عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ومركز الجزيرة للدراسات وقناة الجزيرة مباشر ندوة بحثية مشتركة بعنوان: “سبعون عاماً على النكبة… مراجعة استراتيجية”، وذلك يوم الخميس 10 أيار/ مايو 2018، في فندق رمادا في بيروت، بمشاركة نخبة من الباحثين والأكاديميين، بمناسبة ذكرى مرور سبعين عاماً على النكبة الفلسطينية وما شهدته هذه القضية من منعطفات أثَّرت في مسيرة الصراع ضدّ المشروع الصهيوني وفي مسيرة التحرير وعودة الأرض.
توزّعت مواضيع الندوة على أربعة محاور تناولت نجاحات وإخفاقات القضية الفلسطينية، وإسهام الدور العربي والإسلامي في دعم هذه القضية أو إعاقتها، وأهم ملامح “صفقة القرن” وتأثيرها على مسار القضية الفلسطينية، والسيناريوهات المتوقعة لمستقبل القضية الفلسطينية.
افتتح الندوة وأدارها المذيع في قناة الجزيرة مباشر سالم المحروقي حيث رحب بالحضور وعرَّف بالندوة، ثم تمّ عرض إنفوجرافيك للخط الزمني للأحداث المتعلقة بالقضية الفلسطينية – الإسرائيلية التي حصلت منذ قرار تقسيم فلسطين رقم 181 في سنة 1947 وحتى الآن.
في بداية النقاش، تناول د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، أبرز الإخفاقات في تاريخ القضية الفلسطينية، وفصلها بعدة نقاط منها كارثة حرب 1948 وضياع 77% من أرض فلسطين وتشريد نحو 60% من شعبها وإنشاء الكيان الصهيوني “إسرائيل”. وكارثة حرب 1967 وضياع ما تبقى من فلسطين والجولان وسيناء. والفشل في إعادة اللاجئين بالرغم من صدور 130 قراراً بذلك. والفشل العربي والإسلامي في الحروب ضد “إسرائيل”. وتراجع البعد العربي والإسلامي الرسمي الداعم لفلسطين وتحولها إلى قضية تخص الفلسطينيين وحدهم، ومنع الدول العربية للعمل المقاوم عبر الحدود، وجود بيئة رسمية ضعيفة عاجزة. ونمو المشروع الصهيوني وتجذره وتصاعد قوته، هجرة 3.2 ملايين يهودي إلى فلسطين، ونجاح 45% من يهود العالم في الحصول على دعم وغطاء القوى الكبرى، تحوله لدولة فوق القانون. وحالة الانقسام الفلسطيني، وفشل المؤسسة الفلسطينية باحتواء الكل الفلسطيني تحت مظلة واحدة، وتضعضع واهتراء النظام السياسي الفلسطيني، وفشل م.ت.ف وتراجعها، وما تعانيه من إشكالية في الرؤية، وفي البناء المؤسسي، وفي القيادة، وفي تحديد المسارات والأولويات والبرامج. وفشل مسار التسوية السلمية، وسقوط حل الدولتين، وتحول السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية إلى سلطة تخدم الاحتلال. والفشل في إطلاق وإنجاح مشروع نهضوي وحدوي مكافئ في مواجهة المشروع الصهيوني. والاختراق التطبيعي الإسرائيلي مع عدد من الدول العربية.
كما تناول أبرز النجاحات في تاريخ القضية الفلسطينية أيضاً في عدة نقاط أهمها: النجاح في إبقاء قضية فلسطين قضية حيّة وقضية مركزية عالمية، تتصدر المشهد الإقليمي والدولي، وأنه كلما جرى تهميشها كلما عادت لتفرض نفسها من جديد. وصمود الشعب الفلسطيني على أرضه بالرغم من كل المعاناة، وتجاوز أعداده أعداد اليهود في سنة 2018. وفشل “إسرائيل” في التحول إلى كيان طبيعي في المنطقة، واستمرار النظر إليها كـ”سرطان”، وفشل التطبيع الشعبي معها. واستمرار قضية فلسطين في عمق الوجدان الشعبي العربي والإسلامي والإنساني. واستمرار وتطور المقاومة الفلسطينية، وتحقيقها نجاحات كبيرة في ثلاث حروب، واستمرار الانتفاضات والمقاومة الشعبية، والإبداع في العمل المقاوم. بالإضافة إلى أن فلسطينيي الخارج حافظوا على هويتهم وفعاليتهم وقادوا المشروع الوطني الفلسطيني لسنوات طويلة، متمسكين بحق العودة… ثم إن فلسطين والقدس والأقصى ما زالت القضية الجامعة الموحدة للأمة، والرافعة لمن يرفعها، والبوصلة الحقيقية للصراع. وأن الشعب الفلسطيني نجح في الحفاظ على هويته الفلسطينية من خلال المؤسسات.
وفي كلمته عن الإخفاقات والإنجازات، قال د. حسن منيمنة، وزير التعليم اللبناني الأسبق ورئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، إن القضية الفلسطينية ما زالت في ضمائر الشعب العربي وتشكل دافعاً قوي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. إذ نجح الفلسطينيون في إبقاء القضية الفلسطينية حيّة بالرغم من كل المحاولات الإسرائيلية لإلغاء وجود الشعب الفلسطيني، كما نجحوا بفرض وجودهم وتثبيت حقهم على هذا الأرض. وأكد أن من أهم الإخفاقات أنه بالرغم من كل التضحيات لم ينجح الفلسطينيون في كسر التوازن مع “إسرائيل” وفي فرض شروطهم ومطالبهم المحقة، وذلك بسبب عدة ظروف منها دور بعض الدول العربية في ذلك وظروف الدول العربية نفسها.
ومن جهته، قال د. أنيس القاسم، خبير القانون الدولي، قال إنه بعد مرور 70 عاماً على النكبة ما زالت العقلية الرسمية العربية تنظر إلى الحركة الصهيونية على أنها حركة يمكن التصالح معها. فوُقّعت اتفاقيات كامب دايفيد ووادي عربة، كما تورطت القيادة الفلسطينية بإتفاقية أوسلو التي كانت أخطر ما تعرضت له القضية الفلسطينية منذ نشوئها؛ فهي لم تتضمن نصاً واحداً يحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني، كما وافقت القيادة الفلسطينية على تجزئة المُجزَّأ من الأراضي فأوجدت في الضفة الغربية تقسيمات أ وب وج، بالمقابل لم تُثبت اتفاقية أوسلو حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ولم تفرض على العدو الصهيوني الانسحاب من الأراضي المحتلة ولا حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. وهكذا في كل الاتفاقيات التي وقّعتها “إسرائيل” مع بعض الدول العربية التي ضمنت فيها بقاء سيطرتها.
وأضاف أن الخطورة الحقيقية والعميقة هي أن القيادة الفلسطينية لم تستوعب هذا النوع من الاستعمار الصهيوني، وما زالت القيادة تعتقد أنها تستطيع أن تتفاوض مع “إسرائيل”، ولكن في الواقع يستحيل التوصل معها إلى حلول.
وحول تعليقه على اتفاقية أوسلو قال د. محسن محمد صالح أنها كانت كارثة على الشعب الفلسطيني، والجانب الخطير منها أنها لم تناقش الأمور الأساسية كمستقبل القدس والمستوطنات والسيادة الفلسطينية وحق اللاجئين في العودة وحدود الدولة الفلسطينية، كلها تمّ تأجيلها، فلم يعد لديها ما يجبر “إسرائيل” على الانسحاب، التي أصبحت تقرر بنفسها وحسب مصلحتها. فالإسرائيليون قاموا بإدارة التسوية السلمية وليس الوصول إلى تسوية سلمية، وتمّ تحويل السلطة من سلطة تريد أن تتحول إلى دولة إلى سلطة تخدم الاحتلال. وأضاف د. صالح إنه طوال الـ 70 عاماً الماضية ما كان يُعرض على الفلسطينيين كان أقل من الحد الأدنى الذي يقبلونه؛ ووجدنا أنفسنا الآن أمام كيان وظيفي (السلطة) يخدم الاحتلال.
وحول الموضوع نفسه قال د. حسن منيمنة أن المطلوب بالدرجة الأولى من الفلسطينيين هو استراتيجية توائم بين العمل الدبلوماسي والنضالي، فهناك شروط للوصول إلى التسوية مع “إسرائيل” هي تغيير بموازين القوى وأن يتوحد الفلسطينيون، وأن يفرضوا على العالم العربي بلورة سياسة موحدة لمواجهة العدو الصهيوني.
أما د. أنيس القاسم فقال إن هناك سطحية مطلقة في النظر إلى الصراع لدى النظام الحاكم في مصر حين وقّعت كامب ديفيد. مصر الآن تضاعفت أضعافاً مضاعفة ميزانيتها الدفاعية عما كانت عليه في أثناء الحرب مع ” إسرائيل”. وأضاف إنه لا يمكن الوصول إلى حلول تعيد الحق إلى أصحابه إذا كان الحكم الذاتي على السكان دون الأرض، وهذا لا يؤدي إلى الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية.
وحول تقييم المسار العربي، قال د. منيمنة إن الدور العربي والإسلامي كان دوراً داعماً وأن الدول المحيطة احتضنت وحاولت شعوبها تقديم كافة أشكال الدعم، واستمر هذا التعاطف العربي على الصعيد الشعبي. وأضاف أن الأنظمة كانت في البدايات تعد القضية الفلسطينية عنصر أساسي، ولكن بعد ذلك حصل جملة تغييرات. وأكد أن الانقسام بين الفلسطينيين أسهم في إضعاف القضية، والدول العربية الأساسية في المنطقة غارقة في قضاياها وابتعدت عن دعم القضية الفلسطينية. وقال أنه يجب على الشعب الفلسطيني أن يوحد بيته الفلسطيني قبل أن يناضل ضدّ الاحتلال، وخصوصاً حركتي فتح وحماس، فالمسؤولية مشتركة، والاحتلال يتوسع والفلسطينيين في صراع متزايد.
وفي سؤال حول صفقة القرن، قال د. عدنان أبو عامر، رئيس قسم العلوم السياسية والإعلام في جامعة الأمة للتعليم المفتوح في غزة، عبر الأقمار الاصطناعية من غزة، إن هناك تقديرات متباينة لهذه الصفقة، وهناك توافق على تصفية القضية الفلسطينية بطرح إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة. وأضاف أن الخبراء يقولون إن ترامب أوفى بوعدَين من وعوده حتى الآن (نقل السفارة للقدس، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران)، وبقي الوعد الثالث (حلّ القضية الفلسطينية عبر “صفقة القرن”). وأكد أن السلوك السياسي للسلطة يحاول أن يمرر شيئاً في الأفق من خلال الضغط على قطاع غزة وعدم إشراك المقاومة، وقال إنه طالما لم يوجد قلم يوقع على الصفقة تبدو الأمور صعبة، وبانتظار مواقف سياسية ومسيرات في قطاع غزة تحت شعار إسقاط هذه الصفقة. وأضاف أن الفلسطينيين بحاجة إلى إسناد عربي وإسلامي للنجاح في هذه الخطوة.
من جهته قال د. صالح أن لا يستطيع أحد فرض إرادته على الشعب الفلسطيني، وأنه سيتمكن من إفشال صفقة القرن، بالرغم من الصعوبات الهائلة التي يواجهها.
وحول احتمال مرور الصفقة قال د. قاسم أن بعض المؤشرات لإنجاح هذه الصفقة متوفرة للأسف، فالقيادة الفلسطينية لم تتخذ إجراءات للتصدي، وما زال الانقسام بين فتح وحماس قائماً، ولام د. قاسم الطرفين لأن الأخطار أكبر من أي سبب لعدم إتمام المصالحة. وقال إن التصدي يحتاج إلى أجهزة غير تلك القائمة وعديمة الفعالية م.ت.ف، فالأجهزة حالياً ضعيفة ولا تستطيع أن تتصدى لهذا الخطر. وأضاف أن هناك تسويقاً عربياً لهذه الصفقة وهذا يثير الرعب، وبعض الصحف الخليجية بدأت تلطف هذه الصفقة، ولم تتخذ القيادة الفلسطينية أي إجراء لإعادة هيكلة مؤسساتها ليمكن أن نقول أنها لن تمر. وأكد أن أوسلو أخطر من “صفقة القرن” لأن الذي وقعها قادة فلسطين، أما صفقة القرن فهناك سعي لفرضها من الخارج.
وأشار د. حسن منيمنة إلى أن بعض الأمريكيين يعتقدون أن هذه اللحظة هي المناسبة لتسوية قضية فلسطين. وهذه الصفقة هي في خدمة المشروع الصهيوني، فهي تخفف عن الكاهل الإسرائيلي من مسؤوليات لإلقاء سيطرتها بشكل غير مباشر. واعتقد أنه لا يمكن لأي مسؤول فلسطيني أو عربي أن يقبل هذه الصفقة.
أما د. عدنان أبو عامر فقال إنه مهما توفر لهذه الصفقة من عوامل نجاح سواء في حالة الانقسام أم الوضع العربي السيء، فضلاً عن وجود نظام أحادي القطبية، فيظل من المستبعد نجاح الصفقة، فقد توفرت مثل هذه الظروف في صفقات سابقة ولم تنجح، والشعوب والرأي العام ما زال رافضاً لـ”إسرائيل”. ونقل عن أحد الخبراء الإسرائيليين قوله إن من أخطاء “إسرائيل” الكبرى أنها قتلت ياسر عرفات قبيل أن تنتشل منه توقيع اتفاق على إنهاء الصراع. ورأى أنه لو قُدِّر للصفقة أن تتم فمآلها الزوال لأنها تتعارض مع حقوق الشعب الفلسطيني، ولأنها لم تقدم الحد الأدنى، ولم تعطِ الحق لأصحابه.
وحول السيناريوهات المستقبلية للقضية الفلسطينية، قال د. محسن محمد صالح أن هناك ثلاثة سيناريوهات، الأول؛ هو مزيد من الهيمنة والنفوذ والتمدد الصهيوني، ومزيد من التراجع العربي والانقسام الفلسطيني، والاختراق التطبيعي، وتحويل الضفة إلى كانتونات، وسقوط المقاومة في غزة. أما السيناريو الثاني فهو استمرار حالة التدافع والمشاغلة، بحيث تحقق الأطراف المتصارعة انتصارات تكتيكية دون القدرة على تغيير موازين القوى. والسيناريو الثالث هو تصاعد قوى المقاومة، وبروز موجة جديدة لقوى التغيير والوحدة، في البيئة الاستراتيجية المحيطة بفلسطين، وظهور مشروع نهضوي وحدوي في المنطقة، يجعل فلسطين على رأس أولوياته ويعيد توجيه البوصلة باتجاه فلسطين وامتلاك عناصر القوة.
أما د. حسن منيمنة فقال إن هناك بارقة أمل موجودة ولم تصل الأمور بعد إلى أن يخضع العالم إلى القرار الأمريكي. وأن الموقف الأوروبي والعربي الأخير هو موقف جيد وحافظ على الحد الأدنى والالتزام بمتطلبات القضية. وأضاف أن هناك ممانعات متعددة لمشروع ترامب، وأن هناك مواقف أوروبية وعربية علينا بالدفع إليها.
وأكد د. أنيس القاسم أن هذه القضية مصابة بـ”عناد” غير قابل للحل، وسببه هو صلابة المقاومة، ومن ينظر إلى مسيرات العودة في غزة التي يشترك بها الجيل الثالث والرابع يتأكد من تأصل هذه القضية في الضمير الفلسطيني، واستحالة محوها، وقدرتها على المقاومة حتى تحقيق أهدافها.
وقد تخلل الندوة تقرير حول تصريحات قيادات فلسطينية ومصرية منهم ياسر عرفات وأحمد ياسين ومحمود عباس وخالد مشعل وإسماعيل هنية وجمال عبد الناصر ومحمد حسني مبارك وأنور السادات ومحمد مرسي وعبد الفتاح السيسي، حول بعض مواقفهم من القضية الفلسطينية و”إسرائيل”، وإقامة الدولة الفلسطينية، والمفاوضات مع “إسرائيل”، وصفقة القرن، والثوابت الوطنية. وكما تضمنت الندوة عرضاً آخر حول رأي الشارع العربي بصفقة القرن، وتخلل الندوة كذلك بعض الأسئلة من الحضور وإجابات الأساتذة المشاركين.
أضف ردا