شارك مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات الدكتور محسن محمد صالح في جلسة حوارية ضمن منتدى الجزيرة الـ 12 الذي انعقد في العاصمة القطرية، الدوحة، بعنوان “الخليج، العرب والعالم في سياق التطورات الجارية”، يومي السبت والأحد 28-29 /2018/4.
وقد استأثرت القضية الفلسطينية بجلسة خاصة هي الجلسة الخامسة بعنوان “القضية الفلسطينية في سياق الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل وترتيبات صفقة القرن”. حيث شارك في هذه الندوة إلى جانب د. محسن كل من الأستاذ هاني المصري، ود. إبراهيم فريحات، ود. إيلان بابيه، والأستاذ ساري عرابي. وتناول الدكتور محسن خلال كلمته فيها عدة نقاط أولها أن مسار التسوية السلمية الذي اعتُمد منذ اتفاقية أوسلو حتى الآن أشبه بما يُعرف بـ”استراتيجية تطوير أداء الحصان الميت” وأن أفضل استراتيجية للتعامل مع الحصان الميت هو أن تنزل عنه، وأضاف أن تجربة 25 سنة من التسوية السلمية أدت إلى أن فكرة حل الدولتين نفسها انهارت عملياً على الأرض، وأن السلطة الفلسطينية التي أرادت أن تتطور إلى دولة فلسطينية مستقلة تحوّلت مع الزمن إلى كيان يخدم الاحتلال أكثر مما يخدم أغراض الشعب الفلسطيني، وباعتراف الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة، وبالتالي فلا يوجد أفق بأن تتحول إلى دولة فلسطينية مستقلة. وتأتي صفقة القرن لا لتعدل المسار بل لتتساوق مع مسار تصفية القضية الفلسطينية.
وأضاف د. محسن محمد صالح أن النقطة الثانية التي تتساوق مع النقطة الأولى وتساعد على بيئة ما يعرف بـ”صفقة القرن” هي الأداء الضعيف والمهزوز للقيادة الفلسطينية والقيادات العربية في البيئة الاستراتيجية المحيطة بفلسطين؛ إذ إن هناك إشكالية حقيقية في البنية السياسية الرسمية الفلسطينية التي لم تتعزَّز أو تتطور خلال الـ 25 سنة الماضية بل تراجعت بشكل كبير، وتابع أنه يوجد أزمة في القيادة الفلسطينية وأزمة في الاتجاه وأزمة في الرؤية وأزمة في إدارة المؤسسات وفي تحديد الأولويات والمسارات، وبالتالي كيف يتم تحديد الاتجاه والاستفادة من الطاقات الهائلة المذخورة في الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج بشكل سليم في ظل كلّ هذه الأزمات؟ وأضاف أنه بدلاً من أن تتطور منظمة التحرير الفلسطينية لتعبر عن الكل الفلسطيني جرى تقزيمها وأصبحت كياناً ضعيفاً، يكاد يُصبح دائرة صغيرة من دوائر السلطة الفلسطينية، وأن المجلس الوطني الفلسطيني طوال الـ 27 عاماً لم يُعقد بشكل رسمي ويزيد معدل عمر أعضائه عن 72 عاماً، ولم يُفتح الباب لحالة التجديد وفق اتفاق المصالحة الذي عُقد سنة 2011 بحيث يضم المجموع الفلسطيني، ويعبّر عن الحالة الفلسطينية الحقيقية. وبدلاً من أن تستقوي السلطة بقطاع غزة لمواجهة المشروع الصهيوني، يتم تطبيق معايير أوسلو عليه.
ورأى أن التلويح الأمريكي بما يُعرف بصفقة القرن يستدعي توحيد وتنسيق الجهود الفلسطينية والعربية في مواجهتها، مع إدراكنا أن البيئة الفلسطينية تعاني من حالة ضعف، والحالة العربية تعاني من الحالة نفسها؛ وما يحدث الآن من استنزاف للإنسان العربي والثروات العربية، ومن توجيه للبوصلة نحو الصراعات المذهبية والطائفية، بدلاً من مواجهة الكيان الصهيوني. وأكد صالح أن البيئة الفلسطينية والعربية المتردية هي التي أغرت الأمريكان عملياً على الاندفاع باتجاه هذه الصفقة، على الرغم من أنها ليست مصطلحاً جديداً، وكشف صالح عن أن بعض ما يشاع من مضامين الصفقة ورد في مقترحات سابقة خصوصاً ما نشره مستشار الأمن القومي الإسرائيلي غيورا آيلاند سنة 2010.
وأضاف الدكتور محسن صالح أن ما تسرَّب عن صفقة القرن لا يتضمن أيّ إشارة إلى قضية القدس أو عودة اللاجئين ومستقبل الدولة الفلسطينية بشكلها النهائي وسيادتها…، وهذا يدل على أننا أمام صفقة تصفية للقضية الفلسطينية وليست تسوية؛ ورأى أن هذه الصفقة لم يُعلن عن مضمونها إلى الآن حتى يتم تجهيز البيئة المناسبة لها. وقال أن الحد الأعلى الذي يقدمه الكيان الإسرائيلي من خلال صفقة القرن لا يصل إلى الحد الأدنى الذي يقبله أي فلسطيني. وما دام الشعب الفلسطيني يرفض هذه الصفقة فلن تمر على الرغم من البيئة النفسية الضاغطة عليه. ونبَّه إلى أن أكثر من 240 مشروعاً للتسوية عُرضت في السبعين عاماً الماضية، لكنها فشلت بفعل رفض الشعب الفلسطيني ودور المقاومة، وأكد على أن الأمر يحتاج إلى صبر وإعادة بناء للمؤسسات الوطنية الفلسطينية.
ورأى أن المشروع الصهيوني يعاني بدوره من حالة أزمة، وفشل في التحول إلى كيان طبيعي في المنطقة حتى الآن، كما يواجه تحديات على المستوى الديموجرافي، الذي يصب في صالح الشعب الفلسطيني. ولفت النظر إلى أن هناك حقائق فلسطينية على الأرض؛ وأن المقاومة الفلسطينية تمكنت من تطوير قدراتها وإمكاناتها، وأن البيئة التي اخترقها المشروع الصهيوني في المنطقة العربية هي البيئة الرسمية، ولم يستطع الوصول إلى البنية الشعبية، وبالمقابل لم تستطع بيئاتنا العربية المتسقة مع مشروع التسوية أن تفرض أجندتها، لأنها تعاني من أزمات ومن حالة تشكّل وإعادة تشكّل وعدم استقرار، بالإضافة إلى السلوك الأمريكي المرتبك الذي لا يستطيع أن يفرض نفسه لأنه يعاني من أزمات في الداخل.
من جهة أخرى، شارك د. محسن محمد صالح خلال اليوم الأول من المنتدى بدعوة من مركز الجزيرة للدراسات في طاولة مستديرة على الغذاء لتبادل الرأي مع باحثين آخرين حول “دور الإسلاميين الراهن في المنطقة”.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2018/5/3
آخر تحديث، 2018/5/9
أضف ردا