نظم مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في فندق كراون بلازا بيروت يوم الخميس 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 مؤتمر “مستقبل المقاومة الفلسطينية في ضوء الحرب على قطاع غزة”، بحضور نخبة من المفكرين والمتخصصين في الشأن الفلسطيني.
وناقش المؤتمر، الذي توزعت أعماله على ثلاث جلسات، مستقبل المقاومة الفلسطينية وتحدياته بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، عملية “العصف المأكول/ الجرف الصامد” 7/7/2014–26/8/2014. حيث قام الكيان الإسرائيلي باعتداء شرس على الشعب الفلسطيني؛ بينما قدمت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة نماذج بطولية وعمليات نوعية في مواجهة القوات الإسرائيلية.
الافتتاح والجلسة الأولى:
في البداية ألقى د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة، كلمة الافتتاح، حيث رحّب بالحضور، واستعرض أبرز النقاط التي سيتناولها برنامج المؤتمر، مشيراً إلى أن المقاومة ليست مجرد وجهة نظر، بل هي حالة مستمرة تتداولها الأجيال حتى تتحرر الأرض؛ فعندما تُحتل الأرض، ويشرد الشعب، وتنتهك الأعراض، وتسفك الدماء تصبح المقاومة واجباً وشرفاً ووساماً.
وأشار إلى أن المقاومة أظهرت خلال العدوان الأخير على غزة أداءً بطولياً رائعاً، في البر والبحر والجو، وفي الالتحام المباشر، وكل ذلك كان في أكثر الأوضاع العربية والأقليمية بؤساً وسوءاً في البيئة العربية والمحيطة بفلسطين.
وتناولت الجلسة الأولى المحور الفلسطيني، وتقييم الأداء العسكري للمقاومة الفلسطينية، ومستقبلها في ضوء المصالحة الوطنية، والحاضنة الشعبية الفلسطينية للمقاومة في الداخل والخارج، وأدار الجلسة د. أنور أبو طه، المدير العام لقناة فلسطين اليوم.
ونوقشت خلال الجلسة أوراق كلٌ من اللواء د. عادل سليمان، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجي لدراسات الدفاع، وأ. عبد الرحمن فرحانة، الباحث المتخصص في الشؤون الفلسطينية، وأ. ماجد أبو دياك، الكاتب والباحث الفلسطيني.
وجاء في ورقة سليمان حول تقييم الأداء العسكري للمقاومة الفلسطينية، والتي قدمها نيابة عنه أ. باسم القاسم، الباحث في مركز الزيتونة، أن المقاومة قدمت نموذجاً فريداً في معركتها الأخيرة ضدّ العدوان الإسرائيلي، مثّل تطوراً نوعياً لا يمكن تجاوزه، سواء على مستوى القيادة المشتركة أو على مستوى القيادات الميدانية والعملياتية، ومستوى أساليب القتال، حيث ظهر جلياً التغيير النوعي في أساليب القيادة والسيطرة، وإدارة العمليات، وأساليب الأداء الميداني.
وأشار إلى أن الحديث عن مستقبل المقاومة الفلسطينية مرتهن بعدة عوامل منها أن العدو تنبه جيداً لقدرات المقاومة، وأن المقاومة أدركت أنه أصبح عليها مسؤولية كبرى بعد ما قدمته من إنجاز، وأنها حصرت في قطاع غزة وهي بحاجة إلى دعم حقيقي وحراك مساند في الضفة، ودعم إقليمي ودولي.
وفي إطار حديثه عن مستقبل المقاومة الفلسطينية في ضوء المصالحة الوطنية، أكد فرحانة أن المقاومة كسرت في المواجهة الأخيرة بغزة شوكة الجيش الإسرائيلي وأفقدته القدرة على الحسم، وأحرجت معظم الأطراف الإقليمية الرسمية، ومنحت الشعوب العربية شحنة جديدة للثقة بالنفس والقدرة على تغيير الواقع العربي، من أجل ذلك يبدو أن معظم الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية – فلسطينياً تلتقي حالياً على برنامج منسق لمحاصرة المقاومة.
وفي حديثه عن المسارات المحتملة لمستقبل المقاومة في ضوء المصالحة الوطنية، أشار فرحانة إلى أن المسار المفضل للوضع الفلسطيني هو مسار التوافق الذي يدعو إلى التوافق على استراتيجية وطنية موحدة، ينبثق عنها برنامج سياسي مشترك، يجري التوافق داخله على دور المقاومة وأشكالها ووسائلها، وكذلك آفاق التفاوض وإدارته.
وقدم أبو دياك ورقته بعنوان “الحاضنة الشعبية الفلسطينية للمقاومة في الداخل والخارج”، مشيراً إلى أن حجم التفاعل الفلسطيني مع المقاومة في الضفة الغربية كان كبيراً بالرغم من جهود السلطة الفلسطينية في احتوائه. وفي قطاع غزة ذاته كان واضحاً أن هناك التحاماً بين الجماهير والمقاومة. وإضافة إلى البطولات النوعية التي أبدتها المقاومة في غزة، فقد كان لانخراط الأسر الفلسطينية فيها أثر كبير في إيجاد جو مؤيد وداعم للمقاومة على الرغم من حجم الخسائر في صفوف الفلسطينيين.
وأضاف: أما على المستوى العربي والإسلامي والعالمي فقد كان الدعم كبيراً أيضاً بالرغم من الثورات المضادّة المناهضة عموماً للإسلام السياسي ولحماس، مشيراً إلى ازدياد حجم التفاعل الشعبي في الغرب وأمريكا اللاتينية تأييداً للفلسطينيين وتنديداً بالعدو المعتدي، وعمت المظاهرات المنددة بالعدوان الإسرائيلي المدن الأوروبية، والعديد من مدن العالم.
الجلسة الثانية:
وخصصت الجلسة الثانية للمحور العربي الإسرائيلي، والموقف المصري و”محور الاعتدال” تجاه المقاومة الفلسطينية، والموقف القطري والتركي تجاه المقاومة الفلسطينية، والموقف الإيراني و”محور الممانعة” تجاه المقاومة، وأدار الجلسة د. عماد الحوت، النائب في البرلمان اللبناني. وقٌدمت فيها أوراق كل من د. عباس إسماعيل، مدير قسم الشؤون الإسرائيلية في قناة الميادين،والخبير في شؤون العالم الإسلامي، وأ. شفيق شقير، المتخصص في المشرق العربي والحركات الإسلامية، ود. طلال عتريسي، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية.
تناول د. إسماعيل في ورقته الأداء الإسرائيلي في الحرب على قطاع غزة واتجاهاته المستقبلية، وأشار إلى أن الأهداف الإسرائيلية للعدوان تدرجت من استعادة الهدوء، وتوجيه ضربة قوية لحماس، وصولاً إلى المطالبة بنزع سلاح الحركة والفصائل الفلسطينية، وهو الهدف الذي شككت أصلاً القيادتان السياسية والأمنية الإسرائيلية منذ البداية في إمكانية تحقيقه. غير أن رد المقاومة الفلسطينية وصمودها طوال أيام العدوان، فاجأ القيادتين السياسية والعسكرية في “إسرائيل”، كما الرأي العام والإعلام فيها، وبدأت بوادر الاتهامات المُتبادلة تظهر إلى العلن منذ الأيام الأولى للعدوان.
وأضاف أن الفشل الاستخباري والميداني للجيش الإسرائيلي خلال العدوان طرح العديد من علامات الاستفهام المصحوبة بخيبة أمل من حجم ومستوى الإنجازات المفترضة، مقارنة بمستوى الآمال التي كانت معقودة على الجيش الإسرائيلي، ولا سيما بعد الحديث طوال الفترة التي فصلت بين عدواني “عمود السحاب” و”الجرف الصلب”، عن عملية التأهيل والتدريب التي خضع لها الجيش الإسرائيلي، وعن والاستعداد والجهوزية لأي معركة.
واستهل شقير ورقته التي جاءت تحت عنوان “الموقف القطري والتركي والقوى الأخرى الداعمة للمقاومة والمسارات المستقبلية” بالإشارة إلى أن الموقفين القطري والتركي يختلفان في مسارهما التاريخي من العلاقة مع القضية الفلسطينية والمقاومة فيها، وفقاً لظروف البلدين ومسار الحكم فيهما، وقد يجد الباحث في مواقفهما من المقاومة الفلسطينية قواسم مشتركة عدة.
وخلص شقير إلى أن الموقفين القطري والتركي لا يمكن توظيفهما مباشرة في الهدف السياسي الذي تصبو إليه حماس؛ أي التحرير من البحر إلى النهر ولا إلى الاعتماد على السلاح في التحرير، لكنه يوفر شبكة أمان للمقاومة الفلسطينية في ردّ العدوان، وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، ويمكن استثماره في تعزيز موقف المقاومة الفلسطينية لإقامة دولة فلسطين المستقلة على أراضي 1967، وكذلك لحماية الحقوق الفلسطينية السياسية والإنسانية للشعب الفلسطيني سواء على أرضه في الخط الأخضر والضفة وغزة أو في الشتات.
في حين قدم عتريسي ورقته حول الموقف الإيراني و”محور الممانعة” تجاه المقاومة الفلسطينية”، وقرأها نيابة عنه أ. محمد شري، مشيراً إلى أن مما يمكن ملاحظته بالنسبة لمواقف أطراف محور الممانعة من الحرب على غزة هو تأكيد إيران وحزب الله على المقاومة وعلى دورها في مواجهة العدوان وآلة الحرب الإسرائيلية، وإدانة العدوان، والإشادة بمعنويات المقاومة وبصمود أهالي غزة، ودعوة العلالم الإسلامي لكسر حصار غزة، وتسليح الفلسطينيين، ودعوة الفلسطينيين إلى الاستمرار في مقاومة “إسرائيل”.
وأضاف أن غزة انتصرت بجميع المعايير، و”إسرائيل” انهزمت شرّ هزيمة، وأثبتت المقاومة مرة جديدة أنها قادرة على صنع نصرها وحماية أرضها وشعبها، لتتناغم المقاومة في فلسطين ولبنان.
الجلسة الثالثة:
أما الجلسة الثالثة من أعمال المؤتمر فسلطت الضوء على البيئة الخارجية المؤثرة في القضية الفلسطينية، وتعرض للمواقف الغربية والدولية تجاهها، والتفاعل الشعبي العربي والإسلامي والدولي مع المقاومة، وآفاق المقاومة الشعبية الفعالة تحت الاحتلال. وأدار الجلسة د. نهلة الشهال، نائب مدير وزميل باحث متقدم في مركز دراسات مبادرة الإصلاح العربي، ومنسقة “الحملة المدنية العالمية لحماية الشعب الفلسطيني”(CCIPPP). وضمت ورقة لكل من أ. د. مجدي حماد، رئيس الجامعة اللبنانية الدولية، والخبير في الشؤون الدولية، وأ. حسام شاكر، الباحث والمؤلف والاستشاري في الإعلام والعلاقات العامة، وأ. زياد ابحيص، الباحث الفلسطيني والمتخصص في شؤون القدس.
وعرض حماد في ورقته، التي قدمها أ. صقر أبو فخر، للمواقف الغربية والدولية تجاه المقاومة، مشيراً إلى أن القراءة المتأنية لتطورات الصراع العربي الإسرائيلي تكشف عن سمة مركزية اتسمت بها نتائج الجهود الدبلوماسية لجميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وهذه السمة هي “الفشل” التام لكل هذه الجهود، بخاصة تجاه قضية فلسطين، منذ انطلاقها.
وتناول حماد في ورقته الموقف الأميركي والإسرائيلي والأوروبي من قضايا التسوية، مبيناً أنه قد اتضح بجلاء أن مواقفها من رفض قيام دولة فلسطين من حيث المبدأ – من ناحية، ورفض المصالحة الفلسطينية تؤكد أن لديها “مواصفات” خاصة لتلك الدولة، كما أن رفض المصالحة الفلسطينية ينطوي بالضرورة على رفض الديموقراطية، و”مواصفات” خاصة أيضاً لتلك الديموقراطية.
وتحدث ابحيص عن التجربة التاريخية للمقاومة الشعبية في فلسطين، والتي بدأت بانتفاضة موسم النبي موسى سنة 1920، ومرت بعدة ثورات، وصولاً إلى انتفاضة الأقصى سنة 2000، شارحاً الأسباب السياسية والاقتصادية التي أدت إلى هذه الانتفاضات.
ثم تناول موضوع احتمالات قيام حالة مقاومة شعبية في فلسطين، متحدثاً عن العناصر الدافعة والمثبطة للمقاومة الشعبية. ورأى أن العوامل الموضوعية الدافعة في الضفة الغربية، هي الثورات الجماهيرية العربية، ووصول التسوية السياسية إلى نهاية جديدة، وعمليات الاستيطان، والتهويد المتواصل للقدس وحالة المواجهة المستمرة. أما العوامل المثبطة في الضفة الغربية، تشوه مفهوم المقاومة الشعبية، والتوجه الوظيفي للقيادة الفلسطينية وأهم الوظائف هي التنسيق الأمني، ثم التخدير الاقتصادي، والانقسام السياسي، وجغرافيا أوسلو.
وفي ختام ورقته توقع أن تستمر عناصر الدفع الموضوعي في الفعل، وأن تجد من يترجمها من أفراد وقوى وتيارات، وأن تنشأ حالة مقاومة شعبية فعالة في القدس والأراضي المحتلة سنة 1948، من الممكن أن تمتد بعد ذلك إلى الضفة الغربية، ومن الممكن أن تبقى محصورة في هذا الإقليم.
وفي ورقته حول التفاعل الشعبي الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي مع المقاومة أشار شاكر إلى أنه لا يمكن حصر مفهوم التفاعل الشعبي الفلسطيني في نطاق جغرافي بعينه، أو في الضفة والقطاع وحسب مثلاً. كما لا يمكن توقّع أشكال نمطية محددة حصراً من هذا التفاعل، أخذاً بعين الاعتبار الخيارات والصعوبات والفرص التي تتّصل بكل منطقة.
وأضاف: لقد أظهر التفاعل الجماهيري الواسع الذي شهدته عدد من الدول الأوروبية الغربية ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في صيف 2014، أنّ هناك تحوّلات قد طرأت في العديد من المجتمعات الغربية في الموقف من الاحتلال الإسرائيلي وسياساته وانتهاكاته، بما يمنح الانطباع أنّ مناهضة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين قابل لأن يتحوّل إلى ثقافة عامّة شائعة في بعض المجتمعات الأوروبية، على منوال موجة النبذ الواسعة التي قوبل بها نظام التفرقة العنصري البائد في جنوب أفريقيا. وختم بقوله إن تفاقم الأزمات والتوترات في العالم العربي والإسلامي، ينطوي على صعوبات متعددة، وربما مخاطر، فيما يتعلّق بآفاق التفاعل مع فلسطين ومقاومتها حول العالم.
الختام:
وفي ختام حلقة النقاش، شكر د. محسن محمد صالح الجميع على المشاركة، مؤكداً على أن الموضوع والأفكار التي تناولها المؤتمر كانت حيوية وذات طبيعة استراتيجية، وأن هناك أوراق عمل جادة، حركت نقاشاً مهماً، وأضاءت على نقاط تستحق المتابعة، وأن مركز الزيتونة سيسعى لتطوير الأوراق إلى أوراق بحثية، وتطوير وتنضيج الرؤى.
وأضاف أن ما يعنينا هو أن نركز أكثر على المسارات المستقبلية ضمن دراسات علمية منهجية، وليس بناء على الفكر الرغائبي والأمنيات، مشيراً إلى أن التحديات كبيرة وخطيرة، خصوصاً في البيئة الإقليمية.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 28/11/2014
أضف ردا