الصفحات الخمس الأولى من الفصل الثالث: “المستوطنون الصهاينة في الضفة الغربية: أطوار الإرهاب وأشكاله” (نسخة نصيّة HTML)
النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل … للاطلاع على الفصل الثالث كاملاً اضغط هنا (299 صفحة، 2.1 MB)
الفصل الثالث: المستوطنون الصهاينة في الضفة الغربية: أطوار الإرهاب وأشكاله
أولاً: أطوار الإرهاب:
يعود إرهاب المستوطنين اليهود في فلسطين إلى ثمانينيات القرن الـ 19، باعتبار أن المستعمرة لا تعني سكناً أو مأوى أو مكان إقامة فحسب، بل تعني بيتاً وقرية ومدينة ودولة، تتوفر فيها الاحتياجات اللازمة لقاطنيها في السلم والحرب. وفي مقدمة تلك الاحتياجات، الأسلحة، فكانت المستعمرات ثكنات عسكرية في أغلب الأوقات. وقد ربط الزعيم الصهيوني زئيف فلاديمير جابوتنسكي الاستيطان بالقوة المسلحة عندما قال: “الصهيونية هي الاستيطان، وهي تحيا وتموت مع القوة المسلحة”.
وفي هذه المستعمرات، تلقى المستوطنون التدريب على أعمال القتل والتخريب والإرهاب، ومنها انطلقت معظم المنظمات الإرهابية لترتكب المجازر وتسفك الدماء وتقوم بحملات الاستيلاء على الأراضي. ومن هذه المنظمات، خرج كبار الإرهابيين الذين قادوا عمليات القتل والمجازر ضدّ الفلسطينيين، ومنهم من تزعم عمليات الاستيطان والاستيلاء على الأراضي، وأغلبهم تسلم مناصب رفيعة في الحكومة والجيش والكنيست بعد سنة 1948.
1. خلفية تاريخية:
شكلت المستعمرات اليهودية مصدر احتكاك واستفزاز دائمين للمواطنين الفلسطينيين، إذ كرس المستوطنون، من حيث نظام قيمهم وأنماط حياتهم وسلوكهم، وصور ممارساتهم، والبعد السياسي لتواجدهم في تلك الأراضي على المدى البعيد، جملة من الممارسات الكريهة التي تصبّ جميعها في خدمة عملية التهويد. وهو الأمر الذي أثار ارتياب الشعب الفلسطيني، فأحدث ردّ فعل وطني على هذه المستعمرات، تمثل في مقالات تنشر في الصحف العربية، وعرائض ترفع إلى السلطات العثمانية، وهجمات مسلحة، بدأت بشكل فردي، ثم تطورت إلى مستوى المستعمرة الواحدة، وذلك قبل أن تتأسس منظمة صهيونية مسلحة سنة 1907 تحمل اسم هشومير، جعلت من الدفاع عن كل المستعمرات اليهودية في فلسطين هدفاً لها، فضلاً عن وضعها شعار “العمل العبري” موضع التطبيق، أي طرد العمال العرب لإحلال عمال يهود محلهم.
في الفترة ما بين احتلال القوات البريطانية فلسطين سنة 1918، وفرض عصبة الأمم League of Nations الانتداب البريطاني على فلسطين في تموز/ يوليو 1922، عمدت المنظمة الصهيونية إلى تشكيل عصابة الهاغاناه Haganah سنة 1920، كذراعٍ عسكري، وأخذت هذه العصابة على عاتقها مهمة ممارسة الإرهاب ضدّ الفلسطينيين.
وحين استفحل الخلاف داخل الحركة الصهيونية، وانشق المتشددون، مشكلين “التصحيحيين”، بقيادة زئيف فلاديمير جابوتنسكي سنة 1927، عمد إلى تشكيل ذراعهم العسكرية بيتار Betar سنة 1935، إلى أن ورثتها إتسل، الشهيرة باسم أرجون سنة 1937. وبعد فترة، اشتد التمايز داخل أرجون، فكان انشقاق مجموعة بقيادة أبرهام شتيرن، سنة 1940، في عصابة أصغر حجماً وأشد تطرفاً، حمل اسم ليحي، وإن اشتهرت باسم مؤسسها شتيرن .
ومع حلول سنة 1948، كانت العصابات وفرق القتل الصهيونية، قد ارتكبت عدداً من المجازر والمذابح مستهدفة المدنيين الفلسطينيين، منها:
• سنة 1936، قتل فلسطينيين في بتاح تكفا.
• سنة 1937، قتل 17 فلسطينياً وجرح 21 آخرين نتيجة إلقاء قنابل على الحافلات العربية وأسواق الخضار في القدس ويافا.
• سنة 1938، قتل 184 فلسطينياً وجرح 270 في حيفا والقدس وتل أبيب، منهم عشرة قتلوا في أثناء خروجهم من المسجد الأقصى.
• سنة 1939، قتل 57 فلسطينياً وجرح 81 في القدس وبلد الشيخ قرب حيفا وفي رحبوت، بواسطة إطلاق النار واستخدام القنابل اليدوية.
• سنة 1944، نسف منزل مكون من أربعة طوابق في مدينة يافا، ولم تعرف أرقام الخسائر.
• سنة 1946، نسف فندق الملك داود في القدس، وأدى ذلك إلى مقتل 41 فلسطينياً و28 بريطانياً و17 يهودياً و5 من جنسيات أخرى. وفي السنة ذاتها، قتل ثلاثة فلسطينيين في تل أبيب.
• سنة 1947 قتل 288 فلسطينياً وجرح 274 في مدينة حيفا وبلد الشيخ وصفد والعباسية وطبريا والقدس واللطرون ويافا .
وقد سرد حاييم هنغبي في صحيفة معاريف العبرية بعض تلك العمليات، ختمها بتصريحات للزعيم الصهيوني زئيف فلاديمير جابوتنسكي عن “أبجدية الأخلاق القتالية”، ومنها قوله: “في الحرب، كل حرب وحرب، ليس كل واحد بريء… لا يوجد حرب إلا ويقع فيها أبرياء، إذا كنت لا تريد أن تضرب الأبرياء فمت، وإذا كنت لا تريد أن تموت… فاقتل ولا تثرثر، إن الحديث عن معاقبة الأبرياء هو كلام سطحي” .
أكملت العصابات الاستيطانية استعدادها وتدريباتها، لاحتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية، وإسكان المزيد من المستوطنين اليهود فيها. وفي سبيل ذلك، ارتكبت عدداً آخر من المذابح ضدّ الفلسطينيين قبل وبعد 15/5/1948. وقد شارك في تنفيذ هذه المجازر، المستوطنون أعضاء التنظيمات اليهودية الذين شكلوا نواة الجيش الإسرائيلي.
وفي الأعوام اللاحقة، اتخذت مظاهر الإرهاب الصهيوني، بشقيه العسكري والاستيطاني، أشكالاً أخرى غير أعمال القتل وارتكاب المجازر، ومن هذه الأشكال:
• إخلاء سكان عين غزال وجبع بالقوة وتدميرهما، والاستيلاء على أراضيهما لأغراض الاستيطان.
• إجلاء سكان أقرت سنة 1948، وكفر برعم سنة 1949، وتحويلهم إلى لاجئين في وطنهم.
• إجلاء سكان كل من قرية: عنان، وكفر ياسيف، وحسام، وقطية، والجاعونة، من قراهم في الجليل إلى قضاء صفد سنة 1949.
• إبعاد الفلسطينيين من قرى الغابسية وبطاط ومنطقة العوجا سنة 1950.
• الاستيلاء على أراضي كل من قرى: البروة، والبصة، وصفورية، وعمقا، والمنشية، وسمحاتا، ومعلول، والرويس، والشجرة، والدامون، وحديثا، والطيرة، وأم الفرج، وميعار، وشعب، والخصاص، وتشريد أهلها منها بين 1949 و1951.
• إبعاد أهالي مجدل عسقلان إلى قطاع غزة، والاستيلاء على أراضيهم سنة 1952.
• إطلاق النار على مواطني منطقة العوجا في النقب، وإحراق خيامهم وتشريدهم في سنة 1952. وفي السنة ذاتها، نسف قرية أم الفرج، والاستيلاء على أراضيها .
2. بداية الاستفزازات والاعتداءات:
اندفعت الجهود الرسمية الإسرائيلية لاستيطان الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها سنة 1967، وجرت عمليات المصادرة تحت مختلف الذرائع والتبريرات، بل وجد المستوطنون أنفسهم في وضع يسمح لهم بالتصرف بدون ضوابط. وقد تمخضت هذه السياسة، عن زيادة أعداد المستوطنين والمستعمرات، وتصعيد الإرهاب ضدّ الفلسطينيين. كما أصبح هدم الأماكن المقدسة، وتدميرها، والاعتداء عليها من جانب المستوطنين أحد أوجه السياسة الإسرائيلية التي استهدفت المقدسات الإسلامية والمسيحية عقب سنة 1967.
تصدر الحاخامات، ورجال الدين اليهود حملات الإرهاب ضدّ المقدسات والمواطنين الفلسطينيين، فأصدر كبير حاخامات “إسرائيل” مردخاي إلياهو فتوى قال فيها: “إن المستوطن الذي قتل طفلة عربية في نابلس لا يعدّ قاتلاً”. وفي فتوى مشابهة، قال الحاخام شلومو غورين: “يحق لليهودي أن يقتل المدنيين العرب العزل، بما في ذلك النساء والأطفال والشيوخ” .
تعرضت مدينة القدس لعمليات إرهاب من جانب الجماعات الاستيطانية والدينية. فبعد استيلاء جيش الاحتلال على ساحات المسجد الأقصى المبارك يوم 7/6/1967، قام الحاخام شلومو غورين، بصحبة خمسين مستوطناً بالصلاة في ساحة الحرم الشريف، تبعها جملة من الممارسات الإرهابية، منها:
• في 21/8/1969، أشعل المستوطن دينس مايكل روهان Denis Michael Rohan النار في المسجد الأقصى.
• في سنة 1971، قام المستوطنون بإحداث أعمال شغب في ساحات المسجد الأقصى.
• في سنة 1973، صلى عدد من الحاخامات وأعضاء الكنيست داخل ساحات المسجد الأقصى.
• في سنة 1979، حاول أتباع الحاخام كهانا إقامة صلوات في باحة المسجد الأقصى.
• في سنة 1981، حاول المستوطنون فتح سرداب أمام حائط البراق.
• في سنة 1982، استولى مستوطنون على ثلاثة منازل فلسطينية قرب المسجد الأقصى. في السنة نفسها، حاولت حركة كاخ الإرهابية نسف قبة الصخرة.
• في سنة 1984، تكررت محاولة نسف المسجد الأقصى.
ولم تسلم المقدسات المسيحية هي الأخرى من اعتداءات المستوطنين وتخريبهم، فقد تعرضت كنيسة القيامة لسرقة تاج السيدة العذراء في أواخر سنة 1967، وحطم مستوطنون قناديل الزيت والشموع فوق القبر المقدس في الكنيسة سنة 1970. وحاول ثلاثة مستوطنين سرقة إكليل مرصع بالألماس على رأس تمثال السيدة العذراء سنة 1973، واعتدوا بالضرب على راهب في كنيسة القيامة. كما تعرض المطران فاسيلوس، الرجل الثاني في البطريركية الأرثوذكسية للروم في القدس، للضرب المبرح. وفي سنة 1983، انفجرت عبوة ناسفة عند مدخل الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية أدت إلى إصابة راهبة بجراح.
أما في مدينة الخليل، فقد بدأ إرهاب المستوطنين منذ الأيام الأولى للاحتلال. ففي 9/6/1967، توجهت أول مجموعة استيطانية يهودية إلى المدينة، ورفعت العلم الإسرائيلي على الحرم الإبراهيمي، ومنعت الصلاة فيه. وفي السنة التالية، قامت مجموعة من المستوطنين بإنشاء حي استيطاني في المدينة، ثم أنشأت سلطات الاحتلال مستعمرة كريات أربع، وهي أقدم مستعمرة في الضفة الغربية، وأكثرها سكاناً بعد المستعمرات المحيطة بالقدس.
يمكن اعتبار العلاقات بين مستوطني كريات أربع والفلسطينين المجاورين لهم مماثلة، بوجه عام، للعلاقات بين المجتمعين في أنحاء الضفة الغربية كافة. ولهذا السبب، فإن أغلبية الأمثلة التي نوردها لانتهاكات حقوق الإنسان التي يقترفها المستوطنون ضدّ الفلسطينيين في الضفة الغربية، سوف تؤخذ من منطقة الخليل، على أنه لا بدّ من التشديد على أن سكان هذه المستعمرة ليسوا وحدهم الذين يقترفونها. فقد وقعت حوادث مشابهة، شاركت فيها مستعمرات أخرى في الضفة الغربية .
النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل … للاطلاع على الفصل الثالث كاملاً اضغط هنا (299 صفحة، 2.1 MB)
أضف ردا