بقلم: أ.د. وليد عبد الحي.
(خاص بمركز الزيتونة).
مقدمة:
إذا استبعدنا تأويلات النصوص التوراتية المتعلقة بمصير اليهود، [1] والتي يرى بعضها أن أربعة من تنبؤات التوراة قد تحققت قبل بداية القرن العشرين، وسبعة تنبؤات أخرى تحققت خلال ذلك القرن، بينما هناك تنبؤات أخرى تنتظر التحقق من الآن وحتى يوم القيامة، ويربطون بين هذه التنبؤات وبين الديانة المسيحية المعاصرة، فإن الدراسات المستقبلية الأكاديمية الإسرائيلية والغربية لا تولي مثل هذه التنبؤات أهمية كبيرة، لا سيّما أن التعسف في تأويل النصوص الدينية كثيراً ما تظلله دوافع سياسية وثقافية. [2]
وبتتبع الباحث لنماذج مختلفة من الدراسات المستقبلية الاسرائيلية والغربية خلال الفترة 2000-2020، لم يتمكن من العثور على دراسات مستقبلية صينية أو روسية أو يابانية متكاملة وتتوفر فيها مقومات الدراسة المستقبلية عن “إسرائيل”، يمكن تحديد الصورة المستقبلية لهذه الدراسات من خلال الخطوات التالية:
1. عرض نماذج من الدراسات المستقبلية الإسرائيلية.
2. عرض نماذج لدراسات مستقبلية أوروبية.
3. عرض نماذج لدراسات مستقبلية أمريكية.
4. تحديد أبرز جوانب التوافق وجوانب الاختلافات في هذه الدراسات.
ونبه الكاتب لعدد من النقاط المنهجية الخاصة بعرض الدراسات:
1. إن عرض النماذج التحليلية وتقنياتها ومؤشراتها أمر يُثقل هذه الدراسة لا سيّما أن حجم بعضها بمئات الصفحات، كما أن عرض التقنيات لن يكون مجدياً للقارئ غير المتخصص في مناهج الدراسات المستقبلية، وعليه سيكون التركيز على النتائج والاتجاهات الأعظم Mega-Trends بشكل محدد، مع إشارات لبعض التقنيات حيث يكون ذلك ضرورياً وممكناً.
2. ضرورة عدم الخلط بين الدراسات الاستراتيجية وبين الدراسات المستقبلية، فالأولى دراسات معنية بتحقيق هدف تمّ تحديده مسبقاً، والثانية هي عرض كافة البدائل المحتملة والترجيح بين هذه البدائل بغض النظر عن مدى توافقها مع سياسة جهة معينة.
3. إن الدراسات المستقبلية الفرعية (القدس، والتعليم، والأوضاع الاقتصادية،…إلخ) سنحاول أن ندمجها ضمن الدراسات المستقبلية الكبرى، أي المعنية بمستقبل الكيان السياسي والعلاقات الدولية لهذا الكيان بشكل عام.
للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:
>> ورقة علمية: مستقبل “إسرائيل” في الدراسات المستقبلية غير العربية … أ. د. وليد عبد الحي (36 صفحة، 5.8 MB) |
أولاً: الدراسات الإسرائيلية:
يمكن تحديد أهم التنبؤات في الدراسات الإسرائيلية خلال الفترة المحددة على النحو التالي: [3]
1. دراسات ديفيد باسيغ David Passig:
يمثل ديفيد باسيغ الأستاذ بجامعة بار إيلان الإسرائيلية Bar-Ilan University النموذج الأكثر التزاماً بقواعد ومنهجيات الدراسات المستقبلية، وهو أول حاصل على الدكتوراه في الدراسات المستقبلية في “إسرائيل”. ويركز باسيغ على البعد التكنولوجي بشكل واضح خصوصاً في تداعياته على الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، كما يسهم مع عدد من خبراء الأجهزة الأمنية ومراكز الدراسات الإسرائيلية وأساتذة الجامعات في هذا المجال، كما سيتضح معنا خلال هذه الدراسة. ويمكن تحديد تصورات باسيغ في دراساته المستقبلية على النحو التالي:
أ. المستقبل على المستوى الفلسطيني الإسرائيلي:
يعتقد باسيغ أن “إسرائيل” ستنسحب من الضفة الغربية خلال أواخر الاربعينات من القرن الحالي (أي بعد أقل من ثلاثين سنة) وسيكون ثمن هذا الانسحاب غالياً بشرياً وجيو-سياسياً على “إسرائيل”، وسيتم بعد الانسحاب الإسرائيلي إقامة دولة فلسطينية ستعتمد اعتماداً كبيراً على “إسرائيل”، لكنها ستصل لمرحلة من الاختناق سكانياً واقتصادياً مما يدفعها لمحاولة التمدد نحو البحر المتوسط، الأمر الذي سيقود إلى تفكك هذه الدولة الفلسطينية تدريجياً، وهو ما سيجعل “إسرائيل” تستشعر خطأ انسحابها، فتعود ثانية لاحتلال الضفة الغربية، وسيكون لتركيا والسعودية في تلك الفترة دور مهم في دفع الطرفين نحو التسوية من جديد.
ويرى باسيغ أنه في حدود سنة 2050 سيكون عدد اليهود في فلسطين ثلثي عدد اليهود في العالم، مما يجعل مساحة “إسرائيل” غير كافية ولا تتسع لهم، مما يدفع “إسرائيل” لإعادة السيطرة على الضفة الغربية مرة أخرى.
وعلى الصعيد المحلي الإسرائيلي، يرى باسيغ أن المجتمع الإسرائيلي يتجه نحو احتمال حرب أهلية مدفوعة إلى حدّ كبير بالانقسامات التي سببها الصراع على مستقبل المناطق المحتلة، ويقول أن تلك الحرب الأهلية لن تكون بالضرورة بحجم الحرب الأهلية الأمريكية، لكنها ستكون عنيفة وصادمة بدرجة كافية، وعلى عكس التقدير الغريزي ستبدأ هذه الحرب الأهلية بقتل أحد الزعماء الإسرائيليين في إطار التنافس الحزبي والعرقي والطبقي والموقف من الانسحاب من الضفة الغربية.
من جانب آخر، يتناول باسيغ ظاهرة مختلفة لم يوليها الباحثون عناية كبيرة، لكن باسيغ يراها أخطر مما يبدو للوهلة الأولى، وهي العلاقة بين البنية الديموجرافية وبين مشكلة الضمان الاجتماعي وتأثيرها المهم في المجتمع الإسرائيلي على النحو التالي:
• معدل العمر في “إسرائيل” هو 80 عاماً.
• سن التقاعد هو 60 عاماً.
• ذلك يعني أن الفرد سيعيش 20 عاماً بمستوى دخل أقل كثيراً من فترة العمل.
• فإذا حسبنا معدل تزايد الإنفاق (التوقعات المتزايدة Rising Expectations)، فإن نسبة الدخل ستكفي لعشرة أعوام فقط، أي أنه سيضطر للعيش بمستوى أقل للعشرة أعوام التي تلي تقاعده، وهو ما يؤسس لخلل اجتماعي عميق. ويعتقد باسيغ أن هذه الظاهرة (أزمة صناديق التقاعد) ستكون سبباً في وقوع نوع من “الثورة التي ستصدم كل المجتمعات في منتصف القرن الحادي والعشرين”.
وعند نقل هذه الظاهرة الى المجتمع الإسرائيلي، يرى أن 60% من السكان سيكونون بدون عمل سنة 2050، مما سيفتح المجال أمام انهيار “الأمن الاجتماعي أو الضمان الاجتماعي”، وتتعزز احتمالات ذلك نتيجة تزايد معدل العمر من ناحية وتزايد نسبة الولادة بين اليهود في “إسرائيل” والمهجر، وسيصل عدد سكان “إسرائيل” في سنة 2050 إلى 16 مليون يهودي، و30-35 مليون سنة 2100.
ب. المستقبل في المستوى الإقليمي:
يعتقد باسيغ أن حرباً قادمة بين “إسرائيل” وكل من لبنان وسورية ستنتهي لوصول القوات الإسرائيلية لأطراف دمشق، لكنها ستنسحب ضمن ضمانات ترتبها تركيا وأمريكا، وسيؤدي ذلك إلى مزيد من تراجع مكانة الصراع “الفلسطيني الإسرائيلي”.
من زاوية ثانية، ستكون تركيا هي القوة المركزية في الشرق الأوسط، وستكون مصر والسعودية ضمن من يدور في فلكها، وستلعب تركيا دور الوسيط بين العرب و”إسرائيل” في العقود القادمة…
أما العلاقة الإيرانية الإسرائيلية فيرجح باسيغ أن تقوم “إسرائيل” في نهاية المطاف بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، لكنه استبعد أن تبادر إيران بهجوم نووي على “إسرائيل”…. المزيد
للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:
>> ورقة علمية: مستقبل “إسرائيل” في الدراسات المستقبلية غير العربية … أ. د. وليد عبد الحي (36 صفحة، 5.8 MB) |
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 1/10/2020
أضف ردا