إعداد: أ. حسام شاكر.
(خاص بمركز الزيتونة).
مقدمة:
أدّى حشد قوات روسية كثيفة قرب حدود أوكرانيا، بدءاً من خريف 2021، إلى اندلاع أزمة تصدّرت الانشغالات الدولية على مدار شهور متعاقبة. ثمّ شنّت روسيا الحرب على أوكرانيا يوم 24/2/2022، على الرغم من محاولة الردع الاستباقي من جانب الولايات المتحدة والدول الغربية بفرض عقوبات قاسية على موسكو إن باشرت الهجوم. وهو ما أحدث شرخاً عميقاً في علاقات روسيا مع الدول الغربية، التي أقدمت على فرض حزمة غير مسبوقة من العقوبات.
أنهت الأزمة الأوكرانية مرحلة ما بعد الحرب الباردة، واستأنفت الصراع بين الأقطاب الدولية بعد قرابة ثلث قرن من تفرّد الولايات المتحدة بالقيادة العالمية بلا منازع. تستثمر واشنطن في الأزمة الأوكرانية في محاولة إضعاف روسيا وتهميشها، لكنّ موسكو التي برهنت مجدداً على جاهزيتها للإقدام على مفاجآت وتحرّكات خاطفة، تحاول استخدام أوراق الضغط المتاحة لديها إلى درجة التلويح بالسلاح النووي.
تتضاءل القدرات الاستشرافية لمسار هذه الأزمة وما ستتمخّض عنه بالنسبة للأطراف الدولية وموازين القوى، وما يترتب على ذلك من تأثيرات الأزمة الأوكرانية على القضية الفلسطينية وخيارات التصرف المتاحة بناء عليها.
للاطلاع على تقدير الموقف بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي: >> تقدير موقف: تأثيرات الأزمة الأوكرانية على القضية الفلسطينية وخيارات التصرف المتاحة … أ. حسام شاكر (12 صفحة، 1.6 MB) |
معطيات في الموقف الراهن:
1. يأتي انصراف الاهتمام الدولي إلى الأزمة الأوكرانية على حساب منسوب الاهتمام بقضايا أخرى، ومنها القضية الفلسطينية. لكنّ حساسية الوضع الدولي الراهن، وانشغال الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين بهذه الحرب، يقتضيان تحاشي نشوب أزمات حادّة أخرى في هذه المرحلة؛ خصوصاً في نطاقات محسوبة على حلفاء الولايات المتحدة.
2. من شأن اندلاع هبّة شعبية فلسطينية، أو انتفاضة ضدّ الاحتلال، أو جولة حربية جديدة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال في هذه المرحلة أن يُسبِّب حرجاً للجانب الأمريكي وحلفائه خلال انشغالهم بحشد المواقف الدولية ضدّ غزو أوكرانيا واحتلالها. ومما يزيد من وطأة ذلك أنّ الدعاية الغربية المضادة للغزو الروسي تعيد الاعتبار إلى المقاومة المسلّحة في الحالة الأوكرانية وتحضّ على مساندتها.
يقترب شهر رمضان 1443هـ، الذي يوافق نيسان/ أبريل 2022، المرشّح لاحتمالات اندلاع هبّة شعبية فلسطينية على منوال ما جرى في الشهر ذاته من سنة 2021، وسيضع هذا الظرف الجانب الإسرائيلي أمام حسابات حرجة في إدارة الموقف الميداني مع الشعب الفلسطيني خلال أزمة أوكرانيا.
3. من شأن استخدام الدول الغربية سلاح المقاطعة وفرض العقوبات في مواجهة روسيا، على نحو غير مسبوق، أن يُضعف الذرائع المضادّة في هذه الدول لحملات المقاطعة ونزع الاستثمارات وفرض العقوبات المتعلقة بحالة احتلال فلسطين ويكشف تناقضها، لكنّ ذلك لن يؤثِّر على المواقف الرسمية للدول الغربية التي ستبقى على حالها في هذا الشأن ما لم تطرأ متغيِّرات كبرى.
4. يُتيح الظرف الدولي المستجدّ فرصة نوعية لفرض قضية فلسطين على جدول الأعمال الدولي بصفة ضاغطة على الاحتلال الإسرائيلي. يقتضي ذلك نضوج إرادة سياسية فلسطينية مدعومة بهبّة شعبية عارمة تتوفّر إرهاصاتها حسب بعض المؤشرات الميدانية، مع احتفاظ المقاومة الفلسطينية بقدرة الردع والجاهزية للتدخل في مسار الأحداث. وممّا يعزِّز هذا التأثير أنّ مرحلة التحوّل الراهنة في السياسة الدولية تشجِّع على خوض مراجعات استراتيجية لدى الأطراف جميعاً.
5. بينما تغيب لدى إدارة بايدن، حتى كتابة هذا التقدير، مشروعات الحلّ السياسي الجادّ للقضية الفلسطينية؛ فإنّ تفجّر الأوضاع على الأرض الفلسطينية قد يفرض عليها تحرّكاً ما لاحتواء الموقف. وقد يتطلّب ذلك منها ممارسة ضغوط على الجانب الإسرائيلي في اتجاه التهدئة أو القيام بمبادرات سياسية معيّنة لاحتواء الموقف.
6. تنشغل روسيا بإدارة الحرب ومواجهة العقوبات، لكنها ستحرص على إثبات حضورها على المسرح الدولي في مواجهة حملة العزل التي تقودها الولايات المتحدة ضدّها، وقد تحاول في هذا السياق إنعاش اتصالاتها، القائمة أساساً، مع الساحة الفلسطينية، بصرف النظر عن قدرة موسكو على التأثير في الأوضاع مع تزايد الضغوط الدولية عليها. لكنّ روسيا والجانب الإسرائيلي يحرصان في المقابل على استمرار علاقاتهما واتصالاتهما مع ما يرتبط بها من تفاهمات متعلِّقة بسورية أو ملفات أخرى. لكنّ هامش التصرّف الإسرائيلي في استمرار الانفتاح مع موسكو سيضيق إن اعترضت الولايات المتحدة الأمريكية عليه.
7. قد تؤدِّي تطوّرات الأزمة الأوكرانية إلى التأثير على بعض الأدوار والتوازنات الإقليمية، خصوصاً وأنّ ذلك يترافق مع الحراك السياسي والديبلوماسي التركي، والاحتمالات المتزايدة لاستئناف العمل بالاتفاق النووي الإيراني، ورفع العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، ومواصلة الاندفاعة التطبيعية بين بعض الدول العربية والاحتلال الإسرائيلي، نحو شراكات استراتيجية ذات طابع تحالفي، علاوة على نشاط حكومة الاحتلال في الاتصالات مع موسكو وكييف تحت عنوان الوساطة.
محددات حاكمة:
1. مسار الأزمة الأوكرانية، وتطوّرات الحرب واتجاهات المواقف الدولية بشأنها، ومستقبل مكانة روسيا الدولية في ظلّ الأزمة الأوكرانية، والعقوبات المشددة المترتبة.
2. سلوك الأطراف الإقليمية في التعامل مع هذه التطوّرات، ومستقبل النفوذ الأمريكي في المنطقة.
3. سلوك الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع الأطراف ذات العلاقة بالأزمة الأوكرانية من جانب، وبسلوكه على الأرض في فلسطين وفي الإقليم من جانب آخر.
4. سلوك الأطراف في الساحة الفلسطينية في التعامل مع المتغيِّرات الدولية الجديدة، والتطوّرات الشعبية والميدانية.
سلوك الأطراف والتأثيرات المتوقعة:
1. بشأن مسار الأزمة الأوكرانية وسلوك الأطراف الدولية: تتضاءل بعد أسبوعين من شنّ الحرب إمكانية أن تحرز روسيا انتصاراً ناجزاً في الميدان الأوكراني في وقت قريب. كما تتضرّر مكانة روسيا الدولية من استمرار العقوبات المفروضة عليها، ومحاولة عزلها عن المجتمع الدولي. تسعى واشنطن وحلفائها إلى استنزاف روسيا في الميدان الأوكراني دون التدخل المباشر في الحرب، مع الحرص على ضبط نطاق الحرب الميدانية داخل أوكرانيا، وتلافي احتمالات خروجها عن السيطرة على نحو يهدِّد بالانزلاق إلى حرب عالمية. لكنّ روسيا ستحرص على الاحتفاظ بأوراقها الضاغطة على المسرح الدولي، ومنها حضورها في الإقليم، خصوصاً في الميدان السوري، واتصالاتها مع الأطراف الإقليمية المتعددة، ومنها الاحتلال الإسرائيلي، للإبقاء على فرص التواصل الدولية المتاحة لموسكو في ظلّ العقوبات الغربية المفروضة عليها. وإن واجهت حكومة الاحتلال، لاحقاً، ضغوطاً أمريكية في هذا الشأن؛ فإنّ ذلك قد يلحق الضرر بمصالحها وتفاهماتها مع روسيا خصوصاً بشأن سورية.
2. بشأن سلوك الأطراف الإقليمية: تدفع نهاية مرحلة ما بعد الحرب الباردة باتجاه عودة صراع الأقطاب على المسرح الدولي، ومن شأن هذا أن يتيح هوامش تصرّف أوسع لدول الإقليم، إن حاولت إعادة التموضع بمقتضى هذا المتغيِّر الدولي. لكنّ الأمر يبقى مرتهناً بمستقبل الدور الروسي وحضوره في المنطقة، وبقدرة موسكو على إدارة الأزمة الأوكرانية وتبعاتها على صعيد حملة العقوبات والعزل، علاوة على كيفية تعامل إدارة بايدن مع المنطقة. قد يدفع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والأزمة المعيشية في بعض دول المنطقة إلى نشوب توترات داخلية أو اضطرابات تؤثَّر على السلوك السياسي لبعض دول الإقليم.
3. بشأن سلوك الاحتلال الإسرائيلي: من شأن اندلاع هذه الأزمة الدولية على هذا النحو أن يستثير قلقاً استراتيجياً لدى الاحتلال الإسرائيلي من التغييرات التي قد تترتّب عليها في موازين القوى الدولية والتوازنات الإقليمية، علاوة على الطابع المتسارع للأحداث بصفة تُضعف القدرة الاستشرافية. سيحرص الجانب الإسرائيلي على التعامل مع الأزمة الأوكرانية بصفة متوازنة وحذرة تحاول حماية مصالحه المتشابكة مع الجانبين الروسي والأوكراني، ومحاولة الاضطلاع بدور نَشِط على الصعيد الديبلوماسي، لكن دون إغضاب واشنطن التي تقود الحملة الدولية المضادة لموسكو. تفرض هذه الأزمة الدولية على قيادة الاحتلال التصرّف بحذر بالغ، وأن تتحاشى تفجُّر الأوضاع في فلسطين إلى مواجهات مع الجماهير الفلسطينية أو المقاومة المسلّحة. كما سيحرص الاحتلال على مواصلة توثيق العلاقات التطبيعية المنسوجة مع دول عربية والتموضع ضمن اصطفافات إقليمية قائمة، خصوصاً مع قرب رفع العقوبات عن إيران حسب المتوقّع. تضع الأزمة الأوكرانية التفاهمات الإسرائيلية الروسية بشأن سورية أمام اختبار حرج، خصوصاً بشأن مدى قدرة جيش الاحتلال على مواصلة تنفيذ ضربات جوية في سورية.
4. بشأن الساحة الفلسطينية: لم تُظهِر السلطة الفلسطينية خلال السنوات الماضية استعداداً للمبادرة أو جاهزية لقيادة تصعيد سياسي وشعبي في مواجهة الاحتلال؛ على الرغم من حدوث تطوّرات كبرى على الساحة الفلسطينية مثل حملات العدوان الحربي على قطاع غزة، واندلاع هبّات شعبية وتصاعد الموقف في القدس. وإذ تحرص المقاومة الفلسطينية على إظهار جاهزيتها للردّ على تصعيد انتهاكات الاحتلال؛ فإنّ احتمالات نشوب جولات قتالية جديدة تبقى قائمة، وتتزايد مع مواسم التصعيد الاحتلالي خصوصاً في القدس، أسوة بما جرى في أيار/ مايو 2021. قد تحاول المقاومة في هذا الصدد استثمار الظرف الدولي المستجدّ، ويُستبعد أن يلجأ الاحتلال إلى استغلال انشغال العالم بالتطوّرات الأوكرانية في القيام بتحركات معيّنة، أو فرض وقائع جديدة خشية أن يلحق هذا ضرراً بأولويات الولايات المتحدة في هذه المرحلة. من المتوقع أن تشهد الشهور القليلة المقبلة، بدءاً من نيسان/ أبريل 2022، أحداثاً ساخنة في فلسطين، خصوصاً في القدس، من خلال التقاء مواسم فلسطينية مثل شهر رمضان مع مناسبات لدى الاحتلال، علاوة على تزايد التوتّر بشأن الأحياء المقدسية المهددة بالإخلاء لصالح المستوطنين.
خلاصة:
مع نهاية الحرب الباردة وبروز أحادية القطبية، وُضِعَت القضية الفلسطينية على مسار مشروع التسوية السياسية الذي هيمنت عليه الولايات المتحدة. وقد أدّى هذا إلى أزمة داخلية في مشروع التحرّر الفلسطيني، وانقسام سياسي حادّ في الساحة الفلسطينية، وانكفاء منظمة التحرير مع بروز سلطة الحكم الذاتي المكبّلة بالتزامات أمنية نحو الاحتلال؛ دون أن يقود اتفاق أوسلو Oslo Accords أو مشروع “الدولتين” كما نادت به الرباعية الدولية من بعد إلى تحقيق وعد الدولة الفلسطينية المستقلة، حتى ضمن المواصفات المختزلة التي عُرِضت في المفاوضات. وبعد نهاية عهد دونالد ترامب Donald Trump الذي سعى إلى فرض ما عُرف بـ”صفقة القرن”؛ لم تُبْدِ إدارة جو بايدن Joe Biden اهتماماً ملحوظاً بإطلاق مشروع جديد للتسوية السياسية، بينما تتمسّك حكومة نفتالي بينيت Naftali Bennett الإسرائيلية، مثل سابقتها، برفض إجراء مباحثات سياسية مع السلطة الفلسطينية. ولم تُظهِر الأطراف الأوروبية في السنوات الماضية استعداداً لإطلاق مشروعات أو مبادرات سياسية جادّة بشأن قضية فلسطين، لكنها استمرّت في التمسّك بخطوط الرباعية وإطلاق مواقف اعتيادية في هذا الشأن وتقديم إسهامات مالية للسلطة الفلسطينية.
من شأن التنافس الدولي المستجدّ في عالم متعدِّد الأقطاب أن يتيح فرصاً أفضل نسبياً للقضية الفلسطينية على المدى البعيد، على الرغم من عدم اتضاح ما ستتمخّض عنه الأزمة الدولية الحالية، وما ستُفضي إليه مجرياتها الدقيقة على مستوى موازين القوى. ومن شأن التهاب صراع النفوذ بين الأقطاب الدولية في المنطقة، إن تحقّق في حالة احتمال روسيا هجمة العقوبات والعزل المسلّطة عليها، أن يتيح فرصاً لإعادة التموضع بالنسبة للأطراف الإقليمية، وأن يفتح أفقاً محتملاً لخروج القضية الفلسطينية من حالة الانسداد السياسي المزمن الذي شهدته في ظلّ هيمنة الولايات المتحدة على ما سمي “عملية سلام الشرق الأوسط”، وما تمخّض عنها من اتفاقات وأنظمة. لكنّ ذلك لن يتّضح في الأمد القريب، فهو متعلِّق أساساً بما ستؤول إليه الأزمة الدولية الحالية المرشّحة لمزيد من المفاجآت، ومدى تأثيرها على موازين القوى الدولية والإقليمية.
قد يبدو للوهلة الأولى أنّ الأزمة الأوكرانية لن تعود بتأثيرات ملموسة على القضية الفلسطينية، وأنها ستصرف الاهتمام الدولي بعيداً عن فلسطين وعدد آخر من القضايا؛ لكنّ توفّر إرادة سياسية فلسطينية مصحوبة بهبّة شعبية أو انتفاضة، وجاهزية تَدَخُّل لدى المقاومة الفلسطينية كفيل بأن يُعيد فرض القضية الفلسطينية على المستوى الدولي، وتوظيف حرص واشنطن وحلفائها على التهدئة في هذه المرحلة الحسّاسة لأجل انتزاع مكتسبات معيّنة لصالح الشعب الفلسطيني وقضيّته، على الرغم من ضعف البيئة الإقليمية الرسمية الحاضنة لهذا التصعيد الفلسطيني المحتمل.
تتعزّز حاجة الساحة الفلسطينية إلى التحرّك السياسي والميداني بعد الإخفاق المزمن لوعد قيام دولة فلسطينية عبر المفاوضات، وإحجام حكومات الاحتلال المتعاقبة عن إبداء الجاهزية لأي حلّ سياسي جادّ للقضية، وتعاظُم هجمة الاستيطان في القدس والضفة الغربية.
توصيات ومقترحات:
1. تواجه القضية الفلسطينية تحدياً جادّاً في كسب الاهتمام العالمي المنشغل بالأزمة الأوكرانية والصراع المستجدّ بين الأقطاب. لكنّ المتغيِّر الدولي يُمثِّل فرصة سانحة لمحاولة إعادة التموضع، ومن مصلحة الساحة الفلسطينية أن تستثمر الظرف الدقيق الذي يشهده الوضع الدولي في ممارسة الضغط وتصعيد تحرّكاتها الرامية للتخلّص من الاحتلال، خصوصاً مع توفُّر محفِّزات متزايدة للغضب الشعبي الفلسطيني في مواجهة انتهاكات الاحتلال.
2. على القوى الفلسطينية أن تسارع إلى اغتنام اللحظة في صياغة خطوط عريضة على الأقل لبرنامج وطني فلسطيني للتحرّر من الاحتلال، والسعي إلى فرض مطالب الشعب العادلة وتغيير بعض قواعد اللعبة المفروضة على الواقع الفلسطيني، مع تفويت الفرصة على إمكانية إفراغ هذا التوجّه من محتواه عبر مسارات تفاوضية مجرّبة سلفاً وأثبتت التجربة فشلها.
3. تشجيع إرهاصات هبّة شعبية فلسطينية جديدة وتعزيزها بخطاب واضح ومطالب محددة دفعاً في اتجاه إنهاء الاحتلال، واستثمار الأزمة الروسية الأوكرانية في تأزيم موقف الاحتلال على المستوى الدولي.
4. تفرض المستجدات الدولية صياغة خطاب فلسطيني جديد، على هذا الأساس، مصحوب بأداء فاعل يحدِّد مطالبه بصفة ضاغطة على المجتمع الدولي، ويحشد الشعب الفلسطيني وقوى أمّته وجماهير العالم معه، علاوة على محاولة استثمار المواقف الإقليمية والدولية في هذا الاتجاه. وتفرض الأزمة الأوكرانية عناية خاصة من جانب الأطراف الفلسطينية، على صعيد المواقف ولغة الخطاب، ويشمل ذلك:
أ. إعادة تقديم قضية فلسطين بصفتها الطبيعية القائمة على الاحتلال غير المشروع وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه ودياره، والدفع باتجاه التخلّص من خطاب المواءمات مع أولويات الاحتلال الذي برز في مرحلة أوسلو.
ب. استثمار الخطاب الصاعد على المستوى الغربي الذي يصرِّح بدعم المقاومة المسلّحة لقوات الغزو والاحتلال، بالنظر إلى الحالة الأوكرانية، في تأكيد مشروعية مقاومة فلسطين وكفاح شعبها العادل.
ج. الاستفادة من سياسات العقوبات ونزع الاستثمارات التي تقودها الولايات المتحدة وحلفائها ضدّ روسيا في مواجهة السياسات والجهود الدعائية المناهضة لمقاطعة الاحتلال الإسرائيلي، ونزع الاستثمارات منه وفرض العقوبات عليه.
د. تحاشي الظهور في موقف مؤيِّد للغزو الروسي والاحتلال الذي قد يترتب عليه في أوكرانيا، بالنظر إلى الأبعاد المبدئية في هذا الشأن، وتناقض موقف مفترض كهذا مع المطالبة بزوال الاحتلال في فلسطين.
للاطلاع على تقدير الموقف بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي: >> تقدير موقف: تأثيرات الأزمة الأوكرانية على القضية الفلسطينية وخيارات التصرف المتاحة … أ. حسام شاكر (12 صفحة، 1.6 MB) |
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 10/3/2022
لا تناقض في هذا الموقف المفترض، بل التناقض في عكسه: الاستعانة بالاحتلال الاستعماري (الصهاينة وأمريكا وكندا وأستراليا) للتخلص من الاحتلال التوسعي، كما فعلت الكويت والسعودية وكما تصنع أكرانيا. التناقض القديم الجديد فلسطينيا هو استعانة الفلسطيني بأنظمة تتعاون مع الصهاينة أو راعيه الأساسي (النظام البريطاني سابقا والنظام الأمريكي حاليا)، فهذه أسوأ وصفة لتحرير فلسطين وأفضل وصفة للتنازل المتتابع عن فلسطين. المصالح يمكنها تبرير الاستعانة باحتلال توسعي أو استبداد محلي ضد احتلال استعماري، لكن العكس هو أمر يخالف المنطق والمصلحة فضلا عن المبادئ.
وبما أن الصهاينة وحلفاءها في تركيا والخليج خاصة يعتمدون اعتمادا كبيرا على النظام الأمريكي في بقائهم، فالمقترح هو العمل على زيادة الخلافات بينهم بكشف تعاملاتهم مع النظام الروسي لإضعاف قدرتهم على اللعب على الحبلين، ولزيادة الضغط الشعبي على النظام الأمريكي وشركائه للتخلي عنهم، خاصة أن النظام الروسي يتحايل على العقوبات المفروضة عليه عن طريقهم، وأن النظام الأكراني لم يمنعه إعجابه بالصهاينة أن يتذمر من علاقاتهم مع قادة الروس وشركاتهم وأثريائهم، وأن الصهاينة متمسكون بعلاقاتهم بالنظام الروسي لتسهيل اختراقهم للأجواء السورية واللبنانية وعملهم ضد النظامين السوري والإيراني.