عقد مركز الزيتونة مساء الأربعاء 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، ندوة عن بعد، استضاف فيها، الأستاذ إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، حيث ألقى ورقة بعنوان: “رؤية حركة حماس المستقبلية للنهوض بالمشروع الوطني الفلسطيني”. وقد أدار الندوة الأستاذ الدكتور محسن محمد صالح مدير مركز الزيتونة، وعقّب على كلمة هنية خلال المؤتمر، نخبة من المتخصصين بالشأن الفلسطيني والاستراتيجي.
استعرض هنية خلال الندوة الوضع الفلسطيني والعقبات التي تواجه المشروع الوطني الفلسطيني، متحدثاً عن أربع متغيرات كان لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على طبيعة الصراع والاحتلال وتموضع مشروع المقاومة وهي: تعطيل الانتخابات الفلسطينية، ومعركة سيف القدس، والانسحاب الأمريكي من أفغانستان، واتفاقيات التطبيع العربي الإسرائيلي. ودعا إلى الاتفاق على برنامج سياسي تشارك فيه كل الفصائل والنخب والشخصيات المستقلة للمرحلة الحالية.
ولفت هنية النظر إلى أن شعبنا يمتلك الكثير من عناصر القوة، مؤكداً أنه خزان الثورة والحاضن للمقاومة.
وشدد هنية على أن المقاومة هي من عناصر قوة شعبنا، والعالم رأى قدرة الشعب على مراكمة القوة واستراتيجية القوة. وأوضح أنه حين تملك المقاومة في غزة المحاصرة صواريخ قادرة على ضرب أي بقعة في فلسطين التاريخية علينا أن ندرك مدى قدرة هذه القوة على ردع الاحتلال، لافتاً النظر إلى أن الاحتلال على الرغم مما يمتلكه من قدرات إلا أن بنيته هشة ويعاني من أزمات داخلية.
وتطرق هنية إلى خمسة تحديات أدت إلى تراجع المشروع الوطني، هي اتفاقية أوسلو والاعتراف بالاحتلال والتعامل معه، وتراجع دور المؤسسة القيادية لشعبنا، وتراجع المقاومة كخيار استراتيجي من عقلية وتفكير القيادة الفلسطينية، واعتبار التسوية الخيار الوحيد، وتراجع الدور العربي والتطبيع مع الاحتلال.
وأكد أن المشروع الوطني وقع في خلل كبير بعد أوسلو، واضطربت الأهداف والوسائل والدولة والحدود ووظيفة السلطة، وكل ذلك دخل في متاهات وخلل عانت وما تزال تعاني منه الساحة الفلسطينية.
ولفت هنية النظر إلى أن اتفاق أوسلو ونهج السلطة الفلسطينية في التعاون الأمني مع الاحتلال مهّد الطريق أمام الدول العربية للتطبيع مع الاحتلال، وإمكانية انضمام الاحتلال كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي.
ونبه إلى أن المقاومة كخيار استراتيجي تراجعت في عقل القيادة الفلسطينية، واعتبار التسوية الخيار الوحيد وفقدانها أوراق القوة بعدم المزاوجة بين العمل السياسي والعمل المقاوم الميداني. وأشار إلى الخلل في دور المؤسسة القيادية للشعب الفلسطيني، وإلى تراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية واختزالها في السلطة الفلسطينية، وهو ما أسهم في التراجع العربي والتجرؤ على الاعتراف بالاحتلال والتطبيع معه. غير أن هنية حذّر في الوقت نفسه من نشر اليأس للإحباط في أوساط الشعب الفلسطيني والأمة.
وطرح هنية رؤية الحركة المستقبلية للنهوض بالمشروع الوطني؛ من خلال تحقيق خمسة عناصر، تتمثل في إعادة الاعتبار للمشروع الوطني، والاتفاق على الثوابت والأهداف، وإعادة بناء القيادة الفلسطينية متمثلة بمنظمة التحرير على أسس إدارية جديدة تضم كل المكونات الفلسطينية في الداخل والخارج، والاتفاق على برنامج سياسي للمرحلة الحالية واستراتيجية نضالية، وإعادة الاعتبار لقضيتنا ومشروعنا الوطني في بعده العربي والإسلامي والدولي؛ مبيناً أن ذلك يتطلب إعادة صياغة وظيفة السلطة الفلسطينية.
وقال: “علينا الاتفاق على برنامج سياسي للمرحلة الحالية من خلال القواسم المشتركة والاتفاقات الموقعة، ولدينا إرث سياسي نستطيع من خلاله أن نتوافق على برنامج سياسي”.
وأكد أهمية الاتفاق على استراتيجية نضالية كفاحية تزاوج بين العمل الدبلوماسي والمقاومة بما في ذلك المقاومة الشعبية، مضيفاً أنهم مستعدون مستعدون للدخول في مقاومة شعبية في الضفة الغربية تتطور إلى انتفاضة ضدّ الاحتلال.
وأعلن عن جاهزية حماس للدخول في عملية حقيقية لإعادة بناء منظمة التحرير وبناء قيادة موحدة إلى حين إنجاز المجلس الوطني الفلسطيني.
وقد عقب على كلمة هنية خلال الندوة، الأستاذ هاني المصري، مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية – مسارات، الذي حذّر من تضييع فرصة تاريخية وفّرتها لنا معركة سيف القدس في أيار/ مايو 2021، لإعادة استنهاض المشروع الوطني الفلسطيني، وهو ما يدعو للتفكير ملياً بضرورة استخلاص العبر والدروس. وتساءل المصري أنه ما دام هناك تناقض واضح وجلي بين مشروع المقاومة الذي تتبناه حماس ومشروع السلطة الفلسطينية، القائم على اتفاق أوسلو وعلى الالتزام بالتنسيق الأمني مع الاحتلال والاعتراف بـ”إسرائيل” والتبعية الاقتصادية، وأن هذين المشروعين لا يمكن أن يلتقيا؛ خصوصاً بعد تجربة انقسام مستمرة منذ أكثر من 14 عاماً؛ فالمشكلة ليست باللاعبين بل المشكلة في أساس اللعبة. فهل يكون الحل في إمكانية تشكيل جبهة وطنية عريضة تقوم بالوحدة الوطنية الميدانية وتضغط على القيادة الفلسطينية لإجبارها على السير في مسار مغاير.
وفي تعقيب الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي، خبير في الدراسات المستقبلية والاستشرافية، رأى أن على قيادة حركة حماس أن تشكّل فريقاً يقوم بتحديد المتغيرات قليلة الاحتمال غير أنها عظيمة التأثير إن حدثت خلال العشر سنوات القادمة؛ حيث يقوم الفريق بتحديد كيفية التعاطي مع تلك المتغيرات وتكييفها في حال وقوعها لتخفيف آثارها، وتحديد التأثير المتبادل بين هذه المتغيرات وتحديد مستويات وقوعها وترتيبها بناء على ذلك. ومن أبرز هذه المتغيرات ذات الاحتمال الضعيف التي ذكرها: إعلان سلطة رام الله اعتبار قطاع غزة قطاعاً متمرداً على “الشرعية” وتطلب مساعدة القوى الدولية على تجريده من سلاحه وخضوعه للسلطة؛ وحدوث صراع دموي بين أجهزة الأمن الفلسطينية في حالة غياب عباس لأي سبب كان؛ وقبول السلطة الفلسطينية بحكم ذاتي في الضفة الغربية قبولا مؤقتا في البداية، واتساع قاعدة التطبيع العربي مع إسرائيل ووصولها لدول جديدة ومهمة… وقد طرح عبد الحي سؤالاً حول “أين هي النقطة الوسطى في التفاوض بين “أجهزة التنسيق الأمني وبين خلايا المقاومة؟”.
كما عقب الأستاذ عاطف الجولاني، كاتب وباحث ورئيس تحرير موقع السبيل الإلكتروني، الذي أكد على أهمية الجهة التي قدّمت الرؤية المتمثلة برئيس المكتب السياسي لحركة حماس؛ وهذه رؤية جاءت بعد معركة سيف القدس، وانطوت على كثير من التوازن والواقعية ولم تتأثر بحالة الانتصار؛ خصوصاً أن استطلاعات الرأي أشارت إلى تعزز مكانة الحركة لدى الشعب الفلسطيني. وأشار إلى ضرورة أن تبادر القوى السياسية الأخرى إلى طرح رؤيتها للنهوض بالمشروع الوطني الفلسطيني ليتحول النقاش من قضايا شخصية إلى الحديث عن أفكار ورؤية توافقية تحقّق الوحدة وتقود المرحة القادمة.
ثم تلى ذلك مداخلات وأسئلة السادة المشاركين؛ مهند مصطفى، ساري عرابي، رائد نعيرات، وائل نجم، زياد ابحيص، أحمد صباهي، و وائل المبحوح. وقد ختم الأستاذ هنية بردود وتوضيحات على الأسئلة والتعقيبات.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2021/11/4
أضف ردا