عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات يوم الأربعاء 15/2/2017 مؤتمراً علمياً تحت عنوان: ”قضية فلسطين: تقييم استراتيجي 2016– تقدير استراتيجي 2017“، في فندق ”كراون بلازا“ في بيروت، وجرى خلاله تقييم التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية بمختلف جوانبها خلال سنة 2016، إضافة إلى محاولة استشراف اتجاهاتها المتوقعة في سنة 2017.
وقد شارك في المؤتمر، الذي توزعت أعماله على ثلاث جلسات، نخبة من المتخصصين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، ناقشوا خلالها الجوانب المتعلقة بالشأن الفلسطيني الداخلي، والجوانب العربية والإسلامية والدولية القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى الشأن الإسرائيلي
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المؤتمر يندرج ضمن إطار سلسلة مؤتمرات التقييم والتقدير الاستراتيجي للتطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والتي يعقدها المركز على رأس كلّ سنة، وهو ينعقد للسنة التاسعة على التوالي.
الافتتاح والجلسة الأولى
في البداية ألقى د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة، كلمة الافتتاح، حيث رحّب بالحضور، وقال صالح إن مركز الزيتونة يدخل عامه الثالث عشر، وهو يفتخر أنه بفضل الله أصبح في طليعة مراكز الدراسات والتفكير المتخصصة بالشأن الفلسطيني، وأنه مصرٌ على الالتزام بمناهج البحث العلمي ومعايير الدراسات العليا في الجامعات وأنه مظلة لجميع الباحثين والمتخصصين وملتقى للمفكرين والسياسيين يجتمعون فيه على اختلاف خلفياتهم السياسية والثقافية في أجواء علمية حضارية تستفيد من زوايا نظرهم المختلفة في خدمة الأمة وقضاياها وخصوصاً القضية الفلسطينية.
ثم قدم د. صالح الأستاذ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الذي تحدث في الافتتاح، مباشرة من الدوحة عبر ”الفيديو كونفرنس“، وقال صالح إن مشعل قاد هذه الحركة طوال 21 عاماً واجتاز بها تحديات جسام من انتفاضة الأقصى إلى الانتخابات الفلسطينية التي أدت لفوز حماس في المجلس التشريعي وإدارة حكومة السلطة، إلى ملفات المصالحة الوطنية، وملفات فك الحصار عن قطاع غزة، وإدارة ثلاث حروب في الدفاع عن القطاع، وقيادة حماس في خضم التغيرات والثورات في المنطقة العربية، إلى تقديمه لنموذج قيادي مميز يترك القيادة وهو في قمة حيويته وعطائه ليفسح المجال لإخوانه في تداول قيادي مؤسسي سلس. ولذلك يحق لنا وهو يغادر موقعه أن يقدم لنا خلاصة تقييمه وتجربته ونضاله. ثم استعرض صالح أبرز النقاط التي سيتناولها برنامج المؤتمر.
ثم قدم مشعل ورقة رئيسية في افتتاح المؤتمر (Keynote address)، عن التجربة الوطنية الفلسطينية ودور حماس فيها وآفاقها المحتملة. وتناول مشعل ثلاثة محاور:
• نظرات وملاحظات حول التجربة الوطنية الفلسطينية.
• نظرات حول دور حماس في إطار هذه التجربة.
• الآفاق المستقبلية للقضية الفلسطينية ودور حركة حماس فيها.
• نظرة عامة عن مستقبل العمل الوطني الفلسطيني خلال المرحلة القادمة.
وحول التجربة الفلسطينية، أكد مشعل أن الشعب الفلسطيني هو الأساس، وذلك قبل أن نتحدث عن الفصائل والقوى الفلسطينية، فالشعب هو الأساس، وإن الشعب الفلسطيني قدّم أفضل ما عنده من بطولة واحتضن المقاومة وتمسك بها. فالشعب هو أساس في الحديث عن التجربة وما صنعته القيادات والفصائل والقوى ما هو إلا جزء من التعبير عن أداء هذا الشعب. وقال إنه مما يحسب للتجربة الفلسطينية في هذه المرحلة أولاً القدرة على البقاء والصمود والاستمرارية، والقدرة على العمل والنضال والمقاومة.
وتحدث مشعل عن دور حماس في التجربة الفلسطينية؛ فأشار إلى أنه بالرغم من انطلاقتها سنة 1987، فقد سبقتها تحضيرات لمدة عشر سنوات؛ وإنه يحسب لحماس منذ انطلاقتها أنها أسهمت إسهاماً أساسياً مع باقي الفصائل في إعادة مشروع المقاومة الفلسطينية إلى واجهة الصراع بزخم كبير، وطوّرت تصنيع سلاح المقاومة، وقامت ببناء جيش محترف وهو كتائب القسام الذي أذل الاحتلال على حدود غزة وعزز ثقة شعبنا في مواجهة الاحتلال. ويُحسب للمقاومة في أنها نجحت في أسر جنود العدو وإبرام صفقات تبادل الأسرى.
وحول آفاق المستقبل قال مشعل أن هناك أولويات أساسية وهي:
1. ترتيب البيت الفلسطيني وأوراقنا الداخلية، وتجديد المؤسسات في الداخل والخارج، وتفعيل دور الخارج الفلسطيني على كل الصعد.
2. إعادة تعريف المشروع الوطني وإعادة الاعتبار له بالتوافق بين جميع القوى، إلى التركيز على جوهر المشروع.
3. التوافق الوطني الفلسطيني على استراتيجية وتزاوج بين السياسة والمقاومة.
إدارة القرار والتحرك السياسي والدبلوماسي والجماهيري في إدارة وطنية مشتركة متوافقة مع الأهداف والتكتيكات، ومتوافقة مع الفعل المقاوم على الأرض وختم مشعل قائلاً إن حماس هي جزء من الساحة الفلسطينية ومكونات القضية، وبالتالي فإن الأولويات الأربعة هي ما تعمله حماس مع بند إضافي هو أن تحافظ على برنامج تعزيز القوة لديها وأن تسخرها لصالح هذه الأوليات الأربعة.
الجلسة الثانية
تناولت الجلسة الثانية، التي أدارها أ. جابر سليمان، المحور الفلسطيني الداخلي، والكيان الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، والعالم العربي والقضية الفلسطينية، وتحدث فيها كلّ من أ. هاني المصري، رئيس المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية، ود. عباس إسماعيل، أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانية، والمتخصص بالشأن الإسرائيلي، ود. أحمد سعيد نوفل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك الأردنية، والمتخصص في العلاقات الدولية والصراع العربي.
وفي ورقته حول المحور الفلسطيني الداخلي تحدث المصري عن بعض المعطيات والمتغيرات التي ستؤثر على المسارات الفلسطينية، منها: وصول ترامب إلى البيت الأبيض، والأزمات الداخلية في الدول العربية، والواقع الذاتي الفلسطيني. وذكر المصري أن الوضع الفلسطيني الداخلي يعيش أزمة وهو في مأزق ومهترئ، ولم يتمكن من مواجهة التحديات والمخاطر، وعجز عن تحويلها إلى فرص لإنهاء الانقسام، مشدداً على أن إمكانية استعادة الوحدة الوطنية ليس سهلاً.
كما شدد المصري على ضرورة إعادة تعريف الوحدة الوطنية. وأشار إلى أن الفراغ الفلسطيني الداخلي أدى إلى ظاهرة الانتفاضة الفردية، وهي تظهر بموجات. وقال إنه يمكن للسلطة أن تختار أن يبقى الوضع على ما هو عليه، أو أن تختار التصعيد بشكل محدود، أو أن تختار الخضوع والعودة إلى المفاوضات. ويمكن أن تنهار السلطة في مرحلة ما جرّاء الإجراءات الإسرائيلية. وشدد المصري على ضرورة الاستعداد الخيار الأخير. كما أكد على أهمية الخيار الوطني والاستعداد للمواجهة الشاملة، وطالب المصري باعتماد شراكة حقيقية.
وفي ورقته حول الكيان الإسرائيلي والقضية الفلسطينية والتطورات والمسارات المحتملة أشار د. إسماعيل إلى أن انتخاب ترامب هو الحدث الأهم إسرائيلياً في الشأن الفلسطيني، وذكر أن التطورات التي تركت تأثيرها في المقاربة الإسرائيلية للوضع الفلسطيني هي تراجع الانتفاضة، واستمرار الجمود السياسي للسلطة الفلسطينية، وانتخاب السنوار في قطاع غزة، وتوظيف العلاقة مع قطر وتركيا لفتح قنوات مع حماس والوضع في غزة.
كما أشار د. إسماعيل إلى أن الطرف الإسرائيلي سيحاول استغلال غياب الأفق السياسي وإلى الأزمة الاقتصادية وأزمة القيادة في أراضي السلطة الفلسطينية. الوضع الاقتصادي الصعب في قطاع غزة.
وتطرّق في الختام إلى المسارات والخيارات في المرحلة المقبلة، ومنها غياب أي أفق لتسوية سياسية، بالإضافة إلى وجود رهان أكبر في إسرائيل على فرصة التعاون مع الدول العربية.
وتحدث د. نوفل في ورقة حول العالم العربي والقضية الفلسطينية والتطورات والمسارات المحتملة، وأشار إلى أن التدخل العربي أضر بالقضية الفلسطينية أكثر مما أفادها. وذكر أن القضية الفلسطينية تعرضت لظروف وتطورات حساسة بعد الثورات العربية، وانعكس عدم الاستقرار في العالم العربي بشكل سلبي على القضية الفلسطينية، حيث جعلت الأنظمة العربية الربيع العربي ذريعة لتخاذلها.
وأشار نوفل إلى أن القضية الفلسطينية تراجعت في قاموس الأنظمة العربية، وعبّر نوفل عن خشيته من ضغط أمريكي على هذه الأنظمة من أجل التخلي عن القضية بشكل كامل.
واستنكر نوفل قيام أكبر دولة عربية بفرض حصار على قطاع غزة، وشدد على أن الجماهير العربية تعي ماهية الصراع، وتقف في مواجهة العدو الإسرائيلي، ولكنه أشار إلى أن الخطر يكمن في التطبيع الرسمي العربي مع ”إسرائيل“. وحذر من محاولات مشبوهة لجعل سنة 2017 سنة إنهاء للقضية الفلسطينية.
الجلسة الثالثة
تناولت الجلسة الثالثة، التي أدارها أ. بشار شبارو، الرئيس السابق لاتحاد الناشرين العرب، وتحدث فيها كل من د. طلال عتريسي، أستاذ علم الاجتماع التربوي وعلم النفس الاجتماعي في الجامعة اللبنانية، ود. سعيد الحاج، باحث مختص بالشأن التركي وعضو اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، ود. مجدي حماد، رئيس الجامعة اللبنانية الدولية في بيروت.
وقال عتريسي في ورقته حول إيران والقضية الفلسطينية أن عام 2016 اتسم بـ 3 سمات:
1. استمرار الصراع على مستوى المنطقة والتدخل الخارجي.
2. بروز وجه سلبي للقضية الفلسطينية تمثّل بتراجع القضية الفلسطينية، وتزايد التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
3. بروز وجه إيجابي لفلسطين، وتمثل بانتفاضة القدس، بالإضافة إلى قرار مجلس الأمن بإدانة الاستيطان. أما فيما يتعلق بإيران فإن إيران انشغلت بما يجري حولها من حروب وصراعات.
وذكر عتريسي أنه كلما تقدمت المقاومة فإن هذا يدفع إيران وغيرها من الدول إلى مزيد من تأييد المقاومة، كما أن إيران لديها ثابت في تأييد حق الشعب الفلسطيني وتلتزم بالوقوف إلى جانب المقاومة في مواجهة الكيان الإسرائيلي، وبهذا تتميز إيران عن باقي الدول.
وعن علاقة إيران مع فصائل المقاومة الفلسطينية، أشار إلى أن علاقة إيران مع حماس تعرضت إلى البرودة في السنوات الأخيرة، وقد حاولت إيران من جهة وحماس من جهة أخرى إعادة ترميم هذه العلاقة.
ورأى عتريسي أن الأنظار ستبقى موجهة للصراعات الدائرة في العراق وسورية واليمن، وربما تتراجع القضية الفلسطينية أمام هذه الصراعات. ولفت إلى احتمال شن حرب على قطاع غزة لضرب قدرات المقاومة.
ومن جهته تحدث د. سعيد الحاج عن العلاقة بين تركيا والقضية الفلسطينية والتطورات والمسارات المحتملة، وتحدث عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل خلال 2016 والأحداث التي أدت إلى ذلك. واعتبر أن الموقف التركي العام بالنسبة للقضية الفلسطينية قد شهد بعض التراجع، وحدد د. الحاج متغيرين مهمين هما:
1. انتخاب ترامب، فتركيا تفاءلت بانتخاب ترامب بعدما وصلت العلاقات في عهد أوباما إلى الحضيض، ورأت تركيا أن ”إسرائيل“ قد تكون أحد المفاتيح في توثيق العلاقة مع الولايات المتحدة.
2. النظام الرئاسي في تركيا، والذي قد يكون له إيجابيات على القضية الفلسطينية.
أما عن أبرز التحديات خلال عام 2017، فرأى أنها تتلخص بالآتي:
1. حالة التطبيع الشعبي، وهو خطر انتقال التطبيع من المستوى الرسمي إلى المستوى الشعبي.
2. تحدي غاز البحر المتوسط، فتركيا بحاجة للطاقة وتريد تنويع مصادر استيراد الغاز، ومن ذلك الاستيراد من ”إسرائيل“
3. الأوضاع الدولية، وانعكاسات سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة على المنطقة.
وتناول د. مجدي حمّاد التأثير الدولي وخصوصاً الأمريكي في القضية الفلسطينية ومساراته المحتملة، ورأى أن أهمية التأثير الدولي على القضية الفلسطينية تتضاعف، كما كان حال عليه في جنوب إفريقيا قبل إسقاط النظام العنصري، بالنظر إلى الفرضية الأساسية التي يتبناها الباحث بهذا الخصوص؛ والتي تتمثل في أن خبرات الصراع، وتوازنات القوى المحلية والإقليمية والعالمية تشير إلى أن الحل العادل سوف ينبع من الخارج.
وأشار د. حمّاد إلى أنه بات من الملحّ إجراء مراجعة لمكانة فلسطين الدولية قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة، لا سيما في ظلّ التطورات بالغة السوء التي حدثت خلال الفترة القصيرة الماضية كثمرة خبيثة لما تشهده الدول العربية من حروب وتفكك وانقسام. فقد شهدت سنة 2016 عدد من المؤشرات الدولية تجاه ”إسرائيل“، حملت من المعاني ما قد يدعو إلى الالتباس، لتراوحها بين إشارات سلبية وأخرى إيجابية؛ وفيما يأتي القائمة بوجهيها.
الاختراقات التي أحدثتها إسرائيل على المستوى الدولي:
1. رئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة
2. تطوير العلاقات الإسرائيلية الروسية استراتيجياً
3. إعادة تطبيع العلاقات مع تركيا
4. اختراق إسرائيل لإفريقيا وإقامة علاقات مع بعض الدول الإفريقية
5. اختراق نتنياهو لكازاخستان وأذربيجان
أما بالنسبة للسلبيات لإسرائيل على المستوى الدولي فتتلخص في:
1. نشاط حملة المقاطعة الدولية BDS
2. قرار مجلس الأمن الدولي بإدانة الاستيطان
3. إنشاء مجلس حقوق إنسان يتضمن قائمة سوداء للشركات العاملة في المستعمرات
4. قرار اليونيسكو بأن المسجد الأقصى حق خالص للمسلمين
وعن احتمالات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، قال د. حمّاد أن الرئيس ترامب يريد أن يكون مختلفاً عن غيره من الرؤساء، ومن ثم قد يندفع في طريق نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، لكن المحدد الرئيسي لتوجهاته سيكون مؤسسات الدولة الأمريكية من ناحية، والدول العربية التي يعدُّها ترامب بشكل أو آخر حليفة أو صديقة لبلاده من ناحية أخرى.
أما بالنسبة إلى النتائج المترتبة على نقل السفارة، فهي أولاً، ضرب الشرعية الدولية والقانون الدولي المتعلق بالقدس، وثانياً، ضرب إمكانية تحقيق السلام عبر التسوية السياسية، وثالثاً، إخراج الولايات المتحدة من موقع الوسيط، ووضعها في موقع الدولة الخارجة والمعادية للعرب والمسلمين.
الختام
وفي ختام المؤتمر، شكر د. محسن محمد صالح الحضور، منوهاً بما تمّت مناقشته من تقييمات وتوقعات لمسار القضية الفلسطينية، آملاً أن تسهم في خدمة القضية والأطراف العاملة لأجلها.
أضف ردا