أقام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ومركز إفريقيا والشرق الأوسط في فندق كراون بلازا في بيروت، وعلى مدار يومي الأربعاء والخميس 25-26 /2015/3، مؤتمراً بعنوان “المصالحة الفلسطينية: الآفاق والتحديات”، بحضور نخبة من الخبراء والمفكرين وصنّاع القرار في الساحة الفلسطينية والدولية.
وناقش المؤتمر مستقبل المصالحة الفلسطينية والتحديات التي تقف في طريق إنجازها، وتوزعت أعماله على أربع جلسات في اليوم الأول، وثلاثة في اليوم الثاني.
ويهدف المؤتمر إلى وضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالانقسام الفلسطيني وأسبابه، والحلول العملية لتجاوزه، وتوفير أجواء إيجابية مثمرة وجادّة لالتقاء قيادات سياسية فلسطينية وخبراء ومتخصصين ومهتمين بالشأن الفلسطيني، والاستفادة من الخبرة الجنوب إفريقية والعالمية في حلّ النزاعات، وتفعيل دور مؤسسات التفكير والدراسات في دعم صانع القرار الفلسطيني.
الافتتاح والجلسة الأولى:
في البداية ألقى د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة، كلمة الافتتاح، حيث رحّب بالحضور، واستعرض أبرز النقاط التي يتناولها برنامج المؤتمر، مشيراً إلى إن الحالة الفلسطينية الراهنة تجعل الحاجة للمصالحة الفلسطينية، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني أمراً حيوياً لا يحتمل التأجيل والتأخير؛ وإلا فسنواجه بمخاطر ضياع ما تبقى من فلسطين، وما تبقى من عمل وطني، وبمخاطر تهويد السكان والمقدسات والأرض والحجر والشجر؛ وبمخاطر التوطين وتضييع حقوق اللاجئين.
وقال “سنسعى في مركز الزيتونة مع زملائنا في أميك AMEC إلى توفير أفضل مظلة ممكنة لنقاش صريح وهادئ ولتفاعل إيجابي بين جميع الأطراف، وسنسعى للمساعدة في بناء جسور الثقة بين أطراف الانقسام، والبحث عن حلول عملية لتجاوز العقبات”.
وفي الكلمة الافتتاحية للمؤتمر قال أ. نعيم جينا، رئيس المركز إفريقيا والشرق الأوسط إن أهل جنوب إفريقيا يعدّون أن نضالهم يتوافق مع النضال الفلسطيني، وأن الفلسطينيين سيتحررون ويساعدوهم على التحرير، غير أن ذلك لم يكن.
وقال إننا نرى ونتابع الانقسام الفلسطيني من بعيد، ونعلم المشاكل التي خلفها، وآثاره البغيضة حيث عايشناها في الانقسام المرير في جنوب إفريقيا. مشيراً إلى إعادة تصدُّر اليمين الإسرائيلي في انتخابات الكنيست، ووجود حكومة إسرائيلية أشد تطرفاً يجعل من المصالحة ضرورة ملحّة.
تناولت الجلسة الأولى موقف الفصائل الفلسطينية من المصالحة وطُرق تفعيلها، وأدارها د. محسن محمد صالح. ونوقشت خلال الجلسة أوراق كلٍ من د. نبيل شعث، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، (ألقاها نيابة عنه د. حسام زملط، نائب مفوضية العلاقات الخارجية لحركة فتح)، وأ. أسامة حمدان، مسؤول العلاقات الخارجية في حركة حماس، ود. ماهر الطاهر، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومسؤول العلاقات السياسية فيها.
أشار زملط إلى أن المصالحة منذ البداية كان إطارها العام ومدخلها خاطئين، حيث كان إطاراً منطلقاً من منطق مشاركة السلطة ومحاصصتها وليس من منطق تحرر. وقال إن المصالحة اقتصرت على حركة فتح وحماس بشكل كبير، وخسرنا قوة فلسطينية كان يمكن أن يكون لها دور مميز.
وأضاف: نحن قد حققنا المصالحة ولكن نحن نريد أن نفعلها، ونحن تصالحنا وتفاجأنا باتفاق الشاطئ وفاجأنا العالم كله، والآن لدينا حكومة وفاق وطني فلسطيني مسؤولة عن الشعب في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقال ليس مقبولاً من حماس ترك الحكومة دون أن تترك الحكم، فحكومة الوفاق موجودة وباقية وسندافع عنها بدمنا، ومهماتها الأساسية هي: فتح المعابر فوراً، وتنفيذ برنامج إعادة الإعمار، والدعوة وإدارة انتخابات البلدية والتشريعي والمجلس الوطني في الضفة وغزة.
حمدان قال في ورقته إننا أمام واقع لا توجد فيه مؤسسة وطنية جامعية، وقال إن سبب الانقسام هو أزمة الثقة التاريخية في البيئة الفلسطينية، وهناك انتقائية في تنفيذ الاتفاقيات، ففي اتفاق 2005، الذي اتفق فيه على الانتخابات، وتفعيل منظمة التحرير جرت الانتخابات ولم تُفعَّل منظمة التحرير. ولفت النظر إلى أن سلوك الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية حيث سعت لإسقاط حكومة هنية العاشرة، وهي التي عطلت الحوار، مؤكداً أن أسباب الانقسام هي وجود أزمة في النظام السياسي الفلسطيني، والخلاف على الثوابت والبرامج وأزمة الثقة والتدخل الخارجي.
وعن سبل إنهاء الانقسام قال إنه لا بدّ من إعادة بناء الثقة ضمن إجراءات محددة وواضحة وبإعادة بناء المؤسسات الوطنية، وتطوير آليات صناعة القرار الوطني.
شدد ماهر الطاهر على أن هناك ترابطاً وثيقاً بين إنهاء الانقسام ومعالجة الرؤية السياسية، لأن المعالجة لا يمكن أن تتم إلا بتصويب البوصلة إلى انتقال سياسي وتحول استراتيجي والعودة إلى الجذور، وهذا يتطلب بلورة رؤية استراتيجية موحّدة والخروج من مجرى أوسلو.
وأضاف أن المدخل الحقيقي للمصالحة يبدأ بإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها وإعادة بناء مؤسساتها، مشيراً إلى ضرورة اعتماد المقاومة بكل أشكالها كخيار استراتيجي.
واقترح الطاهر الدعوة لمؤتمر وطني شامل يضم الفصائل والقوى وفعاليات اجتماعية ومثقفين تمهيداً لانعقاد مجلس وطني شامل.
الجلسة الثانية:
واستكملت الجلسة الثانية الحديث عن مواقف المصالحة وطرق تفعيلها، وأدار الجلسة أ. معن بشور، المفكر القومي العربي. وقٌدمت فيها أوراق كل من ممثل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان، أ. أبو عماد الرفاعي، وأ. سهيل الناطور، عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ود. جميل هلال المحاضر الجامعي المتخصص في علم الاجتماع السياسي.
وتناولت ورقة د. هلال منظمة التحرير الفلسطينية كإطار ومدخل حقيقي للمصالحة، وقال إن الملاحظة الأبرز حول الحال الفلسطيني الراهن تخص افتقاده لمؤسسات وطنية تمثيلية جامعة لمكونات الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية وفي الشتات. فقد اختفت، عملياً، مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بعد أن هُمّشت وأُلحقت بمؤسسات السلطة الفلسطينية.
وأشار إلى ضرورة تمكين كل مكونات الشعب الفلسطيني من المشاركة في التداول والتقرير في الشأن الوطني وفي صياغة القرارات والاستراتيجيات الوطنية الجامعة. مؤكداً أن الخروج من الأزمة الخانقة التي يعيشها الحال الفلسطيني يملي التوصل إلى “تسوية تاريخية” بين التيارات السياسية الفلسطينية الثلاثة الفاعلة في الحقل السياسي الفلسطيني (التيار الوطني الليبرالي، تيار الإسلام السياسي، والتيار اليساري الديمقراطي)، لإعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية.
وأشار الرفاعي إلى أن استمرار الانقسام الفلسطيني يُعدّ مقتلاً للقضية الفلسطينية؛ وأن استمراره يسمح للدول الغربية بطرح مبادرات مسمومة، كتلك التي نسمع عنها بين الحين والآخر، مثل فصل القطاع عن الضفة، وعن كامل فلسطين، مقابل إغراءات ببناء مطار أو ميناء، يصل القطاع بالعالم أجمع، بعد أن يفصله عن عمقه العربي وعن فلسطين. أو كتلك التي نسمعها عن ترحيل أهلنا من داخل المناطق المحتلة عام 1948. ومشاريع تصفية قضية اللاجئين أكثر من أن تحصى في هذا المقام.
وأضاف: نرى أن المدخل الطبيعي لتحقيق المصالحة هو في الدعوة إلى عقد اجتماع للإطار القيادي الموحد، بهدف إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، ووضع استراتيجية فلسطينية موحدة.
وعرض الناطور موقف الجبهة الديموقراطية من المصالحة وطُرق تفعيلها، وأكد أن الصراع من أجل التطوير الديموقراطي للنظام السياسي، بِنسَقَيه، هو ما يحدد بالنسبة للجبهة الديموقراطية، درجة التلاقي مع، أو الابتعاد، عن طرفي الصراع على السلطة، فالجبهة الديموقراطية ليست من أنصار الوقوف على نفس المسافة الستاتيكية الجامدة من طرفي الصراع. ومواقفها حيال أي قوة سياسية يحدده الموقف السياسي لهذه القوة من القضية المطروحة، اقتراباً منها أو ابتعاداً عنها.
وشرح الناطور المبادئ والقضايا الأساسية التي تسعى الجبهة لتحقيقها من خلال الحوار أهمها؛ القانون الانتخابي وتوحيد الأجهزة والمؤسسات المنقسمة، وإجراء انتخابات فورية تشريعية ورئاسية وبلدية، وإشراك النواب المعتقلين بالعملية السياسية. ورأى أنه من أجل مواجهة التطورات السياسية الأخيرة، خاصة إعادة انتخاب بنيامين نتنياهو والمواقف اليمينية التي يحملها، يجب العمل على استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية أكثر من أي وقت سابق وتحقيق المصالحة.
الجلسة الثالثة:
الجلسة الثالثة من أعمال المؤتمر سلطت الضوء على العالمية في المصالحة والعدالة الانتقالية. وأدار الجلسة أ. نعيم جينا، المدير التنفيذي لمركز إفريقيا والشرق الأوسط. وضمت ورقة لكلٍ من د. ستيفن فريدمان، مدير مركز دراسة الديموقراطية في كلّ من جامعة رودس وجامعة جوهانسبرغ، ود. الحبيب بلكوش، مدير مركز الدراسات لحقوق الإنسان والديمقراطية في المغرب، وأ. بادريج ماكلوكلاين، عضو البرلمان الإيرلندي عن حزب الشين فين.
وتناول فريدمان في ورقته تجربة جنوب إفريقيا في المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، وقال أظن أن هناك أوجه شبه بين جنوب إفريقيا وفلسطيني بالنسبة للفصل العنصرية، وبالتالي حركة التحرير تتحقق في إيجاد مجتمع جديد، وتوفير أسباب النجاح.
وتحدث بلكوش عن التجربة المغربية في المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، شارحاً كيف تغلبت البلاد على الاختلافات والنزاعات السياسية، من خلال مرحلة توافقية جديدة عبر توافقات بين النخب السياسية والمؤسسة الملكية، فتحت أفقاً جديداً لتجربة تنبني على التراكم وتحسين آليات التدبير والحكامة وتوفير شروط الارتقاء بالبناء الديموقراطي ودولة المؤسسات بشكل متدرج.
وأكد أن معالجة انتهاكات الفترة الماضية ضرورية لإتمام أي مصالحة؛ فهي تمنح أملاً في المستقبل، مع ضرورة توقع التحديات والثغرات التي تواجهنا حالياً ومستقبلاً.
أما ماكلوكلاين فخصص ورقته للحديث عن تجربة إيرلندا في المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، وقال في سياقنا الوطني كان هناك تضارب ولكن في بداية التسعينيات بدأت الحركات تتحد وأدركنا أننا لوحدنا ولا لا يمكن أن نفعل شيئاً.
وأضاف: الرسالة التي أريد أن أنقلها هي أن أحثكم على الوحدة فهي حيوية ومهمة لكي تتفقوا جنباً إلى جنب ولكي تتغلبوا على عدوكم.
الجلسة الرابعة:
خُصّصت الجلسة الرابعة للحديث عن قضايا وإشكالات في أجواء المصالحة، وأدار الجلسة أ. اسيوب باهاد، الوزير الجنوب إفريقي السابق. وتضمنت أوراقاً لكل من أ. فدوى البرغوثي، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، ود. فريد أبو ضهير، أستاذ العلوم السياسية والصحافة، وأ. جابر سليمان، عضو مؤسس لمجموعة “عائدون” ومركز حقوق اللاجئين (عائدون) في لبنان، ود. ناصر عبد الجواد، النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني.
وأشارت البرغوثي إلى أن الانقسام، الذي تحول إلى انقسام سياسي وجغرافي، بدأ يطغى على المشهد الوطني، وأصبح عقبة كبرى تعطل قدرة الفلسطينيين على مواجهة التحديات. وشددت على ضرورة حشد كل الطاقات الفلسطينية لتغليب المصلحة الوطنية العليا، وإنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة على أسس وطنية وديموقراطية، وشراكة سياسية حقيقية.
ودعت البرغوثي إلى إطلاق عملية حوار وطني عميق واستراتيجي وشامل، والاستناد إلى كل الاتفاقات السابقة، ووثيقة الأسرى بشكل خاص، وإرساء شراكة كاملة، واعتبار منظمة التحرير المرجعية السياسية العليا والوطنية للشعب الفلسطيني. كذلك دعت إلى التمسك بمبدأ المقاومة الشاملة للاحتلال.
وفي ختام كلمتها قالت البرغوثي إن الانقسام أثر بشكل واضح على قضية الأسرى وأبعادها، وقالت إنه من غير المقبول السكوت على اعتقال قيادات فلسطينية بارزة ونواب التشريعي الفلسطيني.
وسلط أبو ضهير الضوء على دور وسائل الإعلام وتأثيرها على المصالحة الفلسطينية، مستعرضاً النتائج التي توصل إليها من خلال قيامه بعمل تحليل مضمون نوعي، لتغطية عدد من المواقع الإخبارية الإلكترونية المحسوبة على حركتي فتح وحماس خلال مطلع سنة 2015، وكيفية معالجة تلك المواقع للأخبار المتعلقة بالمصالحة الوطنية، وقد توصل إلى نتيجة مفادها أن عمل وسائل الإعلام في الحالة الفلسطينية تمحور حول أفكار الحركات التي تتبع لها هذه الوسائل، وسياساتها واتجاهاتها.
وأكد أنه بالرغم من وجود مهنية لدى كثير من الصحفيين، ولدى عدد من المؤسسات الإعلامية الفلسطينية، إلا أن السياسة العامة للمؤسسات الإعلامية ليست مهنية، وبذلك هي لا تساعد في نجاح عملية المصالحة الوطنية.
تحدث سليمان عن غياب دور اللاجئين الفلسطينيين في الحركة الوطنية، خاصة فيما يخص عملية المصالحة الوطنية، فقد تحول اللاجئون الفلسطينيون إلى مجموعة من الناس بحاجة إلى إغاثة ومعونة كي يبقوا على قيد الحياة، ولكن ليس هناك من دور حقيقي يعطى للاجئين الفلسطينيين؛ فقد اهتزت المكانة المركزية لقضية اللاجئين في الفكر السياسي الفلسطيني منذ توقيع اتفاق أوسلو. فمن الضروري إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في أماكن وجوده، فمن شأن ذلك أن يحاصر أية تأثيرات أو تداعيات سياسية سلبية على حقوق اللاجئين ووضعهم القانوني.
كما طرح سليمان إشكالية موضوع الدولة الفلسطينية ووضع اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم، ومن هم السكان الذين سيتم الاعتراف بهم كمواطنين في هذه الدولة؟ وهل هم سكان الضفة وقطاع غزة؟ وماذا عن فلسطينيي الشتات؟ وما هو مصير الفلسطينيين في فلسطين 1948. أخيراً إن تعزيز موقع فلسطينيي الشتات ودورهم في بناء منظمة التحرير والحفاظ على حقوقهم، يتطلب عدة خطوات وشروط وطنية كاملة.
الجلسة الخامسة:
تحدث الجلسة الخامسة عن المؤثرات الداخلية الفلسطينية على المصالحة، وأدار الجلسة د. عزام التميمي، مدير قناة الحوار ومدير مركز الفكر الإسلامي في لندن. وعرضت في الجلسة أوراق لكل من أ. منير شفيق، منسق المؤتمر القومي الإسلامي، ومدير دائرة التخطيط في منظمة التحرير الفلسطينية سابقاً، ود. أحمد سعيد نوفل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك الأردنية، وأ. هاني المصري، مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية – مسارات، ود. غادة الكرمي، محاضرة مشاركة في معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة اكسيتر، نائبة رئيس مجلس التفاهم العربي والبريطاني (CAABU).
تناول أ. منير شفيق في ورقته المهام والتحديات أمام الوحدة الوطنية الفلسطينية. وقال إن الانقسام الراهن بين الضفة الغربية وقطاع غزة والذي اتخذ شكل صراع فيما بين حماس وفتح، وقد شمل بقية فصائل المقاومة بشكل أو بآخر، لا يفسر بصراع على سلطة، ولا يُبسط بأنه خلاف يمكن أن يحل بالدعوة إلى الوحدة وإظهار مزاياها وبهجاء الانقسام وإبراز سلبياته، وإنما مرجعه خلاف سياسي له علاقة بالأهداف والاستراتيجية والسياسة.
وفي حديثه عن التحديات أشار إلى أن هناك قرار من حكومة الكيان الصهيوني بمنع الوحدة الوطنية حتى لو كانت تحت حكومة رام الله. وقال إن المشكلة الحقيقية أمام الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام تتمثل في وضع المقاومة في قطاع غزة، وفي وضع الاتفاق الأمني والاحتلال والاستيطان في الضفة الغربية. ثم هنالك إصرار من جانب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في رام الله، على استمراره بتبني استراتيجية المفاوضات والتسوية.
وفي ورقته التي جاءت تحت عنوان: “المصالحة الفلسطينية بين تحديات الأولويات وضبط مسارات المقاومة والتسوية” قال نوفل: إن على طرفي المعادلة العمل على إلى إنجاح المصالحة، لأن فتح وقيادة السلطة الفلسطينية واجهت رفضا إسرائيليًّا في المفاوضات، وكذلك حماس، فقد حاصرها تيار الثورة المضادة في مصر وامتداده ضمن تحالف إقليمي لمحاولة خلخلة قواعد الثورة في ليبيا، والسعي لحصار قطاع غزة بالتعاون مع “إسرائيل” بهدف إسقاط حماس وتهيئة القطاع للعودة إلى سيطرة السلطة الفلسطينية. كما خسرت غطاء سياسيًّا بتفكك محور الممانعة بعد خروجها من سورية، وتقليص الدعم الإيراني لها.
وأشار إلى أن المصالحة إذا دفعت باتجاه الاتفاق على قواسم مشتركة بين فتح وحماس والفصائل الأخرى من أجل المحافظة على القضية الفلسطينية؛ فهذا إنجاز كبير تقع مسؤولية تحقيقه على جميع الفصائل الفلسطينية وليس على عاتق حركتي فتح وحماس فقط.
وقال المصري إنه لا يمكن الجمع بين السلطة والمقاومة المسلحة، وبالتالي سلطة أوسلو لن تكون مقاومة مصالحة، ولا بد من تغيير جذري فيها حتى لا تكون عبئاً على المقاومة. وخاطب السلطة الفلسطينية بأن عليها أن تتخلى عن مسار التسوية.
وقال إن الكيان الإسرائيلي لا شك أنه استفاد الكثير من الانقسام، وأرئيل شارون انسحب من قطاع غزة معتقداً أن الانقسام سيعم فيه، وبالتالي يدرك العالم بأن الفلسطينيين غير قادرين على أن يحكموا أنفسهم. مضيفاً أن فلسطينيي الداخل أدركوا خطورة التفرق، وتوحدا بوجه الكيان الإسرائيلي ضمن القائمة العربية المشتركة.
وقال إن منظمة التحرير الفلسطينية بحاجة إلى إعادة بناء، وليست إصلاح أو ترميم، وإدخال حماس والجهاد فيها وهي على حالها، فالمنظمة بحاجة إلى إعادة تشكيل مسارها. وتساءل مستنكراً لماذا لا نبدأ بحوار وطني شامل لتشكيل ميثاق وطني.
واستعرضت د. الكرمي في ورقتها الثوابت الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني. وبينت أن الحقوق الفلسطينية المتمثلة بحقّ تقرير المصير، والحق بإقامة دولة مستقلة، وحقّ العودة إلى الأراضي المحتلة سنة 1948، كلها حقوق قد نص عليها القانون الدولي. لكنها لفتت إلى أن الاتفاقيات الدولية كاتفاقية مدريد، ومؤتمر أوسلو، وقرار مجلس الأمن الدولي 1397 بإقامة دولتين “مشروع حل الدولتين”، وخارطة الطريق سنة 2003، والمبادرة العربية للسلام سنة 2002، كل هذه الاتفاقيات ناقضت حق العودة بسبب اعترافها بالدولة اليهودية. وقالت إنه يتوجب القيام بحوار وطني ينتج عنه استراتيجية شاملة تتوحد تحتها جميع الفصائل الفلسطينية.
الجلسة السادسة:
تناولت الجلسة السادسة المؤثرات الخارجية على المصالحة الفلسطينية، وأدار الجلسة أ. ويلايل نهلابو، الممثل الخاص السابق لجنوب إفريقيا لمنطقة البحيرات الكبرى بإفريقيا، والسفير السابق في الولايات المتحدة الأمريكية والسفير السابق في إثيوبيا. وقدمت فيها أوراق كل من د. نظام بركات، الأستاذ متخصص في الدراسات الإسرائيلية، وأ. جواد الحمد، مدير عام مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان، وأ. شفيق شقير، الباحث المتخصص في المشرق العربي والحركات الإسلامية، و د. جارث لوبير، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بريتوريا.
تحدث د. بركات في ورقته التي تناولت تأثير الموقف الإسرائيلي على المصالحة الفلسطينية، عن الخلفيات السياسية لمواقف الأحزاب والقوى السياسية الإسرائيلية تجاه المصالحة الفلسطينية، ورصد بركات ثلاثة اتجاهات إسرائيلية رئيسية نحو عملية المصالحة؛ الاتجاه الأول، يرفض عملية المصالحة، ويرفض عودة السلطة إلى قطاع غزة، لأنه يرى في ذلك تعزيز موقف حماس وبرنامجها المقاوم. أما الاتجاه الثاني، فيدعو إلى التقارب مع السلطة، والعمل على إعادتها إلى قطاع غزة، وتفكيك برنامج المقاومة التي تمثله حماس. والاتجاه الثالث، يرى ضرورة القفز عن السلطة، وتجاهل الفلسطينيين، والتوجه للدول العربية المعتدلة لإبرام اتفاق سلام إقليمي معها، وبالتالي لا تهمه المصالحة الفلسطينية كثيراً.
وعرج على الإجراءات الإسرائيلية ضدّ المصالحة، والمخاطر الناتجة عن الإجراءات الإسرائيلية ضد المصالحة، وفي النهاية تكلم عن التقييم العام لخسائر “إسرائيل” ومكاسبها من المصالحة.
أما ورقة جواد الحمد فتناولت تأثير التحولات والثورات العربية على المصالحة الفلسطينية، وقال إن اندلاع موجات الربيع شكل متغيرا مهما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وشكل كذلك بيئة سياسية وجيوسياسية عربية جديدة فيما يتعلق بفرص وتحديات إنجاز المصالحة الوطنية الفلسطينية.
وفي حديثه عن التحديات الأساسية القائمة والمتوقعة خلال العامين القادمين على صعيد القضية الفلسطينية فتوقع الجمود العملي في خط المفاوضات وتفاقم المعاناة والحصار والاستفراد وضعف الموقف العربي الداعم، واستمرار النفس الحزبي والتنسيق الأمني مع الاحتلال بموازاة استمرار حصار قطاع غزة وعجز السلطة عن تقديم الخدمات للقطاع وربما حدوث خلخلة داخل التنظيمات باتجاه جيل قيادي شبابي جديد قد يغير المعادلة إن شكل اتصالات مبكرة بينه ونسق مواقفه قبل وصوله إلى القيادة في أي منهما.
وتحدث شقير عن تأثير العالم الإسلامي على المصالحة الفلسطينية… والدور الإيراني والتركي نموذجاً، وقال إنه لا يوجد في فلسطين حل واحد أو رؤية واحدة، فهناك أكثر من رؤية وهو ما يؤثر على الدول الإسلامية والعربية ورؤيتها للقضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن الدول الإسلامية البعيدة إذا أرادت
أن تباشر أي عمل فلسطيني فلا بد أن يمر عبر الدول العربية المجاورة. مضيفاً أن من العوامل التي تؤثر على موقف الدول الإسلامية هو العلاقة مع النظام الرسمي الأمريكي، وأولويات تلك الدول الإسلامية.
أما لوبير فتحدث عن المؤثرات الدولية على المصالحة، خصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي ودول البريكس، وتطرق إلى الخطوط العريضة للدعم الأمريكي لـ”إسرائيل”، وركز على دور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في عملية التسوية السلمية للقضية الفلسطينية.
وفي ورقته تحدث لوبير عن دور دول البريكس في القضية الفلسطينية، وتعاطفها مع معاناة الشعب الفلسطيني، وعن علاقتها مع “إسرائيل”، وانتقادها للاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني.
وأشار لوبير إلى أن هناك تحديات لإيجاد بيئة سلمية، من ضمنها تعزيز الوحدة الفلسطينية.
الجلسة السابعة:
خصصت الجلسة السابعة للحديث عن الحلول والآفاق المستقبلية، وأدار الجلسة أ. نافذ أبو حسنة، مدير قناة فلسطين اليوم الفضائية. وعرضت فيها أوراق كل من د. محمد اشتية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، (ألقاها نيابة عنه رفعت شناعة، أمين سر إقليم حركة فتح في لبنان)، وأ. سامي خاطر، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، وأ. كايد الغول، عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ود. مصطفى البرغوثي، أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية.
تحدث خاطر عن رؤية حماس لتحقيق المصالحة الوطنية، حيث أكد أن قرار المصالحة هو قرار استراتيجي وليس تكتيكياً ودليل ذلك هو المشاركة بالانتخابات التشريعية، وأكد حرص حماس على “مشاركة كل القوى الفلسطينية بالحكومة، ولكن كان هناك رفض واضح من حركة فتح”.
كما أن حماس وقعت اتفاق المصالحة في القاهرة 2011، ثم إعلان الدوحة في شباط/ فبراير 2012، كما شاركنا في الحوار الوطني 2003 وتوج عام 2005، ونص على إعادة بناء وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، ومع ذلك لم يقم أبو مازن بتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية.
هناك متغيرات وحقائق تدفع باتجاه إنجاز المصالحة والوحدة الوطنية، وهي:
1. وصول مسار المفاوضات إلى طريق مسدود
2. فوز نتنياهو بالانتخابات التشريعية.
3. الصمود الفلسطيني خلال عدوان 2014.
وقال إن هناك اتفاقاً لإتمام المصالحة، وبدأ بمبادرة الحركة بالخروج من الحكومة وتشكيل حكومة التوافق، والمطلوب تسريع اتخاذ الحكومة بمهامها في قطاع غزة، والعمل على إعادة بناء قطاع غزة، وقد أبدت حماس استعدادها للمساعدة في ذلك. فمن الضروري العمل على تطبيق المصالحة كرزمة واحدة وبطريقة متوازنة وليس انتقالية.
وأشار شناعة إلى أن الانقسام شكَّل جرحاً عميقاً ونازفاً في الجسم الفلسطيني، وسمَّم الأجواء الوطنية، وأدخل العلاقات الفلسطينية الداخلية في أزمات حادة. وقال إن حركة فتح قررت أن تتجاوز كافة التداعيات المؤلمة للانقسام، وأن تنخرط بجدية في الحوار مع حركة حماس.
واقترح شناعة خطة طريق لإنجاز المصالحة الكاملة، ودعا إلى الإلتزام بالوثائق التي وُقعت في القاهرة والدوحة ومخيم الشاطئ. ودعا إلى وضع خطة لمعالجة أوضاع الأجهزة الأمنية على أساس الكفاءة، والمهنية. وأشار إلى القرارات التي صدرت عن المجلس المركزي، وخاصة موضوع إعادة النظر في التنسيق الأمني.
وشدد على ضرورة الحفاظ على حكومة الوفاق الوطني، وتمكينها من أخذ دورها في الضفة وقطاع غزة، وعلى ضرورة اجتماع الإطار القيادي المؤقت كي يأخذ دوره. وقال إنَّ الخروج من الأوضاع المأساوية في قطاع غزة لا يتم إلاَّ باستلام السلطة المعابر، وإلا فإن الأزمة ستبقى تراوح مكانها. ودعا إلى اعتماد استراتيجية موحَّدة سياسياً وعسكرياً.
وفي ختام كلمته شدد شناعة على أن حركة فتح ليس لديها من خيار آخر سوى الوحدة الوطنية.
في حين قدم أ. كايد الغول رؤية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين للآفاق المستقبلية للمصالحة، مؤكداً أن الانقسام بواقعه ونتائجه وبغض النظر عن دوافعه، قد حقق مخطط “إسرائيل” بإشغال الفلسطينيين بسلطة يختلفون ويتقاتلون عليها.
وشدد على ضرورة الدعوة العاجلة للجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها إطاراً قيادياً مؤقتاً للقيام بمسؤولياتها المنصوص عليها في اتفاق المصالحة، والعمل على انتظام اجتماعاتها لمعالجة أي عقبات قد تعترض المصالحة، والبدء بحوار وطني شامل وعميق من أجل وضع استراتيجية وطنية شاملة، تعيد التأكيد على الحقوق الوطنية كافة، وعلى استخدام وتفعيل كل وسائل المقاومة.
تحدث البرغوثي عن حاجة فلسطينية إلى استراتيجية جامعة. فالوحدة لا تعنى ضبط المقاومة بل تصعيدها. وقال إن هناك حاجة إلى النضال بكافة أشكال المقاومة، وليس ضمن شكل واحد، وأشار البرغوثي إلى أهمية عملية مقاطعة البضائع الإسرائيلية المتمثلة بحركة BDS، كما أن هناك ضرورة لدعم الفلسطينيين المتواجدين على أرض فلسطين.
كما دعا البرغوثي إلى ضرورة وجود إطار قيادي فلسطيني موحد ضمن منظمة التحرير الفلسطينية، والعمل على تطوير المنظمة، وإلا يجب إيجاد بديل عن المنظمة تجتمع في أطره كافة القوى والفصائل الفلسطينية. كما أن هناك ضرورة لوقف كافة التدخلات الخارجية في موضوع المصالحة، وفي النهاية ليس هناك من ضرورة لعقد اتفاقات مصالحة جديدة، بل يجب العمل على تطبيق ما تمّ الاتفاق عليه.
الختام:
وفي ختام المؤتمر، شكر أ. نعيم جينا ود. محسن محمد صالح الجميع على المشاركة، وأكدا على أن الموضوع والأفكار التي تناولها المؤتمر كانت حيوية وذات طبيعة استراتيجية، وأن هناك أوراق عمل جادة، حركت نقاشاً مهماً، وأضاءت على نقاط تستحق المتابعة، وأن مركز إفريقيا والشرق الأوسط ومركز الزيتونة للدراسات والاستشارات سيسعيان لتطوير الأوراق إلى أوراق بحثية، وتطوير وتنضيج الرؤى.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 26/3/2015
أضف ردا