تقدير استراتيجي (78) – تموز/ يوليو 2015.
ملخص:
وجد اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في سورية (نحو 630 ألفاً) أنفسهم في قلب الأزمة السورية، ومعظمهم يعيش نكبة جديدة بكل المعايير. ولجأ نحو 270 ألفاً منهم إلى ملاذات أكثر أمناً داخل سورية، وغادر أكثر من مئة ألف إلى الخارج أما الباقون، فهم تحت النار والحصار.
ولا يبدو أن السيناريوهات المحتملة في المدى القريب المنظور تعطي أفقاً إيجابياً لمستقبل فلسطينيي سورية، فسواء استمر الصراع الحالي أم حدث تفكك للدولة السورية إلى كيانات طائفية وعرقية، فإن معاناتهم ستستمر، بالإضافة إلى تراجع وضمور أعدادهم. وقد يتوقف التدهور في وضع فلسطيني سورية إذا ما توصلت الأطراف المتصارعة، بدعم من البيئة الإقليمية والدولية، إلى تسوية سياسية تحافظ على الدولة السورية ووحدتها؛ غير أن عودة الوضع الفلسطيني إلى ما كان عليه سيبقى مرتهناً بمجموعة من العوامل المرتبطة أساساً بشكل النظام الجديد وقوته واتجاهاته السياسية، وقدرته على التعامل مع الضغوط والإملاءات الخارجية.
أما السيناريو النهضوي الوحدوي فهو وإن كان خياراً مرغوباً فإنه ما زال مساراً بعيد المنال في المرحلة الراهنة.
ويبقى أن مرجعية فلسطينية موحدة تملك رؤية سياسية لمقاربة وضع اللاجئين هناك، ستسهم في إفشال مشاريع تصفية قضيتهم ووجودهم في مخيماتهم وفي سورية بشكل عام.
مقدمة:
قبيل اندلاع الأحداث في سورية في ربيع 2011، كان يعيش فيها نحو 560 ألف فلسطيني جُلُّهم من لاجئي 1948، وكان يفترض لهذا العدد أن يصل إلى 630 ألفاً في سنة 2015 لولا تطور الأحداث الدامية. ويتمتع الفلسطينيون المقيمون في سورية منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي بكافة الحقوق المدنية للمواطن السوري، باستثناء الجنسية وحقّ الانتخاب.
أولاً: ظهور الأزمة وتصاعدها:
منذ بداية الأزمة السورية في درعا اقتصر التحرك الفلسطيني على الدور الإنساني، وبدا لشهور طويلة، أن مشاركة الفلسطينيين في الأزمة السورية كانت خافتة؛ إذ إن التأثُّر بالأحداث السورية جاء تدريجياً.
ومع توسُّع رقعة الاحتجاجات، كان يتوسع تأثر الفلسطيني وتأثيره، كما حصل في مخيمات حمص وحلب واللاذقية. وقد حدث التحوُّل الكبير عندما انتقلت موجة الاحتجاجات والاشتباكات إلى العاصمة السورية دمشق وريفها، التي تحتضن الجزء الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين.
واستمر الوضع على هذه الحال، إلى أن قصف النظام بواسطة طائرات الميغ في 16/12/2012 مسجد عبد القادر الحسيني الذي كان يؤوي أكثر من 500 نازح، معظمهم من الأطفال والشيوخ، وقتل منهم ما يزيد على 160. وقد شكلت هذه الحادثة منعطفاً في الدور الإنساني للفلسطيني تجاه أخيه السوري نتيجة نزوح أكثر من 80% من أبناء المخيم، فضلاً عن النازحين الذين كانوا فيه.
وانقسم الفلسطينيون في آرائهم بين داعم لنظام الرئيس الأسد ومؤيد لمطالب المحتجين منذ اندلاع الأحداث في سورية، وكلٌّ له مبرراته. قسم منهم دخل تحت عباءة النظام، وقسم آخر دخل تحت عباءة المعارضة، ومن شارك منهم مع طرفي الصراع لم يشارك ضمن رؤية وطنية فلسطينية أو ضمن توافق فلسطيني. استشهد كثير منهم في عمليات الإسعاف أو القصف، أو حتى بحكم وجودهم وتوزعهم الجغرافي. في البداية، كان خيار الفلسطينيين واضحاً، وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية بين النظام والمعارضة. والطرفان كانا مع تحييد الفلسطينيين، بسبب رمزية قضيتهم لأبناء الشعب السوري كافة، ولم تنتقد الغالبية العظمى من السوريين خيار النأي بالنفس. ولا يلغي ذلك أن بعض المعارضين شنوا هجوماً على الفلسطينيين لعدم “ردّ الجميل” ودعم الشعب، فيما هاجمهم بعض المسؤولين السوريين التابعين للنظام، وذهب أحدهم إلى إلقاء المسؤولية عليهم لضلوعهم في “مؤامرة” تستهدف سورية ودورها “الممانع”. ومع تطور الأحداث، دعا مسؤول بارز الفلسطينيين دون تحديدهم بالاسم إلى احترام تقاليد الضيافة.
وقد أجمعت معظم التنظيمات والفعاليات الفلسطينية على عدم السماح بتحويل المخيمات إلى جزر أمنية، وعلى ضرورة عدم زجّ المخيمات في الصراع المسلح، والاقتصار على الدور الإغاثي والإنساني في دعم المتضررين والنازحين وتوفير أماكن الإقامة لهم ودعمهم مادياً، ومنع انتقال القتال إلى المخيمات.
فرض عناصرُ النظام منذ منتصف سنة 2013 حصاراً خانقاً على مخيم اليرموك والمخيمات القريبة منه، كمخيم سبينة والحسينية، ودفع أبناء هذه المخيمات ـ وما زالوا ـ ضريبة وقوفهم الإنساني وعملهم الإغاثي إلى جانب أشقائهم السوريين، وهي ضريبة كبيرة تجلت في أشكال متعددة من خطف وقصف وحصار وإعدام على الحواجز، … وغيرها. كذلك عانت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية، بشكل عام، من عدم توافر أدنى مقومات الحياة من خبز ووقود وكهرباء واتصالات وطبابة واستشفاء.
وقد سبّب الصراع القائم في معظم المخيمات والتجمعات الفلسطينية تهجيراً داخلياً متكرراً، كما تسبَّب بضرب النسيج الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في سورية، وكذلك اللجوء إلى بلدان أخرى. وتُقدِّر وكالة الأونروا أن نحو270 ألف لاجئ فلسطيني أصبحوا مهجَّرين داخلياً في سورية، وأن أكثر من مئة ألف صاروا مهجرين خارجياً. وأصبحت بعض المخيمات الفلسطينية في سورية ساحات حرب، وخضع بعضها الآخر لحصار مشدد من قبل الجيش النظامي وفصائل فلسطينية موالية له، كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، وجبهة النضال الفلسطيني، وفتح الانتفاضة، (تحت ذريعة وجود قوات للمعارضة السورية) حيث تمارس هذه القوات مجتمعة دوراً رئيسياً في تشديد الخناق عليها؛ مما أوجد أوضاعاً معيشية مأساوية للاجئين والسكان، خصوصاً بعد فقدان الأساسيات الضرورية للحياة كالغذاء والدواء والماء.
وفي مقابل الحملة الشرسة من النظام، تعرض الكثير من الأهالي الباقين في مخيم اليرموك لانتهاكات من قبل بعض كتائب وفصائل المعارضة والجيش الحر، وحصلت مئات من حالات السرقة للبيوت واحتلال بعضها وهدم جدرانها الداخلية، وحرق بعض المنازل بدعوى ملكيتها لـ”شبيحة النظام”. كذلك، حصلت العديد من حالات التهديد والاستفزاز، مما سبّب شعوراً بالحنق والغضب من قبل الأهالي، وصدرت العديد من النداءات والبيانات لوقف الانتهاكات. ولم يقتصر الأمر على مخيم اليرموك، ولكن شملت هذه الانتهاكات أيضاً بعض الأهالي في مخيم خان الشيح بريف دمشق ومخيمي النيرب وحندرات في مدينة حلب خلال مراحل زمنية متفرقة.
وكان التطور الأبرز في سنة 2015 هو اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لمخيم اليرموك وما ترتب عليه. فبعد دخول داعش للمخيم أصبح مهدداً بكارثة إنسانية؛ مع الإشارة إلى أنه طوال فترة الحصار صدرت العديد من النداءات لفك الحصار وإيقاف القصف، وجرت الكثير من المحاولات والمبادرات لفك محنة المخيم وعودة المهجرين إليه، إلا أنها باءت بالفشل؟!
إن إشراك الفلسطينيين في المعركة لم يغيّر كثيراً من توازن القوى بين المعارضة والنظام، غير أنه انعكس سلباً على أوضاع النازحين والمهجرين، وصبّ (باعتبار النتيجة، وبغضّ النظر عن النوايا) في خدمة مخططات “إسرائيل” لتدمير سورية وتهجير الفلسطينيين بعيداً عن دول الطوق باتجاه أقاصي الأرض. وقد كان ينبغي أن يقتصر الدور الفلسطيني على الدور الإنساني، الذي يمكن أن يقدم فيه للشعب السوري الشيء الكثير في ظل فقدان الخيارات التي يمكن اللجوء إليها وقت الشدائد، فالحقيقة أنّ نسبة الفلسطينيين في سورية ليست نسبة تأثير ميداني (2.5%)، بل إن قوة تأثيرهم تكمن في رمزية قضيتهم.
وبشكل عام فقد قُتِل أو توفى نحو 2900 فلسطيني في سورية حتى أواخر شهر حزيران/ يونيو 2015.
ثانياً: اللجوء خارج سورية:
إن معظم فلسطينيي سورية لم يكونوا راغبين في حزم حقائبهم والانتقال إلى مغتربات خلف البحار والمحيطات بعيداً عن بلاد الشام التي احتضنتهم، وخصوصاً أنهم ما زالوا يحلمون بتحقيق حلم العودة بمساعدة إخوانهم السوريين.
وفيما يتعلق بفلسطينيي سورية الذين اضطروا للجوء إلى لبنان، والذين يقدر عددهم حالياً بنحو 52 ألفاً، فتُظهر جميع المعطيات ارتفاع مؤشرات البؤس في صفوفهم نتيجة الظروف المعيشية الصعبة التي يعانون منها، وعلى رأسها التعامل معهم كسائحين، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات تجعل عملية دخول القادمين من سورية عملية صعبة ومعقدة.
والحال ليس أفضل في الأردن، فحتى كتابة هذا التقدير يمنع اللاجئ الفلسطيني السوري من دخول الأردن بصورة نظامية، غير أن هناك نحو 11 ألف لاجئ تمكنوا من دخول الأردن. وما زال نحو 120 لاجئاً منهم مقيماً في تجمّع سايبر سيتي في ظروف إنسانية سيئة، وهم ممنوعون من الخروج أو حتى التواصل مع العالم الخارجي، كما تذكر بعض التقارير.
وفي تركيا ترفض السلطات منح اللاجئ الفلسطيني السوري تأشيرة دخول نظامية، والعدد الإجمالي للموجودين فيها يُقدَّر بستة آلاف لاجئ، 75% منهم يسكنون في محافظات الجنوب، والباقي في إسطنبول، وأكبر تكتل سكاني لهم خارج المخيمات هو في كيليس. أما داخل المخيمات، فهو مخيم ماردين.
كما تعددت الدول الأوروبية التي توجّه إليها اللاجئون الفلسطينيون من سورية علّهم يجدون فيها الكرامة والأمان. وكانت السويد، وألمانيا، وهولندا، والدانمارك، والنرويج، والنمسا، وبلجيكا، وبريطانيا، وفرنسا من الوجهات الأساسية لهم؛ وقد بلغ مجموع من تمكن منهم من الوصول إلى أوروبا نحو 36 ألفاً. وقد توفي كثير من فلسطينيي سورية غرقاً نتيجة محاولاتهم الهجرة إلى أوروبا عبر “قوارب الموت” أو قوارب الهجرة غير الشرعية. ففي 11/10/2013 توفي نحو 200 لاجئ فلسطيني من سورية غرقاً. وفي 6/9/2014، غرق قاربٌ يحمل 400 لاجئ ولم ينج سوى 11 لاجئاً، وكان من بين الغرقى عدد كبير من فلسطينيي سورية…
وقد واجهت من اختار الخروج من فلسطينيي سورية عثرات في الطريق أجبرتهم على إصدار عشرات المناشدات والنداءات من داخل السجون الأوروبية كما في قبرص، واليونان، وصربيا، ومقدونيا، وبولندا… ، أو من السجون العربية كما في الإمارات، ومصر، والسودان، وليبيا، وتونس، والمغرب، والتي أوقفوا فيها بتهمة الهجرة غير الشرعية.
وكان بعض اللاجئين يظن أن جميع مشاكله ستُحَلّ، ومخاوفه ستُبدَّد فور وصوله إلى أوروبا. إلا أنه سرعان ما كان يصطدم بالعديد من العقبات التي تتلخص في إجباره على ترك بصمته في إيطاليا، حيث تطبّق عليه اتفاقية دبلن التي تنص على إعادة اللاجئ إلى البلد الأول الذي بصم فيه. وكذلك انتظاره صدور إقامته، التي قد تستغرق أكثر من عام، ما يؤخر عملية لمّ الشمل، بالإضافة إلى صعوبة وصول العائلات الموجودة في سورية إلى السفارات الأوروبية الموجودة في لبنان أو تركيا، وذلك بسبب منع تركيا لدخولهم وتشدّد لبنان في ذلك أيضاً، بالإضافة إلى مشكلة اللغة وغلاء المواصلات مع عدم وجود جهة تمثيلية واضحة لهم، تتابع مشاكلهم وإجراءاتهم، وتُعرّفهم بطبيعة المجتمعات التي يعيشون فيها.
وهكذا فقد وجد الفلسطينيون أنفسهم في قلب الأزمة السورية، ومعظمهم يعيش نكبة جديدة بكل المعايير.
ثالثاً: المشهد الإقليمي والدولي:
إن نظرة في المشهدين الإقليمي والدولي ومحاولات حلّ الصراع في سورية، واحتمال انعكاس ذلك على مستقبل وجود اللاجئين الفلسطينيين في سورية، تبرز أهمية التواصل الفلسطيني مع كافة الأطراف الفاعلة في الصراع؛ من أجل تخفيف النتائج السلبية المحتملة على مستقبل اللاجئين. ومما لا شكّ فيه، بعد أربع سنوات على الأزمة، أن تركيبة المنطقة بدأت تختلف، فالإنسان في المنطقة لن يعود كما كان سواء لأنه خرج ثائراً، أم لأنه تعرض لبطش الأنظمة، أم لأنه عانى من قوى التطرف والميلشيات الطائفية والعرقية، أم لأنه اضطر للهجرة واللجوء.
كما أن الحدود القطرية أخذت تفقد قدسيتها، بالإضافة إلى أن بعض الأنظمة أخذت بالانهيار بينما يُعاد تشكيل خريطة المنطقة. وتُظهر الأحداث أن الطرفين الأمريكي والإسرائيلي يميلان إلى إطالة الصراع في سورية بما يؤدي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي السوري وتعزيز الصراعات الطائفية والعرقية، وبما يؤدي إلى تدمير الاقتصاد والبنية التحتية، بشكل يشغل سورية بنفسها لسنوات طويلة قادمة، ويُحيّدها عن الصراع مع الكيان الإسرائيلي؛ وبشكل يخدم أيضاّ الرغبة الإسرائيلية بإيجاد بيئات طاردة للتجمعات الفلسطينية في البلدان المحيطة بالكيان الإسرائيلي.
ومن ناحية ثانية، فقد زاد التقارب والتنسيق السعودي التركي (فيما يتعلق بالشأن السوري ودعم بعض فصائل المعارضة منذ أوائل سنة 2015) من قوة الضغط على النظام السوري الذي شهد انتكاسات في عدد من الجبهات، وفقد حالة الزخم والمبادرة التي كان قد تمتع بها في سنة 2014. وما زالت إيران وحزب الله يقدمان دعماً عسكرياً وأمنياً واقتصادياً وسياسياً للنظام، كما أن النظام ما زال يتمتع بدعم روسي، وهو ما يعينه على البقاء، دون أن يساعده ذلك على حسم المعركة لصالحه.
ولذلك فإن حالة الاستنزاف لا تجد أفقاً قريباً للخروج، مما يعني أن معاناة اللاجئين الفلسطينيين في سورية ستستمر في الأمد المنظور. وهي معاناة هائلة، تُعدُّ أحد أقسى تجارب المعاناة الفلسطينية منذ سنة 1948.
رابعاً: السيناريوهات المحتملة:
يظهر أن هناك أربعة سيناريوهات محتملة للوضع في سورية، يؤثر كلٌّ منها بشكل أو بآخر على فلسطينيي سورية:
1- السيناريو الأول: وصول الأطراف المتصارعة، وكذلك البيئة الإقليمية والدولية إلى قناعة بعدم قدرة أي طرف على حسم الأمور لصالحه. وبالتالي الوصول إلى تسوية سياسية تؤدي إلى الحفاظ على الدولة السورية وبشكل يراعي مصالح الأطراف السورية الرئيسية المختلفة. وقد ينشأ عن ذلك نظام ضعيف وغير مستقر مركزياً، لأنه سيحاول التعبير في وقت واحد عن مصالح فئات متصارعة ومتنافسة، وكما قد يضطر النظام الجديد للانكفاء على نفسه والانشغال في إعادة بناء الاقتصاد والبنى التحتية، وفي إعادة اللُّحمة الاجتماعية، أي “إطفاء الحرائق” التي سَعَّرتها سنوات الصراع الذي أخذ في بعض أشكاله أبعاداً طائفية وعرقية. وهو وضع قد يحمل عناصر التفجير في داخله إذا أصرَّت بعض الأطراف على أولوياتها الخاصة ومصالحها الذاتية.
وهذا الوضع، وإن كان يحمل استقراراً ظاهراً، لكنه سيمثّل حالة مقلقة للاجئين الفلسطينيين في سورية، وقد يجدون أنفسهم ضحايا المناورات السياسية أو الضغوط الخارجية؛ مع تراجع القضية الفلسطينية في سلم أجندة وأولويات النظام السوري المحتمل تَشكُّله. غير أنه في الوقت نفسه سيمكن الكثير من الفلسطينيين من العودة إلى مساكنهم واستئناف حياتهم المعتادة، مع احتمال فقدان الفلسطينيين لبعض المزايا التي كانوا يتمتعون بها.
2- السيناريو الثاني: اتجاه الدولة السورية نحو التفكك، وقد ينتج عنه قيام دويلات ضعيفة على أساس طائفي أو عرقي (سني، علوي، درزي، كردي). وهنا يُطرح مستقبل وجود اللاجئين الفلسطينيين في هذه الدويلات بقوة، وإعادة تعريفهم كمسلمين سنّة أو كعرب، وإعادة موضعتهم جغرافياً بناءً على ذلك، بمعنى أن اللاجئ الفلسطيني سيخضع كلياً لطبيعة الكيانات السورية التي ستتشكل، وسيكون محكوماً ربما بأجندتها وبرامجها، التي لن تكون في محصلتها متشابهة أو منسجمة تجاهه.
لذلك سيتطلب هذا بذل جهود مضاعفة للتنسيق والتشبيك بين المكون الفلسطيني في ظلّ هذه الكيانات، وإلا فإن حالة التفكك والتجزئة ستلقي بظلالها تشظياً وتشرذماً في الواقع الفلسطيني. كما أن بعض هذه الكيانات قد تلجأ لقوى خارجية في سبيل المحافظة على نفسها، وهو ما سيعطي فرصة للتدخل الإسرائيلي الأمريكي لفرض حمايات تنعكس سلباً على الإنسان الفلسطيني. أو تأخذ بعض الكيانات بعداً طائفياً معادياً أو غير قادر أو غير راغب في استيعاب اللاجئ الفلسطيني ذو الخلفية الإسلامية السنية.
وهو سيناريو خطير ليس فقط على فلسطينيي سورية بل على القضية الفلسطينية وعلى الأمة كلها. وقد يدفع الفلسطيني ثمن هذا السيناريو مزيداً من الإيذاء والتهجير أو انتقاصاً من حقوقه.
3- السيناريو الثالث: هو استمرار حالة الصراع والتدافع بين كرٍّ وفَرٍّ وتوسُّعٍ وانكماش في المدى المنظور، بحيث تبقى سورية لبضع سنوات قادمة على الأقل بؤرة للتوتر وتصفية الحسابات بين القوى المحلية والإقليمية والدولية. وهو ما يعني استمرار الأزمة والمعاناة السورية ومعها معاناة اللاجئين الفلسطينيين الذين قد يستمرون في التناقص في سورية مع استمرار بحثهم عن مواطن لجوء واستقرار جديدة؛ مما يؤدي إلى ضمور المجتمع الفلسطيني في سورية إلى حدّ كبير.
4- السيناريو الرابع: السيناريو النهضوي الوحدوي الذي يتجاوز البعد الطائفي والعرقي، ويتمكن من تقديم طرح قوي، يستوعب الجميع، ويعبّر عن إرادة شعوب المنطقة بعيداً عن الديكتاتوريات المحلية أو التدخل الخارجي. وهو ما قد يعطي فرصة انطلاقة جديدة للقضية الفلسطينية التي تجتمع عليها الأمة وتتوحد بوصلتها باتجاهها. غير أن هذا السيناريو بحاجة إلى طاقة هائلة وقوى فاعلة على الأرض تتحرك باتجاه تحقيقه، مع تزايد إدراك القوى المختلفة لمخاطر السيناريوهات الأخرى.
أما السيناريو المرجح، فيبدو أن أزمة ومعاناة فلسطينيي سورية ستستمر في السنتين أو الثلاث القادمتين على الأقل، حيث يترجح السيناريو الثالث المرتبط باستمرار حالة الصراع وعدم الاستقرار، بانتظار وصول الأطراف الداخلة في الصراع إلى قناعات باتجاه أي من السيناريوهين الأول والثاني. أما السيناريو الرابع فما زالت حظوظه الحالية ضعيفة، لكنها ستأخذ في التزايد البطيء على المدى المنظور مع نمو القناعات بجدواه، ومع قدرة الأطراف الإسلامية والوطنية المعتدلة على تقديم نموذجها الحضاري في ضوء حالة الإحباط الشامل من الخيارات الأخرى. وستزداد حظوظ هذا السيناريو إذا ما فشل الانقلاب في مصر، وإذا ما توقفت أو تراجعت الموجة المضادة لـ”الإسلام السياسي” في المنطقة.
التوصيات:
1- ضرورة إيجاد مرجعية فلسطينية موحدة تملك رؤية سياسية واحدة لمقاربة وضع اللاجئين هناك، والعمل على حمايتهم وتحييدهم وفق محددات لدورها، أبرزها مواجهة وإفشال مشاريع تصفية قضية اللاجئين، ومنع استخدام اللاجئ الفلسطيني في معارك الأطراف المتنازعة في المنطقة.
2- حفظ حقوق ومكتسبات اللاجئين الفلسطينيين، وصيانة وحماية الشخصية الاعتبارية للشعب الفلسطيني اللاجئ، خاصة في دول الطوق، وخدمته والانحياز إليه والدفاع عن حقوقه في أماكن إقامته.
3- هناك حاجة ملحة لترسيم العلاقة بين الفلسطيني اللاجئ والأنظمة السياسية المضيفة، في إطار تحشيد الموقف الرسمي والشعبي نحو قضية العودة وتحرير الوطن المحتل، وبشكل لا يُستخدم فيه الفلسطيني في معارك وتناقضات هذه الأنظمة الداخلية والخارجية.
4- لا بدّ من العمل الجاد لإطلاق مؤسسات لرعاية عوائل الشهداء والضحايا الفلسطينيين، وكذلك رعاية الجرحى والمعوقين، بالإضافة إلى تنشيط وتفعيل المؤسسات القائمة.
5- تشكيل فرق عمل حقوقية تخصصية لمتابعة المعتقلين والمطلوبين والمطاردين في داخل سورية وخارجها، وتكوين فرق عمل اجتماعية من وجهاء عائلات وعشائر، استعداداً لأي مصالحة مجتمعية.
6- تفعيل دور الأونروا في دعم اللاجئين وتوفير كافة احتياجاتهم.
* اُعدّ هذا التقدير بالاستفادة من حلقة نقاش عقدها المركز في مقره في بيروت، وبمشاركة عدد من الخبراء والمتخصصين، وكتب مسودته مشكوراً الأستاذ ماهر شاويش.
لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:
>> تقدير استراتيجي (78): مستقبل فلسطينيي سورية (10 صفحات، 685 KB) >> تقدير استراتيجي (78): مستقبل فلسطينيي سورية (10 صفحات، 560 KB)* |
أضف ردا