ورقة عمل: المصالحة الفلسطينية بين تحديد الأولويات وضبط مسارات المقاومة والتسوية … أ.د. أحمد سعيد نوفل (نسخة نصيّة HTML)
للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا (13 صفحة، 707 KB)
قدم أ.د. أحمد سعيد نوفل هذه الورقة في مؤتمر “المصالحة الفلسطينية: الآفاق والتحديات”، الذي أقامه مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت بالتعاون مع مركز إفريقيا والشرق الأوسط AMEC (ومقره جنوب إفريقيا) في 26-27 /2015/3.
ورقة عمل: المصالحة الفلسطينية بين تحديد الأولويات وضبط مسارات المقاومة والتسوية … أ.د. أحمد سعيد نوفل* [1]
انشغلت الساحة الفلسطينية منذ سنوات، بالمصالحة بين حركتي فتح وحماس، لأهمية تحقيق المصالحة الوطنية بين أهم فصيلين فلسطينيين على القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من المحاولات العديدة لتحقيق المصالحة، إلا أنها لم تتحقق للآن لأسباب مختلفة، أهمها عدم التوافق على برنامج وطني مشترك في التعامل مع القضية الفلسطينية. ولهذا، ومن أجل إصلاح العلاقة بينهما، كان لا بدّ من الاتفاق الفعلي على ثوابت القضية الفلسطينية وإعادة بناء المهام الوطنية المطلوبة التي على منظمة التحرير الفلسطينية القيام بها، في ضوء تنامي حركة حماس وأفول نجم بعض التنظيمات التي لم يعد لها وجود فعلي في الشارع الفلسطيني؛ والتأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية تمثل جميع الفلسطينيين في الداخل والخارج، وعلى ضرورة أن تتمثل بها حركة حماس، التي فازت في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، ولها تأييد كبير في الشارع الفلسطيني. وكذلك الجهاد الإسلامي، التي لها نضال ملموس ضد الاحتلال، وأن تتمثلا في المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية للمنظمة.
لقد ملّ الشعب الفلسطيني من الانقسام، لأن له آثاراً سلبية على مجمل القضية الفلسطينية. ودخلت الانقسامات إلى فكر وممارسة النخب السياسية والتنظيمات الفلسطينية، وانتقلت إلى عامة الشعب الذي تأثر بها في الأراضي الفلسطينية وفي الشتات. ويرى البعض أن عمق الانقسام والتشرذم والاستقطاب، قد وصل خلال السنوات الماضية، إلى مستوى يصعب حله ووقفه، إلا إذا تحمل جميع الفلسطينيين مسؤوليتهم في الضغط على من يقف ضد تحقيق المصالحة، لأن استمرار الخلافات يؤثر بشكل مدمر على القضية الفلسطينية ومستقبلها.
تشخيص أزمة المصالحة:
تفاقمت الخصومة السياسية داخل الساحة الفلسطينية بعد انتخابات 25/1/2006، والتي فازت فيها حركة حماس بأكثر من 76 مقعداً من أصل 132، هي عدد مقاعد البرلمان الفلسطيني. هذه النتيجة كانت مفاجئة لـ”إسرائيل” وحركة فتح وبعض الأنظمة العربية، والأسوأ هي أنها دعمت العملية الانقلابية على حماس ونوابها وحكومتها التي تأسست حسب الأصول الديموقراطية. وكان من المفروض أن يقبل الجميع بنتائج الانتخابات التي شهد لها المجتمع الدولي بأنها شفافة ونزيهة، إلا أن حركة فتح التي احتكرت السلطة وقيادة م.ت.ف منذ نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات، حاولت الاستحواذ عليها وعدم الاعتراف بنتائجها. ومن أجل إحراج حماس، فقد دعا أحد قيادي فتح في اليوم التالي لإعلان النتائج حماس إلى الاعتراف بـ”إسرائيل”.
ومن هنا كانت محاولة إفشال حركة حماس والالتفاف على ثقة الشعب التي نالتها في الانتخابات هي الطريقة المثلى لتجريدها من الشرعية القانونية والسياسية التي حصلت عليها. بل والعمل على إبعاد الجماهير الفلسطينية من حولها، خصوصاً مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية واشتداد الحصار على القطاع. وقد جاء العدوان الإسرائيلي المتكرر منذ نهاية عام 2008 إلى العدوان الأخير في منتصف عام 2014، ليؤكد على التحالف الأمريكي – الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني واختياره الديموقراطي.
وشكلت حالة الفلتان الأمني أزمة سياسية واضحة بين الحركتين في قطاع غزة، وصراع على الصلاحيات بين حكومة حماس بقيادة إسماعيل هنية ورئيس السلطة وحركة فتح بقيادة محمود عباس، ورفضاً واضحاً من حركة فتح بقبول حماس لقيادة السلطة، واشتدت الأزمة بدعم فكرة الحصار الاقتصادي والمالي والسياسي على حكومة حماس. وبقي الاقتتال الداخلي بين حركة فتح وحماس إلى 8/2/2007 حيث عقد اتفاق بين الحركتين سمي باتفاق مكة والذي عقد في المملكة العربية السعودية، وقد تمّ فيه الاتفاق على إنهاء القتال بين الطرفين، وتشكيل حكومة وحدة وطنية. لكن ما لبث بعد أسابيع قليلة أن عاود الاقتتال مرة أخرى في النصف الأول من عام 2007 رغم وجود حكومة الوحدة الوطنية.
وقامت حركة حماس في 14/6/2007 بالسيطرة على كامل قطاع غزة وتولت إدارته منذ ذلك الوقت. بالمقابل قام الرئيس محمود عباس بإقالة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة إسماعيل هنية، وشكل حكومة جديدة برئاسة سلام فياض في الضفة الغربية، وأغلق مؤسسات حماس الخيرية واعتقل أعضائها وأنصارها في الضفة الغربية.
وردت حماس على الأفعال التي قامت بها السلطة في الضفة الغربية ضدها، بنفس الأسلوب وأوقفت جميع أنشطة حركة فتح في قطاع غزة، مما زاد في تفاقم الأزمة والصراع بين الحركتين. وتمّ الاتفاق في القاهرة بين جميع الفصائل الفلسطينية على برنامج مشترك بإجماع وطني التقت حوله جميع القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية، من أجل تعميق الوحدة الوطنية؛ القاضي بتفعيل دور منظمة التحرير، بحيث تضم جميع القوى والفصائل الفلسطينية بما فيها حركة حماس والجهاد الإسلامي. وتوزيع عضوية المجلس الوطني على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والفلسطينيين في الشتات. ووضع ميثاق جديد لمنظمة التحرير حسب ما تقرره الأغلبية المنتخبة داخل المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية بعد تشكيل المجلس الوطني الجديد ودخول حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى المنظمة، كما حصل من قبل عند تغيير الميثاق القومي الفلسطيني عام 1968 إلى الميثاق الوطني بعد دخول المنظمات الفدائية إلى المنظمة. ووضع ميثاق وطني جديد يأخذ بعين الاعتبار التحولات التي حدثت في السنوات الأخيرة داخل الساحة الفلسطينية، مع التأكيد على الثوابت الفلسطينية وعدم التنازل عنها، وإعادة البنود التي ألغيت من الميثاق، بضغط أمريكي وإسرائيلي، في ظل ظروف استثنائية ومن دون مقابل، في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في غزة عام 1998. ومع أن المصالحة الفلسطينية لم تتم بعد، إلا أنها ما زالت تعتبر مطلباً وطنياً لا بد أن تتحقق في النهاية. وكانت المشكلة دائماً، ليس بالتوقيع على اتفاقات المصالحة، بل بعدم تنفيذ ما يتم التوقيع عليه. وحاولت حماس أن تقدم بعض التنازلات السياسية حفاظاً على الوحدة الوطنية الفلسطينية، إلا أن فتح لم توافق. وكان من شروطها الأخيرة ضرورة الاعتراف بما وقعت عليه منظمة التحرير، وأن توقع حماس على وثيقة المصالحة الوطنية التي صاغتها مصر دون تعديل، وهددت فتح بأنها لن توقع على الوثيقة إذا غيرت حماس أو مصر حرفاً واحداً. كما رفضت حماس تعديلات اتفاق القاهرة التي أضافتها حركة فتح، مما جعل المصالحة تراوح مكانها.
من هنا كان موضوع المصالحة الوطنية قضية مهمة وتحقيقها هو الوسيلة الطبيعية للخروج أولاً من أزمة التشرذم، ولتمكين الشعب الفلسطيني وقواه السياسية للوقوف بقوة أمام التحديات التي تواجهه. وقد كانت فتح متعنتة في بداية الأمر وخاصة بعد المواجهات التي وقعت في قطاع غزة، واعتبرت أن ما حدث كان انقلاباً عليها وعلى مشروعها السياسي، مما اضطرها للمناورة ووضع شروط قاسية كان على حماس أن تقبلها وإلا لن تحدث المصالحة. فقامت حركة حماس بدورها بوضع شروط مماثلة تمحورت في إطلاق سراح سجناء الحركة في سجون السلطة ووقف التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني. ويبدو أن حماس كانت تدرك أن السلطة لن تستطيع أن تقبل بهذه الشروط لأنها لا تملك اتخاذ مثل هذه القرارات للضغوط الخارجية والاسرائيلية.
وفي المقابل، وجدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أنها أكثر الأطراف القادرة على توحيد صفوف الفلسطينيين، لأنها تحظى باحترام وتقدير جميع التيارات السياسية الفلسطينية، لتاريخها الطويل في النضال الفلسطيني، ولمصداقيتها على مرّ السنوات في المحافظة على الثوابت الوطنية الفلسطينية. كما أن الجبهة الشعبية أدركت حجم التراجع في تأييد الجماهير الفلسطينية، لأسباب مرتبطة في العمل الوطني الفلسطيني نفسه، ولهذا فقد دعت على لسان عبد الرحيم ملوح نائب الأمين العام للجبهة، من سجنه، إلى قيام تيار ثالث، على أساس أنه تيار ديموقراطي يستطيع أن يلعب دوراً مهماً في حياة المجتمع الفلسطيني والنظام السياسي، لأن الجماهير الفلسطينية ستنظر له بجدية، وسيكون هذا التيار مؤهلاً للعب دور في الساحة الفلسطينية في المرحلة المقبلة. وحدد ملوح القوى التي سيتشكل منها التيار الثالث بأنها إضافة إلى الجبهتين الشعبية والديمقراطية، حزب الشعب وجبهة النضال، والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني “فدا” والمبادرة الوطنية. وانتقد ملوح عدم متابعة الجهود لتشكيل التيار الثالث، وعدم إخراجه للنور، لأن الفلسطينيين يعيشون في وضع صعب، يفرض عليهم العمل على وجود تيار ثالث بعيد عن التيار الإسلامي الذي تقوده حركة حماس، والتيار الوطني الذي تقوده حركة فتح. وعلى تلك القوى أن تستعيد دورها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في فلسطين. وحذر ملوح أنه إذا لم تتفق تلك القوى على تشكيل التيار الثالث، فإنها ستصاب بضربة قاتلة يمنعها من لعب دور مؤثر في الحياة السياسية الفلسطينية، وأن الجانب المهم في تشكيل التيار الثالث يكمن في لعب دوره الوطني “التحرر الوطني”، خاصة أن هذه الكتلة السياسية تمثل ثقل في المجتمع والحياة السياسية إذا تمّ تجميعها في تيار ثالث موحد وفق برنامج وأهداف موحدة.
كما أظهرت استطلاعات الرأي في الأراضي الفلسطينية، وجود أغلبية صامتة تقدر بحوالي 40% من الفلسطينيين، الذين لا يشاركون في الانتخابات ولا يؤيدون التنظيمات الفلسطينية. ويستطيع التيار الثالث أن يستقطب نصفهم على الأقل إذا شعر المواطنون الفلسطينيون أن هذا التيار بديل فعلي وملائم لتوجهاتهم السياسية، مع وجود الآلاف من الفلسطينيين الذين فقدوا ثقتهم بالسلطة الوطنية، بسبب الفساد الذي تفشى داخلها، والذين آثروا الابتعاد عن النشاط السياسي إلى حين وضوح الصورة في العمل الوطني الفلسطيني.
وبعد تشكيل المبادرة الوطنية الفلسطينية، وتعزيز دورها في وقف الاقتتال بين فتح وحماس، إلى جانب الجبهة الشعبية، بات في حكم المؤكد استمرار الدعوة للإعلان عن تشكيل التيار الثالث. والواقع أن مبرر وجود تيار ثالث في الساحة الفلسطينية، يعتبر أمراً طبيعياً في ظلّ وجود التيار الذي تقوده فتح، والتيار الإسلامي الذي تقوده حماس. ويستطيع التيار الثالث أن يحدد موقفه من الثوابت الرئيسية في الساحة الفلسطينية على أساس استمرار النضال الوطني بجميع أشكاله، لإزالة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل الأراضي المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس، وحقّ العودة للاجئين الفلسطينيين على أساس قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وإزالة المستوطنات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية ووقف بناء الجدار العنصري، وتفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية في النضال الفلسطيني، لكي تضم جميع الحركات والفصائل الفلسطينية داخل الأراضي في فلسطين والشتات. كما يستطيع التيار الثالث إلى جانب التنظيمات الرئيسية، ضمّ شخصيات وطنية وبعض المستقلين وقوى المعارضة اليسارية والقومية.
وسيؤدي وجود تيار ثالث، إيجاد حالة من التوازن في النظام السياسي الفلسطيني الذي تتقاسمه حركتي فتح وحماس. وفي السابق كانت حركة فتح تضع العراقيل أمام وجود تيار قوي تخشى أن يؤثر على هيمنتها على القرار الوطني الفلسطيني، ولهذا فقد ساهمت في إضعاف التنظيمات اليسارية، عن طريق استقطاب بعضها. أما اليوم، وبعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية، فإن فتح وجدت أن الخطر عليها قد جاءها من التيار الإسلامي بزعامة حماس وليس اليساري بقيادة الجبهة الشعبية.
أولويات القضية الفلسطينية:
بات من الطبيعي طرح سؤال منهجي في تحديد ما هي أولويات القضية الفلسطينية، وعما إذا كانت المصالحة الوطنية هدف بحد ذاته يأتي في رأس قائمة أولويات القضية الفلسطينية، أم هي وسيلة لتحقيق هدف أكبر، وهو استمرار النضال الفلسطيني في ظروف صحية طبيعية لتحقيق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني؟ لأنه إذا كان هدفاً بحد ذاته فهي مصيبة، لأن الهدف هو تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني، والمصالحة وسيلة لتحقيق هذا الهدف. وهذا يقودنا إلى التأكيد على أنه من المستحيل تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية في ظل استمرار حالة الانقسامات في الساحة الفلسطينية بين أقوى التنظيمات الوطنية الفلسطينية. ومن هنا نستطيع أن نحكم على هذه المصالحة ومستقبلها، فإذا دفعت المصالحة باتجاه الاتفاق على قواسم مشتركة بين فتح وحماس والفصائل الأخرى من أجل المحافظة على القضية الفلسطينية؛ فهذا إنجاز كبير تقع مسؤولية تحقيقه على جميع الفصائل الفلسطينية وليس على عاتق حركتي فتح وحماس فقط.
وفي ضوء ضبط مسارات المقاومة والتسوية المفروضة على الفلسطينيين، انقسم الفلسطينيون، بين مشروع المقاومة، التي صمدت في وجه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة ولكنها لم تستطع أن تحرر الأراضي الفلسطينية، وبين التسوية التي نجحت بها “إسرائيل” في مصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات وتهويد القدس، بينما لم تنجح السلطة في إقامة الدولة الفلسطينية التي وعدت بها الفلسطينيين منذ سنوات. ودخلت القضية الفلسطينية في أزمة، بين تيار المقاومة وتيار التسوية وانسداد الآفاق أمام كل طرف، وأدى ذلك إلى غياب ملحوظ لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية التي من المفروض أنها المرجعية الرئيسية للشعب الفلسطيني، وإلى انعدام وجود برنامج استراتيجي يشكل قاسماً مشتركاً بين الجميع، وانقسام سياسي وجغرافي بين المناطق الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية وقطاع غزة)، وعلاقات متوترة بين حماس ومصر واعتبار محكمة مصرية لكتائب القسام وحركة حماس “منظمة إرهابية”، وتغذية من قبل بعض الفلسطينيين لهذا التوتر، وأزمة مالية للسلطة في رام الله وللأخرى في غزة، وحالة من الإحباط في الشارع الفلسطيني.
ولهذا، فإن الحديث عن المصالحة الفلسطينية تحت عنوان “تحديد الأولويات وضبط مسارات المقاومة والتسوية” يقتضي، متابعة تطورات القضية الفلسطينية، التي كان آخرها انتخابات الكنيست الإسرائيلي العشرين في 17/3/2015، وانعكاسها على المصالحة. علماً أن المصالحة غير مرتبطة فقط في العلاقة بين أهم فصيلين فلسطينيين هما فتح وحماس فقط، بل بما يستجد من تطورات لمسارات المقاومة والتسوية. ولا شك أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة قد فرضت على الطرفين تحديات جديدة، عندما طالب نتنياهو من جديد من السلطة الفلسطينية أن تختار بين المصالحة مع حماس والتفاوض مع “إسرائيل”، بعد أيام فقط من إعلانه رفض قيام دولة فلسطينية. في الوقت الذي أعيد فيه التراشق الإعلامي من جديد بين التنظيمين بعد اتهام حماس لفتح بالتآمر عليها في قطاع غزة. وكلما لاح في الأفق إمكانية تحقيق المصالحة، تبرز عقبات جديدة تمنع ذلك، على الرغم من مطالبة الطرفين بضرورة تحقيق المصالحة لأهميتها على القضية الفلسطينية.
وعلى طرفي المعادلة العمل على إنجاح المصالحة، لأن فتح وقيادة السلطة الفلسطينية واجهت رفضاً إسرائيليّاً في المفاوضات وذلك برفض نتنياهو تقديم أي استحقاق لدفع حلّ الدولتين إلى الأمام والإصرار على الاستمرار في الاستيطان في ظل عجز الإدارة الأمريكية عن إلزامها بذلك، وكذلك رفض نتنياهو إطلاق دفعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين؛ الأمر الذي دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس للسعي لرفع قضية إعلان الدولة الفلسطينية.
وكذلك حماس، فقد حاصرها تيار الثورة المضادة في مصر وامتداده ضمن تحالف إقليمي لمحاولة خلخلة قواعد الثورة في ليبيا، والسعي لحصار قطاع غزة بالتعاون مع “إسرائيل” بهدف إسقاط حماس وتهيئة القطاع للعودة إلى سيطرة السلطة الفلسطينية. كما خسرت غطاء سياسيّاً بتفكك محور الممانعة بعد خروج سوريا منه وتقليص الدعم الإيراني لها، عقاباً للحركة على رفضها دعم النظام في حربه ضد الثورة. وأثَّر ذلك بشكل مباشر على تمويل الحكومة المقالة؛ ما دفع قيادة الحركة لمحاولة الخروج من هذا المأزق بتسليم قيادة قطاع غزة للسلطة ضمن اتفاق المصالحة. وواجهت حماس بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة رامي الحمد الله، أزمة تعذر دفع رواتب موظفي قطاع غزة الذين عينتهم الحكومة المقالة بعد 2007.
ومن أجل إصلاح العلاقة بينهما، كان لا بد من الاتفاق على ثوابت القضية الفلسطينية وإعادة بناء المهام الوطنية المطلوبة التي على منظمة التحرير الفلسطينية القيام بها، في ضوء فشل المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
ضبط مسارات المقاومة والتسوية من خلال العمل على:
1. كشف قوى الشد العكسي داخل فتح، التي تعمل باتجاه عدم نجاح المصالحة، وكذلك بعض النخب داخل السلطة الوطنية الفلسطينية الذين يضعون العقبات من أجل إفشالها. ومن الطبيعي أنه ليس من مصلحة تلك القوى أن تجني حماس كل هذا الدعم الشعبي الذي حصدته في أوساط الفلسطينيين، بعد صمود المقاومة أمام العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة. ووقف الاتهامات التي تطلقها بعض قيادات فتح، بأن حماس تقف وراء التفجيرات التي جرت ضدّ كوادر وقيادات فتح في غزة، وخلف التفجيرات التي تتم في شمال سيناء زاد من تعقيدات الظروف التي منعت إتمام المصالحة. وعلى السلطة الفلسطينية أن تدافع عن حماس أمام القيادة المصرية ووسائل الإعلام المصري، بدلاً من تقديم معلومات خاطئة لهم، يفهم منها ضلوع حماس ورائها. وأذكر في هذا المجال ما قاله سعيد كمال، سفير فلسطين السابق في القاهرة، ومساعد الأمين العام لجامعة الدول العربية لشؤون فلسطين سابقاً (المحسوب على فتح) بأن المخابرات المصرية غاضبة على خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بسبب تدخلها في الشؤون المصرية. وأوضح كمال أن “مشعل لم يخطئ فقط، ولكنه اتخذ موقفاً لا ينم عن أخلاق، عندما خاطب الجيش المصري من أجل التدخل في غزة”. وتابع موجهاً حديثه لمشعل: “من أنت حتى تخاطب الجيش المصري؟ وأشار إلى أن حماس حاولت توريط الجيش المصري في حرب مع “إسرائيل”، وقال: “كانوا عاملين حسابهم أنهم عندما يضربون صواريخ باتجاه إسرائيل، وترد إسرائيل بقصف غزة، فيدخل الجيش المصري حرباً ضدها”. وكأنه يريد أن يزيد من شعبيته لدى السلطات المصرية. ووصل به الأمر إلى القول إن “إسرائيل” لديها مطلب تعتبره مهماً، و”تحاول مصر تهذيبه، ألا وهو نزع السلاح”، وقال: “هذا المطلب الإسرائيلي تدعمه أميركا ويتعاطف معه الاتحاد الأوروبي، وأعتقد أن روسيا تدعم هذا المطلب أيضاً”، وتابع: “نفهم نزع السلاح على أنه ضبط السلاح تحت إشراف دولي مقبول، بحيث لا يقيد الفلسطينيين إذا ما تعرضوا للاعتداء. إذا اعتدت إسرائيل تحت أي سبب مما تتذرع به، يكون للإشراف الدولي الحق في إدانتها، والقول إنها هي من بدأت بالعدوان، إذن لا بدّ من إبطال الذرائع الإسرائيلية، التي تقوم بسبب بالعدوان على قطاع غزة”. وقال: “أنا أطالب بضبط السلاح تحت السيطرة الدولية”.
لقد أسهمت السلطة الفلسطينية في الحملة الإعلامية على الحركة؛ إذ أكد نمر حمّاد المستشار السياسي للرئيس محمود عباس، خلال لقاء له على قناة المحور المصرية، أن هناك معلومات مؤكدة لدى السلطات الفلسطينية أن حركة حماس شاركت في فتح السجون في 25/1/2011، وأشار حمّاد إلى أن هناك معلومات أخرى تفيد أن الحركة تشارك في الأحداث التي تشهدها مصر لخدمة جماعة الإخوان المسلمين .
2. عدم الخضوع لمعارضة “إسرائيل” للمصالحة، لقد لاحظنا كم كانت “إسرائيل” متضايقة من عملية المصالحة، وهذا بالطبع يدل على أساس أن كل من عمل على إفشال المصالحة من قبل كان يسير في النهج الإسرائيلي، لقد وقفت “إسرائيل” ضدّ المصالحة وهددت السلطة الفلسطينية بأن تختار بين السلام مع “إسرائيل” أو المصالحة مع حماس. وقال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن محمود عباس “يتقدم نحو تحقيق المصالحة والسلام مع حماس بدلاً من تحقيق السلام مع إسرائيل”، مضيفاً أنه يتعين على “أبو مازن” أن يختار بين الخيارين “لأنه يمكن تحقيق أحدهما وليس كليهما كما أن الولايات المتحدة وصفت المصالحة الفلسطينية بأنها “مخيبة للآمال”. ولقد آن الأوان أن نرفع شعار بأن الخلافات الفلسطينية تؤدي إلى مصلحة العدو الصهيوني مهما كانت أبعاد هذه الخلافات.
3. إبداء حسن نية كل طرف تجاه الطرف الآخر، وكان على السلطة الفلسطينية أن تبدي حسن نية تجاه ليس فقط حركة حماس، وإنما الرأي العام الفلسطيني، وأن تطلق سراح المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية. وعلى حركة حماس أيضاً أن تقوم بنفس الإجراء. ولكن للأسف؛ للآن كلاهما مصران على بقاء المعتقلين في السجون، وهذه قضية خطيرة، فكيف من الممكن أن نتحدث عن وجود حسن نية من قبَل كلا طرفي المعادلة الفلسطينية تجاه المصالحة، في الوقت الذي ما زال هناك مناضلون في الضفة الغربية مسجونين بسبب مواقف ضد السلطة الوطنية الفلسطينية، ومناضلون آخرون مسجونين في قطاع غزة لدى حركة حماس. وعلى السلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد إعلان نتنياهو الصريح خلال الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة أنه لا يوافق على إقامة دولة فلسطينية، وأنه سوف يستمر في إقامة المستوطنات في القدس والضفة الغربية.
4. تنفيذ بنود الاتفاقيات العديدة الموقعة بينهما، وعلى رأسها إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، لكي تبقى الحاضنة الرئيسية للقضية الفلسطينية. فيما يتعلق بإعادة بناء منظمة التحرير، كيف يمكن أن نطلب من حركة حماس وهي خارج مؤسسات المنظمة أن توافق على سياسة المنظمة وهي غير ممثَّلة فيها. بينما يوجد أشخاص في منظمة التحرير لا يمثلون إلا أنفسهم ويتحدثون عن مصير القضية الفلسطينية. “الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية إطاراً جبهوياً عريضاً وائتلافاً وطنياً شاملاً وإطاراً جامعاً ومرجعية سياسية عليا للفلسطينيين في الوطن والمنافي، وفق أسس ديموقراطية تتلاءم مع المتغيرات على الساحة الفلسطينية وترسخ مكانة المنظمة، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في أماكن تواجده”، و”بما يعزز قدرة المنظمة في القيام بمسئولياتها في قيادة الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، وفي تعبئته والدفاع عن حقوقه الوطنية والسياسية والإنسانية في الدوائر والمحافل الإقليمية والدولية”.
5. ضرورة إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية حسب ما جاء في الاتفاقيات الموقعة، وتحديد موعد قريب لإجرائها. والتأكيد على تزامن الانتخابات التشريعية، والرئاسية مع المجلس الوطني، على أن تتم الانتخابات بعد ستة أشهر من تشكيل الحكومة على الأقل. وإعلان فتح وحماس أمام الرأي العام الفلسطيني والتنظيمات الفلسطينية أنهما سيحترمان نتائج الانتخابات مهما كانت خسارة أو ربح كل طرف، لكي لا يتكرر ما حدث بعد انتخابات 2006. ولو أجريت الانتخابات حالياً وفازت فيها حماس مرة أخرى فيها، فكيف من الممكن أن تتعامل فتح أو السلطة مع هذه النتائج؟ هل سنعود مرة أخرى إلى نقطة الصفر أو إلى المربع الأول؟ وهل توافق “إسرائيل” على تلك النتائج وهي التي تخشى أن تؤدي المصالحة إلى سيطرة حماس على الضفة الغربية كما هي مسيطرة على قطاع غزة. وتعيد الاعتبار لحماس والمقاومة في الضفة الغريبة لأن من شأن هذا الأمر أن يمنح حماس موقعاً جديداً، وقوة إضافية، تدفع بها نحو تغيير مركز التأثير في قرارات السلطة الفلسطينية، وفي هذا تهديد مباشر لاتفاقيات السلطة معها.
6. ضرورة الاتفاق بين جميع الفصائل الفلسطينية على مشروع وطني واحد في التعامل مع “إسرائيل”، فلا يجوز استمرار وجود برنامجين سياسيين متناقضين؛ فتح وأوسلو – السلطة – ومواصلة التفاوض – وانتقاد المقاومة – ومصادرة سلاحها وقمعها في الضفة والتعاون الأمني. وفي المقابل؛ حماس المتمسكة بمشروع المقاومة، والرافضة لأوسلو، والمطالبة بوقف المفاوضات، وتجرم التنسيق الأمني الذي تعتبره خيانة للقضية الفلسطينية.
7. عدم الرضوخ للضغوطات الأمريكية والغربية التي ترفض إتمام المصالحة إلا إذا اعترفت حماس بشروط الرباعية الدولية وبالتالي الاعتراف بـ”إسرائيل” وإلا فإن عدم الاعتراف بحكومة تشارك بها حماس هو سيد الموقف. وضغوطات اقتصادية، تتمثل في قطع المساعدات المالية عن السلطة، وقيام “إسرائيل” بمنع الضرائب المجباة لصالح السلطة الوطنية التي تعتبر العصب الرئيس لقيام السلطة بدفع رواتب الموظفين والعاملين بأجهزة السلطة.
8. وقوف جميع الفصائل الفلسطينية في صف واحد لإنجاح فكرة المصالحة الوطنية الشاملة وأن تقوم الفصائل جميعها بالحوار الوطني البناء الذي من شأنه أن يعزز الوحدة الوطنية، وأن توضع الخلافات جانباً خاصة الخلافات الشخصية من جميع الفصائل وأن تكون نقطة بداية الحوار قائمة على التسامح بين جميع الأطراف، وأن تقف جميع الفصائل يداً واحدة من أجل فكّ الحصار المفروض على قطاع غزة، وإعادة فتح المعابر المؤدية إليه بشكل دائم. لقد تقرر توجه وفد فلسطيني موحد يضم ممثلين عن مختلف فصائل العمل الوطني إلى قطاع غزة للبدء في حوار شامل بمشاركة حركة حماس والجهاد الإسلامي من أجل تنفيذ جميع ما جرى التوصل إليه في الاتفاقيات السابقة، وما اتخذه المجلس المركزي من قرارات بشأن المصالحة الوطنية، خاصة تمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة عملها وبالذات فيما يتعلق بإعادة الإعمار، وكذلك تفعيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية حسب المرسوم الذي صدر بهذا الشأن.
القضية الفلسطينية في خطر، وهي تفرض على جميع القوى الضغط من أجل إنجاح المصالحة. وليس من مصلحة أحد إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية من دون قطاع غزة، ولا إقامة دولة أخرى في قطاع غزة من دون الضفة الغربية والقدس المحتلة. على الجميع أن يأخذ العبرة من الفلسطينيين في فلسطين المحتلة سنة 1948، الذين اتفقوا جميعاً إسلاميون وشيوعيون ووطنيون وقوميون، على برنامج وطني واحد وفي تشكيل قائمة عربية موحدة في الانتخابات الإسرائيلية، وحققوا فوزاً ملحوظاً، ولم تنجح محاولات الاحتلال الإسرائيلي إفشال ذلك الاتفاق. وعلى الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية وفي الشتات أن يتفقوا أيضاً على برنامج وطني واحد في التعامل مع قدسية القضية، مبنياً على ثوابت القضية الفلسطينية، وعدم الخضوع لأي ضغوطات سوى ضغط الشارع الفلسطيني الذي لم يعد يستطيع أن يستمر في السكوت على استمرار مهزلة الخلافات بين فتح وحماس، حتى لا تتكرر ما حدث من خلافات بين الأحزاب الفلسطينية في فترة الثلاثينيات والأربعينيات التي أدت إلى نجاح الحركة الصهيونية بإقامة “إسرائيل” على أكثر من نصف فلسطين، ولكي لا تنجح حالياً بالاستيلاء على ما تبقى من فلسطين.
[1] أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك الأردنية.
للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا (13 صفحة، 707 KB)
أضف ردا