الصفحات الأولى من الفصل الخامس: “اللاجئون الفلسطينيون في لبنان: مشاريع التسوية وآفاق المستقبل” من كتاب “الواقع القانوني للاجئين الفلسطينيين في لبنان”(نسخة نصيّة HTML)
النص المعروض هو للصفحات الأولى من الفصل … للاطلاع على الفصل الخامس كاملاً اضغط هنا (34 صفحة، 1.01 MB)
الفصل الخامس: اللاجئون الفلسطينيون في لبنان: مشاريع التسوية وآفاق المستقبل … معين منّاع [1]
مقدمة:
في عصر الحريات وحقوق الإنسان، بدأت تتزايد الضغوط الأمريكية على القيادة السياسية الفلسطينية، وعلى الحكومات والدول التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين. والهدف من هذه الضغوط، هو تغيير الهوية الوطنية للاجئين الفلسطينيين؛ ليصبح اسم اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا إلى الأردن: أردنيين، والذين هجّروا إلى لبنان: لبنانيين، هذا إن بقوا في لبنان. أما إن أجبروا على هجرة جديدة إلى بلد إسكندنافيٍ مثلاً، فإن اسمهم سيكون دنماركيين أو سويديين. وليصبح اسم الفلسطينيين الذي بقوا في فلسطين بعد أن احتلتها العصابات الصهيونية والقوات الإسرائيلية، سنة 1948: إسرائيليين.
أما فلسطين فهي ما تبقّى من أراضٍ انسحبت منها “إسرائيل” بعد احتلالها سنة 1967، وباتت ضمن مسؤولية السلطة الفلسطينية؛ وبالتالي يكون من بداخلها فقط هم الفلسطينيون.
لم لا؟ وقد اعترفت السلطة الفلسطينية، بموجب وثيقة ستانفورد Stanford Document، التي وقعها نبيل شعث، واعتمدت رسمياً، على اعتبار أراضي الضفة الغربية، وقطاع غزة، فلسطين. أما الأراضي التي بقيت تحت سيطرة “إسرائيل”، بما فيها الأراضي التي احتلتها سنة 1948، اعترفت بتسميتها “إسرائيل” . وعليه، فإنه بحسب هذا المنطق يمكن القول إن الفلسطينيين فقط هم الذين في فلسطين، والذين في “إسرائيل” هم إسرائيليون.
لا شكّ أن هذه النهاية لا يقبل بها اللاجئون الفلسطينيون، سواء أولئك الذين داخل فلسطين التاريخية، أو الذين هم في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، أو حتى ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا وشُرّدوا من بيوتهم وممتلكاتهم وبلداتهم.
لكن النظر في مسيرة القرارات الدولية الطويلة، والمشاريع الأمريكية التي باتت مستعجلة في تفتيت قضية اللاجئين وتذويبها، إضافة إلى الإجراءات والخطوات الإسرائيلية، مع ما يصاحبها من صمت أو تخلٍّ عربي، وانتهاءً بما آلت إليه استعدادات القيادة الفلسطينية الرسمية، نجد أن قضية اللاجئين الفلسطينيين باتت على مفترق طرق؛ وخصوصاً، قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين تجتمع عليهم مختلف المخاطر: السياسية، والأمنية، والاجتماعية، والاقتصادية. فواقعهم الذي بات يتسم بالضعف، يتأثر ببيئة الدولة اللبنانية التي تعيش، هي أيضاً في هذه المرحلة، تحت المجهر الأمريكي بفعل القرار الدولي 1559، وما يتبعه من قرارات دولية، التي سيكون لها تأثير في مستقبل لبنان السياسي، وشكل العلاقة بين طوائفه ومذاهبه المتنوعة، والمتباينة الولاء والانتماء.
ولكي نستشرف مستقبل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، نعرض تطور قضيتهم، بوصفهم جزءاً من قضية اللاجئين الفلسطينيين، كما سنستعرض مسيرة وضعهم في لبنان بشكل خاص، وذلك بحسب المراحل التالية:
أولاً: منذ نكبة 1948 – وحتى نكسة 1967:
في البداية، لا بدّ من الإشارة إلى أن بريطانيا أقدمت على احتلال فلسطين سنة 1918، وكان عدد اليهود المقيمين فيها لا يزيد عن 55 ألف نسمة سنة 1918، أي بنسبة لا تتجاوز 8% من إجمالي عدد الفلسطينيين، وتضاعف عدد اليهود من خلال الهجرة التي رعتها وحمتها بريطانيا إلى أن بلغوا حوالي 650 ألف نسمة، أي بنسبة 31.7% من عدد السكان، ولم يتمكنوا من الحصول سوى على نحو 6.5% من مساحة فلسطين بحلول سنة 1948 .
بعد أن انتهت أحداث الحرب العالمية الثانية استغل اليهود مذابح هتلر ضدّهم، وضخموها حتى حصلوا على دعم الحزبين الأمريكيين؛ الجمهوري والديموقراطي، وتعاطف الرئيس الأمريكي هاري ترومن Harry Truman معهم، الذي مارس ضغطاً كبيراً على هيئة الأمم المتحدة. فأقرّت في 29/11/1947، قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين؛ الدولة العربية على مساحة 42.8% من أرض فلسطين ويسكنها 725 ألف عربي، و10 آلاف يهودي. وتكون الدولة اليهودية على مساحة 56.74% وسكانها 498 ألف يهودي، و497 ألف عربي .
مع ذلك، وبعد أن انتهت أحداث حرب 1948، التي أسفرت عن احتلال القوات الإسرائيلية لما يقارب 77% من مساحة أرض فلسطين، لم تبادر القوى الكبرى إلى إلزام قوات الاحتلال باحترام الحدود التي رسمها قرار التقسيم، ولكن على العكس، أقدمت على فرض هدنة على مصر، والأردن، وسورية، ولبنان، على الخطوط التي وصلت إليها القوات الإسرائيلية، كأنها حدود دولية، وبالتالي تعدّ جزءاً من الكيان.
إذن، هكذا استولت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلية على أرض فلسطين، وهكذا شرّدت أهلها الذين تحولوا إلى لاجئين. وبهذا الانحياز والتعاطف، تعاملت القوى الكبرى والمجتمع الدولي مع إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، مع أن ذلك تمّ على حساب الشعب الفلسطيني.
لذلك، سنتحدث عن واقع المجتمع الدولي، وكيف تعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين بوصفها جزءاً من القضية الفلسطينية. فيوم نشأت قضية اللاجئين الفلسطينيين، كان المجتمع الدولي قد دخل لتوه مرحلة الحرب الباردة، بين المعسكر الغربي الذي كانت تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والمعسكر الشرقي الذي كان يتزعمه الاتحاد السوفييتي السابق. وكانت غالبية الدول العربية ما زالت ترزح تحت نير الاحتلال، مما صعَّب عليها القيام بأي دور فاعل لمواجهة المشروع الصهيوني، فضلاً عن أن يكون لديها الحدّ الأدنى من القدرة على تمرير أي قرار دولي يخدم الحقوق الفلسطينية.
وبعد أن بدأت الدول العربية تأخذ استقلالها، توزعت تبعيتها بين المعسكرين الدوليين القائمين، وبالتالي تمّ تشتيت تأثير دول العالم العربي. مما عنى أن المصالح العربية بقيت بعيدة عن التقدير والمراعاة. خصوصاً وأن القرارات الدولية كانت وما زالت، تمثل حاصل وزن مصالح ونفوذ اللاعبين لأيٍ من قوى المعسكرين.
في هذا السياق، تمّ التعامل مع القضية الفلسطينية عموماً، ومع قضية اللاجئين الفلسطينيين على وجه الخصوص. ففي 14/5/1948، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 138، الذي كلفت بموجبه لجنة مؤلفة من ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا، لتتابع مهام الوسيط الدولي الكونت برنادوت Bernadotte وأعماله، ولكي تضع التصورات المناسبة للتعامل مع نتائج احتلال فلسطين؛ فتوافقت اللجنة على تكليف وسيط دولي يعهد إليه تأمين القيام بالخدمات العامة الضرورية لسلامة سكان فلسطين، وتشجيع إيجاد تعديل سلمي في مستقبل وضع فلسطين . فتمّ تكليف السويدي الكونت برنادوت، الذي قدّم تقريره للأمين العام للأمم المتحدة، قبيل أيام من اغتياله على يد مجموعة من عصابة شتيرن الصهيونية Stern Gang في 17/9/1948 ، لعلمها المسبق بمضمون تقريره، الذي ترفضه بشكل حاسم، وليمارسوا نوعاً من الضغط على المنظمة الدولية من أجل تعديل موقفها؛ فتراعي مصالح الكيان الصهيوني الوليد وطموحاته، تمهيداً لتكون فلسطين الوطن القومي لليهود، وتكون خالية ممن سواهم، حتى لو كانوا أصحاب الأرض الشرعيين.
جاء بعد ذلك تقرير الأمين العام مؤكداً باسم الأمم المتحدة على “حقّ الناس الأبرياء الذين شردوا من بيوتهم بسبب الحرب وعمليات الإرهاب التي رافقتها، في العودة إلى ديارهم، على أن تدفع تعويضات مالية عن الممتلكات لغير الراغبين في العودة” . فأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بناء على هذا التقرير، القرار 194 الذي صدر في 11/12/1948، الذي يدعو إلى “وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة، وتكليف لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين”، مهمتها: “العمل على إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، والسعي لإعادة تأهيلهم من جديد اقتصادياً واجتماعياً، وإقرار دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة…” .
كما أعدت اللجنة بروتوكول لوزان Lausanne Protocol في 26/4/1949، الذي أكدّ “وجوب عودة اللاجئين وحقهم في التصرف بأموالهم وأملاكهم، وحقّ تعويض من لا يرغب بالعودة” ؛ فقبلت “إسرائيل” التوقيع على البروتوكول، لأنه كان يمثل شرط الأمم المتحدة لقبول عضويتها في المنظمة الدولية. وبعد أن تمّ لها ذلك، وقُبِلت عضويتها في منظمة الأمم المتحدة، تراجعت عن التزامها تجاه بروتوكول لوزان، وتنكّرت لمقررات اللجنة فرفضت تنفيذ شروطها، الأمر الذي اضطر لجنة التوفيق الدولية Conciliation Commission لإعلان فشل مؤتمر لوزان Lausanne Conference . مما يعني أن مبرر قبول الأمم المتحدة بانضمام “إسرائيل” إلى عضويتها، لم يتحقق ولم تتقيد به “إسرائيل”، ولم يتمّ تنفيذه لغاية هذا التاريخ. مع العلم أن القرار 194 قد تمّ التأكيد على ضرورة تنفيذه من قِبَل الجمعية العامة للأمم المتحدة أكثر من 110 مرات ، خلال الـ 55 سنة التي تلت صدوره، أي إن “إسرائيل” التي ضمنت لها الأمم المتحدة وجوب قيامها فوق الأراضي التي نصّ عليها قرار التقسيم، أي فوق الأراضي الفلسطينية التي احتلتها سنة 1948، ترفض تنفيذ قرارها رقم 194، وغيره من القرارات الدولية التي تدعوها لقبول عودة كل اللاجئين الفلسطينيين، الذين يرغبون بالعودة إلى ديارهم. ومع ذلك استمرت “إسرائيل” في عضوية الأمم المتحدة.
وفي 11/12/1950 صدر قرار الجمعية العامة رقم 394، الذي طلب من لجنة التوفيق إنشاء مكتب، يتخذ كافة التدابير لتقدير التعويضات المنصوص عليها في القرار 194 ودفعها؛ فقام المكتب بتقدير كافة الأملاك المنقولة وغير المنقولة التي تركها اللاجئون الفلسطينيون، وكانت النتيجة أن عدّتها اللجنة “ديناً للاجئين الفلسطينيين على الحكومة الإسرائيلية” .
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة همرشولد Hammarskjold في 15/6/1959 مشروعاً، دعا فيه إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين واستيعابهم، عبر مساعدة الدول التي يتواجدون فيها اقتصادياً. “فرفضه الفلسطينيون على المستويين الرسمي والشعبي، واحتجّوا عليه من خلال مؤتمر عقد لهذا الغرض في بيروت في 26/6/1959، معتبرين أن هذا المشروع سوف يؤدي -بحسب وجهة نظرهم- إلى تذويب الفلسطينيين في اقتصادات الشرق الأوسط” .
قسّمت المقررات والمشاريع الدولية القضية الفلسطينية إلى مستويين:
الأول: يهتم بتعويض اللاجئين وإغاثتهم وإعادة تأهيلهم. وهو ما قامت به الأونروا، التي تأسست بقرار من الأمم المتحدة في 8/12/1949 لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين المحتاجين ممن فقدوا بيوتهم وأرضهم وأسباب معيشتهم.
والثاني: يتعلق بالأرض وأسلوب “تعديل” مستقبلها؛ حيث قُدِّمت الكثير من المشاريع. وكان من ضمنها مشروع وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية جون فوستر دالاس John Foster Dulles في 26/8/1950، الذي اقترح فيه أحد حلّين لقضية اللاجئين الفلسطينيين، هما: “إما بعودة بعضهم إلى وطنهم الأصلي، ضمن حدود الممكن بحسب الإرادة الإسرائيلية، وإما بتوطينهم في المناطق العربية التي يقيمون فيها منذ رحيلهم عن بلادهم…” .
[1] باحث فلسطيني في مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت.
النص المعروض هو للصفحات الأولى من الفصل … للاطلاع على الفصل الخامس كاملاً اضغط هنا (34 صفحة، 1.01 MB)
أضف ردا