مدة القراءة: 9 دقائق

دراسة علميّة: رؤية حماس للإصلاح السياسي والاجتماعي في فلسطين … د. حافظ الكرمي (نسخة نصيّة HTML)

النص المعروض هو للصفحات الأولى من الدراسة العلميّة … للاطلاع على الدراسة كاملةً اضغط هنا  (32 صفحة، 1.12 MB)

دراسة علميّة: رؤية حماس للإصلاح السياسي والاجتماعي في فلسطين … د. حافظ الكرمي* [1]

مقدمة:

تعدُّ حركة حماس نفسها، حسب أدبياتها ، حركة جهادية بالمعنى الواسع لمفهوم الجهاد، وهي جزء من حركة النهضة الإسلامية الهادفة إلى إصلاح شأن الأمة في الجوانب المختلفة، وبخاصة في الجانبين السياسي والاجتماعي، وترى أن النهضة والإصلاح هما المدخل الأساسي لتحرير فلسطين.

والحركة تؤكد كثيراً على رؤيتها الهادفة لبناء مجتمع فلسطيني مدني متطور، وإصلاح النظام السياسي والاجتماعي الفلسطيني، بما ينجز الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، آخذين بعين الاعتبار تسلط الاحتلال الإسرائيلي على الأرض والشعب، وتدخلاته المباشرة في تفاصيل الحياة الفلسطينية.

إن الباحث في هذا الشأن لا بدّ أن يسبر غور عدد من المصادر المهمة، وأن يغوص فيها لبناء صورة واضحة لهذه الرؤية الإصلاحية. ولعل من أبرز هذه المصادر المعبرة بشكل صادق وواقعي عن هذه الرؤية، ميثاق الحركة ووثائقها المختلفة وبياناتها. كما أن تجربة الحركة في الانتخابات النقابية والبلدية والبرلمانية، وتشكيلها للحكومة بعد فوزها في الانتخابات البرلمانية سنة 2006، وما صدر عنها بهذا الخصوص من برامج انتخابية وتطبيقات ميدانية، تشكل مصدراً ثرياً لاستكمال جميع أطراف هذه الصورة؛ على أن لا ننسى أن حركة حماس هي جزء من جماعة الإخوان المسلمين العالمية، كما جاء في ميثاقها ، وهي بذلك تستقي رؤيتها الإصلاحية للشؤون السياسية والاجتماعية من فكرها ومنهجها.

أولاً: رؤية حماس للإصلاح السياسي:

1. رؤية حماس لمفهوم العمل السياسي:

إن تحديد رؤية حماس لمفهوم العمل السياسي يتطلب أولاً: تحديد مدلول هذا المصطلح، فالسياسة تعني في معناها اللغوي: “القيام على الشيء بما يصلحه” ، أما معناها الاصطلاحي فيشير إلى أنه “فن ممارسة القيادة والحكم وعلم السلطة…، الذي ينظم الحياة العامة ويضمن الأمن ويقيم التوازن والوفاق، من خلال القوة الشرعية والسيادة بين الأفراد والجماعات…” . وحركة حماس لا تبتعد كثيراً في رؤيتها للعمل السياسي عن هذا المفهوم، فهي بجانب كونها حركة تحرر وطني، فإنها أيضاً حركة سياسية إسلامية: “الإسلام منهجها، منه تستمد أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها عن الكون والحياة والإنسان، وإليه تحتكم في كلّ تصرفاتها ومنه تستلهم خطاها…” .

إن حماس، ومنذ نشأتها، لم تغفل ولم تبتعد عن العمل السياسي، فهي ابنة جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، فإلى جانب مشاريعها الدعوية والتربوية والجهادية المختلفة، كانت تمارس السياسة بأشكال مختلفة، فانتقلت بشكل سلس من تنظيم الندوات والمهرجانات السياسية وإصدار البيانات والمنشورات المعبرة عن آرائها السياسية، إلى القيام بالتظاهرات والإضرابات وأشكال الاحتجاج الأخرى، ومن ثم دخول معترك الانتخابات الطلابية والنقابية والشبابية المختلفة، التي كانت وجهاً آخر للعمل السياسي، في ظلّ المنع والقمع الذي كانت تمارسه قوات الاحتلال ضدّ الحركات الفلسطينية بشكل عام وحركة حماس بشكل خاص .

اعتمدت حماس في تبيان وجهة نظرها السياسية ابتداء على إصدار البيانات والمنشورات والمذكرات الداخلية، التي كانت أهم وسيلة سياسية من وسائل الحركة في التعبئة الجماهيرية. وأسهمت بشكل واضح في التوعية، والتثقيف، والتوجيه، وتنمية روح المقاومة، وتكرست كوسيلة أساسية بين حركة المقاومة وبين الجماهير، مما عزز الثقة بين الطرفين . وسعت حماس أيضاً من خلال مفهومها للعمل السياسي، إلى محاولة كسب التأييد الجماهيري لرؤيتها للقضية الفلسطينية؛ فدخلت في الانتخابات في القطاعات المختلفة، حيث كانت هذه المواقع النقابية من أهم وسائل حماس في العمل السياسي في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وكانت الأحداث السياسية المتسارعة تفرض أشكالاً مختلفة للعمل السياسي، من حيث تطور هذا المفهوم وحسب الحاجة. فقد أدى مؤتمر مدريد سنة 1991 مثلاً إلى إفراز صيغة جديدة للعمل السياسي في الحركة؛ فقامت بالعمل على بناء تحالف سياسي من عدة فصائل فلسطينية، ينظر إليه على أنه تطور لافت في عمل حماس السياسي، حيث خرجت من خلاله من إطار مخاطبة أنصارها في الساحة الفلسطينية، إلى مخاطبة الخارج وبناء علاقات سياسية محلية وإقليمية ودولية ، كما أنها خرجت من عقلية الإعلان عن مواقفها ورؤاها السياسية من البيانات والمنشورات، إلى إيجاد مكتب سياسي ظاهر للعلن، ورموز سياسية ناطقة باسم الحركة تتعاطى بشكل يومي مع الأحداث الفلسطينية المتتابعة.

لقد أدركت حماس مبكراً، أن العمل المقاوم لا بدّ له من عمل سياسي ورؤى استراتيجية لدعمه واستثماره حتى يؤتي أُكله، وأنها بحاجة إلى مؤسسات فكرية، واجتماعية، وثقافية، وتعليمية، ومدنية، لتسانده لضمان الاستمرار والصمود… وأنه لا بدّ من السعي لإظهار الحجم والثقل السياسي للحركة، وتمثيله في الشارع .

لذلك وجدنا حماس في فترات لاحقة —وهي تسير ضمن هذه الرؤية— تسارع في خطواتها وعملها السياسي لتصل إلى المنافسة على الانتخابات العامة البلدية والبرلمانية؛ فكان القرار بدخول الانتخابات في المواقع كافة، حيث رأت أن ذلك من أهم الوسائل لتحقيق رؤيتها السياسية ، وذلك للمحافظة على وجودها، ولطرح رؤيتها للإصلاح السياسي، ولتحويل الرؤية النظرية إلى واقع سياسي ملموس.

2. محددات العمل السياسي لحركة حماس:

إن حماس وهي تلج هذا المعترك المحفوف بالمزالق، وضعت لنفسها مجموعة من المحددات تعمل من خلالها ولا تتجاوزها، وبخاصة في عمل متحرك لقضية متشابكة كالقضية الفلسطينية. فهي بالإضافة إلى كونها تعمل لمصلحة شعبها، إلا أنها كأي فصيل سياسي لها رؤيتها التي تربطها مع هذه المصلحة. فهي ترى أن هذا العمل لا بدّ أن يراعي مفهوم الحق والعدل المُعَبر عنه بـ”المشروعية” مع مراعاة الأولويات، بحيث لا يؤدي إلى العزل السياسي، أو الانزلاق في مخططات لا تتوافق مع منهجها وفكرها. فقد أكدت في برنامجها الانتخابي لسنة 2006 على هذا المعنى بالقول:”إن غياب الثوابت أو المرجعيات، أو عدم وضوحها يُدخل شعبنا في تجاذبات وتناقضات، تستهلك جهده وطاقته، وتضيع عليه الفرص والوقت، وتختل بوصلته ويطمع فيه عدوه… أما نحن فتحركنا تنظمه مجموعة ثوابت محددة، ونراها محل اتفاق ليس على صعيد معظم شعبنا فحسب، وإنما على صعيد أمتنا العربية والإسلامية ” .

لقد حددت حماس لنفسها مجموعة من المبادئ تلتزم بها في أثناء توغلها في العمل السياسي، فهي تعي ضرورة التمسك بالثوابت الكلية المستندة إلى دوائر الفكر الإسلامي “الحق والباطل”، ودوائر الشرع “الحلال والحرام” . وهذا ما عبَّر عنه البرنامج الانتخابي لكتلة التغيير والإصلاح التابعة للحركة بالقول: “الإسلام الحنيف ومنجزاته الحضارية مرجعيتنا ونهج حياتنا، بكل مكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية” . وكانت مع تحركها باتجاه الثوابت، تعي إمكانية القبول بتحقيق أهداف جزئية لا تتعارض مع الثوابت الكلية أو تنتقص منها. ومن ذلك مثلاً أن حماس ترى أرض فلسطين هي أرض لا يجوز التنازل عن أيّ جزء منها، وهي تعدُّ ذلك ثابتاً من الثوابت، فجاء في برنامجها الانتخابي: “فلسطين التاريخية جزء من الأرض العربية والإسلامية وهي حقّ للشعب الفلسطيني لا يزول بالتقادم، ولا يغير من ذلك أيّ إجراءات عسكرية أو قانونية مزعومة” . كما أن التحرك باتجاه الشرعي القطعي لا ينفي عملية الموازنة بين الأولويات وأدوات الموازنات: “أي الظني المتحرك ضمن القطعي وليس العكس” .

آمنت حماس بالحريات السياسية للجميع، وأكدت على مبدأ التعددية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع والتداول السلمي للسلطة، وعدَّت ذلك الإطار هو الناظم للعمل السياسي الفلسطيني، والضامن للإصلاح ومحاربة الفساد، وبناء مجتمع مدني فلسطيني متقدم . وبما أن المقاومة للاحتلال وسيلة أساسية في نهج الحركة، فإن الخروج إلى هدنة مؤقتة من أجل الدخول في انتخابات سياسية لا يعني التخلي عن هذا النهج، ولذلك قالت في ميثاقها: “وحركة المقاومة الإسلامية حلقة من حلقات الجهاد في مواجهة الغزوة الصهيونية، تتصل وترتبط بانطلاقة الشهيد عز الدين القسام وإخوانه المجاهدين من الإخوان المسلمين عام 1936، وتمضي لتتصل وترتبط بحلقة أخرى تضم جهاد الفلسطينيين وجهود وجهاد الإخوان المسلمين في حرب 1948، والعمليات الجهادية للإخوان المسلمين عام 1968م وما بعدها…” . وبالتالي فقد وضعت لنفسها في أثناء اتخاذها لقراراتها الاعتماد على تمثل المبادئ السابقة، مع مرونة تدور في موازنات ومصالح الحركة وتقديراتها السياسية للمعادلة الداخلية والخارجية وحساباتها للصالح والأفضل لمشروع التحرير على وجه الخصوص .

ومن هنا يمكن القول إن الإصلاح السياسي في مفهوم حماس، يشمل كافة الخطوات المباشرة وغير المباشرة التي تقع ضمن هذا المفهوم وضمن المحددات التي وضعتها الحركة في ميثاقها وفي برنامجها لكتلتها الانتخابية “التغيير والإصلاح”، الذي خاضت الانتخابات النيابية على أساسه سنة 2006، وإنها سعت بكل الوسائل الممكنة للوصول برؤيتها الإصلاحية إلى كافة المؤسسات السياسية المؤثرة في العمل السياسي الفلسطيني.

3. رؤية حماس للإصلاح السياسي من خلال المؤسسات السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة:

لقد شاركت الحركة في انتخابات المجتمع المدني النقابية والبلدية والطلابية والشبابية منذ فترة طويلة كما أسلفنا، لأن الانتخابات وسيلة مهمة للإصلاح السياسي في فكر حركة حماس السياسي. وكثيراً ما يشير قادة الحركة ورموزها إلى الدور التأسيسي الذي قامت به الكتل الطلابية التابعة للحركة، منذ السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين وحتى تاريخ اندلاع الانتفاضة الأولى سنة 1987 للعمل السياسي للحركة، حيث كانت هذه الكتل الطلابية الوعاء الأول للوجود السياسي للحركة الإسلامية في فلسطين. وأصبحت هذه الانتخابات تكتسب أهمية خاصة بعد ذلك في أثناء التنافس الشديد مع منظمة التحرير الفلسطينية  على كسب الأنصار داخل الساحة الفلسطينية. وقد بين الشيخ أحمد ياسين، مؤسس الحركة، أهمية الانتخابات بالقول: “… مما هو مطروح اليوم على الساحة الفلسطينية قضية الانتخابات التي يتردد الإسلاميون بين موافق على دخولها ومعارض، ولكن أرى أن الدخول فيها خير من عدمه، لأننا نعارض ما يجري في الشارع، فلماذا لا نعارض في قلب المؤسسة الشرعية” .

وهذا يوضح أن رؤية حماس للإصلاح السياسي في الساحة الفلسطينية تركز على العمل من داخل المؤسسة لأنه أجدى وأنفع من العمل خارجها؛ ولكن مع كلّ ذلك فإن دراسة متفحصة في فكر حماس وواقع مشاركتها في هذه الانتخابات تبين أنها تفرق بين نوعين من الانتخابات، لكل نوع طبيعة خاصة، وبالتالي ينبني عليها موقف مختلف. فبينما كانت تشارك بحماسة في الانتخابات الطلابية والنقابية والبلدية، لإظهار ثقلها في الشارع، إلا أنها تريثت بشكل واضح في المشاركة في الانتخابات العامة السياسية المرتبطة بمشاريع التسوية كالحكم الذاتي أو اتفاق أوسلو، والتي تَحدّدَ موقف حماس بشأنها على أسس رؤيتها لمصالح الشعب الفلسطيني ومصالحها السياسية . فقد امتنعت عن المشاركة في انتخابات سنة 1996، وامتنعت عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية سنة 2005، ثم حين توفرت الظروف الموضوعية والذاتية للحركة شاركت في انتخابات المجلس التشريعي 2006.

ولما كان الإصلاح السياسي الشامل لا يتحقق إلا بدخول المؤسسة السياسية، فقد أعلنت حماس عشية قبولها دخول الانتخابات التشريعية سنة 2006 أن هدفها من ذلك هو: “محاربة الفساد الذي استشرى في أوساط الشعب، وأصبح من الظواهر الكبرى التي تحتاج إلى علاج سريع وفعال، لأن كافة أهلنا في الضفة والقطاع يتضررون بسبب هذه الممارسات الفاسدة. وإن محاربة الفساد هو واجب الحركة، وإن إيقاف هدر المال العام وتكريس مبدأ المحاسبة والشفافية، والانتصار للمظلوم كلها تدخل في مهمات الحركة” . لذا انخرطت حركة حماس في المشروع السياسي الفلسطيني من منافذه الرسمية والمعترف بها عالمياً؛ وخاضت أربع جولات من الانتخابات المحلية والبلدية في قطاع غزة والضفة الغربية سنة 2005، لأنه كما قالت: “إن من حقّ أهلنا أن يحيوا حياة كريمة، وألا تبدد حقوقهم وأن تتكافأ أمامهم الفرص، وأن الحركة ستسعى لأن يكون المجلس التشريعي منبراً لحماية الناس وحقوقهم، ولكشف الفاسدين والمفسدين” .

لقد أوضحت نتائج الانتخابات البلدية أن حماس شريك مهم، بل الأهم في الساحة الفلسطينية، لها وزنها في الشارع الفلسطيني حيث نجح مرشحوها في الحصول على مقاعد البلديات المهمة، والأكثر تعداداً للسكان. وقد تمتعت حماس بمرونة سياسية جعلتها تفضل تشكيل قوائم مشتركة وتحالفية مع القوى الأخرى، التي تخالفها في الرؤية الأيديولوجية، ولكن لا تخالف رؤيتها الإصلاحية للمؤسسات السياسية الفلسطينية، وكانت هذه التحالفات تعطي الحركة عمقاً بشرياً مهماً من الأنصار والمؤيدين خارج أطر صفوفها .

لم تلزم الانتخابات البلدية حماس بتقديم أثمان سياسية بينما الانتخابات التشريعية والرئاسية التي تكون على أسس سياسية قد تدفع إلى تقديم مثل هذه الأثمان من أجل خدمة المجتمع الفلسطيني، وبخاصة العلاقات الاضطرارية مع الاحتلال في المعاملات اليومية الخاصة بالناس تحت الاحتلال .

إن التأييد الشعبي الذي حصلت عليه حماس في الانتخابات النقابية والمهنية والبلدية منذ ثمانينيات القرن العشرين، كان دافعاً لها للدخول في الانتخابات التشريعية الفلسطينية 2006، وباعتبارها نتيجة منطقية لاستراتيجيتها خلال السنوات الأخيرة ولحركتها على أرض الواقع الفلسطيني، التي قامت على البحث والمشاركة الفعالة والتدريجية في السلطة، الأمر الذي عكس مدى أهمية الانتخابات في استراتيجية الحركة.

إن دخول معترك العمل السياسي المباشر وبزخم كبير لم يكن بالأمر السهل الذي تقدم عليه حماس، لأن قواعدها وجمهورها كان معبأ بشكل واضح ضدّ اتفاقيات أوسلو وجميع إفرازاتها (المجلس التشريعي، والحكومة الفلسطينية). فرؤية حماس الإصلاحية للمؤسسة الفلسطينية مهمة، ولكن ليست بأهمية الحفاظ على صفها الداخلي من التمزق والانهيار، إذا ما تمّ الأمر بطريقة غير صحيحة ومتعجلة، فحرصت أن يكون قرار دخولها الانتخابات التشريعية هو رأي أغلبية مؤسساتها، وقيادتها الرئيسية، وكوادرها الميدانية. ولذلك عملت على توسيع دائرة استشاراتها على كافة المستويات وفي جميع المناطق الجغرافية في الضفة الغربية وغزة والشتات، وأن يكون للأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال كلمتهم ورأيهم. ودعمت ذلك بدراسات شرعية وحركية معمقة، توازن بين الإيجابيات والسلبيات لمثل هذه المشاركة ، وكان الرأي، لدى الأغلبية، واضحاً باتجاه المشاركة في الانتخابات التشريعية التي عقدت في 25/1/2006.

وهكذا، وبعد أن حصَّنت حماس صفها الداخلي واستكملت استعداداتها الداخلية، بدأت في طمأنة شركائها الوطنيين على أن رؤيتها الإصلاحية للعمل السياسي الفلسطيني لا تعني تهميش أو إقصاء الآخر. فأكدت دائماً على مبدأ الشراكة السياسية الفعالة والحقيقية من أجل المحافظة على الوحدة الوطنية وبناء البيت الفلسطيني، لأن المسؤولية كبيرة وعظيمة. فالحركة، حسب وجهة نظرها، وبتبنيها لهذه الرؤية، تتمسك بتطلعات الشعب الفلسطيني وأهدافه وانشغالاته، ووضح إسماعيل هنية ذلك بالقول: “لا يمكن لشخص أو فصيل مهما كانت قوته ونفوذه أن ينفرد بإدارة الصراع مع العدو أو مشروع التحرير، وستبقى الحركة وفيَّة للقدس ولحق العودة للاجئين، وللإفراج عن كافة الأسرى في سجون الاحتلال الذين يشكلون عنواناً جهادياً عظيماً” .

لقد كان واضحاً أن تاريخ الحركة الجهادي وعملياتها ضدّ الاحتلال الصهيوني تعطيها قوة دفع شعبية كبيرة، ولكن العمل السياسي لا يعيش فقط على التاريخ، فلا بدّ من وجود برنامج إصلاح حقيقي يقنع الناس لتسليم دفة القيادة السياسية لحماس دون غيرها. ولذلك رفعت حماس شعار “التغيير والإصلاح”  في دعايتها الانتخابية للمجلس التشريعي 2006. وتعهدت حماس بمحاربة الفساد والمفسدين، وهو أمر التف حوله الشارع الفلسطيني وأيده وسانده، لأنه عانى من انتشار هذه الظاهرة وما تبعها من تداعيات خطيرة على مجتمع يقاوم ويضحي ويواجه عدواً شرساً، يستخدم هؤلاء الفاسدين كأداة من أدواته، من أجل الهيمنة والسيطرة على مقدراته، وتفتيت وحدته، وإفساد مقاومته، وتبديد حلمه في الحصول على الحرية والاستقلال؛ فكان هذا هو الوقت المناسب، برأي حماس، لتكون بجانب شعبها من خلال العمل السياسي والتشريعي، لمواجهة مثل هذه التحديات. كما تبنت حماس هتافاً خاصاً بالانتخابات هو: “يد تبني ويد تقاوم” ، وهو شعار قليل الكلمات ولكنه يحفر عميقاً في وجدان الشعب الفلسطيني ويعطيه الكثير الكثير من المعاني والدلالات.

[1]   حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة ويستمنستر، رئيس مجلس شورى الرابطة الإسلامية في بريطانيا في الفترة 2003–2005، رئيس المنتدى الفلسطيني لثلاث دورات متتالية 2006–2013، عضو المكتب التنفيذي والمسؤول الإعلامي لهيئة علماء فلسطين في الخارج منذ 2009 وحتى الآن، وعضو أمناء جمعية قطر الخيرية في بريطانيا منذ 2012 وحتى الآن. له عدد كبير من الكتب والأبحاث والمقالات والتقارير المنشورة في الصحف والمجلات. ولهُ مشاركات في عدد كبير من البرامج التلفزيونية.

 

النص المعروض هو للصفحات الأولى من الدراسة العلميّة … للاطلاع على الدراسة كاملةً اضغط هنا  (32 صفحة، 1.12 MB)