقلاب العسكري في مصر، ومع تزايد الحملة ضدّ الإخوان المسلمين وحركة حماس في عدد من الدول العربية، ظهرت عدة مؤشرات إلى أن جوّ العداء الرسمي تجاه “إسرائيل” بدأ بالتراجع.
وبالرغم من تراجع مظاهر التطبيع مع “إسرائيل” خلال سنة 2011 إلا أن العلاقات الاقتصادية بين “إسرائيل” والأردن ومصر قد استمرت، ويظهر الجدول التالي حجم العلاقات التجارية بين “إسرائيل” وبعض البلدان العربية خلال الفترة 2012-2013.
رابعاً: القضية الفلسطينية والعالم الإسلامي:
حافظت القضية الفلسطينية طوال سنتي 2012-2013، على جانب من اهتمامات العالم الإسلامي، وانعكست تطورات “الربيع العربي” في المنطقة، على محاولات تركيا وإيران للعب دور إقليمي أكثر حيوية والإسهام في بناء خرائط إقليمية، لها تأثيراتها المباشرة على القضية الفلسطينية.
استمرت منظمة التعاون الإسلامي خلال سنتي 2012-2013 في دعمها التقليدي للقضية الفلسطينية، سواء عبر البيانات الرسمية، أم من خلال الدعم الدبلوماسي في المحافل الدولية لقضايا الشعب الفلسطيني، كدعم منظمة التعاون الإسلامي جهود السلطة الفلسطينية للاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة. إلا أن هذا الأداء ذو الطبيعة البيروقراطية الرسمية غير المؤثرة، ما زال غير متناسب مع وزن هذه المنظمة الدولي كأحد أكبر المنظمات الدولية.
أما بالنسبة لتركيا فقد أعادت تعريف دورها الإقليمي في ضوء الثورات والتغيرات في العالم العربي، مما جعل من سياسة “صفر مشاكل” غير موجودة في قاموسها السياسي الحالي، خصوصاً مع استمرار الثورة السورية ومفاعيلها. وفي هذه الأجواء، شهدت العلاقات التركية الفلسطينية خلال سنتي 2012-2013 تقدماً ملحوظاً خصوصاً مع حركة حماس، التي اتخذ بعض قياداتها من تركيا مقراً لهم بعد خروجهم من سورية. واستمرت حكومة أردوغان في التعامل الرسمي مع حكومة تسيير الأعمال التي تقودها حماس في قطاع غزة، واستمرت تركيا في الدفاع عن حماس كحركة سياسية غير إرهابية. كما تواصلت السياسة التركية الإيجابية مع الحكومة الفلسطينية في رام الله خلال سنتي 2012-2013؛ من خلال الزيارات الرسمية المتبادلة، والدعم الدبلوماسي لتحركات السلطة الفلسطينية في المحافل الدولية.
وعلى صعيد العلاقات التركية الإسرائيلية، اضطرت “إسرائيل” للاعتذار لتركيا في 22/3/2013 عن الهجوم الذي شنته على سفينة مافي مرمرة التركية. وبالرغم من قبول تركيا للاعتذار، إلا أنها ما زالت ترى بأن تطبيع العلاقات مع الجانب الإسرائيلي يواجه عائقاً متعلقاً برفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة.
أما بالنسبة للعلاقات الاقتصادية التركية الإسرائيلية، فإنه من الواضح بأن الحكومة التركية أدارت علاقاتها التجارية مع “إسرائيل”، إلى درجة كبيرة، بمعزل عن مواقفها وإجراءاتها السياسية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن سنة 2013 قد شهدت تقدماً ملحوظاً في حجم التبادل التجاري، إذ قُدر بنحو 25% عن سنة 2012، بعد أن كانت سنة 2012 قد سجلت تراجعاً قدره نحو 9% عن سنة 2011.
أما إيران فقد تابعت دعمها للقضية الفلسطينية وقوى المقاومة، واستمرت في إعلان عدائها لـ”إسرائيل”؛ وأيدت الاعتراف الدولي بفلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة. وفي الوقت نفسه، ومع انتخاب روحاني رئيساً للجمهورية في صيف 2013، حاولت إيران استخدام لهجة أكثر انفتاحاً مع الغرب، وتوصلت إلى اتفاقٍ بشأن برنامجها النووي مع الدول الغربية.
ومن الملاحظ أن استمرار التباين في المواقف بين إيران وحركة حماس حول ما يجري في سورية ما زال يلقي بظلاله على العلاقة بين الطرفين. وعلى الرغم من التصريحات والمواقف من الطرفين التي تؤكد على عدم القطيعة، وعلى استمرار التواصل بينهما، إلا أنه لوحظ انقضاء سنة 2013 من دون أن تعود العلاقات بين إيران وحماس إلى حرارتها السابقة. مما انعكس ضعفاً في التواصل السياسي، وتراجعاً كبيراً في الدعم المالي واللوجيستي الإيراني لحماس. غير أن كلا الطرفين تجنبا القطيعة؛ واستمرت المحاولات لاستعادة العلاقات وإن ببطء وتدرج.
أما فيما يتعلق بماليزيا فقد حافظت خلال سنتي 2012–2013 على دعمها لحقوق الشعب الفلسطيني وفق الشرعية الدولية، فاستمرت في رفض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، ودعمت جهود المصالحة الداخلية الفلسطينية، كما دعمت جهود قيادة المنظمة لرفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة. وسجلت سنتي 2013–2012 تقدماً واضحاً في مستوى الدعم الرسمي والشعبي الماليزي للشعب الفلسطيني عموماً، ولقطاع غزة خصوصاً.
أما بالنسبة للتبادل التجاري بين العالم الإسلامي و”إسرائيل”، فقد استمرت خلال سنتي 2012-2013 على الوتيرة السابقة نفسها مع ارتفاع ملحوظ في تجارة تركيا وماليزيا مع “إسرائيل”، وهنا تجدر الإشارة إلى التقدم الملحوظ في حجم التبادل التجاري بين “إسرائيل” وماليزيا.
خامساً: القضية الفلسطينية والوضع الدولي:
إذا استثنينا حصول فلسطين على مقعد “دولة غير عضو” في الأمم المتحدة، واستمرار تراجع تأييد الرأي العام الدولي لـ”إسرائيل”، فإن سنتي 2012 و2013 اتسمتا بتواري القضية الفلسطينية خلف التطورات الإقليمية والدولية. وسواء تعلق ذلك بتطورات “الربيع العربي”، أم بتوجهات التركيز الأمريكي على جانبي المحيط الهادي، أم بالسعي الروسي والصيني لدورٍ يؤسس لنظام متعدد القطبية أو على الأقل يضعف القطبية الأحادية الأمريكية؛ فإن هذه التحولات الجذرية، قد تعني أن القضية الفلسطينية قد تدخل في بيئة دولية، ستنعكس عليها بقوة خلال السنوات القادمة، وبأن صانع القرار الفلسطيني يجب أن يضع ذلك في صُلب اعتباراته.
بالنسبة للنشاط الدبلوماسي للجنة الرباعية الدولية (الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وروسيا) فيمكن تلخيصه في عدم القدرة على التعبير عن إرادة دولية، تفرض حلاً على الأطراف بالقضية الفلسطينية. ويظهر أنه ما زال لدى “إسرائيل” درجة عالية من الاطمئنان للاستمرار في احتلالها، والتصرف كدولة “فوق القانون” وفوق المواثيق الدولية.
لم تخرج الجهود الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية عن رتابتها المعتادة، ولم تقم بجهود استثنائية حتى منتصف سنة 2013 عندما تمكنت من تحصيل الموافقة الفلسطينية والإسرائيلية على استئناف المفاوضات؛ وحاولت أن تعطيها زخماً كبيراً من خلال تشجيع الآمال بإحداث اختراق مهم على شكل اتفاق إطار أو “أوسلو جديد”، ومن خلال توظيف الاقتصاد السياسي والمغريات المالية؛ غير أنها لم تقدم مشروعاً للحل، ولم تلتزم رسمياً بأي تصور تجاه قيادة المنظمة. وبينما أصيبت جهودها الدبلوماسية بالإحباط، كانت تتزايد المشاعر الرسمية الأمريكية بضرورة ألا “تبتلع” الأحداث في الشرق الأوسط كل أجندة أعمالها. وظلت العقدة الأمريكية أنها ترغب في الوصول لحل يعتمد أساساً على تنازلات حليفها الإسرائيلي، الذي لا ترغب بالضغط عليه.
حاول المسؤولون الأمريكيون التأكيد على أنه لا علاقة بين أسباب انفجار “الربيع العربي” والصراع العربي الصهيوني؛ لأن الربط بينهما سيقود إلى مزيد من الضغط على الطرف الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه أمضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين اتفاقهم مع إيران بشأن ملفها النووي، بغض النظر عن الانزعاج الإسرائيلي. ولم تُعِر بالمقابل اهتماماً بقرار الأمم المتحدة بضرورة إخضاع البرنامج النووي الإسرائيلي لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي ساندته 176 دولة. ومن الجدير بالذكر أن ظاهرة تزايد نشاط المئات من الجماعات المناهضة لـ”إسرائيل” التي تعمل في الولايات المتحدة أصبحت مقلقة لـ”إسرائيل”؛ حيث تنامت هذه الحركات خصوصاً في انتفاضة الأقصى، وبعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 2008/2009.
ظلّ الموقف الأوروبي متسقاً مع الموقف الأمريكي خلال سنتي 2013–2012، ولكنه أظهر تمايزاً عن الموقف الأمريكي في موضوع الاستيطان الإسرائيلي، حيث شدد رفضه للاستيطان، ومقاطعة منتجات المستعمرات الإسرائيلية. وظهر تباين في المواقف الأوروبية من الموافقة على فلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة، وقد صوتت لصالح القرار 17 دولة أوروبية، منها النمسا وفرنسا وإيطاليا والنرويج وإسبانيا. وامتنعت دول أخرى مثل بريطانيا وألمانيا عن التصويت، ولم تعارضه إلا جمهورية التشيك.
أما مجموعة دول البريكس التي تضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، والتي تمثل قوة عالمية صاعدة (حيث تملك نحو 23% من الناتج العالمي، وتضم 42% من سكان العالم، ومسؤولة عن 33% من النمو في الناتج العالمي، وتختزن 42% من الاحتياطي النقدي العالمي)، فإنها تؤكد تأييدها لتسوية النزاع على أساس قرارات الأمم المتحدة ومبادئ مدريد والمبادرة العربية. وتحث المجموعةُ “اللجنةَ الرباعية على تكثيف جهودها، وتدعو لدور أكبر لمجلس الأمن، وموقفها من القدس أكثر وضوحاً، وتخلو بياناتها من فكرة تبادل الأراضي، كما تخلو من عبارة “ما يتفق عليه الطرفان” التي يلصقها الأمريكان والأوروبيون ببعض القضايا، كاللاجئين والحدود والقدس؛ وتبدو بيانات البريكس أيضاً أكثر تجنباً لإدانة حركة حماس.
يلاحظ من متابعة نشاطات الأمم المتحدة أن السمة العامة لدورها في الموضوع الفلسطيني هي استمرار المواقف التقليدية لها في أغلب الموضوعات التي تمّ طرحها خلال السنتين 2012 و2013. غير أن التغير “النسبي” برز في قرار الأمم المتحدة في 29/11/2012 بقبول فلسطين “دولة غير عضو” في الأمم المتحدة، وهو أمر يمثل تطوراً قانونياً وإضفاء شرعية أكبر على الكيان الفلسطيني، لكن ذلك لم يغير من الاتجاه العام للسلوك السياسي لأي من أطراف الصراع المباشرين أو غير المباشرين. وقد صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات تؤكد حقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وسيادته على موارده، وترفض الاستيطان اليهودي في الأرض المحتلة سنة 1967.
وعند النظر في مستويات التأييد لقرارات الأمم المتحدة (الجمعية العامة)، يتبين أن المعدل العام لتأييد الحقوق الفلسطينية في سنة 2012 هو 155 دولة، بينما كان المعدل العام للتأييد في سنة 2013 هو 142 دولة؛ أي أن المعدل تراجع (غير أن ذلك له صلة بطبيعة القرارات المتخذة). أما معدل معارضة الحقوق الفلسطينية فكان سبع دول، غلب عليها طابع الدويلات الصغيرة مثل ميكرونيزيا، وجزر المارشال، وناورو، وبالاو؛ وكانت الولايات المتحدة داعماً ثابتاً، كما تكرر تصويت كندا، وأستراليا، والتشيك، وبنما إلى جانب “إسرائيل”.
أما عند مقارنة اتجاهات الرأي العام الدولي في سنة 2012 مع سنة 2013، فيتضح أن الموقف السلبي من “إسرائيل” ارتفع بنسبة 2%، بينما تراجع الموقف الإيجابي بنسبة 1%، وهذ يعطي مؤشرات مقلقة لـ”إسرائيل” على المدى البعيد.
سادساً: الأرض والمقدسات:
تواصل العدوان الإسرائيلي الكبير على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس خصوصاً، وفي فلسطين التاريخية عموماً، وأكدت التطورات مجدداً أن تهويد القدس هو أحد الأولويات الأساسية بالنسبة لـ”إسرائيل”، كما تزايد النشاط الإسرائيلي لتحقيق تقسيم دائم للمسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، على مستوى الجمعيات اليهودية والمستوى الرسمي على حدّ سواء، إلى حدّ بات يمكن القول فيه بأن هناك سعياً إسرائيلياً لاقتسام المسجد “زمنياً”، بطريقة تتيح دخول اليهود ضمن مجموعات صغيرة بشكل يومي “روتيني” في غير أوقات صلاة المسلمين.
جاءت انتخابات الكنيست الإسرائيلي في 22/1/2013 لتمنح جماعات “المعبد” (التي تخطط للاستيلاء على الأقصى) تأثيراً سياسياً أكبر. ومع تشكيل الحكومة المنبثقة عن تلك الانتخابات بات لهم عدد من الوزراء ونواب الوزراء. وقد شكلت هذه الجماعات “الائتلاف من أجل المعبد”، الذي بدأ نشاطه الفعال في 21/3/2013، بمشاركة 19 مؤسسة مسجلة رسمياً. وأصبح هناك توافق بين مختلف الأطياف الصهيونية لتطبيق خطة “القدس القديمة” المعروفة باسم “كيدم يروشلايم”، بشأن القيام بإنشاءات في محيط المسجد الأقصى، وبالذات في المنطقة المحيطة بحائط البراق؛ وقد أُقر في 13/2/2012 مخطط بناء المشروع الأهم والأكبر في “خطة القدس القديمة”، الذي يُعرف بـ”مركز القِدَم”.
زاد عددها الحفريات والأنفاق أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه، من 41 حفرية في 21/8/2011 إلى 47 حفرية في 1/8/2013. ويظهر أن الجهد طوال سنة 2013 قد انصب على أعمال وصل تلك الحفريات ببعضها البعض، وتأهيلها للزوار، لتشكل مدينة سياحية متكاملة تحت الأرض. وخلال سنة 2012، أحصت مؤسسة التضامن 18 اعتداء على المقدسات، معظمها كانت من تنفيذ حركة دفع الثمن الاستيطانية المتطرفة، إضافة إلى دمار كلي أو جزئي لحق بـ 34 مسجداً خلال عملية عمود السحاب أو حجارة السجيل على قطاع غزة. كما أحصت المؤسسة 13 اعتداء خلال سنة 2013. وكثفت قوات الاحتلال القيود التي تفرضها على المصلين في المسجد الأقصى، وتصاعدت ممارسات منع موظفي الأوقاف من دخوله. واستمر تعرّض مقبرة مأمن الله غرب البلدة القديمة للقدس للانتهاك، وتواصلت أعمال الحفر فيها لتأسيس “مركز الكرامة الإنسانية – التسامح”. وقد كشفت مؤسسة الأقصى في 19/3/2013 عن عشر مخططات تهويدية للمقبرة، تبتلع بالكامل مساحة الـ 25 دونماً المتبقية منها.
شهدت سنتا 2012–2013 وتيرة منتظمة للاستيطان خلالهما، إذ أقر خلال سنة 2012 بناء 12,244 وحدة سكنية، بينما شهدت سنة 2013 إقرار 11,066 وحدة سكنية جديدة في مختلف أنحاء الضفة الغربية. وحسب معهد الأبحاث التطبيقية (أريج)، ففي الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2012، نفذت “إسرائيل” أعمال توسع في 151 مستعمرة (من أصل 199 مستعمرة إسرائيلية في الضفة الغربية). وخلال سنة 2013، صادرت “إسرائيل” ما مساحته 10,800 دونم من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة للاستعمالات العسكرية والاستيطانية المختلفة، من بينها 196 دونماً شرقي القدس.
وأشارت الأرقام الصادرة عن أريج إلى ارتفاع عدد المستوطنين الإسرائيليين القاطنين في المستعمرات الإسرائيلية من 240 ألف مستوطن سنة 1990 إلى أكثر من 656 ألف مستوطن سنة 2012، ويقطنون في 196 مستعمرة إسرائيلية، و232 بؤرة استيطانية موزعة في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما في ذلك تلك التي تمّ إقامتها في شرقي القدس. وطبقاً لأريج فإن عدد المستوطنين في الضفة الغربية بلغ 693 ألف مستوطن سنة 2013. أما المعطيات الإسرائيلية فتشير إلى أن عدد المستوطنين بلغ سنة 2013 نحو 570 ألفاً.
وقد قام الإسرائيليون بتنفيذ عشرات الاعتداءات على المزارعين الفلسطينيين ومحاصيلهم الزراعية. وفي سنة 2013، قامت قوات الاحتلال والمستوطنون باقتلاع ما يزيد عن 13,057 شجرة مثمرة منها 880 شجرة في شرقي القدس. كما تقوم السلطات الإسرائيلية باستنزاف منهجي للأحواض المائية الجوفية في الضفة الغربية، وتستهلك أكثر من 80% من مياه الضفة، بينما تحرم الفلسطينيين من احتياجاتهم المائية الأساسية، بل وتقوم ببيعهم المياه التي تصادرها من أرضهم.
تابعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عمليات هدم منازل الفلسطينيين وطرد السكان من منازلَ ومبانٍ عامة، في منطقة ج في الضفة الغربية (وهي المنطقة الخاضعة لسيطرة عسكرية ومدنية إسرائيلية كاملة)، وكذلك في شرقي القدس. وقامت خلال سنة 2012 بهدم نحو 540 مبنى، بينما هدمت 267 منزلاً خلال سنة 2013. ولم تُوافق سلطات الاحتلال إلا على 5% من طلبات رخص البناء التي تقدم بها الفلسطينيون في المنطقة ج.
أما الجدار العنصري العازل في الضفة الغربية فقد استكملت السلطات بناء 495 كم منه (64% من الطول الكلي للجدار)، وهناك 55 كم من الجدار (7%) تحت البناء؛ وهناك 224 كم من الجدار (29%) ما تزال في مرحلة التخطيط. وقد تلقى سجل الأمم المتحدة للأضرار حتى تموز/ يوليو 2012 أكثر من 26 ألف شكوى من حدوث ضرر مادي ناجم عن بناء الجدار في شمال الضفة الغربية. وتعرضت مصادر العيش الزراعية لما يقرب من 150 تجمعاً فلسطينياً للتقويض بشدة بسبب نظام التصاريح والبوابات، التي تقيد قدرتهم على الوصول إلى أراضيهم الزراعية الواقعة وراء الجدار.
من جهة أخرى، واصل الاحتلال الإسرائيلي سياسة تعزيز نفوذه وتسهيل حياة مستوطنيه في الضفة الغربية؛ من خلال التوسع في بناء ما يعرف بـ”الطرق الالتفافية” التي يبلغ طولها نحو 900 كم؛ بينما توجد خطط بشق طرق جديدة يقدر طولها بنحو 600 كم. وفي المقابل، فقد استمرت سلطات الاحتلال في إعاقة حركة السكان في الضفة من خلال 542 حاجزاً منتشرة في أرجائها.
وما زال قطاع غزة يشهد حصاراً قاسياً، ويحرم من الحصول على احتياجاته العادية، ويتم تعويق عمليات التنمية أو تحديث البنى التحتية، ويُحرم أبناؤه من حرية التنقل، كما يتم التضييق على الصيد البحري، وكافة مناشط الحياة الاقتصادية.
سابعاً: المؤشرات السكانية الفلسطينية:
تُشير التقديرات إلى أن عدد الفلسطينيين في العالم بلغ في نهاية سنة 2013 نحو11.807 مليون نسمة؛ نصفهم، أي 5.891 ملايين نسمة (49.9%)، يعيشون في الشتات. والنصف الباقي، أي 5.916 ملايين نسمة (50.1%) يقيمون في فلسطين التاريخية، ويتوزعون إلى نحو 1.43 مليون نسمة في الأراضي المحتلة سنة 1948، ونحو 4.485 ملايين نسمة في أراضي سنة 1967، يتوزعون إلى 2.755 مليون في الضفة الغربية (61.4%)، و1.731 مليون في قطاع غزة (38.6%).
أما في الأردن، فقد قُدّر عدد الفلسطينيين في نهاية سنة 2013 بنحو 3.535 ملايين نسمة، يشكّلون نحو 29.9% من الفلسطينيين في العالم (نحو 60% من فلسطينيي الشتات)، وغالبيتهم العظمى يحملون الجنسية الأردنية. وقُدّر عدد الفلسطينيين في بقية الدول العربية بنحو 1.691 مليون نسمة، يشكلون ما نسبته 14.3% من مجموع الفلسطينيين في العالم، يتركز معظمهم في الدول العربية المجاورة، أي في لبنان وسورية، ومصر، ودول الخليج العربي. وقُدّر عدد الفلسطينيين في الدول الأجنبية بنحو 665 ألف نسمة، يشكلون ما نسبته 5.6% من مجموع الفلسطينيين في العالم، يتركز معظمهم في الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية وكندا وبريطانيا وباقي دول الاتحاد الأوروبي.
وما زال اللاجئون يشكلون أكثر من ثلثي تعداد الفلسطينيين في العالم، فبالإضافة إلى نحو 5.891 ملايين فلسطيني في الخارج، هناك نحو 1.924 مليون لاجئ يقيمون في الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلاً عن نحو 150 ألف لاجئ طردوا من أرضهم، لكنهم ما زالوا مقيمين في فلسطين المحتلة سنة 1948؛ وبالتالي فإن مجموع اللاجئين الفلسطينيين يصل إلى نحو 7.872 مليون لاجئ، أي نحو 68.1% من مجموع الشعب الفلسطيني وذلك لسنة 2012. أما أعداد اللاجئين المسجلين في سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فبلغ في 1/7/2013 نحو 5.351 ملايين نسمة. مع التأكيد على أن هناك الكثير من اللاجئين الذين لم يسجلوا أنفسهم لدى الأونروا لعدم حاجتهم لخدماتها، أو لعدم وجودهم في أماكن عملها كبلدان الخليج وأوروبا وأمريكا.
وتظهر قراءة المؤشرات الديموغرافية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، في نهاية سنة 2013، أن نسبة الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً بلغت 39.9%، مع وجود اختلاف واضح بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد بلغت النسبة 37.7% في الضفة مقابل 43.3% في القطاع. كما قُدّرت نسبة الأفراد كبار السن (الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً فأكثر) بـ 2.9%، بواقع 3.2% في الضفة، و2.4% في القطاع.
وحافظ النمو السكاني في الضفة والقطاع في سنة 2013 على معدلاته السابقة، فبلغ 2.9% (2.6% في الضفة و3.4% في القطاع)، وبلغت 2.5% لفلسطينيي 1948. وإذا ما استمر التزايد وفق هذه النسب للسنوات التالية مقارنة بنسبة تزايد اليهود البالغة 1.7%، فإن عدد السكان الفلسطينيين واليهود في فلسطين التاريخية سيتساوى تقريباً خلال سنة 2016؛ حيث سيبلغ عدد كل من الفلسطينيين واليهود نحو 6.42 ملايين تقريباً. وستصبح نسبة السكان اليهود نحو 48.9% فقط من السكان في سنة 2020، حيث سيصل عددهم إلى 6.87 ملايين يهودي مقابل 7.18 ملايين فلسطيني.
ثامناً: الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة:
لم تحمل سنتا 2013–2012 جديداً على صعيد تغيير الوضع القائم من ناحية تبعية الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة للاقتصاد الإسرائيلي بشكل مباشر، وعزله عن العالم الخارجي العربي والدولي، من خلال سيطرة الاحتلال على كافة المنافذ الدولية والمعابر الحدودية الفلسطينية، إضافة إلى تركز العلاقة التجارية الخارجية مع “إسرائيل”. حيث يشكّل حجم التبادل التجاري معها سنة 2012 (3,990 مليون دولار) نحو 72.8% من إجمالي حجم التبادل التجاري الخارجي للسلطة (5,480 مليون دولار)، وتشكّل عمليات الاستيراد معظمه (3,351 مليون دولار)، في حين تبقى عمليات التصدير محدودة للغاية (639 مليون دولار)، مما يلحق ضرراً شديداً بالاقتصاد الفلسطيني، ويجعل ميزان التبادل التجاري مختلاً لصالح الاحتلال باستمرار، وبشكل كبير.
واستمرت معاناة الاقتصاد الفلسطيني من الحصار وإغلاق المعابر المفروض على قطاع غزة منذ سنة 2007، حيث تمّ وقف العمل في ثلاثة من أصل أربعة معابر تجارية بشكل نهائي، ليقتصر العمل على معبر كرم أبو سالم.
وبالانتقال إلى المؤشرات الاقتصادية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن الناتج المحلي الإجمالي ارتفع من 6,797.3 مليون دولار سنة 2012 إلى 6,896.7 مليون دولار سنة 2013 أي بمعدل سنوي قدره 5.9%، 1.5% للسنتين المذكورتين على التوالي وبمتوسط قدره 3.7%؛ مع ضرورة الانتباه إلى أن هذه الأرقام محتسبة بالأسعار الثابتة بناء على أن سنة الأساس هي سنة 2004. أما إذا احتسب الناتج لسنة 2013 بالأسعار الجارية فسيكون 11,297 مليون دولار. وهو مبلغ يبقى منخفضاً جداً قياساً بالناتج المحلي الإسرائيلي الذي يزيد عنه بنحو 26 ضعفاً، وهو ما يؤكد بشاعة الاحتلال وبشاعة إجراءاته بحق فلسطين وشعبها.
وقد بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (بالأسعار الثابتة) 1,679.3 دولار و1,660 دولار لسنتي 2012 و2013 على التوالي، وبمعدل نمو نسبته 2.7% سنة 2012 وتراجع سالب قدره 1.1% سنة 2013، أي بمتوسط سنوي 0.8%. ولكن التفاوت بين الضفة الغربية وقطاع غزة كان واضحاً في هذا المؤشر أيضاً، حيث بلغ معدل دخل الفرد سنة 2013 نحو 2,035.6 دولار في الضفة، مقارنة بنحو 1,114.4 دولاراً في القطاع. أما عند احتساب نصيب الفرد بالأسعار الجارية فسيكون 2,534 دولاراً و2,719 دولاراً لسنتي 2012 و2013 على التوالي.
هذا النمو وإن كان يبدو إيجابياً، إلا أن اقترانه باستمرار الدعم الخارجي، وبقاء مستويات البطالة عند معدلات مرتفعة جداً، يعني أنه لا يشير بالضرورة إلى نمو حقيقي. حيث بلغت نسبة البطالة في الضفة والقطاع 23.4% سنة 2013، مقارنة بـ 23% سنة 2012. مع العلم أن حالة البطالة تتفاوت بين الضفة والقطاع، ففي سنة 2013 بلغت نسبة البطالة 32.6% في القطاع، مقابل 18.6% في الضفة، بينما في سنة 2012 بلغت نسبة البطالة 31% في القطاع مقابل 19% في الضفة.
وقد ارتفع صافي إجمالي الإيرادات العامة للسلطة الفلسطينية خلال سنة 2013 بنسبة 3.6% مقارنة بسنة 2012، حيث بلغ نحو 2,320 مليون دولار سنة 2013، مقارنة بنحو 2,240 مليون دولار سنة 2012. وبلغ إجمالي النفقات العامة للسلطة، بما فيها النفقات التطويرية، نحو 3,419 مليون دولار لسنة 2013، مقارنة بـ 3,258 مليون دولار سنة 2012، بنسبة ارتفاع قدرها 4.9%. وقد بلغت قيمة عجز الموازنة 1,099 مليون دولار سنة 2013، مقارنة بعجز قيمته 1,018 مليون دولار سنة 2012. وبلغت قيمة الدعم الخارجي (بما في ذلك التمويل التطويري) 1,358 مليون دولار سنة 2013 مقارنة بـ 932 مليون دولار سنة 2012.
وفي ظلّ اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس والممارسات الإسرائيلية الهادفة إلى تحجيم الاقتصاد الفلسطيني، وتكريس تبعيته للاحتلال الإسرائيلي، فإن احتمالات حدوث نمو اقتصادي حقيقي، أو تصحيح جوهري على مسار هذا النمو خلال المرحلة القادمة تبدو مستبعدة.
تاسعاً: الوضع التعليمي في الضفة الغربية وقطاع غزة:
يمثل الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة أحد أكثر الحالات تقدماً في العالم العربي من حيث نسبة محو الأمية والمتعلمين، حيث بلغت 95.9% و96.3% في سنتي 2012 و2013 على التوالي. ولا ينافس الحالة الفلسطينية في هذه النسبة في العالم العربي إلا قطر.
بلغ مجموع المدارس التي تغطي التعليم الأساسي (الابتدائي والإعدادي) والثانوي 2,784 مدرسة، موزعة على 2,094 مدرسة في الضفة الغربية، و690 مدرسة في قطاع غزة، للعام الدراسي 2013/2014؛ وبلغ عدد الطلبة في مدارس التعليم الأساسي والثانوي للعام الدراسي 2013/2014 نحو 1.152 مليون طالب موزعين على 571,908 طلاب من الذكور، و579,794 طالبة من الإناث. أما عدد المعلمين في هذه المدارس فقد بلغ 63,017 معلماً في العام الدراسي 2013/2014.
ويبلغ مجموع الطلاب الجامعيين للعام الدراسي 2012/2013 في الضفة الغربية وقطاع غزة 123,484 طالباً موزعين على 68,548 طالباً في الضفة؛ و54,936 طالباً في القطاع؛ وبنسبة طالبات بلغت 58.2%، مقابل 41.8% من الطلاب الذكور. وتعد جامعة النجاح الوطنية في نابلس أكبر هذه الجامعات، حيث يُظهر العام الدراسي نفسه أن عدد طلبتها قد بلغ 21,327 طالباً، تليها الجامعة الإسلامية في غزة بـ 19,938 طالب، ثم جامعة الأقصى في قطاع غزة بـ 17,094 طالباً.
وتوفر جامعة القدس المفتوحة تعليماً جامعياً مفتوحاً لـ 61,592 طالباً للعام الدراسي 2012/2013 بينهم 21,811 من الذكور، و39,781 من الإناث. وبحسب الأرقام المتوفرة لدى وزارة التربية والتعليم العالي، فإن هناك 34 كلية جامعية ومتوسطة تقدم التعليم لـ 28,505 طلاب للعام الدراسي 2012/2013؛ من بينها 15 كلية جامعية يدرس فيها 16,232 طالباً وتمنح طلبتها درجة البكالوريوس، و19 كلية متوسطة يدرس فيها 12,273 طالباً، وتمنح طلبتها شهادة الدبلوم المتوسط.
للاطلاع على الملخص التنفيذي، اضغط على الرابط التالي: >> الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2012-2013 والمسارات المتوقعة لسنة 2014 (37 صفحة، 7.1 MB) >> الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2012-2013 والمسارات المتوقعة لسنة 2014 (37 صفحة، 1.6 MB)* |
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 15/5/2014
أضف ردا