تقدير استراتيجي (89) – حزيران/ يونيو 2016.
ملخص:
لا تمتلك ”المبادرة الفرنسية“ فرصة أفضل للنجاح من المبادرات والجهود السابقة، بل إن حظها أقل من سابقاتها، بحكم أن فرنسا وأوروبا لا تمتلك القدرة الكافية للضغط على ”إسرائيل“ حتى لو توفرت لديها الإرادة لفعل ذلك، ولأن الولايات المتحدة الأمريكية غير متحمسة للمبادرة الفرنسية، وكل همها هو تفريغها من مضمونها والاحتفاظ بزمام المبادرة في يدها، كما أن المبادرة انطلقت من سقف منخفض هو أقل بكثير من الشرعية الدولية، بل حتى لا تولد ميتة أخذت تبحث عن مرجعية تتضمن ما يمكن الاتفاق عليه، كما أن الحد الأقصى الذي تستطيع تحقيقه إذا حققت شيء أصلاً، هو استئناف المفاوضات الثنائية برعاية دولية شكلية، وما يعنيه ذلك من منع تبني خيارات أخرى وإضاعة المزيد من الوقت الثمين، الذي تستغله “إسرائيل” لاستكمال إيجاد أمر واقع احتلالي يجعل الحل الإسرائيلي بإحدى صيغه هو الحل الوحيد المطروح والممكن عملياً.
تأسيساً على ذلك، فمن الخطأ منح المبادرة الفرنسية تأييداً على بياض، بل الموقف منها يجب أن ينطلق من مدى التزامها بالحقوق الوطنية الفلسطينية.
مقدمة:
ظهرت ما تعرف بـ”المبادرة الفرنسية” في سنة 2014 عندما طرحت فرنسا مشروع قرار في مجلس الأمن يتضمن المبادئ والأسس والمعايير التي من المفترض أن تحكم مسيرة السلام لضمان نجاحها، ولكن مشروع القرار هذا عارضته أمريكا و”إسرائيل”، وتحفظت عليه ألمانيا وبريطانيا، ولم تستطع القيادة الفلسطينية أن تقبله لتضمنه بعض النقاط التي تمسّ بالحقوق الوطنية الفلسطينية، مثل قبول “إسرائيل” كـ”دولة يهودية”، على الرغم من تضمنه بعض النقاط الإيجابية، مثل تحديد جدول للمفاوضات وآخر لتنفيذ ما يتفق عليه، وتشكيل مجموعة دولية لتواكب المفاوضات وتساعد على إنجاحها، لأن المفاوضات الثنائية من دون تدخل دولي لم تؤدِّ إلى اتفاق.
وجددت فرنسا تحركها السياسي في بداية هذه السنة بصورة مختلفة عن تحركها السابق، إذ تضمنت:
أولاً: ضرورة إيجاد المجموعة الدولية لتقوم بالاتفاق على مرجعية المفاوضات، من خلال عقد اجتماع دولي دون مشاركة “إسرائيل” وفلسطين، وقد تمّ عقده فعلاً في الثالث من حزيران/ يونيو الماضي.
ثانياً: عقد مؤتمر دولي يسبقه تشكيل فرق عمل حول الأمن والتعاون الإقليمي والاقتصادي ومقومات الدولة.
وكان من المفترض أن تنتهي المرحلتين قبل نهاية صيف سنة 2016، ثم تأجّل عقد المؤتمر الدولي إلى ما قبل نهاية السنة الجارية، مع أن عقدة ما يزال مجرد احتمال.
إن قصر الإليزيه حاول وسيبقى يحاول استرضاء حكومة نتنياهو والحصول على رضى واشنطن، وهو ما أدى إلى إجراء تعديلات على الأفكار الفرنسية، فبعد التراجع عن عرض مشروع قرار في مجلس الأمن أولاً، تُركت مسألة تحديد المرجعية للاجتماع الدولي، لتتضمن ما يمكن الاتفاق عليه، وأن تكون الصياغة عامة، وهذا يعني أن المرجعية ليست القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، بل يدور البحث حول إيجاد مرجعية متفق عليها، أي أدنى مما تتضمنه الشرعية الدولية. كما تبخر سريعاً الوعد الفرنسي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية إذ فشلت الجهود الفرنسية بعد الاعتراض الإسرائيلي عليه.
وطالب رئيس الحكومة الفرنسية الدول العربية الاعتراف بـ”إسرائيل” أولاً لتشجيعها على قبول “المبادرة العربية”، التي تربط ما بين الاعتراف والتطبيع العربي بموافقة “إسرائيل” على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة سنة 1967. واعتذرت فرنسا عن تصويتها في اليونيسكو حول المسجد الأقصى، وتعهدت بالتراجع عن هذا الموقف في أيّ تصويت جديد. وقللت، وهذا هو الأهم، من أهمية دور مجموعة الاتصال الدولية، إذ أصبح جوهر دورها ودور المؤتمر الدولي المزمع عقده، كما جاء في خطاب الرئيس الفرنسي في افتتاح اجتماع باريس، تشجيع “إسرائيل” وفلسطين على استئناف المفاوضات الثنائية.
كما نصحت فرنسا القيادةَ الفلسطينية —التي قبلت النصيحة— بتجميد تحركها بخصوص عرض مشروع قرار على مجلس الأمن بخصوص الاستيطان، لكون مثل هذا القرار يعرقل الجهود الفرنسية! مع أنه من المفترض أن يساعدها على النجاح. وتميّز الموقف الفرنسي بالحدة من حملة مقاطعة “إسرائيل”، إذ رأتها معادية للإنسانية والسامية.
أولاً: اجتماع باريس مخيب للآمال:
لقد جاءت نتائج اجتماع باريس مخيبة للآمال، لدرجة أن معظم القيادات الفلسطينية أعربت عن صدمتها من اختطاف الاجتماع من قبل وزير الخارجية الأمريكي، الذي حاول فرض صيغة سيئة جداً جوهرها: الشروع في التطبيع العربي الاقتصادي والأمني مع “إسرائيل” وبناء مقومات الدولة، مقابل تمديد المرحلة الانتقالية، ما أفرغ الصيغة المطروحة للبيان الختامي من مضمونها.
ولم يتضمن البيان الكثير من القضايا، بل جاء عمومياً دون خطوات وأهداف حقيقية، وبلا خطة عمل ملموسة، ولا آليات تنفيذ وجداول زمنية، إضافة إلى أنه ساوى بين الطرفين.
ولا يكفي ما جاء في البيان من تكرار واجترار كما ظهر في التأكيد على حلّ عادل ودائم وشامل، وعن حلّ الدولتين وما يتعرض له من أخطار، وأن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار، وعن إعادة بناء الثقة وإيجاد الشروط للإنهاء التام للاحتلال الذي بدأ سنة 1967، وحلّ قضايا الوضع النهائي عبر مفاوضات مباشرة على أساس القرارين 242 و338، وبناء على قرارات مجلس الأمن ذات الصِّلة، إضافة إلى إبراز أهمية تنفيذ مبادرة السلام العربية.
تُدرك جميع الأطراف، بما فيهم القيادة الفلسطينية، أن الوضع الراهن لا يحمل أيّ احتمال حقيقي للتوصل إلى حلّ متفق عليه للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك لأن “إسرائيل” تحكمها حكومة متطرفة وعنصرية أعادت إحياء خطة إقامة “إسرائيل الكبرى”، وتعتقد أن المتغيرات العربية والإقليمية والدولية والوضع الفلسطيني الضعيف والمنقسم الذي يعاني من فقدان الخيارات يوفر لها فرصة تاريخية لتحقيقها، عبر الانتقال من سياسة إدارة الصراع ومنعه من التوصل إلى حلّ، إلى سياسة فرض الحل الإسرائيلي برضى أو من خلال الخطوات أحادية الجانب.
في هذا السياق، فإن أقصى ما تقدمه المبادرات، وخصوصاً الفرنسية، هو محاولة الحفاظ على الوضع الراهن، وعدم تدهوره إلى مواجهة شاملة فلسطينية – إسرائيلية، والإبقاء على ما يسمى “حلّ الدولتين” انتظاراً لتوفر ظروف أخرى لتحقيقه مستقبلاً. فالهدف إبقاء خيار الدولة الفلسطينية على قيد الحياة لوجود قناعة فرنسية وأوروبية ودولية بأن موت “حلّ الدولتين” بالرغم من تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية يهدد الأمن والاستقرار ويغذي الإرهاب ويشجع على تواصل موجات الهجرة.
ثانياً: مواقف الأطراف الرئيسية من المبادرة الفرنسية:
1. الموقف الفرنسي:
اختلف موقف فرنسا الحالي عن موقفها التقليدي الذي كان أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين، إذ أصبح متفهماً للموقف الإسرائيلي، ويحاول مراعاته باستمرار. وهذا يثير الشكوك حول مدى قدرة المبادرة الفرنسية على الاستمرار والنجاح، لأنه من دون ممارسة ضغوط جدية على “إسرائيل” لا يمكن نجاح أيّ مبادرة تسعى للتوصل إلى تسوية.
تريد فرنسا من تحركها تحقيق نجاح هي بحاجة له، وخصوصاً بعد فشلها المدوي في سورية، وهي تدرك أن سقف التوقعات منخفض في ظلّ أن الرئيس الفرنسي في آخر عام من عهده، إذ يكفي الديبلوماسية الفرنسية في الحد الأدنى أن تنجح في تحريك ملف القضية الفلسطينية المجمد والمتراجع جرّاء ما يحدث في المنطقة، وهذا قد يحسّن من فرص حزبه في الانتخابات القادمة، وياهم في ملء الفراغ الناشئ عن فشل الجهود والمبادرات الرامية إلى التوصل إلى حلّ، ووصول المسيرة السياسية إلى مأزق شامل. هذا الفراغ يمكن أن تملأه أطراف أخرى إذا لم تستأنف المسيرة السياسية، خصوصاً في ظلّ ابتعاد وانشغال الإدارة الأمريكية ودخولها مرحلة البطة العرجاء عشية الانتخابات الرئاسية.
من الواضح أن قصر الإليزيه يعرف جيداً أن فرنسا لا يمكن أن تحل محل أمريكا، لذا ما تفعله أشبه باللعب في الوقت الضائع، ويتم بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية، فليس من المستبعد تأجيل عقد المؤتمر الدولي (إذا طلب البيت الأبيض ذلك) المحتمل عقده هذه السنة إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، وتشكيل الإدارة الجديدة. وما يشجع فرنسا على مواصلة تحركها تأييد الاتحاد الأوروبي لمبادرتها بعد تردد طويل على الرغم من أن خروج بريطانيا منه سيلعب دوراً معاكساً.
2. الموقف الإسرائيلي:
ترفض الحكومة الإسرائيلية أيّ تحرك دولي يؤدي إلى مشاركة أطراف دولية في المفاوضات، لأنها تفضل الاستفراد بالفلسطينيين من خلال المفاوضات الثنائية المباشرة، حتى الرعاية الأمريكية للمفاوضات السابقة قبلتها الحكومات الإسرائيلية على مضض، وجعلتها دائماً ضمن الحد الأدنى، لذلك ترفض المبادرة الفرنسية، ولكنها تستخدم هذا الرفض لترويضها وجعلها تقترب من الشروط والمواقف الإسرائيلية.
كما يعزز من رفض حكومة نتنياهو للمبادرة الفرنسية تفضيلها لما تسميه “الحل الإقليمي”، خصوصاً بعد خطاب الرئيس المصري ودعوته لتحويل السلام البارد إلى سلام دافئ، ومدخل هذا الحل مفاوضات عربية إسرائيلية تكون القضية الفلسطينية مخرجاً ثانوياً نهائياً له، تغطي على تطبيع وإقامة علاقات عربية متنوعة مع “إسرائيل” انتعشت في السنوات الأخيرة على خلفية العداء المشترك لما يسمى “الخطر الإيراني الشيعي”، وتصاعد “الاٍرهاب السني”.
اضطرت “إسرائيل” سابقاً إلى إعطاء الأولوية لعقد اتفاق سلام مع الفلسطينيين، على أمل أن يفتح لها أبواب المنطقة العربية، بينما أصبحت في السنوات الأخيرة تراهن على الاتفاق مع العرب واستخدمه لفرض “التسوية” التي تريدها على الفلسطينيين، إذ أوضح نتنياهو موقفه تماماً من المبادرة العربية بعد الأنباء التي تحدثت عن موافقته عليها، مؤكداً بأن لا مفاوضات على أساسها إلا بعد تعديلها فيما يخص الانسحاب الإسرائيلي، وما تتضمنه من إشارة لحل قضية اللاجئين، فهو لا يكتفي بالتنازل العربي الوارد فيها بالحديث عن حلّ متفق عليه لقضية اللاجئين وفقاً للقرار 194.
بالرغم مما تقدم، لم تتوقف “إسرائيل” عن محاولاتها المنفردة، أو مستعينة بالإدارة الأمريكية، لترويض المبادرة الفرنسية لتصبح ملائمة للشروط والإملاءات الإسرائيلية، وإذا استطاعت “إسرائيل” في ظلّ غيابها عن اجتماع باريس أن تكون حاضرة كما يتضح من البيان الختامي الذي تعرضنا له، فما الذي سينتج عن مؤتمر دولي، تشارك فيه “إسرائيل”، ولن يُعقد إذا لم توافق على المشاركة فيه؟!!
3. الموقف الفلسطيني:
رحبت القيادة الفلسطينية بالتحرك الفرنسي منذ البداية على الرغم من معرفتها بسقفه الهابط، لأنها راهنت على أنه يمكن أن يحافظ على الوضع الراهن إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، ويمكن أن يجنبها الدخول في اختبار عملي لما هددت به منذ فترة من اعتماد خيارات أخرى. لذا، منحت التحرك موافقة على بياض، وروّجت له عربياً وفي كل أصقاع الدنيا، إذ تعاملت معه مثل الغريق الذي يتعلق بقشة كل ما يهمه أن تكون القضية الفلسطينية حاضرة، وليس مهمًاً كيف، وما هي المخاطر المترتبة على عدم وجود المتطلبات الكفيلة بحماية القضية الفلسطينية وتجسيدها.
واستكمالاً لهذا الرهان، وافقت القيادة على عدم المشاركة في اجتماع باريس، وهذا أمر خطير، فكيف تُبحث القضية بغياب أصحابها بذريعة حضور بعض الأشقاء والأصدقاء العرب والأجانب؟!
لا يعقل أن يغيب أصحاب القضية الذين ناضلوا وضحوا طويلاً ليكون العامل الفلسطيني حاضراً في ظلّ أن الأوضاع العربية سيئة جداً، ولا ينفع وضع القضية الفلسطينية في يد العرب أو بعضهم وهم في أسوأ حال.
بالرغم من خيبة أمل القيادة من نتائج اجتماع باريس إلا أنها بلعت الاعتراضات التي وردت على لسان معظم أفرادها، وجددت دعمها للمبادرة الفرنسية لكونها “اللعبة الوحيدة في المدينة”، وعزاؤها في ذلك أن كيري لم ينجح تماماً —بتواطؤ من بعض الدول الأوروبية— في تمرير الأجندة الحقيقية لما يجري، وهي فتح طريق التطبيع والعلاقات العلنية العربية مع “إسرائيل” دون موافقتها على مبادرة السلام العربية.
ثالثاً: سيناريوهات المبادرة الفرنسية:
1. السيناريو الأول: عدم عقد المؤتمر الدولي:
يقوم هذا السيناريو على احتمالية عدم وصول المبادرة إلى عقد المؤتمر الدولي جرّاء الرفض الإسرائيلي وعدم استعداد الإدارة الأمريكية لممارسة الضغط على “إسرائيل”، إضافة إلى عدم رغبة وقدرة فرنسا والاتحاد الأوروبي الضغط الكافي عليها، وخصوصاً بعد تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، ودلالاته وتداعياته السلبية المحتملة، التي قد يكون من ضمنها بروز النزعات الانغلاقية واليمينيّة وانشغال أوروبا بشؤونها الداخلية، وهذا من شأنه أن يصبّ في محصلته لصالح الموقف الإسرائيلي.
وسيتعزز هذا السيناريو بصورة أكبر في حال فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، لا سيّما أن الإدارة الأمريكية لا تبدو بوارد تقديم مشروع قرار في مجلس الأمن قبل انتهاء فترة أوباما، يتضمن أسس ومرجعيات التسوية، بل أقصى ما يمكن أن تذهب إليه هو إصدار إعلان رئاسي لا قيمة له، مع أنه سيتضمن الكثير من البنود التي تنتقص من الحقوق الفلسطينية، مثل الاعتراف بـ”إسرائيل” كـ”دولة يهودية”، وعلاقتها بـ”جبل الهيكل”، ومبدأ “تبادل الأراضي”، وضم الكتل الاستيطانية في القدس الشرقية وبقية أراضي الضفة لـ”إسرائيل”، ورفض حقّ العودة، وتبني مطالب “إسرائيل” الأمنية.
وما يعزز هذا السيناريو أيضاً عدم تحمّس روسيا للمبادرة الفرنسية، ولا أن تحلَّ مجموعة دولية موسّعة محلَّ اللجنة الرباعية الدولية، إضافة إلى طموح موسكو لاستضافة المؤتمر الدولي.
2. السيناريو الثاني: المؤتمر الدولي منصة للمفاوضات للثنائية:
ويقوم هذا السيناريو على عقد المؤتمر الدولي بعد ترويض المبادرة الفرنسية أكثر، ليكون مجرد منصة أو غطاء لانطلاق المفاوضات الثنائية، بحيث نكون أمام جولة أخرى من المفاوضات العبثية التي ستكون أخطر من سابقاتها، لأنها ستتم في ظلّ معطيات وشروط أسوأ، ووسط إقرار مخططات إسرائيلية عدوانية واستيطانية وعنصرية أوسع مدى وأكثر خطورة، وسيرافق هذه المفاوضات —في حال حصولها— رعاية دولية شكلية لا تختلف كثيراً عن الدور الذي لعبته اللجنة الرباعية الدولية التي أجلت المرة تلو المرة إصدار تقريرها (لم يصدر حتى كتابة هذه السطور) حتى لا تغضب “إسرائيل”، لأنه يحملها جزءاً من المسؤولية عن عدم نجاح جهود السلام.
ويحتاج هذا السيناريو حتى يُكتب له النجاح الجمع بين ترغيب “إسرائيل” وترهيبها، وممارسة درجة من الضغوط الأمريكية والأوروبية عليها.
3. السيناريو الثالث: مفاوضات عربية إسرائيلية:
يستند هذا السيناريو إلى دمج المبادرتين الفرنسية والعربية لنكون أمام مفاوضات عربية إسرائيلية تسمح بالتعاون الأمني والإقليمي والاقتصادي، وبتطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية، ونشوء “تحالف عربي إسرائيلي” ضدّ ما يسمى “الخطر الإيراني الشيعي والإرهاب السني”، مقابل العودة إلى خطة إقامة مقومات الدولة الفلسطينية وتمديد المرحلة الانتقالية، وتقديم حوافز تشجيعية اقتصادية وغيرها.
وقد يحتمل هذا السيناريو عقد مؤتمر دولي وظيفته التغطية على المفاوضات العربية الإسرائيلية، وما يمكن أن تتوصل إليه من حلّ إقليمي، أو يمكن أن يتحقق من دون عقده. وهناك معلومات تفيد بتداول فكرة عقد المؤتمر الدولي في مصر على أن تقوده فرنسا، غير أن مصر رفضت ذلك على أساس أن المؤتمر إذا عقد في مصر فلا بدّ أن تقوده القاهرة.
يمكن أن يشهد هذا السيناريو مفاوضات فلسطينية إسرائيلية واتفاقات انتقالية جديدة تشارك فيها أو لا تشارك في تنفيذها أطراف عربية جنباً إلى جنب مع لجان التعاون الأمني والإقليمي والاقتصادي والتطبيع العربي بتعديل رسمي أو فعلي للمبادرة العربية.
4. السيناريو الرابع: خطوات إسرائيلية أحادية:
يرتكز هذا السيناريو على فشل كل المبادرات وقيام “إسرائيل” بخطوات أحادية الجانب، مثل ضمّ مناطق ج أو جزء منها مثل ما تسمى “الكتل الاستيطانية”، أو فرض القوانين الإسرائيلية على مناطق ج دون الإعلان عن ضمها، وهذا في كل الأحوال يفتح احتمالات التفجير والمجابهة.
ويمكن أن يشهد هذا السيناريو خطوات إسرائيلية من شأنها أن تعمق الانقسام الفلسطيني من خلال تخفيف الحصار لإتمام تطبيع العلاقات التركية – الإسرائيلية، بعد رفض “إسرائيل” الطلب التركي برفع الحصار عن غزة.
رابعاً: استنتاجات وتوصيات:
1. إن الدفع للتوصل إلى حلّ نهائي في ظلّ الاختلال الفادح في موازين القوى لصالح “إسرائيل”، ومع استمرار الحريق العربي، واتجاه العالم نحو اليمين والانغلاق، وازدياد التنافس والصراع الإقليمي في المنطقة؛ مجرد إعادة إنتاج للأوهام، وسيؤدي في أحسن الأحوال إلى الفشل، ولن يحافظ على الوضع الراهن الذي يتدهور باستمرار. وسيسهم، في أسوأ الأحوال، بقصد أو من دون قصد في تمرير حلّ تصفوي، أو إغلاق القضية الفلسطينية حتى إشعار آخر.
2. التعامل مع المبادرة الفرنسية وغيرها على أساس ما يمكن أن تخدم به القضية الفلسطينية، دون تنازل عن الحقوق والثوابت الفلسطينية.
3. رفض العودة بأي حال إلى المفاوضات الثنائية برعاية أمريكية أو دولية شكلية، والإصرار على أن تستجيب “إسرائيل” للقرارات الدولية المؤكدة لحقوق الشعب الفلسطيني، ووضع الآليات الملزمة لها بذلك.
4. رفض أيّ حلول انتقالية مثل دولة ذات حدود مؤقتة، أو في غزة، أو العودة إلى خطة بناء المؤسسات تحت الاحتلال.
5. إعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أساس القواسم المشتركة، ضمن الاتفاق على أسس وطنية وديموقراطية توافقية ومشاركة حقيقية، وبلورة استراتيجية سياسية ونضالية تكون مدخلاً لإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، والنظر في الحكومة وغيرها من الملفات، وإعادة النظر في شكل السلطة ووظائفها والتزاماتها لتصبح أداة لخدمة البرنامج الوطني وليس عبئاً عليه. على أن يكون توحيد الموقف الفلسطيني المدخل لبناء موقف عربي ودولي مساند للقضية الفلسطينية.
* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ هاني المصري بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.
لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:
>> تقدير استراتيجي (89): آفاق المبادرة الفرنسية |
أضف ردا