إعداد: أ. عاطف الجولاني.[1]
(خاص بمركز الزيتونة).
مقدمة:
بعد غياب دام نحو عامين لجهود تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني، تحركّت الجزائر خلال الأشهر الماضية لاستئناف المسار المتوقّف، وتمكّنت في نهاية المطاف من الوصول إلى اتفاق جديد وقَّعت عليه الفصائل الفلسطينية في 13/10/2022 عُرف بـ”إعلان الجزائر”.
فما هي فرص الاتفاق الجديد في إنجاز مصالحة فلسطينية جديّة تفتح المجال أمام تحقيق التوافق الوطني، وإعادة بناء مؤسسات القرار على أسس ديموقراطية، وإجراء الانتخابات التي تمّ تأجيلها قبل عامين إلى أجل غير محدد؟ وهل ينجح “إعلان الجزائر” في تحقيق ما فشلت فيه الحوارات والاتفاقات السابقة، أم يواجه النتيجة والمصير ذاته؟
للاطلاع على ورقة السياسات بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي: >> ورقة سياسات: فرص ”إعلان الجزائر“ في إنجاز المصالحة الفلسطينية … أ. عاطف الجولاني (22 صفحة، 1.5 MB) |
أولاً: خلفيات المصالحة ومسارها الزمني:
يعرض الجدول التالي المسار الزمني لجهود تحقيق الوحدة الوطنية وإنجاز المصالحة، بدءاً من سنة 2005 الذي شهد أول محاولة لبناء التوافق الوطني، وصولاً إلى “إعلان الجزائر” في تشرين الأول/ أكتوبر 2022.
المسار الزمني لجهود تحقيق الوحدة الوطنية وإنجاز المصالحة 2005 – تشرين الأول/ أكتوبر 2022
ت | التاريخ | المحاولة | سبب الفشل |
قبل الانقسام | |||
1 | 19/3/2005 | إعلان القاهرة | لم يتم تنفيذ بنوده بخصوص إعادة بناء منظمة التحرير |
2 | أيار/ مايو 2006 | وثيقة الأسرى | اشتراط عباس اعتراف حماس صراحة بـ”إسرائيل” |
3 | 11/9/2006 | اتفاق مبدئي بين محمود عباس وإسماعيل هنية على تشكيل حكومة وحدة وطنية | اشتراط عباس اعتراف حماس بقرارات الرباعية الدولية |
4 | 8/2/2007 | اتفاق مكة | الاشتباكات التي أفضت للانقسام في حزيران/ يونيو 2007 |
بعد الانقسام | |||
5 | 23/3/2008 | إعلان صنعاء | الخلاف بين حماس وفتح على تفسير بنود الاتفاق |
6 | شباط/ فبراير 2009 | محادثات في القاهرة وورقة مصرية للمصالحة | اشتراط عباس التزام حكومة الوحدة بقرارات الشرعية الدولية |
7 | 2010 | سلسلة لقاءات في القاهرة ودمشق | لم تُسفر عن اتفاقات محددة |
8 | 4/5/2011 | اتفاقية الوفاق الوطني في القاهرة | اشتراط موافقة حماس على شروط الرباعية الدولية، والخلاف على اختيار رئيس حكومة الوحدة |
9 | شباط/ فبراير 2012 | اتفاقية الدوحة | عدم تنفيذ بنود الاتفاق وتبادل الاتهامات على خلفية الاعتقالات المتبادلة |
10 | أيار/ مايو 2012 | اتفاق القاهرة | لم يتم الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاق |
11 | كانون الثاني/ يناير 2013 | محادثات بين فتح وحماس برعاية مصرية | لم يتم التوصل إلى نتائج عملية |
12 | 23/4/2014 | اتفاق الشاطئ/ قطاع غزة | تبادل الاتهامات بعدم تنفيذ بنود الاتفاق |
13 | 25/9/2014 | اتفاق في القاهرة على مهمات حكومة الوحدة | الخلاف على تنفيذ بنود الاتفاق |
14 | كانون الأول/ ديسمبر 2015 | محادثات في الدوحة استمرت ثلاثة شهور | انزعاج مصري، والخلاف على دفع رواتب الموظفين في قطاع غزة، وتصريحات قاسية للرجوب ضدّ حماس |
15 | 2017 | اتفاق القاهرة | رفض قيادة السلطة دفع رواتب موظفي قطاع غزة |
16 | 11/2/2019 | حوار الفصائل في موسكو | عدم التوصل إلى اتفاق، وتعذّر صدور بيان ختامي |
16 | 22/9/2020 | اتفاق اسطنبول | تأجيل السلطة للانتخابات بحجة عدم سماح الجانب الإسرائيلي بإجراءها في القدس |
17 | 13/10/2022 | إعلان الجزائر | لم تتضح نتيجته بعد، واضطرت الجزائر لإلغاء البند المتعلق بحكومة الوحدة الوطنية نتيجة اشتراط قيادة فتح والسلطة ربط تشكيلها بالاعتراف بقرارات الشرعية الدولية |
التقييم والاستنتاجات:
من خلال رصد المسار الطويل لجهود إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، وقبلها جهود توحيد الصف الفلسطيني وإنجاز التوافق الوطني وإعادة بناء المؤسسات على أسس ديموقراطية، يمكن الخروج بمجموعة استنتاجات مهمة ومفيدة في التنبؤ بمستقبل هذا المسار وفي توقّع فرص نجاح “إعلان الجزائر” بتحقيق ما فشلت في إنجازه الجهود والمحاولات السابقة، ومن أبرز هذه الاستنتاجات:
1. باستثناء اتفاق القاهرة لسنة 2005 الذي مهَّد الطريق لإجراء الانتخابات التشريعية في شهر شباط/ فبراير 2006، فإن الجهود والمحاولات التي تواصلت على مدار 16 عاماً لإنجاز المصالحة وبناء التوافق الوطني لم تكلّل بالنجاح.
ويُلاحظ أنه باستثناء السنوات 2016 و2018 و2021، فإن بقية السنوات الـ 14 شهدت جولة واحدة على الأقل من جولات الحوار الوطني، فيما شهدت السنوات 2006 و2012 و2014 أكثر من جولة. ووصل عدد الاتفاقات التي وقّعت عليها الفصائل الفلسطينية، وفيها “إعلان الجزائر”، إلى نحو 14 اتفاقاً وإعلاناً لم يجرِ تنفيذها عملياً.
2. على الرغم من حصول كثير من المتغيّرات والتحولات المهمة على الصُّعد المختلفة؛ فلسطينياً وعربياً وإقليمياً ودولياً، إلا أن نتيجة مختلف الجهود والمحاولات كانت سلبية ولم تفلح في تحقيق إنجاز حقيقي على صعيد تعزيز الوحدة الوطنية وتجاوز تداعيات الانقسام الفلسطيني، وهو ما يقود إلى استنتاجين مهمين:
الأول: أن التحديات والمعوّقات والعوامل الذاتية الفلسطينية كانت مؤثرة للغاية، وربما كانت الأهم، في تعطيل مسار المصالحة، دون التقليل من أهمية المعوقّات الخارجية.
الثاني: استقرار المواقف السلبية للعديد من الأطراف العربية والإقليمية والدولية المؤثرة في مسار المصالحة الفلسطينية، وعدم تغيّر موقفها على الرغم من المتغيرات والتحولات التي جرت على مدار نحو 16 عاماً منذ 2006. حيث حافظ الموقف الإسرائيلي وموقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة والموقف الأوروبي وموقف بعض الدول العربية على التوجه السلبي ذاته من تحقيق المصالحة الفلسطينية.
3. أثَّر الموقف السلبي للعديد من الأطراف العربية والدولية من حركات “الإسلام السياسي” بصورة سلبية على فرص إنجاز المصالحة وتحقيق التوافق الفلسطيني. حيث أظهرت تلك الأطراف عدم الرغبة بتعزيز حضور حماس والجهاد في المعادلة السياسية الفلسطينية، وقاطعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الحكومة التي شكّلتها حركة حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية سنة 2006، وفرضت عليها حصاراً سياسياً ومالياً خانقاً، واتخذت موقفاً غير مشجّع على تحقيق المصالحة واستيعاب حماس كقوة رئيسية في النظام السياسي الفلسطيني.
4. من الخطأ تحميل الانقسام الفلسطيني سنة 2007 مسؤولية الفشل في تحقيق الوحدة الوطنية وإعادة بناء منظمة التحرير وتفعيل مؤسساتها. فقد فشلت أربع محاولات بُذلت لتحقيق ذلك قبل الانقسام، ومن أبرزها: إعلان القاهرة في 19/3/2005، ووثيقة الوفاق الوطني لسنة 2006 التي عُرفت قبل ذلك بوثيقة الأسرى، واتفاق محمود عباس وإسماعيل هنية على تشكيل حكومة وحدة وطنية في 11/9/2006، واتفاق مكة الموقّع في 8/2/2007 والذي لم يصمد سوى بضعة أشهر.
5. حرصت قيادة فتح والسلطة منذ وقت مبكر على توظيف التباين بين برنامجَي التسوية والمقاومة لخدمة توجهاتها في تعطيل جهود المصالحة وبناء التوافق الوطني. حيث اشترطت قيادة السلطة موافقة حماس على شروط اللجنة الرباعية الدولية في سنة 2006، وهو ما أفشل اتفاق عباس وهنية على تشكيل الحكومة الوطنية. وتكرر الأمر في سنة 2009 وسنة 2011 وصولاً إلى “إعلان الجزائر” الأخير سنة 2022، حيث أصرّ وفد حركة فتح على أن يتضمن الإعلان بنداً يربط بين تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والاعتراف بقرارات الشرعية الدولية، وهو ما كاد يعطّل توقيع الاتفاق ويفشل الجهود الجزائرية، الأمر الذي اضطر الجانب الجزائري لشطب كامل البند المتعلق بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، من أجل تذليل العقبات أمام توقيع الاتفاق.
ثانياً: مواقف الأطراف المؤثرة في مسار المصالحة والتوافق الوطني:
لم تطرأ خلال السنوات الماضية تغيرّات جوهرية على مواقف الأطراف الفلسطينية المعنية بملف المصالحة، وكذلك على توجهات الأطراف العربية والإقليمية والدولية المؤثرة في هذا الملف. وفيما يلي عرض لتلك المواقف:
1. قيادة فتح والسلطة الفلسطينية:
أظهرت مواقف قيادة فتح والسلطة خلال الفترة الماضية عدم توفر الجديّة لديها للوصول إلى اتفاقات ملزمة، نتيجة الاستحقاقات المترتبة عليها. وبرزت رغبتها بمواصلة الاستحواذ على مختلف مؤسسات القرار الفلسطيني، وبقطع الطريق على دخول أي منافس قوي إلى منظمة التحرير التي تحكم السيطرة عليها من فترة تزيد على النصف قرن.
كما أبرز سلوك قيادة فتح خشيتها من تكرار نتائج الانتخابات التشريعية سنة 2006 التي أسفرت عن فوز كبير لحركة حماس. ومع تفاقم الخلافات والانقسامات داخل صفوف الحركة سنة 2021 على خلفية تشكيل القوائم الانتخابية، توفّرت لديها أسباب إضافية للتهرب من الاستحقاقات الانتخابية، ولا سيّما في ظلّ النتائج غير المشجعة للانتخابات البلدية والنقابية والطلابية التي أجريت خلال الفترة الأخيرة.
2. حماس وفصائل المقاومة:
يظهر سلوك حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وعدد آخر من الفصائل الفلسطينية، توفّر الرغبة لديها لإنهاء الانقسام وإعادة بناء منظمة التحرير وتفعيل مؤسساتها، حيث ترى في ذلك مدخلاً مهماً لتعزيز الموقف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، ولاستعادة المسار الديموقراطي وإنهاء تفرّد فصيل واحد بالقرار الفلسطيني وبإدارة المؤسسات الوطنية.
ويُلاحظ أن تلك الفصائل قبلت في معظم الأحيان بتقديم التنازلات المطلوبة من أجل تذليل العقبات التي تعترض طريق إنهاء الانقسام وتحقيق التوافق الوطني، لكنها احتفظت طيلة الفترة الماضية بموقفها الرافض لاتفاقية أوسلو وللتنسيق الأمني مع الاحتلال، كما رفضت الالتزام بشروط اللجنة الرباعية الدولية. وعلى الرغم من وصول تلك الأطراف لقناعة قوية بعدم رغبة قيادة فتح والسلطة بتحقيق المصالحة، فإنها تبدي التجاوب باستمرار مع أيّ جهود عربية أو إقليمية أو دولية.
3. مصر:
أبدى الجانب المصري طوال السنوات الماضية حرصاً شديداً على التفرّد بإدارة الشأن الفلسطيني واحتكار ملف المصالحة الفلسطينية، وسعى لإغلاق الأبواب على أيّ أدوار عربية أو إقليمية أو دولية منافسة. وعلى الرغم من دخول قطر، وروسيا، وتركيا على ملف المصالحة، إلا أن الموقف المصري السلبي تجاه تلك الجهود أسهم في إضعاف قدرتها على الاستمرار وتحقيق نجاحات مهمة. كما عبّر الموقف المصري عن عدم الارتياح للجهود الجزائرية الأخيرة التي أسفرت عن توقيع “إعلان الجزائر”.
وقد افتقد الموقف المصري، في معظم الأحيان إلى التوازن والحياد في إدارة جهود المصالحة بتأثير الانزعاج من سيطرة حركة حماس على قطاع غزة والتحسّس من توجهاتها السياسية والأيديولوجية.
4. بقية الأطراف العربية:
باستثناء الجهود القطرية في 2012 و2015/2016 وإعلان الجزائر في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، تجنّبت الدول العربية القيام بأيّ جهود لتحقيق المصالحة الفلسطينية، تجنّباً لردود فعل مصرية غاضبة، وانشغالاً بأولويات أخرى. وفي ظلّ الانقسامات العربية، وتراجع أولوية القضية الفلسطينية عربياً كقضية مركزية، لوحظ غياب واضح لجامعة الدول العربية عن القيام بأي دور لإنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة الوطنية.
5. الكيان الصهيوني:
اتخذ الكيان الصهيوني طيلة العقود السابقة موقفاً متشدداً من إدماج حركتا حماس والجهاد الإسلامي في المؤسسات الفلسطينية، وسعى لإفشال مختلف جهود تحقيق التوافق الوطني الفلسطيني وإنهاء الانقسام الذي يرى فيه مصلحة إسرائيلية أكيدة؛ حيث إنه يضعف الأطراف الفلسطينية ويستنزفها في إدارة صراعاتها الداخلية ويشغلها عن مواجهة إجراءات الاحتلال، وفي الوقت ذاته يُخضع السلطة الفلسطينية لشروطه السياسية ومتطلباته الأمنية.
وقد عارض الاحتلال الإسرائيلي بقوة مختلف الاتفاقات التي أُبرمت بين حركتَي فتح وحماس خلال السنوات الماضية، وفرض في بعض المرات عقوبات اقتصادية على السلطة الفلسطينية. فبعد توقيع اتفاق القاهرة في 2011 وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu الاتفاق بأنه يغلق الباب أمام عملية “السلام”، وقال إن على محمود عباس الاختيار بين المصالحة مع حماس وبين “السلام”.
6. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي:
اتخذ الاتحاد الأوروبي والإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ سنة 2007 موقفاً سلبياً من جهود المصالحة الفلسطينية، ومن استيعاب حركة حماس في مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، ولا سيّما بعد التجربة التي اعتُبرت فاشلة في ترويض حماس واحتوائها في المعادلة السياسية عبر انتخابات المجلس التشريعي سنة 2006، حيث لم يُسهم وجود الحركة في المؤسستين التشريعية والتنفيذية في تغيير مواقفها الرافضة لقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالاعتراف بـ”إسرائيل” والالتزام باتفاقية أوسلو.
ثالثاً: سنياريوهات مستقبل المصالحة بعد “إعلان الجزائر“:
شكَّلت الجهود الجزائرية لإنجاز المصالحة الفلسطينية والنجاح في الوصول إلى “إعلان الجزائر”، خطوة مهمة ومحطة بارزة في مسار المصالحة الفلسطينية لاعتبارات عديدة من أهمها:
1. الوزن السياسي والاقتصادي المهم للجزائر كدولة راعية لـ”إعلان الجزائر”، ورغبة الأطراف الفلسطينية المختلفة بتعزيز العلاقة معها.
2. الموقف الجزائري المتقدم تجاه القضية الفلسطينية والرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وانفتاح القيادة الجزائرية على العلاقة مع مختلف الأطراف الفلسطينية.
3. تعامل الجزائر مع المصالحة كملف سياسي لا كملف أمني، حيث رعى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون “إعلان الجزائر” والتقى الأطراف المشاركة في الحوار. فيما ظلَّت جهود المصالحة طيلة فترة إدارتها مصرياً، ملفاً أمنياً.
4. توجّه الجزائر لتوفير مظلة ودعم عربي لـ”إعلان الجزائر” خلال القمة العربية التي انعقدت في الجزائر.
5. تعثر الجهود المصرية في تحقيق المصالحة طيلة السنوات السابقة، وأهمية البحث عن خيارات موازية لا تتعارض بالضرورة مع الدور المصري.
السيناريوهات المحتملة:
في ضوء المعوقات التي واجهت جهود المصالحة الفلسطينية عبر مسارها الطويل، تبرز ثلاثة سيناريوهات محتملة لـمستقبل المصالحة في ضوء “إعلان الجزائر” وهي:
1. فشل الجهود الجزائرية في إنجاز المصالحة، والوصول إلى طريق مسدود.
2. إنجاز المصالحة وفق السقوف الزمنية التي حددها “إعلان الجزائر”.
3. الدخول في مسار طويل غير منتج من جولات الحوار.
المحددات والعوامل المؤثرة:
من خلال استعراض مسار المصالحة الفلسطينية طوال السنوات الماضية، والوقوف على مواقف وتوجهات الأطراف المؤثرة فلسطينياً وعربياً ودولياً، ورصد المتغيرات السياسية الراهنة، تبرز مجموعة من المحددات التي يُتوقّع أن تلعب دوراً مهماً في ترجيح فرص السيناريوهات الثلاثة المتوقعة لمستقبل “إعلان الجزائر”، ومن أهمها:
1. على المستوى الفلسطيني:
• تباين البرامج السياسية بين مشروع المقاومة والتحرير ومشروع أوسلو والتسوية السياسية، واشتراط قيادة فتح والسلطة قبول فصائل المقاومة بقرارات الشرعية الدولية قبل الموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية.
ومن المرجّح أن يستمر التأثير السلبي لهذا المحدد على فرص إنجاز المصالحة خلال الفترة القادمة، في ظلّ تمسّك قيادة السلطة بموقفها، واعتبار حركات المقاومة لهذا المطلب شرطاً تعجيزياً يهدف إلى إفشال المصالحة والتهرب من استحقاقاتها.
• التنافس الحادّ بين حركتي فتح وحماس على قيادة المشروع الوطني، وخشية فتح من إجراء الانتخابات التشريعية في ظلّ انقساماتها وتراجع شعبيتها في الشارع الفلسطيني وفي الانتخابات البلدية والنقابية والطلابية.
ومع تقدّم حماس وفصائل المقاومة في الانتخابات الأخيرة، ورغبة فتح بمواصلة الهيمنة على مؤسسات السلطة والمنظمة واحتكار القرار السياسي، يُرجّح أن يؤثر هذا المحدد سلباً على فرص نجاح “إعلان الجزائر” في إنجاز المصالحة خلال الفترة القادمة.
• خيارات الأطراف الفلسطينية ومدى جديتها في تحقيق المصالحة وبناء التوافق الوطني. فإذا كان تعامل حركات المقاومة الفلسطينية مع ملف المصالحة عبّر في معظم الأحيان عن مرونة في الموقف ورغبة بإنهاء الانقسام والمشاركة في مؤسسات العمل الوطني، فإن سلوك قيادة فتح والسلطة مع الملف أظهر أنها تتعامل بصورة تكتيكية وتتأثر بالضغوط والمتغيرات الإقليمية والدولية.
فخلال فترة حكم بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب Donald Trump وطرح مشروع “صفقة القرن”، اتخذت قيادة السلطة خطوات إيجابية وانفتحت على حركات المقاومة وعلى الجهود التركية لتحقيق المصالحة، وهو ما أتاح توقيع اتفاق اسطنبول سنة 2020، الذي تمّ خلاله تحديد مواعيد لإجراء الانتخابات بمستوياتها الثلاثة؛ التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني.
لكن الأمر تغيّر بصورة كاملة عقب فوز جو بايدن Joe Biden بانتخابات الرئاسة الأمريكية وخسارة نتنياهو للانتخابات، حيث تراجع محمود عباس عن إجراء الانتخابات التشريعية قبل وقت قصير من موعدها المقرر، وقام بتأجيلها إلى وقت غير محدد بمبرر الرفض الإسرائيلي لإجرائها في مدينة القدس. وتبع ذلك عقد جلسة للمجلس المركزي الفلسطيني في غياب القوى المعارضة لسياسات قيادة السلطة، وأعلنت فيها قرارات متشددة تغلق الأبواب على إنجاز أي مصالحة، حيث اشترط المجلس الالتزام بقرارات الشرعية الدولية من أجل المشاركة في مؤسسات منظمة التحرير.
2. على المستوى العربي والإقليمي والدولي:
• مدى جدية الجزائر في مواصلة جهودها لإنجاز المصالحة عقب انتهاء القمة. وتدرك الجزائر أهمية الشأن الفسطيني وملف المصالحة في تعزيز حضورها وتأثيرها عربياً وإقليمياً، حيث سعت العديد من الأطراف العربية والإقليمية والدولية طوال العقود السابقة لاستثمار دورها وتأثيرها في الملف الفلسطيني من أجل تعزيز حضورها كفاعل إقليمي في شؤون المنطقة.
وفي ضوء ما حققته الجزائر من نتائج إيجابية برعايتها لإعلان الجزائر، يُرجّح أن تواصل جهودها لمتابعة ملف المصالحة الفلسطينية، وأن تحرص على تحقيق إنجاز مهم على هذا الصعيد.
• تمسّك القيادة المصرية باحتكار إدارة الشأن الفلسطيني، وخصوصاً ما يتعلق بملفَي المصالحة والتهدئة مع الاحتلال. ومع أن الجزائر امتلكت الجرأة للدخول على خط المصالحة الفلسطينية واستطاعت إنجاز اتفاق بين الفصائل الفلسطينية، فإن من المرجّح أن يشكّل التحفظ المصري تحدّياً مهماً لقدرة الجزائر على مواصلة جهودها في متابعة تنفيذ “إعلان الجزائر”.
ويُلمح البند الوارد في البيان الختامي لقمة الجزائر بخصوص المصالحة الفلسطينية، إلى محاولات يُرجَّح أن تكون بُذلت للوصول إلى صيغة توافقية تراعي التحفظّات المصرية. ففي إشارة مباشرة لكن غير صريحة، أشاد البيان “بالجهود العربية المبذولة في سبيل توحيد الصف الفلسطيني والترحيب بتوقيع الأشقاء الفلسطينيين على “إعلان الجزائر””. وفي السياق ذاته، أكد البيان على “ضرورة توحيد جهود الدول العربية للتسريع في تحقيق هذا الهدف النبيل”. الأمر الذي يشير إلى وجود احتمالات للتفاهم على إدارة مشتركة، مصرية جزائرية، لملف المصالحة، مع عدم استبعاد ممارسة الجانب المصري لنفوذه وتأثيره على بعض الأطراف الفلسطينية من أجل تعطيل الجهود الجزائرية وإفشالها.
• تهميش دور جامعة الدول العربية وغيابها عن القيام بجهود فاعلة ومؤثرة لتحقيق المصالحة الفلسطينية نتيجة ضعف فاعليتها وتراجع دورها في معالجة الأزمات العربية.
وعلى الرغم من أن تجربة السنوات الفائتة لا توفّر مبرراً للتفاؤل بإمكانية تفعيل دور الجامعة في دعم جهود المصالحة خلال الفترة القادمة، فإنه من غير المستبعد أن يطرأ تطوّر نسبي على دورها في متابعة ملف المصالحة الفلسطينية في ظلّ رئاسة الجزائر لمجلس الجامعة خلال الشهور القادمة.
• العامل الأيديولوجي والموقف السلبي للأطراف العربية والدولية المؤثرة في المشهد الفلسطيني من حركتَي حماس والجهاد الإسلامي كجزء من تيار “الإسلام السياسي”.
ولا يُرجّح أن يطرأ تغيّر جوهري خلال الفترة القادمة على موقف تلك الأطراف من الحركتين، ويتوقع أن تواصل جهودها لدعم السلطة الفلسطينية وتعزيز قوتها في الشارع الفلسطيني.
• الرغبة الإسرائيلية بإدامة حالة الانقسام الفلسطيني، وممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية على السلطة الفلسطينية، لإجهاض أي محاولات لتحقيق المصالحة. ولا تختلف مواقف الحكومات الإسرائيلية إزاء هذا الموقف الذي يشكّل قاسماً مشتركاً في سياساتها وتوجهاتها.
• نتائج الانتخابات الإسرائيلية وفوز المتطرفين في المعسكر اليميني والديني بعدد مريح من المقاعد في الكنيست Knesset الإسرائيلي. ومن غير المستبعد أن تشكّل عودة نتنياهو إلى الحكم بتوجهاته المتشددة في العلاقة مع السلطة، عاملاً ضاغطاً على القيادة الفلسطينية للانفتاح على جهود المصالحة خلال الفترة القادمة، بهدف تعزيز موقفها في مواجهة سياسات اليمين الإسرائيلي المتطرف.
• أجواء المصالحات العربية والإقليمية، وحالة الهدوء النسبي التي تشهدها العديد من الأزمات العربية. فبعد تأزم العلاقات العربية على خلفية الأزمة الخليجية وتوتّر العلاقات بين تركيا وكل من مصر والسعودية والإمارات، طرأ تطوّر إيجابي على هذا الصعيد خلال الأعوام الأخيرة، وهو ما يمكن أن يشكل عاملاً مشجّعاً على المضي في طريق المصالحات لتشمل ملف الانقسام الفلسطيني.
الترجيح بين السيناريوهات:
من خلال قراءة تأثير المحددات السابقة على السيناريوهات المحتملة لمستقبل المصالحة الفلسطينية يتضح ما يلي:
1. تُواجه الجهود الجزائرية لإنجاز المصالحة الفلسطينية تحديات صعبة تُبقي فرص السيناريو الأول بالفشل والوصول إلى طريق مسدود قائمة ولا يمكن استبعادها. فقيادة فتح والسلطة ما تزال غير راغبة بإنجاز المصالحة والتخلي عن مكتسباتها السياسية وهيمنتها على مؤسسات القرار. والجانب الإسرائيلي والإدارة الأمريكية والعديد من الأطراف العربية ما تزال تعارض تعزيز دور حماس وحركات المقاومة في المعادلة السياسية الفلسطينية وترغب بحصر تعاملها مع السلطة الفلسطينية. كما تتحفظ مصر على الدور الجزائري في رعاية جهود المصالحة وتبدي حساسية واضحة، وترغب باستعادة إدارة الملف بصورة حصرية.
2. لا تبدو فرص إنجاز المصالحة وفق السقوف الزمنية التي حددها “إعلان الجزائر” قوية حتى اللحظة ضمن المعطيات الراهنة وفي ظلّ المعوقات الكثيرة التي تواجهها، مع عدم التقليل من أهمية وتأثير الدور الجزائري في حال توفّرت الجديّة والرغبة القوية بمتابعة الجهود لتنفيذ “إعلان الجزائر”. كما أن أجواء المصالحات العربية والإقليمية يمكن أن تساعد في تذليل بعض العقبات.
3. تبدو فرص نجاح السيناريو الثالث (الدخول في مسار طويل غير منتِج من جولات الحوار) معقولة في اللحظة الراهنة. حيث إن المعوقات التي تعترض طريق نجاح المصالحة ما تزال قوية ويصعب تذليلها في المدى المنظور، وفي الوقت ذاته فإن قلق السلطة وتخوفاتها من تداعيات فوز اليمين المتطرّف بالانتخابات الإسرائيلية، قد يدفعها خلال الفترة القادمة لإعادة النظر في إدارة موقفها من جهود المصالحة.
ومن غير المستبعد كذلك أن تسعى الجزائر، المعنية بإنجاح جهودها في رعاية المصالحة الفلسطينية، لاستثمار مشاعر القلق لدى السلطة والعديد من الأطراف العربية من نتائج الانتخابات الإسرائيلية، من أجل توفير مزيد من الزخم للجهود الجزائرية.
رابعاً: خيارات الأطراف الرئيسية:
في ضوء توجهات الأطراف وأولوياتها، وبتأثير المتغيرات الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة وتوقّع هيمنة اليمين المتطرّف على المشهد الإسرائيلي، تبدو خيارات الأطراف الرئيسية ممثلة في قيادة فتح والسلطة، وحركات المقاومة، والجزائر راعية الاتفاق الأخير، خلال المرحلة القادمة على النحو التالي:
1. قيادة فتح والسلطة:
تتلخص الخيارات المتاحة أمام قيادة فتح والسلطة في التعاطي مع ملف المصالحة في المرحلة القادمة فيما يلي:
أ. المحافظة على موقفها المتشدد الحالي من جهود تحقيق المصالحة، ومواصلة وضع العراقيل في طريقها، وفي مقدمتها اشتراط الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية، وذلك من أجل تجنّب نتائج الاستحقاقات الانتخابية، وقطع الطريق على دخول حركتَي حماس والجهاد الإسلامي إلى منظمة التحرير.
ب. التجاوب النسبي مع جهود المصالحة بتأثير التداعيات المتوقّعة لفوز اليمين المتطرف في الانتخابات الإسرائيلية، وما يترتب على ذلك من سياسات متشددة تجاه السلطة. وإبداء مرونة تكتيكية في إدارة الموقف من جهود المصالحة الجزائرية، والدخول في مسار طويل من الحوارات والمفاوضات يتيح لها تعزيز موقفها الداخلي في مواجهة الضغوط الإسرائيلية المرتقبة؛ ودون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلى انتخابات وإلى إتمام المصالحة.
ج. التعاطي بإيجابية مع جهود المصالحة، وتذليل العقبات أمام نجاحها، والتخلي عن أيّ شروط متشددة تعيق فرص إنجازها، وبما يتيح تجاوز حالة الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية وتعزيز الموقف الفلسطيني في إدارة المواجهة مع الاحتلال خلال الفترة القادمة.
ويبدو الخيار الثاني هو المرجّح في ضوء قراءة سلوك السلطة خلال السنوات الماضية، وفي ظلّ توجهات قيادتها الحالية. فخيار المرونة التكتيكية يتيح للسلطة تعزيز موقفها في مواجهة التحديات الناجمة عن فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الإسرائيلية، وفي الوقت ذاته يعفيها من استحقاقات غير مرغوبة على صعيد الانتخابات وإعادة بناء المنظمة على أسس ديموقراطية.
2. حركات المقاومة الفلسطينية:
من أبرز الخيارات المتاحة أمام حركات المقاومة الفلسطينية، وبشكل خاص حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، في المرحلة الراهنة:
أ. الانفتاح والتجاوب مع الجهود الجزائرية، والتعاطي بإيجابية مع متطلبات نجاحها في إنجاز المصالحة الفلسطينية.
ب. مواصلة التعاطي الإيجابي مع الجهود الجزائرية لتحقيق المصالحة وتوفير متطلبات نجاحها، لكن دون الرهان على فرص نجاحها، في ظلّ إدراك عدم رغبة قيادة فتح والسلطة وجديتها بإنجاز المصالحة، وفي ضوء التجربة الطويلة من الاتفاقات الفاشلة التي لا يجري تنفيذها. وبموازاة ذلك المضي في جهود بناء الجبهة الوطنية الموحدة التي تضم حركات المقاومة المتمسكة بالثوابت الوطنية، كمسار لا يتعارض مع مسار المصالحة، بل ربما يسهم في توفير الشروط التي تساعد على نجاحها.
ج. إدارة الظهر لجهود المصالحة نتيجة إدراك عبثية هذا المسار، وعدم إمكانية إنجاز المصالحة في ظلّ المواقف المتشددة لقيادة السلطة، وعدم استعدادها لتنفيذ الاتفاقات والتخلي عن استئثارها بالقرار السياسي وبإدارة المؤسسات الفلسطينية.
ومع أن الخيار الثاني يبدو الأكثر واقعية خلال الفترة القادمة، يُرجح أن تتعامل حركات المقاومة بانفتاح وجدية كبيرة مع الجهود الجزائرية، وأن توفّر كل المتطلبات التي تساعد على إنجاحها على الرغم من شكوكها بجدية موقف السلطة، الأمر الذي يُلقي الكرة في ملعب القيادة الجزائرية، فيما إذا كانت قادرة على إقناع قيادة فتح والسلطة بالتعاطي استراتيجياً وليس تكتيكياً مع خيار المصالحة وتوحيد الجبهة الداخلية.
3. الجزائر:
ثمة خيارات عديدة متاحة أمام الجزائر في إدارتها لملف المصالحة الفلسطينية تتمثل في ما يلي:
أ. الاكتفاء بما تم إنجازه في “إعلان الجزائر”، والذي عبّر عن رغبة جزائرية بلمّ الشمل الفلسطيني، ووفّر أجواء إيجابية في قمة لمّ الشمل العربي. وعدم المضي قدماً في متابعة تنفيذ “إعلان الجزائر”، باعتبار أن الهدف الأساسي من الجهود الجزائرية قد تحقق قُبيل القمة وفي أثناء انعقادها، وبحيث يتم تجنّب استنزاف الجهود الفلسطينية في مسار غير منتج وتواجهه عقبات صعبة، وكذلك تجنّب تداعيات التنافس مع مصر على إدارة ملف المصالحة.
ب. التعامل التكتيكي مع ملف المصالحة الفلسطينية، بحيث تواصل الجزائر جهودها في متابعة “إعلان الجزائر” وترعى مزيداً من جولات الحوار بين الفصائل الفلسطينية، بغضِّ النظر عن النتائج المتوقعة لتلك الحوارات، بما يحول دون استنزاف الجهود الجزائرية ويضمن في الوقت ذاته حفاظ الجزائر على فاعلية دورها في الملف الفلسطيني خلال فترة رئاستها للجامعة العربية.
ج. التمسّك بهدف إنجاز المصالحة الفلسطينية، والمضي قُدماً في تنفيذ “إعلان الجزائر”، وبذل جهود جدية ووضع خطة عمل طموحة ومرنة لمتابعة الاتفاق وتنفيذه، مستفيدة من دروس التجارب السابقة لإنجاز المصالحة من أجل تجنّب تكرار الفشل.
وثمة مجموعة من المحددات التي يُتوقع أن تؤثر في خيارات الدولة الجزائرية وتوجهاتها خلال الفترة القادمة تجاه ملف المصالحة الفلسطينية، ومن أهمها:
• الرؤية السياسية للدولة الجزائرية، وأولوياتها للمرحلة القادمة.
• موقف الدولة الجزائرية الثابت والتأييد الشعبي الواسع للقضية الفلسطينية، وانعكاسات الدور الجزائري في ملف المصالحة على حالة التوافق الداخلي في الجزائر.
• إدراك الجزائر للأخطار السياسية والأمنية للاختراقات الإسرائيلية السياسية والأمنية للمنطقة العربية وللمحيط الجزائري.
• المصالح الوطنية العليا للجزائر، وتطلعها لتعزيز حضورها كفاعل إقليمي مؤثر في المنطقة وعدم حصر اهتماماتها في قضايا الجوار وملف الخلاف مع المغرب وقضية الصحراء.
• تقدير الجزائر لمدى إمكانية تحقيق إنجاز فعلي في ملف المصالحة في ظلّ تجربة “إعلان الجزائر” وقراءتها لمواقف الأطراف الفلسطينية، وإدراكها لعدم رغبة قيادة السلطة بدفع استحقاقات المصالحة.
• تأثير إدارة ملف المصالحة على علاقات الجزائر مع مصر المتحسَّسة من الدور الجزائري وغير المرحبة به.
يُلمح السلوك الجزائري في التعامل مع ملف المصالحة الفلسطينية قُبيل القمة، وفي أثناء انعقادها، ورغبتها بتشكيل لجنة متابعة عربية لتنفيذ “إعلان الجزائر”، إلى تبنّي الجزائر للخيار الثالث الذي ينسجم مع رؤية الدولة الجزائرية وأولوياتها المرحلية ومصالحها الوطنية العليا، وموقفها المستقرّ الداعم للقضية الفلسطينية والمدرك لأخطار التطبيع والاختراق الصهيوني للمنطقة العربية.
كما أن هذا الخيار يزيد من دور الجزائر كفاعل إقليمي مؤثر في قضايا المنطقة، ويحقّق لها حضوراً سياسياً أكبر وتموضعاً أفضل في المعادلة الإقليمية. إضافة إلى ذلك، فإن هذا الخيار يُعزّز حالة التوافق الداخلي في الجزائر بين الحكومة والقوى السياسية والحالة الشعبية، حيث تتفق جميع الأطراف على دعم القضية الفلسطينية، وعلى الرغبة بإنهاء الانقسام الفلسطيني ورفض التطبيع.
ويمكن أن تلجأ الجزائر لتبنّي الخيار الثاني وتكتفي ببذل الجهود الممكنة دون استغراق في مسار جدّي لتنفيذ “إعلان الجزائر”، في حال ترجّح لديها عدم قدرتها على تحقيق إنجاز مهم في إنجاز المصالحة، نتيجة تعنت أحد أطراف الانقسام الفلسطيني، أو نتيجة محاولات مصرية لتعطيل مسار الجزائر في إدارة ملف المصالحة.
خامساً: التوصيات:
على الرغم من تضاؤل فرص نجاح المصالحة، وصعوبة الرهان على إنجاز تقدّم مهم خلال الفترة القادمة، وعدم استبعاد الدخول في مسار طويل من الحوارات التي قد لا تكون منتجة، توصي هذه الورقة بما يلي:
1. مواصلة العمل فلسطينياً لتذليل العقبات الذاتية التي تعترض طريق تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام. وفي حال لم تتوفّر القناعة بإمكانية إنجاز ذلك ضمن الظروف والمعطيات الراهنة، فلا ينبغي التقليل من أهمية تنسيق الجهود فلسطينياً خلال المرحلة القادمة لمواجهة التداعيات المتوقّعة لهيمنة اليمين المتطرف على المشهد السياسي في الكيان الصهيوني.
2. التأكيد على أهمية مواصلة الجزائر لدورها وجهودها خلال الفترة القادمة للعمل على تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه في “إعلان الجزائر” على الرغم من الصعوبات والتحديات.
3. مواصلة الجهود لتشكيل الجبهة الفلسطينية الموحدة خلال الفترة القادمة التي تضغط باتجاه إصلاح البيت الفلسطيني، وإيجاد البيئة المناسبة لذلك. فليس ثمة تعارض بين التجاوب مع أي جهود عربية أو إقليمية أو دولية لإنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة الوطنية، وبين بناء اصطفاف وطني يدعم المقاومة ويتمسك بالحقوق والثوابت الوطنية.
[1] إعلامي وكاتب أردني من أصل فلسطيني. رئيس تحرير صحيفة السبيل الأردنية. خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الفلسطينية والأردنية. نُشرت له مئات المقالات والتحليلات السياسية وتقديرات الموقف وأوراق العمل، بالإضافة إلى حضوره النشط في الوسائل المرئية والمسموعة.
للاطلاع على ورقة السياسات بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي: >> ورقة سياسات: فرص ”إعلان الجزائر“ في إنجاز المصالحة الفلسطينية … أ. عاطف الجولاني (22 صفحة، 1.5 MB) |
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 10/11/2022
أضف ردا