انطلقت الأربعاء 25/3/2015 فعاليات مؤتمر المصالحة الفلسطينية: الآفاق والتحديات، في فندق كراون بلازا في بيروت، الذي ينظمه مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ومركز إفريقيا والشرق الأوسط، بحضور نخبة من الخبراء والمفكرين وصنّاع القرار في الساحة الفلسطينية والدولية.
ناقش المؤتمر في يومه الأول، الذي توزعت أعماله على أربع جلسات، مستقبل المصالحة الفلسطينية والتحديات التي تقف في طريق إنجازها.
ويهدف المؤتمر الذي يستمر على مدار يومين 25-26 /2015/3 إلى وضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالانقسام الفلسطيني وأسبابه، والحلول العملية لتجاوزه، وتوفير أجواء إيجابية مثمرة وجادّة لالتقاء قيادات سياسية فلسطينية وخبراء ومتخصصين ومهتمين بالشأن الفلسطيني، والاستفادة من الخبرة الجنوب إفريقية والعالمية في حلّ النزاعات، وتفعيل دور مؤسسات التفكير والدراسات في دعم صانع القرار الفلسطيني.
الافتتاح والجلسة الأولى:
في البداية ألقى د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة، كلمة الافتتاح، حيث رحّب بالحضور، واستعرض أبرز النقاط التي يتناولها برنامج المؤتمر، مشيراً إلى إن الحالة الفلسطينية الراهنة تجعل الحاجة للمصالحة الفلسطينية، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني أمراً حيوياً لا يحتمل التأجيل والتأخير؛ وإلا فسنواجه بمخاطر ضياع ما تبقى من فلسطين، وما تبقى من عمل وطني، وبمخاطر تهويد السكان والمقدسات والأرض والحجر والشجر؛ وبمخاطر التوطين وتضييع حقوق اللاجئين.
وقال “سنسعى في مركز الزيتونة مع زملائنا في أميك AMEC إلى توفير أفضل مظلة ممكنة لنقاش صريح وهادئ ولتفاعل إيجابي بين جميع الأطراف، وسنسعى للمساعدة في بناء جسور الثقة بين أطراف الانقسام، والبحث عن حلول عملية لتجاوز العقبات”.
وفي الكلمة الافتتاحية للمؤتمر قال د. نعيم جينا، رئيس المركز إفريقيا والشرق الأوسط إن أهل جنوب إفريقيا يعدّون أن نضالهم يتوافق مع النضال الفلسطيني، وأن الفلسطينيين سيتحررون ويساعدوهم على التحرير، غير أن ذلك لم يكن.
وقال إننا نرى ونتابع الانقسام الفلسطيني من بعيد، ونعلم المشاكل التي خلفها، وآثاره البغيضة حيث عايشناها في الانقسام المرير في جنوب إفريقيا. مشيراً إلى إعادة تصدُّر اليمين الإسرائيلي في انتخابات الكنيست، ووجود حكومة إسرائيلية أشد تطرفاً يجعل من المصالحة ضرورة ملحّة.
تناولت الجلسة الأولى موقف الفصائل الفلسطينية من المصالحة وطُرق تفعيلها، وأدارها د. محسن محمد صالح. ونوقشت خلال الجلسة أوراق كلٍ من د. نبيل شعث، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، (ألقاها نيابة عنه د. حسام زملط، نائب مفوضية العلاقات الخارجية لحركة فتح)، وأ. أسامة حمدان، مسؤول العلاقات الخارجية في حركة حماس، ود. ماهر الطاهر، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومسؤول العلاقات السياسية فيها.
أشار زملط إلى أن المصالحة منذ البداية كان إطارها العام ومدخلها خاطئين، حيث كان إطاراً منطلقاً من منطق مشاركة السلطة ومحاصصتها وليس من منطق تحرر. وقال إن المصالحة اقتصرت على حركة فتح وحماس بشكل كبير، وخسرنا قوة فلسطينية كان يمكن أن يكون لها دور مميز.
وأضاف: نحن قد حققنا المصالحة ولكن نحن نريد أن نفعلها، ونحن تصالحنا وتفاجأنا باتفاق الشاطئ وفاجأنا العالم كله، والآن لدينا حكومة وفاق وطني فلسطيني مسؤولة عن الشعب في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقال ليس مقبولاً من حماس ترك الحكومة دون أن تترك الحكم، فحكومة الوفاق موجودة وباقية وسندافع عنها بدمنا، ومهماتها الأساسية هي: فتح المعابر فوراً، وتنفيذ برنامج إعادة الإعمار، والدعوة وإدارة انتخابات البلدية والتشريعي والمجلس الوطني في الضفة وغزة.
حمدان قال في ورقته إننا أمام واقع لا توجد فيه مؤسسة وطنية جامعية، وقال إن سبب الانقسام هو أزمة الثقة التاريخية في البيئة الفلسطينية، وهناك انتقائية في تنفيذ الاتفاقيات، ففي اتفاق 2005، الذي اتفق فيه على الانتخابات، وتفعيل منظمة التحرير جرت الانتخابات ولم تُفعَّل منظمة التحرير. ولفت النظر إلى أن سلوك الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية حيث سعت لإسقاط حكومة هنية العاشرة، وهي التي عطلت الحوار، مؤكداً أن أسباب الانقسام هي وجود أزمة في النظام السياسي الفلسطيني، والخلاف على الثوابت والبرامج وأزمة الثقة والتدخل الخارجي.
وعن سبل إنهاء الانقسام قال إنه لا بدّ من إعادة بناء الثقة ضمن إجراءات محددة وواضحة وبإعادة بناء المؤسسات الوطنية، وتطوير آليات صناعة القرار الوطني.
شدد ماهر الطاهر على أن هناك ترابطاً وثيقاً بين إنهاء الانقسام ومعالجة الرؤية السياسية، لأن المعالجة لا يمكن أن تتم إلا بتصويب البوصلة إلى انتقال سياسي وتحول استراتيجي والعودة إلى الجذور، وهذا يتطلب بلورة رؤية استراتيجية موحّدة والخروج من مجرى أوسلو.
وأضاف أن المدخل الحقيقي للمصالحة يبدأ بإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها وإعادة بناء مؤسساتها، مشيراً إلى ضرورة اعتماد المقاومة بكل أشكالها كخيار استراتيجي.
واقترح الطاهر الدعوة لمؤتمر وطني شامل يضم الفصائل والقوى وفعاليات اجتماعية ومثقفين تمهيداً لانعقاد مجلس وطني شامل.
الجلسة الثانية:
واستكملت الجلسة الثانية الحديث عن مواقف المصالحة وطرق تفعيلها، وأدار الجلسة أ. معن بشور، المفكر القومي العربي. وقٌدمت فيها أوراق كل من ممثل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان، أ. أبو عماد الرفاعي، وأ. سهيل الناطور، عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ود. جميل هلال المحاضر الجامعي المتخصص في علم الاجتماع السياسي.
وتناولت ورقة د. هلال منظمة التحرير الفلسطينية كإطار ومدخل حقيقي للمصالحة، وقال إن الملاحظة الأبرز حول الحال الفلسطيني الراهن تخص افتقاده لمؤسسات وطنية تمثيلية جامعة لمكونات الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية وفي الشتات. فقد اختفت، عملياً، مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بعد أن هُمّشت وأُلحقت بمؤسسات السلطة الفلسطينية.
وأشار إلى ضرورة تمكين كل مكونات الشعب الفلسطيني من المشاركة في التداول والتقرير في الشأن الوطني وفي صياغة القرارات والاستراتيجيات الوطنية الجامعة. مؤكداً أن الخروج من الأزمة الخانقة التي يعيشها الحال الفلسطيني يملي التوصل إلى “تسوية تاريخية” بين التيارات السياسية الفلسطينية الثلاثة الفاعلة في الحقل السياسي الفلسطيني (التيار الوطني الليبرالي، تيار الإسلام السياسي، والتيار اليساري الديمقراطي)، لإعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية.
وأشار الرفاعي إلى أن استمرار الانقسام الفلسطيني يُعدّ مقتلاً للقضية الفلسطينية؛ وأن استمراره يسمح للدول الغربية بطرح مبادرات مسمومة، كتلك التي نسمع عنها بين الحين والآخر، مثل فصل القطاع عن الضفة، وعن كامل فلسطين، مقابل إغراءات ببناء مطار أو ميناء، يصل القطاع بالعالم أجمع، بعد أن يفصله عن عمقه العربي وعن فلسطين. أو كتلك التي نسمعها عن ترحيل أهلنا من داخل المناطق المحتلة عام 1948. ومشاريع تصفية قضية اللاجئين أكثر من أن تحصى في هذا المقام.
وأضاف: نرى أن المدخل الطبيعي لتحقيق المصالحة هو في الدعوة إلى عقد اجتماع للإطار القيادي الموحد، بهدف إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، ووضع استراتيجية فلسطينية موحدة.
وعرض الناطور موقف الجبهة الديموقراطية من المصالحة وطُرق تفعيلها، وأكد أن الصراع من أجل التطوير الديموقراطي للنظام السياسي، بِنسَقَيه، هو ما يحدد بالنسبة للجبهة الديموقراطية، درجة التلاقي مع، أو الابتعاد، عن طرفي الصراع على السلطة، فالجبهة الديموقراطية ليست من أنصار الوقوف على نفس المسافة الستاتيكية الجامدة من طرفي الصراع. ومواقفها حيال أي قوة سياسية يحدده الموقف السياسي لهذه القوة من القضية المطروحة، اقتراباً منها أو ابتعاداً عنها.
وشرح الناطور المبادئ والقضايا الأساسية التي تسعى الجبهة لتحقيقها من خلال الحوار أهمها؛ القانون الانتخابي وتوحيد الأجهزة والمؤسسات المنقسمة، وإجراء انتخابات فورية تشريعية ورئاسية وبلدية، وإشراك النواب المعتقلين بالعملية السياسية. ورأى أنه من أجل مواجهة التطورات السياسية الأخيرة، خاصة إعادة انتخاب بنيامين نتنياهو والمواقف اليمينية التي يحملها، يجب العمل على استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية أكثر من أي وقت سابق وتحقيق المصالحة.
الجلسة الثالثة:
الجلسة الثالثة من أعمال المؤتمر سلطت الضوء على العالمية في المصالحة والعدالة الانتقالية. وأدار الجلسة أ. نعيم جينا، المدير التنفيذي لمركز إفريقيا والشرق الأوسط. وضمت ورقة لكلٍ من د. ستيفن فريدمان، مدير مركز دراسة الديموقراطية في كلّ من جامعة رودس وجامعة جوهانسبرغ، ود. الحبيب بلكوش، مدير مركز الدراسات لحقوق الإنسان والديمقراطية في المغرب، وأ. بادريج ماكلوكلاين، عضو البرلمان الإيرلندي عن حزب الشين فين.
وتناول فريدمان في ورقته تجربة جنوب إفريقيا في المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، وقال أظن أن هناك أوجه شبه بين جنوب إفريقيا وفلسطيني بالنسبة للفصل العنصرية، وبالتالي حركة التحرير تتحقق في إيجاد مجتمع جديد، وتوفير أسباب النجاح.
وتحدث بلكوش عن التجربة المغربية في المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، شارحاً كيف تغلبت البلاد على الاختلافات والنزاعات السياسية، من خلال مرحلة توافقية جديدة عبر توافقات بين النخب السياسية والمؤسسة الملكية، فتحت أفقاً جديداً لتجربة تنبني على التراكم وتحسين آليات التدبير والحكامة وتوفير شروط الارتقاء بالبناء الديموقراطي ودولة المؤسسات بشكل متدرج.
وأكد أن معالجة انتهاكات الفترة الماضية ضرورية لإتمام أي مصالحة؛ فهي تمنح أملاً في المستقبل، مع ضرورة توقع التحديات والثغرات التي تواجهنا حالياً ومستقبلاً.
أما ماكلوكلاين فخصص ورقته للحديث عن تجربة إيرلندا في المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، وقال في سياقنا الوطني كان هناك تضارب ولكن في بداية التسعينيات بدأت الحركات تتحد وأدركنا أننا لوحدنا ولا لا يمكن أن نفعل شيئاً.
وأضاف: الرسالة التي أريد أن أنقلها هي أن أحثكم على الوحدة فهي حيوية ومهمة لكي تتفقوا جنباً إلى جنب ولكي تتغلبوا على عدوكم.
الجلسة الرابعة:
خُصّصت الجلسة الرابعة للحديث عن قضايا وإشكالات في أجواء المصالحة، وأدار الجلسة أ. عزيز باهاد، المبعوث الخاص لرئيس جنوب إفريقيا إلى “إسرائيل” وفلسطين. وتضمنت أوراقاً لكل من أ. فدوى البرغوثي، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، ود. فريد أبو ضهير، أستاذ العلوم السياسية والصحافة، وأ. جابر سليمان، عضو مؤسس لمجموعة “عائدون” ومركز حقوق اللاجئين (عائدون) في لبنان.
وأشارت البرغوثي إلى أن الانقسام، الذي تحول إلى انقسام سياسي وجغرافي، بدأ يطغى على المشهد الوطني، وأصبح عقبة كبرى تعطل قدرة الفلسطينيين على مواجهة التحديات. وشددت على ضرورة حشد كل الطاقات الفلسطينية لتغليب المصلحة الوطنية العليا، وإنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة على أسس وطنية وديموقراطية، وشراكة سياسية حقيقية.
ودعت البرغوثي إلى إطلاق عملية حوار وطني عميق واستراتيجي وشامل، والاستناد إلى كل الاتفاقات السابقة، ووثيقة الأسرى بشكل خاص، وإرساء شراكة كاملة، واعتبار منظمة التحرير المرجعية السياسية العليا والوطنية للشعب الفلسطيني. كذلك دعت إلى التمسك بمبدأ المقاومة الشاملة للاحتلال.
وفي ختام كلمتها قالت البرغوثي إن الانقسام أثر بشكل واضح على قضية الأسرى وأبعادها، وقالت إنه من غير المقبول السكوت على اعتقال قيادات فلسطينية بارزة ونواب التشريعي الفلسطيني.
وسلط أبو ضهير الضوء على دور وسائل الإعلام وتأثيرها على المصالحة الفلسطينية، مستعرضاً النتائج التي توصل إليها من خلال قيامه بعمل تحليل مضمون نوعي، لتغطية عدد من المواقع الإخبارية الإلكترونية المحسوبة على حركتي فتح وحماس خلال مطلع سنة 2015، وكيفية معالجة تلك المواقع للأخبار المتعلقة بالمصالحة الوطنية، وقد توصل إلى نتيجة مفادها أن عمل وسائل الإعلام في الحالة الفلسطينية تمحور حول أفكار الحركات التي تتبع لها هذه الوسائل، وسياساتها واتجاهاتها.
وأكد أنه بالرغم من وجود مهنية لدى كثير من الصحفيين، ولدى عدد من المؤسسات الإعلامية الفلسطينية، إلا أن السياسة العامة للمؤسسات الإعلامية ليست مهنية، وبذلك هي لا تساعد في نجاح عملية المصالحة الوطنية.
تحدث سليمان عن غياب دور اللاجئين الفلسطينيين في الحركة الوطنية، خاصة فيما يخص عملية المصالحة الوطنية، فقد تحول اللاجئون الفلسطينيون إلى مجموعة من الناس بحاجة إلى إغاثة ومعونة كي يبقوا على قيد الحياة، ولكن ليس هناك من دور حقيقي يعطى للاجئين الفلسطينيين؛ فقد اهتزت المكانة المركزية لقضية اللاجئين في الفكر السياسي الفلسطيني منذ توقيع اتفاق أوسلو. فمن الضروري إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في أماكن وجوده، فمن شأن ذلك أن يحاصر أية تأثيرات أو تداعيات سياسية سلبية على حقوق اللاجئين ووضعهم القانوني.
كما طرح سليمان إشكالية موضوع الدولة الفلسطينية ووضع اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم، ومن هم السكان الذين سيتم الاعتراف بهم كمواطنين في هذه الدولة؟ وهل هم سكان الضفة وقطاع غزة؟ وماذا عن فلسطينيي الشتات؟ وما هو مصير الفلسطينيين في فلسطين 1948.
أخيراً إن تعزيز موقع فلسطينيي الشتات ودورهم في بناء منظمة التحرير والحفاظ على حقوقهم، يتطلب عدة خطوات وشروط وطنية كاملة.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 26/3/2015
أضف ردا