“الصفحات الأولى من ورقة عمل: الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية … أ. ماجد إبراهيم أبو دياك” (نسخة نصيّة HTML)
للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا (14 صفحة، 570 KB)
هذه ورقة عمل معدّلة، قدمها أ. ماجد إبراهيم أبو دياك في مؤتمر “مستقبل المقاومة الفلسطينية في ضوء الحرب على قطاع غزة في صيف 2014″، الذي أقامه مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت في 27/11/2014.
ورقة عمل: الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية … أ. ماجد إبراهيم أبو دياك* [1]
أولاً: ما هي الحاضنة الشعبية:
الحاضنة الشعبية هي مجموعة من الفعاليات والمواقف الشعبية المساندة لقضية ما، وتأتي انعكاساً لموقف أيديولوجي أو سياسي، كما تتأثر بالانتماء إلى ثقافة مشتركة، وتتسع أو تضيق حسب الظروف السياسية. وحدود تأثيرها فلسطينياً —والذي تبحثه هذه الورقة— يتمثل بتعزيز المقاومة والمساندة، وعربياً ودولياً بتفعيل الجماهير للتأثير في السياسات العربية والدولية تجاه “إسرائيل” وصولاً إلى تغييرها.
ثانياً: توفير الدعم للنضال الفلسطيني:
وتوفرت للمقاومة الفلسطينية منذ انطلاقتها الحاضنة الشعبية بالرغم من تشتت الشعب الفلسطيني في الدول العربية، وتركزت هذه الحاضنة في الأردن ولبنان. وقد قدمت الثورة الفلسطينية بزعامة حركة فتح أول شهيد لها على أرض فلسطين في 1/1/1965 وهو الشهيد أحمد موسى لتعلن في اليوم نفسه انطلاق العمليات المسلحة ضد “إسرائيل”، حيث توالت العمليات عبر النهر من الأردن، وسط تأييد شعبي فلسطيني وعربي وإلى حدّ ما رسمي، وصولاً إلى معركة الكرامة سنة 1968 التي شارك فيها الجيش الأردني نفسه، قبل أن يحصل الصدام بين الفدائيين والسلطة الأردنية سنة 1970 وينتهي بخروج العمل الفدائي إلى لبنان.
وقد أسهم اتجاه جانب من العمل الفدائي نحو الخارج (عمليات خطف الطائرات) وضد بعض الأنظمة العربية التي سميت بـ”الرجعية” إلى خسارة المقاومة لساحة الأردن وانتقالها للبنان. ومن هناك أسست المقاومة لنفسها قواعد قوية ونفوذاً واسعاً، حتى انتشر لدى البعض مصطلح “جمهورية الفاكهاني” حيث كان يقيم ياسر عرفات في أحد أحياء بيروت.
ومن لبنان خاضت المقاومة صراعاً مسلحاً مع “إسرائيل”، ولكنها أيضاً تورطت في الوضع اللبناني الداخلي وفي الحرب الأهلية التي دارت فيه. ووجدت المقاومة حاضنة شعبية في المخيمات اللبنانية وكذلك تأييداً ودعماً من القوى الوطنية اللبنانية في مواجهة القوى “الانعزالية” المارونية.
ومع استمرار عمليات المقاومة، ورغبة “إسرائيل” بإيجاد منطقة عازلة في لبنان اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان في صيف 1982 وصولاً إلى بيروت وحصار المقاتلين الفلسطينيين في غربي المدينة، ما أدى إلى خروجهم وتشتتهم في عدة دول عربية، وهو ما أبعد العمل الفدائي عن الحاضنة الشعبية في لبنان.
وفي سنة 1987 انتقل مركز المقاومة إلى الداخل الفلسطيني، ما أعطاها زخماً كبيراً وحاضنة شعبية كبيرة في الداخل خصوصاً مع توافق القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية عليها، فضلاً عما حظيت به المقاومة من تأييد عربي وإسلامي شعبي في ظل انتفاضتي 1987 و2000 (انتفاضة الأقصى) إضافة إلى العمليات الفدائية الاستشهادية.
ونبذت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1988 ما سمي بالإرهاب واعترفت بـ”إسرائيل” سعياً إلى الاعتراف بمنظمة التحرير كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، وهذا أوجد شرخاً كبيراً في قوى الشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من استمرار المقاومة الشعبية، والمقاومة المسلحة ضد جيش الاحتلال والمستوطنين، إلا أن العمليات الاستشهادية في التسعينيات في عمق الكيان الإسرائيلي كانت مثار خلاف بين حماس والجهاد وبين قيادة المنظمة، وأحياناً مثار خلاف داخل حركة فتح نفسها.
وأدى الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني وجهود السلطة الفلسطينية في ملاحقة ومطاردة المقاومين في الضفة إلى تراجع منسوب الحاضنة الشعبية للمقاومة لعوامل عدة، أبرزها التخوف من ردة فعل السلطة على أي فعاليات تأييد للمقاومة والتحيّز التنظيمي لأفراد تنظيم فتح لصالح السلطة وبرنامجها.
وشنت “إسرائيل” ثلاثة حروب في السنوات 2008 و2012 و2014 على قطاع غزة بحجة ملاحقة المقاومة، وأتى ذلك بمردود إيجابي على صعيد الحاضنة الشعبية في الداخل وفي الشتات الفلسطيني وعلى مستوى التأييد الشعبي عربياً ودولياً.
ويحاول هذا المبحث التركيز على الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في صيف 2014، وما هو أفقها ومستقبلها بالاستناد إلى المعطيات التي أحاطت بالحرب الأخيرة.
ثالثاً: الحاضنة الشعبية.. العدوان على غزة نموذجاً:
جاء العدوان الأخير في ظل انقسام فلسطيني وتعثر جهود المصالحة باستثناء الاتفاق الذي تمّ التوصل له في حزيران/ يونيو 2014 بين فتح وحماس لتشكيل حكومة وفاق لم تمارس دورها في غزة حتى كتابة هذه الورقة.
وقد سعت حركة حماس إلى الاستعداد مسبقاً لحرب جديدة محتملة مع العدو الإسرائيلي، وهذا ما أظهرته الحرب من خلال الأسلحة المستخدمة لمواجهة العدوان. وقد زاد ذلك من حجم الحاضنة الشعبية للمقاومة على كافة المستويات، في الوقت الذي سعت فيه السلطة الفلسطينية في الضفة لتحجيم المواجهات والمظاهرات والمسيرات المنددة بالاحتلال، ومنعها من الوصول لنقاط التماس مع العدو في الضفة.
كما جاءت الحرب في ظل ما سمي بـ”الثورة المضادة” التي أطاحت بالربيع العربي في مصر التي شكلت حاضنة رسمية وشعبية للمقاومة في ظل حكم الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي.
وهكذا فإن حجم التفاعل الفلسطيني مع المقاومة في الضفة كان كبيراً على الرغم من جهود السلطة في احتوائه، وذلك لأسباب عديدة، أهمها:
1. الحجم المخيف للمجازر التي ارتكبها الاحتلال بقصفه للأماكن المدنية بما فيها المنازل والمدارس والمستشفيات والمساجد، الأمر الذي زاد من حدة الاحتقان الشعبي الفلسطيني.
ففي بداية العدوان انطلقت مسيرات واندلعت مواجهات ونتج عنها عشرات الإصابات في عدة مناطق في الضفة أبرزها بلدة قفين قضاء طولكرم، واندلعت مواجهات مع جنود الاحتلال في ستّة مواقع بمحافظة الخليل، تركزت في باب الزاوية وسط مدينة الخليل، ومخيم العروب شمال الخليل، إضافة إلى مواجهات ببلدة بيت أمر شمال المحافظة .
وفي غمرة العدوان وسقوط العديد من الضحايا الفلسطينيين، استمرت المظاهرات في الضفة لتعم مدن رام الله، والخليل، والقدس المحتلة، وبيت لحم وغيرها، تعبيراً عن الغضب لما يجري في غزة. وقالت غرفة العمليات الموحدة في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، لوكالة الأناضول، إن طواقمها نقلت نحو 50 فلسطينياً مصاباً بجراح، منهم 7 بالرصاص الحي و43 بالرصاص المطاطي، جراء تصدي قوات الاحتلال لهذه المظاهرات التي وصلت الحواجز الإسرائيلية حول هذه المدن .
واستشهد فلسطينيان وأصيب 100 آخرون غالبيتهم بالرصاص الحي، منها 5 بحالة خطيرة والعشرات بحالات الاختناق، خلال تفريق الجيش الإسرائيلي لمسيرة حاشدة في رام الله تضامناً مع غزة، حاولت الوصول إلى مدينة القدس، بحسب شهود عيان ومصادر طبية .
وشهدت أراضي 48 تظاهرات ومواجهات مع قوات الأمن والشرطة في عدة بلدات بعد ساعات من المظاهرة الكبيرة في كفر مندا والتي دعت إليها لجنة المتابعة العليا وشارك فيها الآلاف ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر .
ومارس فلسطينيو 48 دورهم المعروف في العمل الإغاثي لإخوانهم الفلسطينيين، فقد أطلقت بلدات الداخل الفلسطيني حملات لإغاثة قطاع غزة تحت عناوين من قبيل “لبيك يا غزة”، و”الغذاء والدواء لأهل غزة”، و”غزة تنزف.. ضمدوا جراحها”. وعبرت مختلف الفعاليات والأحزاب السياسية والقوى الوطنية والإسلامية عن تضامنها مع قطاع غزة ودعمها صموده في مواجهة العدوان الإسرائيلي .
وفي قطاع غزة ذاته، كان واضحاً أن هناك التحاماً بين الجماهير والمقاومة، وكان لهيمنة حماس على القطاع منذ سنة 2007 دوراً مهماً في ذلك، إذ تمكنت من تعزيز دور المجتمع المقاوم. وإضافة إلى البطولات النوعية التي أبدتها المقاومة في غزة، فقد كان لانخراط الأسر الفلسطينية فيها أثراً كبيراً في إيجاد جوّ مؤيد وداعم للمقاومة على الرغم من حجم الخسائر في صفوف الفلسطينيين ما بين شهيد وجريح أو تدمير كلي أو جزئي للمنازل والمؤسسات.
فلا يكد يخلو بيت فلسطيني من مأساة نتيجة العدوان الإسرائيلي، إلا أن حجم التأييد والمساندة الشعبية للمقاومة لم يتأثر كثيراً.
وهذا ما دفع “إسرائيل” في أيام الحرب الأخيرة إلى استهداف التجمعات الفلسطينية الكبيرة في الأبراج السكنية عبر قصفها وتدميرها في محاولة لتحريض الناس للانقلاب على المقاومة، التي قبلت أخيراً بوقف إطلاق النار.
وقال المحلل السياسي طلال عوكل، إن مظهر الحرب —في أيامها الأخيرة— كان يشير إلى “حرب الأبراج السكنية”، إذ عمدت “إسرائيل” لاستهداف الأبراج السكنية “الشاهقة”، التي تؤوي آلاف المواطنين داخلها، مشيراً إلى أن الهدف الإسرائيلي من استهداف الأبراج السكنية، والمجمعات التجارية، وآلاف المنازل المدنية، هو الضغط على المقاومة لانتزاع وقف إطلاق نار غير مشروط، قائم على معادلة “التهدئة مقابل التهدئة”. وتابع: “إسرائيل تحاول، بالتزامن مع استمرار الحراك السياسي والدبلوماسي للتوصل لوقف إطلاق نار بغزة، الضغط على المقاومة، من خلال إضعاف حاضنتها الشعبية، لقبول بأي اتفاق (تهدئة) مستقبلي لا يوفّر أي إنجاز سياسي “.
ويرى هاني البسوس، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الإسلامية أن “إسرائيل بدأت حربها على قطاع غزة بالتدريج، فكانت البداية بحرب المنازل المدنية، ومن ثم حرب المفاجآت، واليوم دخلت مرحلة حرب الأبراج السكنية”. وأن الهدف الإسرائيلي “الرئيسي” من استهداف الأبراج السكنية، التي تضم في طوابقها الشاهقة أكثر من 60–100 شقّة سكنية، إضعاف الحاضنة الشعبية للمقاومة وتحويلها لنقطة ضاغطة على الفصائل للقبول بوقف إطلاق نار غير مشروط، ولا يحقق أي إنجاز سياسي أو عسكري للمقاوم الفلسطيني .
وذكر البسوس أن حرب “الأبراج السكنية”، عدا عن خسائرها المادية والبشرية، فإنها تضرب الجانب النفسي لدى المواطنين الغزيين، وتبث أجواء من الهلع بين سكان تلك الأبراج، خوفاً من استهدافها على غرار استهداف أبراج “الظافر”، و”المجمع الإيطالي”، وبرج “الباشا” .
2. ظهرت المقاومة بمظهر المدافع عن الشعب الفلسطيني في الضفة في وجه هجمات المستوطنين بعد حرق جثة الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير إثر خطفه من قبل ثلاثة مستوطنين قرب الخليل. وفي ظل عجز السلطة الفلسطينية المرتبطة باتفاقيات تسوية مع “إسرائيل”، فقد تقدمت قوى المقاومة وعلى الأخص حماس والجهاد الإسلامي في معركة الدفاع عن الشعب الفلسطيني، الأمر الذي أدى لتفاعل جيّد مع المقاومة في الضفة والقدس وأراضي 48، وإن أدى دور السلطة في الضفة إلى تحجيم المظاهرات والمسيرات المؤيدة للمقاومة، بحكم التعاون الأمني الذي ترتبط به هذه السلطة مع “إسرائيل”.
3. شراسة المقاومة الفلسطينية وقدرتها على اختراق صفوف العدو وتنفيذ عمليات ضد جنوده في خطوطهم الخلفية ما أذهل العالم. وكذلك توجيهها ضربة قوية لنظرية الأمن الصهيوني، عبر كسر عنصر المفاجأة لديه، بل ومفاجأته بعمليات وهجمات لم يكن العدو مستعداً لها. ورأت الجماهير بطولات غير مسبوقة وحرب استخدمت فيها المقاومة أسلحة لم تكن تستخدم من قبل (طائرات بدون طيار)، وتمكن صواريخها من الوصول لشمال فلسطين المحتلة، وتسببها في إغلاق مطار بن غورين لأكثر من مرة. وفي نظرة الناس عموماً وفي المنطقة، فإن القوي يحظى بالاحترام والتقدير، فضلاً عما تشكله فلسطين بالنسبة للأمة من أهمية، وكان لذلك كبير الأثر في تعاظم التفاعل الفلسطيني والعربي والإسلامي مع المقاومة.
4. وعلى الرغم من أن “إسرائيل” أعلنت أن عدوانها يهدف لاستعادة الهدوء في المناطق المحيطة بغزة، والقضاء على “قوة حماس الصاروخية وإرهابها”، وهدم الأنفاق، ونزع سلاح المقاومة، ولكن أياً من ذلك لم يتحقق لها، بل كانت له نتائج عكسية على صعيد التفاعل مع المقاومة والشعب الفلسطيني.
وقال وزير المخابرات والشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي يوفال شتاينتز، في حديث للإذاعة الإسرائيلية العامة، بأن كل “المعارك العسكرية تشهد مفاجآت”، لكنه رأى أن “حماس حركة ضعيفة نتيجة التحولات الجيوسياسية في المنطقة، ونتيجة موقف مصر المعادي لها”، وأوضح أن “هناك علاقات سرية هامة بين تل أبيب والقاهرة بهذه الأيام” .
ولكن المحلل السياسي للإذاعة الإسرائيلية تشيكو ميناشيه سخر من أحاديث حكومة نتنياهو حول ضعف حماس، وقال إنه يستغرب كيف تَقوَى حركة ضعيفة على إطلاق الصواريخ إلى تل أبيب وما بعد تل أبيب .
واعترف موقع “ديبكا” القريب من الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن ما تسمى بعملية “الجرف الصامد” هي واحدة من أصعب الحروب التي خاضها الكيان العبري، وذلك بعد إعلان جيش الاحتلال عن مقتل 13 من جنود وحدة جولاني الخاصة على يد المقاومة الفلسطينية داخل قطاع غزة بعملية واحدة في حي الشجاعية بغزة .
وفي أوروبا والولايات المتحدة، اتخذت الفعاليات التضامنية —التي كان الفلسطينيون في مقدمتها— طابع فضح الممارسات الإسرائيلية، والدعوة لمحاكمة قادة الاحتلال بجرائم حرب، والمطالبة بالحماية الدولية للشعب الفلسطيني. كما شمل ذلك تأكيداً على حق الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال بالمقاومة. وقاد آلاف الفلسطينيين ومعهم المتضامنين الأجانب تظاهرات نظمت في مدن عدة، كان للفلسطينيين دور مهمٌ فيها من خلال المؤسسات التي أنشأها هؤلاء في الغرب.
للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا (14 صفحة، 570 KB)
[1] كاتب وباحث فلسطيني.
أضف ردا