قام الباحثان في مركز الزيتونة باسم القاسم ووائل سعد بإعداد دراسة بعنوان “الرئيس محمد مرسي والقضية الفلسطينية” لصالح مركز المسار للدراسات الإنسانية، والتي قام بنشرها على موقعه. ويسر مركز الزيتونة إعادة نشر هذه الدراسة تعميماً للفائدة.
لتحميل الدراسة بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:
>> دراسة: الرئيس محمد مرسي والقضية الفلسطينية … باسم القاسم ووائل سعد (25 صفحة، 4.6 MB) |
دراسة: الرئيس محمد مرسي والقضية الفلسطينية [1].
إعداد: باسم القاسم [2] ووائل سعد [3].
مقدمة:
كان لانتخاب الرئيس الشهيد محمد مرسي وقعه الكبير فلسطينيًا، خصوصًا المؤيدين لمسار المقاومة؛ فقد مثل انتخابه فرصة لمسار المقاومة لتعزيز السير نحو مشروع التحرير الذي بات أقرب من ذي قبل، وذلك لما لمصر من مكانة استراتيجية في الصراع العربي الصهيوني. وقد بات للمقاومة الفلسطينية سند وظهير يحميها ويدعمها من جهة الجنوب. هذه المقاومة في قطاع غزة، التي كانت تقف وحيدة، قبل انتخاب مرسي، في تصديها للاعتداءات الإسرائيلية. فقد سبق أن سجل التاريخ في عهد مبارك كيف قامت وزيرة خارجية الكيان الصهيوني تسيبي ليفني Tzipi Livni بما كان أشبه بإعلان حرب من القاهرة في أثناء مؤتمرها الصحفي بحضور وزير الخارجية المصري-آنذاك- أحمد أبو الغيط، حيث كانت تتوعد وتهدد بسحق المقاومة في نفس اليوم الذي شنت فيه عشرات الطائرات الصهيونية عدوانها على قطاع غزة وقتلت المئات من أبناء الشعب الفلسطيني في حرب الفرقان سنة 2008.
من المتعارف عليه أن القضية الفلسطينية تشكل رافعة سياسية لأي شخصية سياسية أو حزب، يرغب في أن يلعب دورًا مركزيًا في صناعة السياسات في المنطقة، ولكن مواقف الرئيس مرسي لم تكن تكتيكًا سياسيًا، بل كانت تنبع من إيمانه بعدالة القضية، كما يرجع موقفه المدافع عن فلسطين كتعبير عن المدرسة التي ينتمي إليها الرئيس مرسي وهي حركة الإخوان المسلمين، التي كانت من أوائل المدافعين عن فلسطين في حربها ضد الحركة الصهيونية واحتلال فلسطين.
لم تقتصر مواقف مرسي من القضية الفلسطينية على حياته السياسية قبل انتخابه رئيسًا لمصر في حزيران/ يونيو 2012؛ بل إن مواقفه تجاه القدس وفلسطين والمقاومة ازدادت صلابة ورسوخًا ودعمًا؛ حيث اقترن القول بالفعل. وكانت فترة رئاسته لمصر من أكثر الفترات رعاية ودعمًا للقضية الفلسطينية.
أولاً: مواقفه قبل الرئاسة:
“قلوبنا جميعًا تتوق إلى بيت المقدس” [4].. “يا أهل غزة أنتم منا ونحن منكم” [5].. كلماتٌ كانت تمثل موقفًا خلّده التاريخ للرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي، دفع في سبيله ثمنًا باهظًا من سني عمره حتى انتهت به رحلته شهيدًا صامدًا، بعد أن عاش بكيانه كله مدافعًا عن فلسطين وقضيتها، وداعماً لمقاومة الاحتلال.
الجامع لمآثر الرئيس الشهيد محمد مرسي بشأن القضية الفلسطينية، يجد أن نقطة بدايتها كانت في قلبه، وأن نهايتها كانت في آخر لحظات حياته؛ حيث قضى شهيدًا في قاعة المحكمة مدافعًا عن موقفه من القضية الفلسطينية، حيث كان يُحاكم متهمًا بالتخابر مع المقاومة الفلسطينية!.
كان الرئيس الشهيد محمد مرسي يُعدُّ القضية الفلسطينية أمّ القضايا العربية والإسلامية، وأنها محور الارتكاز في الصراع الحضاري، خاصة مع الكيان الصهيوني؛ ففي حوار مع وفد فلسطيني في آذار/ مارس 2012، قال مرسي: “القضية الفلسطينية تستقر في عقل كل مصري ووجدانه، وإن فلسطين ليست فقط تاريخًا وعقيدةً وجزءًا أصيلاً من تكويننا؛ ولكنها تعد حجر الزاوية للأمن القومي المصري، وإن الوقت قد حان لتقديم دعم أكبر ومساندة حقيقية يشعر بها الفلسطينيون” [6].
وبالرغم مما كانت تشهده الساحة المصرية من صراع سياسي شديد الوطأة في العشرية التي سبقت ثورة 25 يناير، فإنَّ القضية الفلسطينية كانت مستولية على قلب مرسي، وماثلة في أعماله ونشاطاته السياسية، وقد وقع عليه الاختيار كعضو في لجنة مقاومة الصهيونية بمحافظة الشرقية، وكان عضوًا مؤسسًا باللجنة المصرية لمقاومة المشروع الصهيوني.
وحين كان عضوًا في البرلمان المصري، ورئيسًا للكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين 2000 – 2005، سجلت المضابط مواقفه في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وكان من بينها إيمانه الراسخ أن “الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية حق لكل الفلسطينيين، طالما أنهم يدافعون عن أرضهم وعن أعراضهم طبقًا لكل المواثيق والشرائع السماوية والأرضية والمنظمات العالمية وحقوق الإنسان.. هم يدافعون عن أنفسهم وعن أرضهم، والمعركة تقوم على الأرض الفلسطينية” [7].
تعاقبت الأحداث في فلسطين خلال اشتغال مرسي بالعمل السياسي، فلم يقعد منها موقع المتفرج أو المنهزم، بل شهدت الأحداث كلها حضورًا لافتًا له، ففي أعقاب فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية سنة 2006 وتشكيلها للحكومة، فرض الكيان الإسرائيلي حصارًا على قطاع غزة بدعم أمريكي كامل، وبتواطؤ من بعض دول الجوار في الوطن العربي، ما استنفر حفيظة الأحرار في العالم والذين سعوا جاهدين إلى اختراق هذا الحصار من خلال فعاليات عملية كان أهمها تسيير القوافل الإغاثية إلى القطاع المحاصَر؛ وحيث كان مرسي – آنذاك – رئيس القسم السياسي بجماعة الإخوان المسلمين، فقد اتخذ قرارًا بمشاركة برلمانيين تابعين لكتلة الإخوان (هما الدكتور حازم فاروق والدكتور محمد البلتاجي) في سفينة مرمرة التركية المتجهة إلى قطاع غزة ضمن “أسطول الحرية”، والتي استهدفها الجيش الإسرائيلي في عرض البحر المتوسط قبل وصولها في 13/5/2010، وتم احتجاز النائبين من قبل الاحتلال، حتى أفرج عنهما لاحقًا بعد تدخل الخارجية المصرية [8].
وقال مرسي في اليوم ذاته: “والله لو تحرَّكت الحكومات العربية مع شعوبها لرحل الكيان الصهيوني من الوجود”.. بهذه الكلمات أكد مرسي – عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين والمتحدث الإعلامي باسمها – أهمية أن تنصاع الأنظمة والحكومات العربية لرغبات شعوبها، وأن تتخذ موقفا موحَّدا تجاه الكيان الصهيوني الغاصب [9].
وأضاف: “إنهم يعوِّلون على الشعوب العربية والإسلامية الكثير في رفع معاناة الشعب الفلسطيني؛ لتدفع النظم العربية والإسلامية تجاه مواقف جادَّة ضدّ الكيان، خاصةً بعد عملية القرصنة الصهيونية التي قام بها الكيان اليوم” [10].
وفي العدوان الصهيوني على قطاع غزة (عملية الرصاص المسكوب، معركة الفرقان، في 27/12/2008) كان مرسي في طليعة من يقودون الاحتجاجات في ميادين مصر؛ حيث أعلن غضبته – آنذاك – من موقف النظام المصري، لإغلاقه معبر رفح في وجوه الفلسطينيين، معلنًا أن “فعاليات الإخوان متواصلةٌ وعلى كل الأصعدة، فكما نظمنا وسننظِّم المظاهرات والمؤتمرات، بدأنا في عمل مذكرات وشكاوى لتقديمها للمحاكم الدولية، لإدانة الكيان في جرائمه بحق الفلسطينيين” [11].
وعقب صدور تقرير ريتشارد جولدستون Richard Goldston الذي أدان الكيان الإسرائيلي في جرائمه خلال العدوان على غزة سنة 2008، طالبت السلطة الفلسطينية بتأجيل القرار، وهو ما أدانه الدكتور محمد مرسي -عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين، آنذاك – مؤكدًا “إن الإخوان يرون أن التقرير الذي أعدته اللجنة التي يرأسها القاضي ريتشارد جولدستون؛ يُثبت بالدليل القاطع إجرام الصهاينة، وتأجيله يُثبت أيضًا “مدى ما وصلت إليه الأوضاع في السلطة الفلسطينية من عمالةٍ وخيانةٍ، واستسلامٍ للقرار الأمريكي والأوامر الصهيونية” [12]. وأضاف مرسي في تصريحه: إنَّ “الاستجابة الكاملة التي أبدتها السلطة الفلسطينية للإملاءات الأمريكية والصهيونية، و”التضامن” الذي أبدته الحكومات العربية والإسلامية مع السلطة، في هذا الشأن؛ هو جريمةٌ في حق الفلسطينيين، ومشاركةٌ من السلطة والأنظمة العربية والإسلامية في عدم مساءلة الصهاينة عن إهدار دماء أكثر من 1,400 شهيد فلسطيني سقطوا في العدوان على غزة، أكثر من نصفهم من الأطفال”، فضلاً عن آلاف الجرحى والمعوَّقين، وهدم آلاف المنازل [13].
ثانياً: العلاقة مع المقاومة الفلسطينية والسلطة:
لا يمكن إنكار الأهمية الاستراتيجية لجمهورية مصر العربية في تغيير مجريات الأحداث في المنطقة، خصوصًا في دوائر الصراعات السياسية والعسكرية في المنطقة، وعلى رأسها الصراع مع الكيان الصهيوني. وعلى ما يبدو، فإن نظام الرئيس مبارك حاول استثارة الشعور الداخلي لدى القوى الفاعلة محليًا؛ كما حاول استثارة الدعم العربي من خلال الاتهامات التي وجهت للمقاومة الفلسطينية بالتدخل في أحداث ثورة 25 يناير 2011؛ ففي 1/2/2011 اتهم التلفزيون المصري الرسمي حركة حماس بالمشاركة في الثورة، من خلال مشاركة المعتصمين في ميدان التحرير المطالبين بإسقاط نظام مبارك [14]. وهو ما نفاه صلاح البردويل، القيادي في حماس، وأكد أن حماس باقية على سياستها الثابتة، وهي “عدم التدخل في الشأن الداخلي لأيّ دولة عربية أو غير عربية، وعدم نقل المعركة من داخل فلسطين إلى أيّ ساحة أخرى” [15].
وفي محاولة للتأثير على الناخب المصري قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية، التي ترشح لها محمد مرسي عن جماعة الإخوان المسلمين، زعمت صحيفة الشروق المصرية في 14/6/2012، وجود مخطط لضرب الاستقرار خلال جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، وادعت دخول 23 عنصرًا من كتائب القسام إلى مصر عن طريق الأنفاق، لارتكاب أعمال “إرهابية” داخل مصر، وإحداث حالة من الفوضى [16]. إلا أن كتائب القسام ردت بأن ما أوردته الصحيفة عبارة عن “جملة أكاذيب باطلة وتلفيق محض” [17].
وبعد ثورة 25 يناير سارعت أحزاب وقوى وشخصيات مصرية إلى إيضاح موقفها من قطاع غزة والقضية الفلسطينية، وكان منهم – آنذاك – عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين والمتحدث الإعلامي باسمها: محمد مرسي، الذي دعا إلى دعم المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح والعتاد، حتى تتصدى للاعتداءات الإسرائيلية [18].
كما أكد مرسي، الذي أصبح رئيسًا لحزب الحرية والعدالة، خلال استقباله خالد مشعل في مقر الحزب في كانون الثاني/ يناير 2012، أن حزبه سيعمل من أجل إقامة الدولة الفلسطينية على كامل الأراضي المحتلة سنة 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وكذلك حقّ العودة للاجئين، وقبل ذلك كله دعم الخطوات المصرية لدعم المصالحة الفلسطينية، وإنهاء الانقسام [19]. كما شدد مرسي، خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية، على ضرورة بقاء معبر رفح الحدودي مفتوحًا 24 ساعة يومياً طيلة أيام الأسبوع، وقال: “نسعى إلى دعم أبناء غزة المحاصرين، وتقوية العلاقة بحماس بشكل خاص والفلسطينيين بشكل عام” [20].
وبعد فوز مرشح حزب الحرية والعدالة محمد مرسي بانتخابات الرئاسة المصرية، أعربت السلطة والفصائل الفلسطينية عن أملها في أن يُعيد فوزه الدور المصري الرّيادي في دعم ونصرة القضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، مؤكدة أن فوزه يعد “إنجازًا جديدًا يضاف إلى سلسلة إنجازات الثورة المصرية”. فقد هنأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس الرئيس مرسي، معربًا عن احترامه والقيادة الفلسطينية لخيار الشعب المصري العظيم، وبعث عباس ببرقية تهنئة إلى مرسي قال فيها: نؤكد لكم “تطلعنا إلى مواصلة العمل المشترك في كل ما من شأنه خدمة مصالح شعبينا اللذين تجمعهما أواصر أخوية متينة، وخدمة قضايا أمتنا العادلة، وبما يحقق أهدافها السامية” [21]. فيما عدّت حركة فتح فوز الرئيس مرسي في الانتخابات المصرية “شأنًا داخليًا لا علاقة لها به”، مؤكدة أنها ستتعامل معه كرئيس لدولة عربية [22].
وهاتف خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الرئيس مرسي، وبارك له فوزه [23]. كما شارك رئيس الحكومة في قطاع غزة إسماعيل هنية في المسيرات التي انطلقت في 24/6/2012، ابتهاجًا بإعلان محمد مرسى رئيساً لمصر. وقام هنية برفع العلميْن المصري والفلسطيني، ووزع الحلوى على المشاركين في المسيرات والاحتفالات [24]. أمّا المستشار السياسي لرئيس السلطة الفلسطينية نمر حمّاد، فقد استغرب ما أسماه بـ”المبالغة” التي أبداها قادة حماس في الترحيب بفوز مرسي، وأكد أن العلاقات الفلسطينية المصرية لن تتأثر كثيرًا بهذا الفوز [25].
وباركت حركة الجهاد الإسلامي لمصر وشعبها نجاح الانتخابات الرئاسية، وانتخاب مرسي رئيسًا، متمنيةً أن يتمكن من تنفيذ ما قطعه على نفسه من وعود للشعب المصري والأمة العربية. كما أعربت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن سعادتها بفوز مرسي، متمنية أن يحقق فوزه بالانتخابات آمال الشعب الفلسطيني وطموحاته بالتحرير [26]. وأعرب عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين صالح زيدان عن أمله في أن يؤدي فوز مرسي إلى مزيد من الدعم المصري للمصالحة الفلسطينية، بالإضافة إلى الإسهام في إعمار قطاع غزة، وفكّ الحصار المفروض عليه [27].
بالمقابل قال الرئيس مرسي:إن “مؤسسة الرئاسة تقف على مسافة واحدة مع كل الفصائل الفلسطينية، وتؤيدهم في إقامة دولتهم المستقلة كما يريدون، وأن مصر لا تقبل العدوان أو إراقة الدماء” [28]. غير أن وقوف مرسي على مسافة واحدة من القوى الفلسطينية، لم يمنعه من انتقاد القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، قائلاً: “هناك شخص يُسمى محمّد دحلان ما زال يضخ بسمومه ضدّ الوطن والمصريين”، والأغرب من ذلك، أن يوجد “الكثير من أبناء الوطن، من العاملين في الفضائيات، يروجون له” [29].
وشكل فوز مرسي نقطة تحول فارقة في العلاقة بين حماس والحكومة في غزة من جهة ومصر من جهة أخرى. فبعد أن كانت قناة الاتصال الوحيدة بين حماس ومصر تنحصر في جهاز المخابرات العامة، فإن قنوات الاتصال في عهد الرئيس مرسي باتت تديرها المستويات السياسية العليا في الجانبين. فقد أصبح هناك تواصل مباشر بين الوزراء في حكومتي غزة والقاهرة؛ إذ قام عدد من وزراء غزة بزيارة مصر والتقوا نظراءهم المصريين، وتباحثوا حول سبل حلّ عدد من القضايا، لا سيّما قضية أزمة الكهرباء في غزة. وتوصلت الحكومة المصرية والحكومة الفلسطينية في غزة لاتفاقات بشأن قضايا حساسة، منها اتفاق تشكيل لجنة أمنية مشتركة، لمراقبة الحدود وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الأمني [30].
وأكد مرسي احترامه لحماس، لكونها جزءًا من الشعب الفلسطيني، وكذلك حركة فتح. وقال خلال لقاء تلفزيوني مع قناة الجزيرة الفضائية في 20/4/2013: “نحن نساعد الشعب الفلسطيني، وهذا من أجل أمننا القومي، وهي مصلحة عامة لمصر”. [31]
وتطورت العلاقة مع المقاومة، بقيام الرئيس مرسي باستقبال كلًّ من خالد مشعل وإسماعيل هنية في 17/6/2013، علاوة على الاتصالات بين هنية ورئيس الحكومة المصرية هشام قنديل، ووزير الدفاع المصري آنذاك عبد الفتاح السيسي.
وبعد عزل الرئيس مرسي في 3/7/2013 خيّمت حالة من التوتر وعدم الثقة على العلاقة بين مصر وحماس. وشهدت هذه الفترة حملة تحريض كبيرة ضدّ قطاع غزة بشكل عام، وضدّ حماس بشكل خاص، شنتها أحزاب ووسائل إعلام وشخصيات مصرية متعددة. ومما يسجل للرئيس محمد مرسي أن القضاء المصري قد تعمد في محاكمته على قرار أصدره في 26/7/2013، متهماً فيه الرئيس مرسي بـالتخابر مع حركة حماس، للقيام بأعمال عدائية في البلاد.
ويمكن القول بأن العلاقة المصرية الفلسطينية قد عادت بعد الرئيس مرسي إلى سابق عهدها قبل ثورة 25 يناير 2011، بل يمكن القول بأن المقاومة الفلسطينية باتت مكشوفة الظهر في صراعها مع الاحتلال، وهو ما دفع الاحتلال إلى التمادي في عدوانه على قطاع غزة في حربه الثالثة على قطاع غزة، أسماها “الجرف الصامد”، حيث استمرت “51” يوماً، (انتهت في 26 آب/ أغسطس 2014)، ووقفت فيها غزة وحيدة لا يساندها إلا شعوبٌ لا تملك حولاً ولا قوة في إنفاذ إرادتها.
ثالثاً: دور مرسي في المصالحة الفلسطينية:
عانت المصالحة الفلسطينية من تعثرات في تطبيق الاتفاق الذي وقع بين حركتي فتح وحماس تحت الرعاية المصرية في 3/5/2011 في القاهرة، وفي خطابه الرسمي الأول، عقب حلف اليمين في 30/6/2012، أكد الرئيس مرسي على أن مؤسسة الرئاسة ستعمل “على إتمام المصالحة الوطنية الفلسطينية” [32]. وعلى الرغم من تأكيد الرئيس مرسي في كلمته، خلال افتتاحية قمة “عدم الانحياز” في 29/8/2012، أن مصر ستستمر “في رعاية المصالحة لدعم وحدة الصف الفلسطيني، وحثَّ الإخوة الفلسطينيين بمختلف توجهاتهم على أن يُتموا المصالحة، وأن ينتقلوا إلى تنفيذ ما تمّ التوصل إليه مؤخرًا دون الالتفات إلى خلافات ضيقة، حتى يمكنهم التركيز على قضيتهم الأساسية وهي مقاومة الاحتلال والتحرر منه” [33]، غير أن ملف المصالحة الفلسطينية لم يشهد تقدمًا يذكر في عهد الرئيس مرسي.
وانعكست الأحداث في مصر بعد عزل الرئيس مرسي على ملف المصالحة الفلسطينية، خصوصًا بعد توتر العلاقات بين الإدارة المصرية الجديدة وحماس. وأكد عضو المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق في 4/8/2013 أن الوضع المصري غير جاهز لاستضافة المصالحة الفلسطينية حاليًا [34]. وهذا ما أكد عليه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول ملف المصالحة عزام الأحمد حيث قال: “اتصلت بالأخ موسى أبو مرزوق، وأبلغته بأن مصر أبلغتنا عدم جاهزيتها للجمع بين حركتي فتح وحماس في القاهرة، واستفسرنا من الإخوة المصريين فقالوا: لا يسمح الوقت الحالي بعقد اجتماعات بين الطرفين” [35].
رابعاً: موقف مرسي من الحصار على غزة:
أ. معبر رفح:
انعكست أحداث ثورة 25 يناير على عملية فتح معبر رفح (المخصص لعبور الأفراد فقط وفق اتفاقية 2005، بحيث ينحصر دخول البضائع من معبر “كرم سالم” الواقع على الحدود مع دولة الاحتلال الإسرائيلية)، حيث كان يفتح بشكل جزئي وليس بشكل كامل. إلا أنه في 25/5/2011، قررت مصر فتح معبر رفح ابتداءً من 28/5/2011 بشكل دائم، ما عدا أيام الجمعة والعطلات الرسمية للدولة المصرية، وذلك من التاسعة صباحًا وحتى الخامسة مساءً، في إطار الإجراءات التي اتخذتها السلطات المصرية، لتسهيل حركة مرور المواطنين الفلسطينيين من المنافذ المصرية، وفق الآلية التي كان معمولًا بها قبل سنة 2007 [36].
على الرغم من قرار تشغيل معبر رفح بشكل كامل، فإن رئيس الحكومة في غزة إسماعيل هنية أكد، في 28/6/2011، أن “الوضع في معبر رفح غير طبيعي لأن الجانب الفلسطيني لم يشعر بأي تحسينات على المعبر حتى الآن، بعد إعلان السلطات المصرية عنها” [37]. كما أكد هنية على أن الشعب الفلسطيني يتطلع إلى أن تتحول الإرادة المصرية إلى “قرار سياسي” يقضي بإنهاء الحصار وفتح معبر رفح، كونه “عنوان الأزمة الوحيد” [38].
أما على صعيد مرور القوافل الإنسانية والتضامنية، استمرت السلطات المصرية في عهد المجلس العسكري بالسماح بدخول بعضها إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، كما كانت في عهد مبارك، فقد منعت في 28/4/2012، “قافلة إعمار غزة المصرية” التي أرسلتها نقابة المهندسين المصرين من دخول غزة [39]، ومنعت في 6/5/2012 وفدًا عربيًا من دخول غزة، يتكون من رجال أعمال وبرلمانيين ينتمون لـ 14 دولة عربية [40].
انعكس فوز محمد مرسي برئاسة مصر إيجابيًّا على مسألة رفع الحصار على قطاع غزة؛ فقد اتخذ مرسي، بعد فوزه بالرئاسة، موقفاً واضحًا ضدّ الحصار على القطاع [41]. وقال، في كلمة له أمام المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية التركي في أنقرة في 30/9/2012: “لا يمكن أن يقف المصريون عاجزين أمام حصار غزة، إن المعابر بيننا وبين غزة مفتوحة، لتقديم ما يحتاجه أهل غزة من غذاء ودواء وتعليم وتواصل بين العائلات، فالحدود والمعابر مفتوحة، لنقوم بدورنا وبواجبنا تجاه أشقائنا في غزة” [42]. كما قال، أمام الدورة الـ 24 للقمة العربية في الدوحة في 26/3/2013، “لا يجب أن نقبل، ولا أن يقبل الضمير البشري باستمرار هذا الحصار الجائر” [43].
كما رأى الرئيس محمد مرسي أن الأمن العربي مؤثر على الأمن القومي المصري، مؤكداً أن القضية الفلسطينية كانت وما زالت في مقدمة أولويات الشعب المصري. وأضاف مرسي: “لو نقدر نبعت وجبات ساخنة لأهلنا في غزة المحاصرين هابعتلهم”، جاء كلام مرسي خلال اجتماعه برؤساء التحرير، ونقله أحد المشاركين في الاجتماع لصحيفة الأهرام [44].
وقد شهد قطاع غزة نتيجة سياسة مرسي المتضامنة مع القطاع، حركة انتعاش اقتصادي، وبدأت تدخل المساعدات الإنسانية والوقود ومواد البناء، لإعادة إعمار قطاع غزة. كما نشطت حركة سفر الأفراد عبر المعبر من القطاع وإليه بشكل غير مسبوق، خصوصًا مع تيسير السلطات المصرية في السماح للاجئين الفلسطينيين المقيمين خارج فلسطين التاريخية في زيارة القطاع.
وأكد سفير مصر لدى السلطة الفلسطينية ياسر عثمان، في 16/7/2012، ثبات سياسة مصر بشأن العمل على فك الحصار عن قطاع غزة بشكل كامل، مشيرًا إلى أن هناك التزامًا مصريًا أصيلًا في هذا الصدد. وأشار السفير إلى الجهود المصرية في سرعة إدخال كميات من الوقود القطري الموجودة في مستودعات ميناء السويس إلى غزة، وغيرها من الإجراءات الأخرى [45].
وكان للرئيس محمد مرسي، موقفٌ واضحٌ في دعم الشعب الفلسطيني، فقال ” نمدهم بالمؤمن والغذاء والدواء، ونرفض أن يعتدي عليهم أحد، ونرفضه ونقف ضده”. وأردف قائلاً “القضية الفلسطينية، قضية محورية بالنسبة لنا جميعًا، فحياتهم ودماؤهم دماؤنا، فهم منا ونحن منهم، ولن نرضى بأن يُتعدى عليهم”. وقال “نحن لا نعلن حروبًا على أحد، ولكن نعلن بوضوح أن الحق الفلسطيني لن يضيع، وإننا في خندق واحد ضدّ أي عدوان” [46].
أما المتحدث باسم الرئاسة المصرية ياسر علي، فأكد أن دعم قطاع غزة واجب مصري وقومي، لا يمكن أن يتوقف بأي حال من الأحوال، ولا يمكن التخاذل عنه، مشددًا على تعليمات الرئيس المصري محمد مرسي بدعم أهالي القطاع بكافة الإمكانيات المصرية [47].
وفيما يتعلق بإعادة إعمار قطاع غزة، أكد رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار قطاع غزة السفير القطري محمد العمادي، انتهاء أزمة إدخال مواد البناء والمعدات اللازمة لتنفيذ مشاريع المنحة القطرية لإعمار غزة، البالغ قيمتها الاجمالية 254 مليون دولار، موضحا أن الرئيس المصري محمد مرسي وافق على ادخال هذه المستلزمات عبر معبر رفح [48].
ب. الأنفاق:
على الرغم من اندلاع ثورة 25 يناير، استمر الجيش المصري خلال فترة حكم المجلس العسكري لمصر في عملية البحث عن الأنفاق وتدميرها على طول الحدود مع قطاع غزة، وأعلن حرس الحدود المصرية في 17/10/2011 أنه تمكن من تدمير 196 نفقًا بين غزة ورفح [49]. وعلى الرغم من عمليات تدمير الأنفاق في هذه المرحلة فإن حجم التدمير لم يكن ذا تأثير كبير على عمليات إدخال البضائع إلى غزة من خلال الأنفاق. وبعد حادثة رفح، التي وقع في آب/ أغسطس 2012، أي بعد تسلم مرسي للرئاسة، وراح ضحيته 15 ضابطًا وجنديًا مصريًا، شنت القوات المصرية حملة أمنية في سيناء، استهدفت تدمير الأنفاق مع قطاع غزة، حيث أكد العقيد أركان حرب أحمد علي، المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، في 2/10/2012، أنه تمّ تدمير 104 أنفاق. وعن مطالبة حماس لمصر بوقف تدمير الأنفاق، قال علي: “إن هذا أمر يخص القيادة السياسية للدولة، أما تدمير الأنفاق، فنحن مصرون وعازمون على اتخاذ جميع التدابير التي تؤمن الوطن، ونحن لا نتوانى عن دعم أشقائنا في فلسطين” [50].
على الرغم من عمليات التدمير للأنفاق في عهد مرسي، والتي جاءت للحد من خطر تسلل الجماعات المتشددة من سيناء إلى قطاع غزة وبالعكس، والتي كانت تنفذ عمليات عسكرية ضدّ الجيش المصري في سيناء، إلا أن حجم عمليات التدمير شملت عددًا قليلًا من الأنفاق مقارنة بالأنفاق التي بقيت تعمل خلال تلك الفترة، والتي ساهمت في إمداد القطاع بالسلاح والمعدات العسكرية، بالإضافة إلى البضائع الاستهلاكية والمعدات والمواد المختلفة، من مواد بناء وغيرها. وبالمقارنة مع الفترة التي أعقبت الانقلاب على مرسي في 3/7/2013، نلاحظ الارتفاع الهائل لعدد الأنفاق التي دُمرت [51]. وقد بلغ عدد الأنفاق التي دمرها الجيش المصري – خلال الفترة الممتدة من تموز/ يوليو 2013 إلى آذار/ مارس 2016 – أكثر من ثلاثة آلاف نفق، سواء بالتفجير أم بالإغراق بمياه المجاري، وكذلك تدمير مدينة رفح المصرية بالكامل، بدعوى وقف تسلل المسلحين من غزة إلى سيناء، وباتت خطة السيسي، المتمثلة في فصل قطاع غزة عن الجزء الشمالي من سيناء، هدفًا استراتيجيًا له [52]. كما باشر الجيش المصري بعد الانقلاب على مرسي، إقامة “منطقة عازلة” سمّاها “منطقة أمنية” على الشريط الحدودي مع قطاع غزة، على عمق 1 كم داخل الحدود المصرية، وعلى طول 12 كم على خطّ المواجهة مع قطاع غزة [53].
حاول مرسي جاهدًا تخفيف قيود الحصار على قطاع غزة؛ غير أن مرسي الذي لم يدم حكمه أكثر من عام، لم يكن يمسك بكافة مفاصل الدولة، خصوصًا مع رسوخ وقوة ما يُسمى بـ”الدولة العميقة” داخل أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والقضائية، أو حتى الاقتصادية والإعلامية، التي كانت ماضية في تطبيق سياسات وإجراءات نابعة من مصالحها ومتماهية مع سياسات وضغوطات دولية وإقليمية، خصوصًا فيما يتعلق بملف حصار قطاع غزة، وملف العلاقة مع الكيان الإسرائيلي. ولذلك، فقد كان عليه أن يسير عكس التيار، بتدرج وإصرار، بما يخدم مشروع المقاومة، وضمن الإمكانيات الفعلية المتاحة.
لقد عمل مرسي على زيادة الدعم للقضية الفلسطينية ولقطاع غزة تحديدًا، مع الأخذ في الاعتبار الحسابات والتعقيدات الداخلية والخارجية؛ وقد تعرض على سبيل المثال، لحملة انتقادات وتشويه واسعة من وسائل إعلام مدعومة من “الدولة العميقة” وممولة من الخارج، بعد أن سهّل إمداد قطاع غزة بالتيار الكهربائي والوقود. في المقابل، سمح مرسي لوسائل الإعلام المحلية بحرية توجيه الانتقادات لـ”إسرائيل” وزيادة الضغط عليها، خصوصًا خلال عدوانها على قطاع غزة سنة 2012، أو من خلال مطالبات بعض الرموز والقيادات المصرية بإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد، خصوصًا بالبنود المتعلقة بحرية الانتشار المسلح والنشاطات العسكرية في سيناء.
خامساً: موقف مرسي من العدوان على قطاع غزة 2012:
أحدثت مواقف الرئيس مرسي من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؛ الذي بدأ باغتيال القيادي في كتائب القسام أحمد الجعبري في 14/11/2012 ، على الرغم من التوصل إلى مسودة اتفاق تهدئة مع المقاومة بوساطة مصرية- نقطة فارقة في وضع حد للعدوان الإسرائيلي على القطاع. وهي المرة الأولى منذ سنوات، التي يأتي فيها الموقف المصري بهذه الحدّة والوضوح في رفض وإدانة العدوان.
فمنذ اللحظة الأولى استنفرت مؤسسة الرئاسة وقيادة القوات المسلحة في مصر من أجل وقف العدوان الإسرائيلي. واجتمع الرئيس مرسي مع رئيس وزرائه هشام قنديل، ووزرائه ومساعديه، واستهل مرسي الاجتماع بكلمة أذاعها التلفزيون الرسمي دان فيها العدوان، وقال إن الشعب والقيادة والحكومة تقف بكل إمكاناتها لمنع العدوان وإراقة الدماء، مضيفاً: “على الإسرائيليين أن يدركوا أننا لا نقبل العدوان الذي يؤثر سلبًا في الأمن والاستقرار في المنطقة” [54].
وطالب مرسي بضرورة وقف العدوان على قطاع غزة في شكل عاجل، وقال: “العدوان تكرر في شكل غير مقبول… ونتواصل مع قطاع غزة بأكمله ومع الفلسطينيين، ونقف معهم حتى نمنع هذا العدوان، فنحن لا نقبل بأيّ حال من الأحوال استمرار هذا العدوان والتهديد المستمر لقطاع غزة”.
وأوضح أنه اتصل بالأمين العام للجامعة العربية، وطلب منه عقد اجتماع وزاري طارئ في أقرب وقت لبحث سبل منع العدوان على غزة، كما اتصل بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون Ban Ki-moon وطلب منه أن تتحمل المنظمة الدولية المسؤولية تجاه منع هذا العدوان، وضمان عدم تكراره، مشيراً إلى أن بان كي مون تَفهّم الموقف، وأكد نقل هذه الرسالة إلى الجانب الإسرائيلي. وأشار مرسي إلى أنه اتصل أيضًا بالرئيس الأمريكي باراك أوباما Barack Obama وأبلغه بضرورة وقف هذا العدوان، وعدم تكراره، وضمان السلام والأمن في المنطقة، كما بحث معه في سبل تحقيق التهدئة والسلام “من دون مشاكل مستقبلية”، مؤكداً “حرص مصر على العلاقات مع الولايات المتحدة والعالم، ورفضها التام للعدوان وحصار الفلسطينيين”. وأضاف: “اتفقنا على أن تتواصل مصر والولايات المتحدة لمنع التصعيد، أو استمرار العدوان في هذا الشكل” [55].
وفي تطور لافت على مستوى العلاقات بين مصر والكيان، أصدر مرسي في 14/11/2012 قرارًا بسحب السفير المصري لدى “إسرائيل”، على خلفية العدوان على غزة [56]. ووصف مرسي ما يحدث في غزة بأنه “أمر خطير وعدوان سافر”، محذرًا من تداعيات هذا العدوان، وقال: إن “مصر لن تترك غزة وحدها، فمصر اليوم مختلفة عن مصر الأمس تمامًا، والعرب اليوم مختلفون عن عرب الأمس تمامًا”، وشدد على أن “مصر بإرادتها القوية وإمكاناتها الضخمة تقول إن غزة ليست وحدها” [57].
وقال مخاطبًا “إسرائيل”: “لن يكون لكم علينا سلطان ولا على غزة”، مشدداً على أن “مصر لا تريد حربًا مع أحد، ولسنا دعاة حرب، ولكننا لسنا دعاة سلام من طرف واحد، وما يحدث مرفوض”، وقال إن “مصر ما زالت تسعي لوقف العدوان على غزة وحقن الدماء” [58]. وذكر مرسي أن رئيس الوزراء المصري ذهب إلى قطاع غزة، ليؤكد “أننا متضامنون مع أهل غزة ومعهم في خندق واحد، وأن ما يصيبهم يصيبنا”. وتابع “أقول للمعتدي: إن الثمن باهظ لعدوانه، وعليه أن يتحمل النتائج إذا استمر العدوان” [59].
وكان رئيس الوزراء المصري هشام قنديل، قد وصل إلى قطاع غزة في أثناء العدوان في 16/11/2012، على رأس وفد كبير يضم وزراء وقيادات أمنية في زيارة استغرقت ثلاث ساعات، أعلن خلالها تضامن بلاده مع الشعب الفلسطيني، وتوجه قنديل فور وصوله إلى مقر الحكومة بغزة، حيث التقى هناك رئيسها إسماعيل هنية، وعدداً آخر من مسؤوليها [60].
بعد لقاءات رئيس الاستخبارات المصرية عقدها اللواء رأفت شحاتة مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله، سلّم شحاتة في 18/11/2012 إلى الجانب الإسرائيلي شروط فصائل المقاومة الفلسطينية لإبرام اتفاق تهدئة [61]. وفي 21/11/2012 أعلن وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرته الأمريكية هيلاري كلينتون Hillary Clinton توصل الفصائل الفلسطينية و”إسرائيل”، برعاية مصرية، إلى اتفاق للتهدئة [62].
ورداً على اعتداءات عسكرية إسرائيلية ضد قطاع غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2012، قال الرئيس مرسي: إنه “لا يمكن أن نقبل بالاعتداء على الشعب الفلسطيني، ولن نقبل أبدًا بأن يحاصر أحد الشعب الفلسطيني”. وأضاف مرسي خلال خطابه بمناسبة عيد الأضحى المبارك الأربعاء “دماء الشعب الفلسطيني دماؤنا، وحياتهم حياتنا، وآلامهم آلامنا”، مشددًا على أن وجود مصر في خندق واحد مع الشعب الفلسطيني لا يعني إعلان الحرب على أحد. وتابع “لا نعلن حروبًا على أحد.. ولكن الحق الفلسطيني لن يضيع.. ونحن في خندق واحد مع أهلنا ضد أي عدوان عليهم”. وأشار مرسي إلى أن مصر تمد الشعب الفلسطيني بكل ما يحتاجه من غذاء ومأكل وملبس [63]. وقال مرسي إن احترام بلاده للاتفاقيات الدولية لا يعني غض الطرف عن أي عدوان يقع على الفلسطينيين [64].
سادساً: العلاقات المصرية الإسرائيلية في عهد مرسي:
مرت العلاقات الإسرائيلية المصرية بمرحلة تحوّل تاريخي عقب نجاح ثورة 25 يناير في الإطاحة بالرئيس حسني بمبارك، وذلك على الرغم من “الصلاة لسلامة الرئيس” [65]، حيث أشار الصحفي الإسرائيلي ألوف بن Aluf Benn في 26/5/2010، أي قبل أكثر من نصف عام من نشوب الثورة، إلى أن الشخص الأكثر قربًا من “إسرائيل”، من بين جميع رؤساء العالم، هو مبارك. فقد أصبحت مصر، بفضل مبارك، حليفًا استراتيجيًا لـ”إسرائيل”، كما ضمنت الاستقرار الأمني لـ”إسرائيل”، وتقليص ميزانية الأمن الإسرائيلي، وخُفض عدد الجيش الإسرائيلي… والمسؤول عن هذا كله هو مبارك، ونتيجة لكل ذلك، فإنه لو مُنح قادة “إسرائيل” اختيار أمنية واحدة، لاختاروا: “الخلود لمبارك”، وذلك بحسب ما أورده ألوف بن، نقلاً عن مصدر إسرائيلي [66].
لم تشفع هذه الأمنيات في بقاء حكم مبارك، فعندما بدأت المظاهرات، وازداد زخمها، صدمت “إسرائيل”… حيث كان الوضع مقلقًا على مصير حليفها الإقليمي الأهم، وعبرت عن دعمها لمبارك، غير أنه ونتيجة لحساسية الوضع، طالب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu من جميع الوزراء والناطقين باسم الحكومة بعدم التطرق إلى الثورة المصرية في وسائل الإعلام… واستمرت حساسية الموقف الإسرائيلي وغموضه حتى تنحي مبارك… كما أولت المؤسسات الإسرائيلية اهتمامًا كبيرًا بتأثيرات الثورة على “إسرائيل”، وشمل ذلك الكثير من المجالات، أهمها: مستقبل معاهدة كامب ديفيد، ووضع “إسرائيل” العسكري والاقتصادي، وميزان القوى في المنطقة، والقضية الفلسطينية بملفاتها المختلفة [67]. وقد زادت عناصر القلق الإسرائيلي بصعود الإسلاميين – المعروفين بعدائهم لـ”إسرائيل”، ورفضهم لاتفاقيات كامب ديفيد – إلى سدّة الحكم. غير أن صعودهم كان مؤقتًا ومجتزأ بعد تعطيل مجلسي النواب والشورى اللذيْن فازوا بهما، وإسقاط الرئيس المنتخب محمد مرسي وتعطيل الدستور، إثر مظاهرات 30 يونيو، وإثر الانقلاب العسكري المتحالف مع عدد من الأحزاب السياسية في 3/7/2013.
ظلّت السياسات الإسرائيلية تسعى إلى التزام الجهة التي تحكم مصر باتفاقيات التسوية السلمية، وإلى ضبط الشارع المصري ومنع أيّ حالات عدائية ضدّ “إسرائيل”، والتوافق على سياسة متناغمة في حصار قطاع غزة، وإسقاط الحكومة التي تقودها حماس. كما أن الجهات الإسرائيلية المسؤولة سعت إلى إبقاء مصر ضعيفة مثقلة بعناصر الفساد والتخلف والديكتاتورية، وغير قادرة على الانطلاق الحضاري والنهضوي والتنموي، والذي قد يُغير موازين القوى في المنطقة. بل إن هذه الجهات ستكون أكثر سعادة عندما تغرق مصر في مشاكلها وخلافاتها وتتحول إلى دولة فاشلة. غير أن الساسة الإسرائيليين كانوا حريصين على عدم استفزاز المواطن المصري، وعدم إحراج شركائهم السياسيين المفضلين من خلال إبراز مواقف داعمة مكشوفة لهم [68].
شكل الموقف من اتفاقية كامب ديفيد والعلاقة مع الكيان الإسرائيلي مادة رئيسية في الحملات الانتخابية لمرشحي الانتخابات الرئاسية في مصر، فقد أشار مرشح حزب الحرية والعدالة محمد مرسي إلى أنه كان في السابق يرفض اتفاقية كامب ديفيد، ولكنه في حالة أصبح رئيساً للجمهورية فسيحترم المواثيق والعهود، مستدركًا بالقول: “لكن على الطرف الآخر احترامها أيضًا”، مشددًا على عدم احترام الطرف الأخر، أي “إسرائيل”، للسلام. وطالب مرسي الطرف الصهيوني بالالتزام والوفاء باتفاقيات السلام، قائلاً: “السلام ليس كلاما وإنما السلام فعل على الأرض” [69]. وأكد مرسي على أن الاتفاق مع “إسرائيل” فيه “حقّ الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم” [70]. وفي خطابه الرسمي الأول، أكد الرئيس مرسي أنه يحمل رسالة سلام للعالم، وقبلها رسالة حقّ وعدل، وأكد على التزامه بالمعاهدات والاتفاقات الدولية [71].
كان مرسي يدرك صعوبة التحلل من اتفاقية كامب ديفيد دفعة واحدة، أو حتى إظهار الرفض لهذه المعاهدة بسبب القيود الداخلية والخارجية، لكن في المقابل قام بخفض مستوى العلاقات السياسية والأمنية مع الكيان الإسرائيلي، وحاول ممارسة الضغط السياسي على “إسرائيل” ، وجعلها تعمل في بيئة إقليمية غير مريحة، خصوصًا خلال العدوان على قطاع غزة 2012. لم يكن من السهل التحلل من تركة اتفاقية كامب ديفيد، خصوصًا أن مرسي لم يكن ممسكًا بمفاصل الدولة التي كانت تهمين على قطاعات كبيرة منها “دولة عميقة” متماهية مع القوى الغربية، ومضادة لمشروع المقاومة. لقد كان ينقص مرسي الوقت لترسيخ حكمه وتهيئة مؤسسات الدولة، للتحضير لمرحلة استقلال القرار السياسي وانعكاس الإرادة الشعبية على الحكم، عبر إصدار مراسيم وقرارات وتطبيق سياسات مستقلة في الحقلين الداخلي والخارجي.
عملت “إسرائيل”، منذ اليوم الأول لتسلم مرسي الرئاسة، على إظهار أن العلاقة طبيعية بين البلدين، من خلال إرسال رسائل تهنئة للرئيس مرسي بمناسبة انتخابه، وبمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، حيث أشار المتحدث باسم الرئاسة المصرية ياسر علي إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أرسل رسالة إلى الرئيس مرسي للتهنئة بمناسبة انتخابه رئيسًا لمصر [72]. كما نفى ياسر علي صحة الأخبار التي تحدثت عن إرسال الرئيس مرسي خطابات شكر للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز Shimon Peres، حيث زعمت وسائل إعلام إسرائيلية رسالة منسوبة للرئيس المصري موجهة للرئيس الإسرائيلي، ووصفتها بأنها رسالة نادرة وصديقة من النظام الجديد في القاهرة. وقالت وسائل إعلام إن الرئيس مرسي عبّر عن شكره العميق لبيريز على رسالتيه اللتين بعث بهما إليه لتهنئته بالفوز في الانتخابات وحلول شهر رمضان [73].
كما سربت صحيفة “ذا تايم أوف إسرائيل” The Times of Israel على موقعها في 17/10/2012 خطاب الاعتماد الذي حمله السفير المصري الجديد في “إسرائيل” عاطف سالم إلى بيريز، والموقّع من الرئيس مرسي، وقد أثارت بعض العبارات المستخدمة في الخطاب جدلاً مصريًا. غير أن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية أكد أن الرئيس محمد مرسي، وقّع على أكثر من عشرة خطابات ترشيح سفراء جدد لدول مختلفة في اليوم نفسه الذي وقّع فيه على الخطاب المرسل للرئيس الإسرائيلي. وأوضح أن الصيغة الموجهة لرئيس “إسرائيل” هي الصيغة نفسها الموجهة لبقية رؤساء الدول الأخرى، ولا يُقصد بها شخص بعينه ولا ميزة فيها لأحد، مشيرًا إلى أن تلك الصيغة بروتوكولية بحتة وموجودة منذ أيام الرئيس عبد الناصر، وتكاد تكون من أيام الملك فاروق. مشيرًا إلى أن هذه الخطابات سرية، ولكن الطرف الآخر: يقصد “إسرائيل”، سربها للرأي العام، ليقول له: إن الرئيس مرسي يصفه بـ”صديقي العزيز” للإيحاء بموقف معين، ولكن الحقيقة أن هذه الصيغة لا تعبر عن أيّ موقف سياسي [74].
وألمح مرسي لما نشرته وسائل الإعلام بشأن رسالته إلى الرئيس الإسرائيلي، قائلاً : “أنا لم أعهد الالتفات إلى الصغائر والتفاهات”، مضيفًا “ورقة ملفقة هنا أو هناك.. الرجال بمواقفهم وأفعالهم”، مشددًا على أن الشعب المصري يعلم موقفه” [75].
غير أن المشهد المصري الإسرائيلي شهد أزمة، وذلك بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 14/11/2012، حيث أمر الرئيس مرسي بسحب السفير المصري لدى “إسرائيل” احتجاجًا على العدوان، كما طالب الرئيس من وزارة الخارجية المصرية باستدعاء السفير الإسرائيلي بمصر، وتسليمه رسالة احتجاج بشأن العدوان، والتأكيد على ضرورة الوقف الفوري لكل أشكال العدوان [76]. وشدد وزير الخارجية المصري، محمد كامل عمرو، على أن بلاده لن تسمح للعلاقات التي تربطها مع “إسرائيل” أن تقيد دعمها للشعب الفلسطيني [77].
ورأى باحثون ومعلقون إسرائيليون أن العلاقات بين مصر و”إسرائيل” خلال حكم مرسي كانت هشة ومتأزمة، بالرغم من محافظتها على معاهدة كامب ديفيد. حيث قال دوف فايسغلاس Dov Weissglas، مدير ديوان رئيس الوزراء الأسبق أريل شارون Ariel Sharon: إن “مصر الجديدة مختلفة تمامًا في تعاملها مع إسرائيل اليوم وغدًا، ومصر بقيادة الإخوان المسلمين ستظل تناصب إسرائيل العداء، وإن عدم إلغائها كامب ديفيد ينم عن اعتبارات تكتيكية راهنة”. وقال إن القاهرة منحت حركة حماس “بوليصة تأمين” تردع الجيش الإسرائيلي عن اجتياح بري لقطاع غزة، مضيفًا أن مصر “ملتزمة أكثر بحماس من التزامها بعلاقات مع إسرائيل”. وقال السفير الإسرائيلي السابق بالقاهرة تسفي مزال Zvi Maze :”إنَّ الحرب على غزة كشفت أن مصر الجديدة متكأٌ واهٍ بالنسبة لإسرائيل”، وشدد على أن “مشاعر الكراهية لإسرائيل تحرك الرئيس محمد مرسي”. وذكر الباحث بمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي The Institute for National Security Studies (INSS) التابع لجامعة تل أبيب عوديد عران Oded Eran أن الأزمات بقطاع غزة من شأنها أن تزيد علاقات “الدولتين هشاشة”. كما أكد المحاضر في قسم تاريخ الشرق الأوسط ورئيس مركز حاييم هرتسوغ لدراسات الشرق الأوسط والدبلوماسية Chaim Herzog Center for Middle East Studies and Diplomacy في جامعة بن غوريون Ben-Gurion University of the Negev في بئر السبع يورام ميتال Yoram Meital أن مرسي يقود خطًا مختلفًا تمامًا عن سابقه حسني مبارك. وشدد على أن علاقات مصر و”إسرائيل” في حالة أزمة متواصلة. ولكن المحلل الإسرائيلي جاكي حوجي Jacky Hugi استبعد أن “يقطع مرسي الخيط مع إسرائيل، خوفًا من زعزعة الاستقرار داخل مصر”. وأشار الباحث المتخصص في العلاقات المصرية الإسرائيلية إسرائيل جرشوني Israel Gershoni إلى أن “مستقبل العلاقات بين البلدين مرهون بمؤثرات كثيرة لا أحد يستطيع التنبؤ بها، وهي مفتوحة على عدة احتمالات” [78]. كما أكد رئيس الموساد Mossad السابق أفرايم هاليفي Efraim Halevy أن العلاقة بين مصر و”إسرائيل”، بعد خلع مبارك، وخصوصًا في عهد مرسي، كانت تتميز بالجفاء والقطيعة، وهناك دلائل على هذا. وأضاف: “نستدل على هذا، بموقف في اليوم الذي انتخب فيه محمد مرسي أرسل بنيامين نتنياهو رسالة تهنئة للرئيس مرسي، وتوقع ردًا مهذبًا منه، ولكن هذا لم يحدث، وطوال هذه الفترة لم يحدث أيّ اتصال على المستوى السياسي بين مصر وإسرائيل” [79].
وبعد الانقلاب العسكري على الرئيس مرسي في 3/7/2013، لم تُخفِ النُّخب السياسية والعسكرية والمثقفة في “إسرائيل” ارتياحها من الذي حدث في مصر. إذ مثَّل موجة ارتدادية في وجه “الربيع العربي”، وقام بضربة قاسية ضدّ الإسلام السياسي. كما قامت أجهزة الانقلاب بتشديد الحصار على قطاع غزة وتدمير الأنفاق، وبحملة تشويه إعلامية واسعة ضدّ قوى المقاومة الفلسطينية. وبعث الانقلاب الحياة في محور “الاعتدال العربي” الذي يدعم مسار التسوية السلمية، ويحتفظ بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة. وعطَّل الانقلاب بلورة الظروف باتجاه إلغاء اتفاق كامب ديفيد بين مصر و “إسرائيل”. وقد خفف كل ذلك من مخاطر التغيرات، التي قد تحمل طابعًا معاديًا، في البيئة الاستراتيجية المحيطة بـ”إسرائيل” [80].
ومما لا شكّ فيه أن تحولاً قد طرأ على العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد الانقلاب، حيث جاء هذا التحول بفعل الاعتبارات التي تحكم كلاً من قادة الانقلاب والنخبة الحاكمة في تل أبيب. ولم يكن من المفاجئ احتفاء الإسرائيليين، لا سيّما النخب الحاكمة والمثقفة، بالانقلاب، حيث إن محافل التقدير الاستراتيجي في تل أبيب رأت أن الانقلاب قد حسَّن بشكل كبير من البيئة الاستراتيجية لـ”إسرائيل”. لقد تحللت القيادات الإسرائيلية بعد الانقلاب على مرسي، من “سياسة التكتم” التي كانت تخفي من خلالها موقفها الرافض لوصول مرسي لسدة الحكم وللإخوان المسلمين والإسلام السياسي. وبدأت تُظهر ما في جعبتها من عداء صريح تجاه هذه المكونات؛ فقال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون Moshe Ya’alon : إن الحكومة الإسرائيلية اختلفت مع إدارة الرئيس أوباما بشأن تقييم الأوضاع في مصر. وأكد أن “إسرائيل” لم تفضل حكومة في مصر بقيادة الإخوان المسلمين، وترى أن وصول السيسي إلى سدة الرئاسة يخدم مصالح الغرب [81].
اهتم مؤتمر هرتسليا Herzliya Conference الإسرائيلي 2015 كثيرًا بالأوضاع التي آلت إليه الأمور في مصر بعد عزل الرئيس مرسي من الحكم، وأشار المؤتمر إلى أن هناك تنسيقًا مصريًا إسرائيليًا فيما يخص تأمين الحدود ومكافحة الإرهاب، حسبما صرح مدير الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد، الذي قال: إن “مصر تساعد إسرائيل في مكافحة الإرهاب من خلال هدم الأنفاق التي استخدمت لأهداف معادية”، وذكر أن الرئيس السيسي حقق معجزة بإنقاذ مصر من الإخوان المسلمين، مضيفًا أن “حماس أصبحت معزولة الآن في قطاع غزة، وللدور المصري الفضل في ذلك”، بزعم أن الرئيس السيسي يحاربها في غزة ويتصدى لتنظيم “داعش” في سيناء، إلى جانب أن “التزامه بمعاهدة السلام يُعد ثروة استراتيجية لإسرائيل” [82]. وأبرز جلعاد العوائد الاستراتيجية التي حصلت عليها “إسرائيل” في أعقاب الانقلاب، لدرجة أنه عدّ الانقلاب “معجزة لإسرائيل”. ورأى جلعاد أن ترسيخ الشراكة بين مصر و”إسرائيل” في الحرب على المقاومة الفلسطينية، كانت أهم التحولات التي شهدتها سنة 2014؛ حيث أشار إلى أن نظام السيسي لعب دورًا رئيسيًا في تجفيف منابع هذه المقاومة عبر إغلاق الأنفاق، ومنع تدفق السلاح إلى قطاع غزة [83].
ورأى وزير الإسكان الإسرائيلي يوآف غالنت Yoav Galant، في تسريب صوتي كشفته صحيفة هآرتس، في 28/5/2016، أن “إسرائيل” محظوظة بأن السيسي تمكن من السيطرة على مقاليد الحكم في مصر، واستعادها من أيدي الإخوان المسلمين. وقال غالنت، خلال جلسة مغلقة مع قادة التنظيمات اليهودية في شمال الولايات المتحدة، إن السيسي هو حسني “مبارك بعد عملية تجميل”. كما رأى غالنت أن من مصلحة “إسرائيل” والولايات المتحدة مواصلة دعم النظام الحالي في مصر [84].
خاتمة:
على الرغم من الفترة القصيرة التي قضاها مرسي في رئاسة مصر فإنَّ ما خطه من سياسات ومواقف وتصريحات تجاه القضية الفلسطينية، شكَّل نقطة فارقة ضمن الإمكانات والظروف المتاحة. أسس مرسي نهجًا جديدًا في التعاطي مع العدو الإسرائيلي، هذا النهج الذي قام على الأسس الدينية والقومية والتاريخية في مقاربة الصراع مع الاحتلال، كان من المتوقع، لو لم يتم الانقلاب عليه بعد سنة من حكمه، أن يُصبح نموذجًا ومثالًا يُحتذى به لدى قادة الدول العربية والإسلامية، خصوصًا في الدول التي كانت تسير في ركب “الربيع العربي”، قبل أن يتم إفشال ثوراتها مع هبوب رياح “الثورات المضادة” المدعومة من بعض الأنظمة المتضررة من نتائج وانعكاسات “الربيع العربي”.
لاقت القضية الفلسطينية والفلسطينيون في عهد مرسي الدعم والمساندة، ونعِم قطاع غزة بتسهيلات لم يسبق لها مثيل؛ وبسبب سياسة غض النظر نشطت عمليات إدخال السلاح والعتاد من خلال الأنفاق، والتي كان لها دور كبير في التصدي للعدوان الإسرائيلي سنة 2014، كما نشط إدخال المواد الغذائية والبضاع باختلاف أنواعها، وكسرت الحواجز والعوائق مع القطاع، وأصبح معبر رفح مفتوحا للزائرين والمسافرين.
مع حلول الذكرى الأولى لوفاة الرئيس محمد مرسي ، صابرًا خلف قضبان الاعتقال في 17 حزيران/ يونيو 2019، يعيش الواقع العربي حالة صراع بين تيار يدعم “الثورات المضادة” ويُسوِّق لسياسة الانفتاح على الكيان الإسرائيلي، ومحاولة دمجه بالمنظومة العربية باعتباره “فرصة”، وبين إرادة الشعوب الرافضة لذلك، والتي تتوق للتخلص من نير الظلم والاستبداد، وتحاول شق طريق الحرية والتقدم منذ بدايات “الربيع العربي”. ما زالت هذه التجربة التحررية الثورية تواصل شق طريقها رغم المعوقات، وقد باتت أكثر رسوخا في بعض الميادين، وتتطلع إلى استمرار المسيرة وتحقيق أهدافها وبلوغ غاياتها.
لا شك أن الفترة التي نعيش فيها هي فترة مخاض قاسية لن تطول؛ حيث ستدرك الشعوب عاجلاً أم آجلاً من يعمل لمصلحتها ورفاهيتها وتطورها، ومن يعمل على مراكمة الثروات وتبديدها، ويتطوع لخدمة المصالح غير الوطنية، مستندًا إلى شبكة أمان، من خلال انفتاحه على العدو الإسرائيلي، ومن دار في فلكه.
لقد عاشت القضية الفلسطينية في وجدان مرسي وعقله، قبل الرئاسة وبعدها، لم يفارقها حتى فارق الحياة، رحمة الله عليك.. شهيد القدس وفلسطين.
الهوامش:
[1] تم الاستفادة في تحرير هذه الورقة من الفصل السابع: “السياسة الخارجية” الذي أعده ربيع الدنان، من كتاب “مصر بين عهدين مرسي والسيسي: دراسة مقارنة”، إعداد باسم القاسم وربيع الدنان، إشراف وتحرير أ.د. محسن محمد صالح، والذي أصدره مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت سنة 2016.
[2] باسم القاسم، باحث في مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، متخصص في الدراسات الفلسطينية، شارك في إعداد وتحرير عدد من الدراسات والمؤلفات المنشورة. وهو رئيس قسم الأرشيف والمعلومات، ونائب رئيس تحرير نشرة “فلسطين اليوم”.
[3] وائل سعد، باحث في مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، متخصص في الدراسات الفلسطينية، شارك في إعداد وتحرير عدد من الدراسات والمؤلفات المنشورة، وهو مساعد المدير العام لمركز الزيتونة، ورئيس قسم التدريب في المركز، ورئيس تحرير نشرة “فلسطين اليوم”.
[4] صحيفة المصري اليوم، 17/11/2012، انظر: https://to.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=360909
[5] موقع تويتر، انظر: https://twitter.com/muhammadmorsi/status/269404715815673856
[6] المركز الفلسطيني للإعلام، 18/6/2019، انظر: https://cutt.us/Pbr3B
[7] المرجع نفسه.
[8] موقع الإخوان المسلمين، 31/5/2010، انظر: https://www.ikhwanonline.com/article/65790
[9] المرجع نفسه.
[10] المرجع نفسه.
[11] المركز الفلسطيني للإعلام، 18/6/2019، انظر: https://cutt.us/Pbr3B
[12] موقع الإخوان المسلمين، 5/10/209، انظر: https://www.ikhwanonline.com/article/54737
[13] المرجع نفسه.
[14] وكالة قدس برس للأنباء، 2/2/2011.
[15] صحيفة القدس العربي، لندن، 7/2/2011.
[16] صحيفة الشروق، القاهرة، 15/6/2012.
[17] المركز الفلسطيني للإعلام، 16/6/2012.
[18] المركز الفلسطيني للإعلام، 8/4/2011.
[19] صحيفة المصريون، القاهرة، 23/1/2012.
[20]المركز الفلسطيني للإعلام، 10/5/2012.
[21] اليوم السابع، 25/6/2012.
[22] فلسطين أون لاين، 24/6/2012.
[23] المركز الفلسطيني للإعلام، 24/6/2012.
[24] اليوم السابع، 25/6/2012.
[25] المرجع نفسه.
[26] فلسطين أون لاين، 24/6/2012.
[27] موقع شبكة فراس برس الإعلامية، 16/7/2012، انظر: http://fparchive.mydannews.com/ar
[28] وكالة قدس نت للأنباء، 13/7/2012.
[29] صحيفة الدستور، القاهرة، 27/6/2013.
[30] صالح النعامي، صفحة جديدة في العلاقات بين مصر وحماس بعد فوز مرسي، الشرق الأوسط، 19/9/2012.
[31] فلسطين أون لاين، 21/4/2013.
[32] اليوم السابع، 30/6/2012.
[33] وكالة صفا، 30/8/2012.
[34] القدس العربي، 5/8/2013.
[35] صحيفة الحياة الجديدة، رام الله، 6/8/2013.
[36] الجزيرة.نت، 25/5/2011.
[37]فلسطين أون لاين، 29/6/2011.
[38]فلسطين أون لاين، 7/7/2011.
[39] قدس برس، 29/4/2012.
[40] قدس برس، 6/5/2012.
[41] الرسالة.نت، 28/6/2012.
[42] المركز الفلسطيني للإعلام، 30/9/2012.
[43] صحيفة الراية، الدوحة، 27/3/2013.
[44] وكالة سما الإخبارية، 30/6/2012.
[45] فلسطين أون لاين، 16/7/2012.
[46] الشرق، الدوحة، 24/10/2012.
[47] المركز الفلسطيني للإعلام، 31/10/2020.
[48] الغد، عمّان، 21/10/2012.
[49]وكالة وفا، 18/10/2011.
[50] الأهرام، 3/10/2012.
[51] وكالة سما، 5/7/2013.
[52] صحيفة الشرق، القاهرة، 7/11/2014؛ وقدس برس، 14/6/2015؛ والجزيرة.نت، 23/3/2016، انظر: http://bit.ly/23dhOqK
[53] الحياة، 5/9/2013.
[54] الحياة، 16/11/2012.
[55] الحياة، 16/11/2012.
[56] الأهرام، 15/11/2012.
[57] الأهرام، 17/11/2012.
[58] المرجع نفسه.
[59] المرجع نفسه.
[60] الجزيرة. نت، 16/11/2012.
[61] الحياة، 19/11/2012.
[62] القدس العربي، 22/11/2012.
[63] وكالة الصحافة الفلسطينية (صفا)، 24/10/2012.
[64] الجزيرة.نت، 25/10/2012.
[65] Haaretz, 26/5/2010, http://www.haaretz.com/prayer-for-the-health-of-the-rais-1.292269
[66] Ibid.
[67] محمود محارب، “إسرائيل والثورة المصرية،” المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 21/4/2011، انظر: http://www.dohainstitute.org/release/0e05903f-117f-4759-b44a-a4b287223c13#a2
[68] للمزيد انظر: قسم الأرشيف والمعلومات – مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، الموقف الإسرائيلي من الأحداث والتغيرات في مصر في عام: منتصف يونيو 2013 – منتصف يوليو 2014، سلسلة ملف معلومات (21) (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2014)، انظر: https://www.alzaytouna.net
[69] المركز الفلسطيني للإعلام، 10/5/2012، انظر: http://www.palinfo.com/site/pic/newsdetails.aspx?itemid=114981
[70] الحياة، 12/5/2012.
[71] اليوم السابع، 30/6/2012.
[72] الشرق الأوسط، 2/7/2012.
[73] الأهرام، 31/7/2012.
[74] الأهرام، 17 و 19/10/2012.
[75] وكالة الصحافة الفلسطينية (صفا)، 24/10/2012.
[76] الأهرام، 15/11/2012.
[77] صحيفة الشرق، الدوحة، 16/11/2012.
[78] الجزيرة.نت، 26/11/2012: http://bit.ly/1WOueoN
[79] وكالة فلسطين اليوم الإخبارية، 27/7/2013، انظر: http://bit.ly/1Q7gqE0
[80] “مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية في ضوء الانقلاب،” سلسلة تقدير استراتيجي (62)، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 3/12/2013، انظر: http://bit.ly/1ZTddbp
[81] الجزيرة.نت، 14/3/2016، انظر: http://bit.ly/25ZkY6H
[82] موقع البديل، 19/6/2015، انظر: http://bit.ly/1W6hok5
[83] صالح النعامي، هرتسيليا 2015.. خارطة الفرص والمخاطر، الجزيرة.نت، 13/6/2015، انظر: http://bit.ly/1GBCv6u
[84] Haaretz, 28/5/2016, http://www.haaretz.com/israel-news/.premium-1.721999
لتحميل الدراسة بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:
>> دراسة: الرئيس محمد مرسي والقضية الفلسطينية … باسم القاسم ووائل سعد (25 صفحة، 4.6 MB) |
المصدر: مركز المسار للدراسات الإنسانية، 2020/6/21
المساندة الحقيقية للفلسطينيين ليست بمساعدات ووجبات ساخنة تقدم لهم كأنهم ضحايا كارثة طبيعية، بل تبدأ بقطع العلاقات مع عدوهم وراعيه الأمريكي.
ومواقف معارضي الحكومات تظهر حقيقتها بعد أن يتولوا الحكم، فمن كان صادقا فسينفذ ما كان يطالب به غيره، أما الكاذب فسيثبت مدى عمالته وخيانته واستسلامه للقرار الأمريكي والأوامر الصهيونية، ويتعهد في حملته الانتخابية باحترام ما كان يرفضه قبلها، ويغض الطرف عن الاعتداءات اليومية المستمرة على الفلسطينيين وبيوتهم وأراضيهم وعلى المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي، إذ لا يدفعه كل ذلك لإعلان الصهاينة أعداء ولا لوضعهم في قائمة الإرهابيين، ويبتلع اتهاماته للرؤساء والحكومات العربية عندما يلتقي بهم وجها لوجه، ويصبح ملك السعودية قامع الثورة البحرينية أول حاكم يزوره، ورجلا فيه الحكمة والعقل والمعرفة والحب لأهل مصر في كل كلمة وكل حركة وكل سكنة منه، ويمدح مفاصل النظام الذي ثار عليه الشعب، فيصف الشرطة المصرية التي قتلت الثوار بأبطال العبور الثاني الذين كانوا في قلب الثورة، ويصف الجيش المصري بأنهم رجال من ذهب، والقضاء المصري بأنه تاج العدالة، ويمنح قائد المجلس العسكري ونائبه قلادتي النيل، ويعينهما مستشارين.
الثائر ضد الظلم لا يثور على رئيسه الظالم ليستعين بأتباعه وأقرانه وأسياده في الظلم والفساد والإجرام والخيانة، ولا يسقط دستور بلده ليحافظ على اتفاقية سلام مع عدوه، أو ليوافق على مبادرة حكام العرب والمسلمين لبيع فلسطين. أما الثوار المصريون فقد طردوا السفير الصهيوني في مصر بأنفسهم، وأسقطوا علم العدو بأيديهم، في أول فرصة دون إبطاء ودون تدرج. وهذا الدرس الذي على كل ثورة تعلمه وتطبيقه، فلا تستعين بمجرم لإسقاط مجرم، ولا تصادق صديق عدوها، ولا تلوم إلا نفسها إن فعلت ذلك.
التطبيع خيانة لا يبررها التدرج ولا تقديم المساعدات للضحايا ولا الوساطة بين المجرم والبريء، وليست وجهة نظر تقبل إذا كان الخائن حليفا وترفض إذا كان خصما، إذ لا يقبل الشريف أن يعمل في سفارة بتل أبيب أو قنصلية بأم الرشراش، فذلك يعني الاعتقاد بأن تنظيم العصابات الإرهابية اليهودية في فلسطين والجولان دولة، فكيف بمن عين سفيرا لمصر في تل أبيب في أول أيام حكمه حتى قبل أن يعين رئيس وزرائه؟ وكيف لا تعبر رسالة التعيين غير الملفقة عن موقف سياسي؟ ألا يعني أن تعامل تنظيما إرهابيا احتل أرضا عربية وقتل أهلها وطردهم وجلب غرباء إليها مثل أي دولة طبيعية تتفق معها فترسل إليها سفيرا وتختلف معها فتسحبه أنك لا تميز بينهما سياسيا، وأنك ترى بطش اللص بأهل الدار التي يسرقها مثل بطش الفرد بعائلته؟ وهل هذه الخيانة العظمى التي تؤكدها المواقف والأفعال تبقى صغيرة وتافهة؟
والخائن لا يستحق المدح إذا كان غيره أسوأ منه، أو كان العدو يفضل غيره، أو لو قتله خائن آخر، بل يستحق المقاطعة والمحاكمة مهما قدم من أموال ومساعدات وبيانات، ومهما أظهر له العدو من عداوة، أو طالبه بالخضوع أكثر. بل إن مدح المطبع الذي يقدم مساعدات هو رضا عملي بصفقة القرن، وتسميته إسلاميا افتراء على الإسلام الذي يؤكد بوضوح: (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون)، بل ذلك مساهمة في تمادي حلفاء الإخوان في تركيا وقطر في التطبيع السياسي والاقتصادي والسياحي والرياضي والإعلامي، وكذلك في تمادي خصوم الإخوان في السعودية والإمارات في التطبيع، إذ بدل تجريم التطبيع وبدل أن يطالب كل جمهور بأن يكون فريقه هو المبادر في مقاطعة العدو وأعوانه يتبادل الطرفان التهمة ذاتها، وتستفحل الخيانة عندهما.